فيلم "حقيقة" .. التحقيق التلفزيوني في مواجهة سلطة الفساد

فيلم "حقيقة" .. التحقيق التلفزيوني في مواجهة سلطة الفساد
الأربعاء 27 أبريل 2016 - 12:00

فجأة انتهى فيلم “حقيقة” (صدر في 6-4- 2016) للمخرج جيمس فاندربيلت. مرت ساعتان سريعا بفضل سرد براغماتي دون حشو. ولا لحظة ملل في فيلم فيه حكاية بإيقاع سريع متماسك، بمحتوى يهم الجمهور.. قصة تسبق تفكير المتفرج، لذا يصعب عليه توقع مآلاتها، يضاف إلى ذلك “كاستينغ” قوي لتقديم شخصيتي صحافية شابة متحمسة وشيخ غطى أحداث القرن الماضي..

هناك كيت بلانشيت التي حصلت على أوسكار أحسن ممثلة، عن دورها المعقد على حافة الجنون في فيلم “بلو جاسمين” 2013 لوودي آلان، وروبير ريدفورد الذي لم يفقد شيئا من هالته على أبواب الثمانين؛ ممثلان لهما جاذبية بصرية ويؤديان مشاعرهما بتلقائية، وهناك ثراء في حركاتهما وملامحهما التي تجسد الحالة المزاجية التي يولدها الحدث.

تتعاون الشابة والشيخ (ماري ودان) لكشف الحقيقة للمواطنين مع توالي التسريبات؛ دبلوماسية وعسكرية ومالية.. وحين تكثر التسريبات يشعر الناس بالخزي لأن قادتهم خذلوهم. هنا يأمل الناس أن يقدم الإعلام الحقيقة للمواطن ليسترد كرامته.. يقول المحقق في الفيلم: “إذا توقفت الصحف عن طرح الأسئلة فقد خسر الشعب”.

يعمل الشيخ والشابة -اللذان يفخران بكشف فضيحة سجن أبو غريب في العراق- من خلال تحقيق صحافي ببهارات تحقيق بوليسي للوصول إلى أدلة وشهود الإدانة بعد تسرب وثائق عسكرية. الأدلة عبارة عن وثائق وصور وحوارات وشهادات. وفي ضربة حظ توصل المحققان بهدية عبارة عن وثائق مكتوبة مسربة تثبت اتهامهما، ومع ذلك دققا فيها.

في أسئلة التحقيق يكون الجواب بنعم أو لا.. هذا الوضوح السقراطي في الحوار يرعب المسؤولين الذين تطلب منهم الشهادات، وقد تعودوا الالتفاف على الأسئلة. الوضوح جارح كشفرة حلاقة، بينما الغموض ولغة الخشب مريحة.. يقول محامي لموكلته في الفيلم: “عندما يسألونك عن التوقيت لا تشرحي لهم كيف يصنعوا ساعة”.

يقدم الفيلم السلطة الرابعة في مواجهة سلطة الفساد، في عز تسريبات “أوراق باناما”، وهو ما يوفر للمتفرج فرصة للتفكير في الموضوع.. يقول جون رينوار: “إن المتفرج هو الذي يكمل الفيلم ويعطيه معناه”.

ومما يساعد على الإمساك بالمعنى أن الفيلم متجذر في بيئته الأمريكية، ويلتقط روح العصر، بدليل بصمة حرب فيتنام ونفط تكساس. فيلم يتهم آل بوش بصلة نفطية قديمة قوية بآل ابن لادن، ويتهم بوش الابن بالاستفادة من فساد ضباط الجيش الذين تستروا على مجندين.

عادة يضبط اللصوص الصغار بسرعة متلبسين والمسروق في يدهم، بينما يصعب إثبات جرائم الكبار. وقد تطورت أساليب الاحتيال على العدالة. لم يعد القاضي يحقق، صار الصحافي يقوم بالمهمة..يفترض التحقيق الصحافي أن المتهم مدان إلى أن تثبت براءته. بينما يفترض التحقيق القضائي أن المتهم بريء حتى تتم إدانته…

بعد بث التحقيق جاءت ردود الأفعال مزلزلة. اتضح أنه بسبب الإنترنيت صار التحقيق يجري في أغورا علنية مفتوحة، سبعة أيام على سبعة، وبإمكان أي كان أن يفحص الأدلة لاختبار مصداقية المحققين. هكذا صار المحقق أشبه بزورق صغير في مواجهة أمواج عاتية من الشك والتخوين..لا يمكن إنهاء الجدل إن لم تظهر الحقيقة كاملة..صار المحققان موضوعا للتحقيق؛ هكذا انقلب السيناريو.

كل جالس خلف حاسوبه يفحص الوثائق ويشكك ويشتم، لأن الأمر يتعلق بالجيش، وهو بقرة مقدسة في الدولة القومية مهما كانت التسريبات. وحين يتعلق الأمر بدعم الجيش والرئيس فذلك سلوك وطني؛ والوطنية أهم من الحقيقة. ومن يخجل من الفضائح ويشهر بها يصنف بأنه ليبرالي أو يساري.. واضح أن المكارثية لم تختف تماما في أمريكا.

الفيلم درس تطبيقي لطلبة معاهد الصحافة في الأسلوب والمحتوى..لقد انتقل التحقيق من الصحف إلى التلفزيون والسينما. التحقيق التلفزيوني أقوى من الورقي. يجري صراع مرير حول المحتوى والتوقيت لتحقيق السبق وزيادة المتابعة مع الحفاظ على المصداقية…في هذه الأجواء يجري سباق بين القنوات ورواد الإنترنيت الذين يبحثون ويبثون فورا…سباق الزمن يزيد توتر الأحداث وقلق الشخصيات. في حقل الإعلام بشر على الحافة لأنه يصعب قول الحقيقة والحفاظ على مصدر الرزق.

في هذا السباق هناك فواتير يدفعها الصحافيون، من صحتهم ومن مصداقيتهم؛ وهكذا نرى الأضواء تنطفئ عن المحقق القدوة الذي يفقد نفوذه…كان ذلك نتيجة هدية مسمومة.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

12
  • اكرم
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 12:08

    نعم الفساد في العالم كامل لكن هناك مستشفيات صحة تعليم بنية تحتية ديموقراطية …اما عندنا الفساد يبدأ من بائع الحليب الى راس الهرم…والغريب الفقير يسرق الفقير عكس رجال المافيا يسرقون الأغنياء فقط….

  • عاشق السينما
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 12:21

    شكرا لك هسبريس على خوضك غمار مجال السينما، هذه المرة الثانية بعد : المنبعث لليوناردو ديكابريو.
    هناك أفلام تستحق المشاهدة. يا ليت شعبنا يولي شيئا من الإهتمام لهذا الفن ليرتقي ذوقه قليلا.

  • ع العابد عمان
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 12:47

    ورقة ممتعة وما زال في الفم طعم حلاوة لم تكتمل لحين رؤية الفيلم…الاعمال الامريكية حينما تكون صادقة وبرؤية ابداعية تكون رائعة

  • portarieu
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 13:19

    ا ين نحن من التحقيقات الصحافية في الوطن العربي فالصحفي في المغرب مدان حين يحاول تعرية الواقع الملوث وقد تحاك ضده المؤامرات او يزج به مباشرة في السجن او تلفق له تهمة المؤامرة التي باتت جاهزة ضد كل من حاول بقلمه فضح الرشوة والفساد و تهريب الاموال خارج الو طن و النهب للثروات السمكية و و و القائمة طويلة ان استقامة اح وال الدولة هو بفضح الفساد عن طريق اقلامها الحرة و النزيهة وليس بتدجين بعض الصحفيين بتحويلهم الى ببغاوات تردد العام زين وتعيش على المءدبات و الحفلات

  • aicha
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 13:27

    كيف لسلطة الفساد ان تهدد السلطة الرابعة في رزقها غريب الفساد يصدر دائما من جهات دات نفود وسلطة وجاه مخيفة فعلا لكن لما يلازمها الفساد …..شكرا هسبريس فيلم جدير بالمشاهدة رغم اننا نراه كل يوم الا انه لا مانع ان نراه بصورة فنية

  • سفيان
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 14:45

    نعرف بان بوش تدخل في العراق من اجل البترول ..وكعكة العراق تقاسمتها مجموعة من الدول.. عفوا..لوبيات لا تضهر ثروتها على لانها هي من تملك فربس ولا تسرب وثائقها عبر ويكيليكس لانها هي من تسرب لويكيليكس..لا ننسى تهريب احتياطيات دهب العراق الى لندن…
    نعرف مجلة le monde
    الفرنسية التي لم تكتب يوما عن شيء جيدا وقع في مستعمرات فرنسا السابقة
    حيث ان تكتب على بلد عندمى يقع شيء ما
    فشخصيا اصبحت عندما تكتب هده الجريدة شيئا احس تلقائيا بان المغرب قام بشيء جيد فمثلا البارحة تعبر عن انتقادها للغرب على تاييده للمغرب متحسرة عن فتح المغرب علاقاته مع الصين والخليج و روسيا وافريقيا و كاننا يجب ان نطلب رضا الغرب للقيام بشيء ما…هم لا يريدوننا ان نعمل بل يريدوننا فقط ان نردد اين الثروة؟اين الحرية؟اين الديموقراطية؟فقط لا يريدوننا ان نؤمن بها وعمل من اجلها بل يريدوننا ان نبقا تائهين في اغراءاتهم

  • يوسف ولد مكناس مدينة بلا عساس
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 15:21

    عموما السينما الامريكية هي سينما ماسونية جل مواضيعها السياسية تصف فيها العرب بارهابيين ومتخلفين وهمجيين دون الحديث عن اللقطات الاباحية من الدرجة الرفيعة في الافلام الاخرى

  • تعرية للواقع، ماذا عنا نحن؟
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 16:28

    تعرية للواقع و نقد بما تحمله الكلمة من معنى لاقوى رؤساء العالم.. و طعن غي مصداقيات ساساتهم… ماذا عنا نحن… الدولة تمنع و ترفض و لا تتهاون مع من ينتقد فسادها.. و الشعب ايضا ضد كل من يعطي صورة مبسطة في فيلم او وثائقي عن مدى سلبياتنا و انتشار مظاهر الفساد و التخلف في اوساطنا…

  • A. Adnane
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 18:19

    فيلم "حقيقة" (صدر في 6-4- 2016)…
    سرد براغماتي…
    قصة تسبق تفكير المتفرج…
    يؤديان مشاعرهما بتلقائية…
    بينما الغموض ولغة الخشب مريحة…

    اعتباطية في التركيبات اللغوية لا تخضع لاي منطق, سواء في السياق الضيق للنقد السينمائي, (ان تجاوزنا و سميناه كذلك) او في السياق الاوسع للغة العلمية.
    صدق صاحبك مرميد حين رمى بالتطفل كثيرين ممن يحسبون انفسهم على هذه المهمة النبيلة التي تخاطب الناس بعقل ومسؤولية.
    وانت صادقت على قول من سماك شبه ناقد.

  • Jawhara
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 18:38

    فيلم رائع لقد سبق وشاهدته ،كيت بلانشيت ممثلة تتقن أدوارها بحرفية و روبرت ريدفورد غني عن التعريف وفيلمه : The last Castle لا أجد ما أصِفه به ! أنصحكم بمشاهدة فيلم Spotlight فهو لا يقل عن Truth …للأسف في عالمنا العربي نحن بعيدون كل البعد عما يجسده هذا الفيلم ،أجلا لدى الصحافة حرية ولكنها مقننة فهناك بعض المواضيع أو الشخصيات التي تعتبر خط أحمر لا يمكن تجاوزه و حين يحاول الصحفي النزيه تعرية الواقع يكون السجن مصيره أو تحاك ضده المؤامرات لتلطيخ قلمه .أمريكا دائما و أبدا تحب أن تكون السبّاقة في كل شيء حتى تحس أنها سيدة العالم رغم أننا نعرف أن اليهود هم من وراءها وهم الذين يسيرون العالم فعلا .

  • عبد الجبار
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 20:11

    ‎اتمنى ان لا يكون للموضوع علاقة بالحملة الشرسة التي يتعرض لها بلدنا الحبيب .خصوصا وانه يتبين استهداف استقرار وامن المغرب بدءا بمناورات التفتيت الى تسريب اوراق باناما وحين تبين للاعداء ان الشعب المغربي يحب ملكه ويرتبط به فلن يكل لهم الطرف حتى يسخروا كل الوساىل المتاحة من صحافة واعلام وحتى السينما… لهذا فعلى المغاربة ان يكونوا حذرين ويقضين تجاه هذه المناورات الشبطانية التي تسعى الى اشعال الفتن الداخلية.ولنبقى متراصين ومتحدين في جبهة داخلية تنكسر عندها كل المحاولات الشريرة الياىسة.وعاش المغرب ملكا وشعبا حرا ومستقلا.‏

  • آيات
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 22:11

    بعد التلفاز و المذياع

    حتى الجرائد تقدم لنا الفن …

    الكل يتحدت عن الفنان … المغني السنيما …

    غريبة هذه الظاهرة … لخلق مناصب الشغل

    بواسطة تصويتات المشاهدين …

    بصراحة …

    اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا …

    ونصرنا على القوم الفا …..

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين