"البوليميك" يقزّم حضور الفن والإبداع بمواقع التواصل الاجتماعي

"البوليميك" يقزّم حضور الفن والإبداع بمواقع التواصل الاجتماعي
الخميس 25 غشت 2016 - 10:00

بدا واضحا شكل النقاشات التي أصبحت تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبدأ كقطرة سرعان ما تتحول خلال ساعات قليلة إلى طوفان من التعليقات المتشابكة، كل يدافع عن وجهة نظره بكل ثقة، ما يجعل الحقيقة تضيع بين تدوينات المعلقين المدعين عين الصواب والمنطق في النظر إلى الأشياء.

ولا أحد ينكر فضل مواقع التواصل الاجتماعي على العالم أجمع، وعلى بلدان العالم الثالث خاصة، من خلال فتح منفذ جديد للتعبير عن الآراء بكل حرية، إلا أنها تحولت، في العديد من المرات، من وسيط للانتقال من الواقعي إلى الافتراضي لأجل تغيير الواقع، وخاصة ما يتعلق بالقضايا الكبرى المشتركة كالتعليم والصحة والعيش الكريم، إلى فضاء مثخن بصراعات الواقع، تنتج عنه معسكرات للاصطفاف “الفكري”، إذا ما صحت كلمة الفكر، بالنظر إلى اختلاف المستوى التعليمي والثقافي للمعلقين.

متابعة قصيرة لمواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب تكفي لملاحظة العديد من المواضيع التي شكلت مادة دسمة للتناول “الفيسبوكي” في ظرف وجيز؛ إذ يتم توجيه سهام الانتقادات المتبادلة بشكل سريع مع كل “Buzz”، وبالسرعة بنفسها تقريبا يتم تحويل النقاش إلى وجهة جديدة، سواء سياسية أو أخلاقية أو اجتماعية.

نقاشات “فيسبوك” ورغم أثرها البالغ في العديد من المواضيع التي شغلت الرأي العام الوطني أو الدولي إلى درجة أنها ساهمت في العدول عن العديد من القرارات الرسمية أو تغييرها، تجنبا للضغط الإعلامي الافتراضي مخافة أن ينفلت إلى الواقع ويتحول إلى وقفات احتجاجية، قد تكون بحجم عنف وتشدد التعبير نفسه عن الأفكار ومخالفة الآخر افتراضيا.

إلا أن توالي الأحداث وتسارعها غيّب، عن وعي أو عن غير وعي، حضور الفن والإبداع على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت تشتد فيه سجالات “فيسبوك”، وقليلا ما تنفلت نصوص شعرية أو روائية أو صور جمالية.

عزيز أزغاي، أديب ورسام، أوضح أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار معطى إحصائيا مهما للحديث عن هذا الموضوع، يتمثل في عدد الأشخاص الذين يكتبون، وهم قلة مقارنة بالذين لا يكتبون، بل فقط يعلقون على الأحداث إما بانفعال أو سخرية أو تهور أو بشكل ساذج؛ “فالمثقفون والمبدعون في كل المجتمعات هم نخبة قليلة، لكن هذا لا يمنع من استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الإبداع”.

أستاذ التعليم العالي قال، خلال حديثه لهسبريس، إن الإبداع على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي “أدى، مع الأسف، إلى استسهال العملية الإبداعية. ففي الوقت الذي مضى، كان الكاتب أو الشاعر يمر من سراط طويل ليجد لأسمه مكانا في الساحة الفنية والإعلامية، أما اليوم فأصبح الكل يكتب ويسمي ما يفعله فنا، وهذه ضريبة التكنولوجيا التي يمكن أن تنضاف إلى إيجابياتها”، وأضاف أنه يجب استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الأدب والفن وتهذيب الذوق العام رغم أنه شيء يبدو صعبا لأن “الفضاء ليس مفتوحا فقط لأصحاب الذوق الإيجابي”.

وحول مدى نجاعة نشر الفن والإبداع على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي للتخفيف من الاحتقان وتهذيب الذوق العام، تحفّظ أزغاي عن هذا الطرح؛ “فأحيانا يدوّن شخص للتنديد بموضوع معين أو بذوق هابط، وتجد بعض الناس دون وضع اعتباري في المجال الثقافي والفني هم أول من يرد عليه وبشراسة أحيانا، لكن كما قلت هذا شيء يبقى ضريبة للتكنولوجيا يجب اتخاذه بشكل نسبي مع الاستمرار في إبداء الرأي بشكل ايجابي داخل هذا الإسفاف والتهور الذي يؤثث هذا المجال المفتوح”، بتعبير المتحدث نفسه.

إلا أن وسائط التواصل الاجتماعي ليست منفصلة عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي نعيشه الآن، وبالتالي لا يستقيم الحديث حولها دون النظر إلى السياق السياسي بالأخص، بحسب الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس الذي أضاف أن السياسة الوحيدة تقريبا التي تجد له متابعة واسعة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي “يجب أن يكون فيها إبداع، لكن لحظة التنافس الآن هي لحظة تطبع الغريزة أو العنف، والسياسيون تسكنهم غريزة العنف أكثر من غريزة الإبداع”.

كوكاس أضاف أنه لا يمكن أن ننظر اليوم إلى القضايا الثقافية بنظرة الأمس نفسها؛ “فسابقا كانت محورية المثقف؛ أي إن الفاعل الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي كان شخصا مثقفا بالأساس، وهذا ما انعكس على حضور الثقافة في الفضاء الواقعي قبل الافتراضي”، مفترضا، في الآن ذاته، أن يكون وقَعَ تغيير في مفهوم الإبداع وأخذ أشكالا أخرى لا تبدو للأجيال السابقة أنها إبداع، أو ربما الأمر يعود إلى فقر شمولي في ثقافة الإبداع، والذي يمس منظومة متكاملة تشمل التعليم والإعلام.

لكن ما يمكن تأكيده هو أن الإبداع يحضر بشكل محتشم اليوم في العالم الواقعي، والأمر مس الفضاء الافتراضي، يقول كوكاس، مفسرا: “ربما بسبب اللحظة السياسية وربما كما يقول فوكو إنه لم يعد للمثقف اليوم ما يعطيه للناس، فهم اليوم ينشئون بلاغاتهم الخاصة ولغتهم الخاصة بالشكل الذي يوافقهم”.

* صحافي متدرب

‫تعليقات الزوار

7
  • أوراق الخريف
    الخميس 25 غشت 2016 - 10:32

    الفنان و المبدع غالبا ما كانا يعيشان في أبراج عاجية .أما أن مواقع التواصل غزت العالم وبشكل سريع للغاية . لم يعد المجال يسمح بالتأمل فأصبح هذا الفنان يعيش نوعا من الإغتراب بل أصبح ملزما دخول هذا العالم الأفتراضي بحسناته و زلاته.

  • "الفن" و "الإبداع"
    الخميس 25 غشت 2016 - 10:43

    "الفن" و "الإبداع"، قد يجد له مكانا، وقبولا، في مواقع التواصل الإجتماعي، إذا ما تماهى، واحتضن المشاكل اليومية، التي يلجأ بسببها "الفايسبوكيون" إلى هذا الفضاء الإفتراضي الرحب للتعبير عن الأمور التي تشغل بالهم، والتي تتعلق خصوصا بالحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، أما غير هذه المواضيع، ك"مواضيع الأفلام" التركية، أو الميكسيكية، فلن تجد لها مكانا، ولن يقبل بها رواد هذا الفضاء.

  • فايسخوك
    الخميس 25 غشت 2016 - 10:55

    للاسف اصبحنا نعيش في عالم افتراضي كله سب وشتم وعدم احترام وجهة نضر الاخر ،غالبية التعاليق بحسابات مزورة لنرتقي

  • سوس العالمة
    الخميس 25 غشت 2016 - 11:55

    اذا كان صاحب الإبداع التقافي والفن الحقيقي لديه تقة في نفسه عليه ان يستمر في عمله و يستفيد من النقد البناءة و لا يلتفت الى الإنتقاد من أجل الإنتقاد

  • مصلح التعليم تذكر
    الخميس 25 غشت 2016 - 12:19

    هناك الرأس مالية اغناء الغني ، و افقار الفقير .
    التواصل الاجتماعي اغناء فكريا ابناء الدول المتقدمة و اغراق ابناء الدول الأخرى في الجهل و الفضيحة فأصبح لزاما علينا دعم تعليمنا ابتداء من مرحلة الإبتدائي بتدريس مادة تسمى :التواصل الاجتماعي

  • yousfi
    الخميس 25 غشت 2016 - 14:21

    اد كان الفن والبداع غائب عن اسوار المدرسة فكيف ستجد له مكان في المجتمع من راي وجب التصالح مع الدات المبدعة بان يصبح الفن مادة تدرس فب المدرسة حتى ينشأ اطفالنا عل الفن و الابداع والحس المرهف منذ نعومة اظافره.

  • محمد ابووهيبة
    الخميس 25 غشت 2016 - 18:31

    اليوم ليس كالامس وبالتاكيد لن يكون كالغد .لقد ولى عهد السلطة التي كانت تفرضها بعض الجماعات على الابداع وحرية التعبير واصبح النقاش مفتوحا وصفحات الفايس كسرت الحواجز .الكل يساهم ويدلي بدلوه وبالطريقة التي تلائمه وتتماشى مع مستواه .وليس لاي كان تبخيس ذلك انطلاقا من معايير ليست منزلة او لا يمكن تجاوزها .هناك صفحات تهتم بالابداع ولكن الملاحظ هو ان النقاد لايلتفتون اليها تنشر فيها احيانا ابداعات رائعة لا تجد اي تجاوب فكفى انانية من الذين يعتبرون انفسهم اوصياء على اقلام الناس…..

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين