بوزفور: قراءة النصوص الإبداعية الجيّدة تُداوي "عُقم الكتابة"

بوزفور: قراءة النصوص الإبداعية الجيّدة تُداوي "عُقم الكتابة"
الجمعة 28 أبريل 2017 - 03:00

حينَ ينضبُ معين الكتابة لدى أصحاب القلم والقرطاس، ويجفُّ ضرع الكلمات ويعْسُر فعل الكتابة، وإنْ كانت القريحة تحوي أفكارا قابلة للكتابة، فإنَّ الحلَّ هو الانغماسُ في قراءة النصوص الإبداعية الجيّدة؛ تلك هي النصيحة التي قدّمها القاصّ والناقد المغربي أحمد بوزفور لطلبة ماستر الأدب والمثاقفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، في لقاء معهم برحاب الكلية.

بوزفور قال إنَّ تخصيب الفكر يتطلبُ المواظبة على قراءة النصوص الإبداعية الجيدة، التي اعتبرها “دواءً مجرَّبا لعُقم الكتابة”، مضيفا: “قد تكون لدينا أفكار جيدة، ولكنْ نجد صعوبة في بدْء الكتابة؛ ودواءُ هذا العائق، سواء أكنّا كُتابا أو نُقادا، هو قراءة نصٍّ جيّد، فالجمالُ يُعْدي، إذ إنّ الكتابة الجميلة تحرّك خيالنا، وتدفعنا إلى الإبداع”.

بوزفور، الذي قدّم محاضرة بعنوان “في حاجة الباحثين في الأدب إلى الخيال”، قالَ إنَّه لمَس، من خلال تجربته كأستاذ جامعي، وجود حاجة لدى الباحثين إلى الخيال، مضيفا أنّ “تطوير الخيال يتطلب من الباحث العودة المستمرة إلى النصوص الأدبية الإبداعية، خاصة الكلاسيكية، المؤسسة للعتاد النظري الذي يشتغل به الباحث”.

من بين النصائح التي قدّمها صاحب “صيّاد النعام”، للطلاب الذين غصّت بهم القاعة التي احتضنت المحاضرة، الحرص على سلاسة الكتابة، والتي تتأتّى، بحسبه، عبر إدمان قراءة النصوص، من أجل اكتساب الأذن الموسيقية التي تُعيد بناء الجُملة تلقائيا، مضيفا: “السلاسة لا تُعلّمنا فقط كيف نكتبُ أجمل، بل، أيضا، كيف نقرأ أحسن”.

الإحساس بالشكل، من العناصر الأساسية لتطوير الخيال وبناء نصٍّ رائع؛ هنا يورد بوزفور بيْتا من قصيدة لشاعر أمريكي يقول فيها: “هذه البركة الصغيرة هي البحيرة الكبرى التي كنت أسبح فيها حين كنتُ صغيرا”. وعلَّق المتحدث على هذا البيت بالقول: “حينَ نقرأ هذا البيت نجد أنفسنا أمام لوحة فنية متكاملة وشكل جماليٍّ مستقل”، مضيفا: “الإحساس بالشكل يُعلّم معرفة مكامن الجمال ومهاوي الرداءة”.

القاصُّ المغربي الذي سبقَ أن رفض تسلّم جائزة المغرب للكتاب، التي تمنحُها وزارة الثقافة، سنة 2002، احتجاجا على وضعية الساحة الثقافية المغربية، أبْدى تشبّثه بالقصّة القصيرة، وقال ردّا على سؤال أحد الحاضرين سأله إنْ كان يفكّر في كتابة الرواية: “لا أعرف لماذا لا يسأل الناس الروائيين متى سيكتبون القصّة القصيرة؟”.

وعدَّ بوزفور القصة القصيرة جنسا أدبيا مستقلا يقف على قدم المساواة مع الأجناس الأدبية الأخرى، من رواية وشعر ومسرح..وغيرها، مضيفا: “القصة القصيرة فيها مجال واسع للإبداع يحتوي الكون كلّه، وأحلمُ أن يكون هناك كثير من القصاصين مثلي، وأن يخلُصوا للقصة”.

وربَط بوزفور القصة القصيرة بالشعر، قائلا: “الشعر هو قَدَرُ القصة. ومن الضروري أن يقرأ القصاصون الشعر، لأنّ القصة جنس أدبي يقتضي أن تكون رؤياه واسعة ودلالاته رحبة رُغم حجمه الصغير، إذ يُطلب من القاص أن يعطي دلالات كثيرة في ألفاظ قليلة، وهذا لا يتأتي إلا بالاعتماد على الشعر الذي يُتيح هذه الإمكانية”.

وفيما يتّخذ عدد من الكتاب القصة القصيرة جسرا للعبور إلى ضفّة الرواية “الرحبة”، لكونها تلقى اهتماما أكبر، وتُتيح انتشارا أوسع، وربّما تدرّ مالا بفضل الجوائز المخصصة لها، يرى بوزفور أنَّ كل هذه “المُغريات” ليست مدعاة لأن “يُهاجر” القاص أو الشاعر إلى الرواية؛ “فالشعراء الكبار كانوا دائما فقراء ومغمورين، وقراء الشعر كانوا دائما قليلين، وكذلك القصة القصيرة”، يقول المتحدث، معتبرا “الهجرة” من القصة أو الشعر إلى الرواية “هجرة عابرة وغيرَ جادّة”.

‫تعليقات الزوار

15
  • صلاح الدين
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 06:10

    أن تدرس سنتان كاملتان عند الهرم أحمد بوزفور تعد نعمة من الله وحظ كبير، هو من صحح ووجه إبداعي الثقافي والفني والخيالي، دروسه لا تزال عندي رغم مرور ٢٨ سنة من تخرجي من جامعة الحسن الثاني بعين الشق بل إنني أخدتها معي لبلجيكا وأحتفظ بها كنزا للأجيال القادمة. أحلم بمقابلة مثلي الأعلى وأرحب به عندي في المهجر، وأتمنى له عمرا مديدا وصحة جيدة. سلموا لي عليه. تحية من كاتب بسيط. بلجيكا.

  • عبدالواحد
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 06:48

    معك كل الحق يا سيد بوزوفور ليس ك عيوش يريد ان يجعل قاموس الدارجة في المغرب لكسر ما تبقا من العقول.

  • عبد الرحمان
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 08:20

    حلمي أن أكتب قصة أو رواية لكنني أخاف دائمآ من الفشل فهل هناك دورة تكوينية أو مراجع أو موقع الكتروني يمدني بالخطوات الصحيحة لتقنيات الكتابة و شكرا لمن ساهم في إغناء هذا النقاش.

  • C BON ELEVE
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 08:45

    في كل عصر يتربع جنس أدبي على عرش الإنتاجات الفكرية ، وتكون له اليد الطولى في السيطرة على عقول الناس وقلونبهم ، في القديم كان الشعر والملاحم من فرسان الأجناس ، ثم جاء دور المسرح ثم الرواية ، في عصر العولمة ، أصبح الشباب النابه يبحث عن جديد الأفلام الهوليودية في المواقع المختلفة ، فيها من الديكورات الباهرة ، والأحداث المحبوكة ، والموسيقا ، و الممثلين ما يبهر الالباب . شبابنا الجديد يعيش الجوع والبطالة هيهات أن له أن تكون بصمة أصيلة في عالم الإبداع . ثم هناك ظاهرة خيانة نخبنا لطبقاتهم ، لو كان هناك ارتباط لكان لنا منتوج أدبي يستلهم بصدق أحلام الشعب . ثم هناك سيطرة الدولة على الإعلام مع تشديد الرقابة على الأصوات الواعدة ..

  • C BON ELEVE
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 09:54

    ترسيخ ثقافة الإنتماء للوطن شرط ضروري من أجل ظهور جيل واعد في مجال الثقافة والإبداع الفكري المتدفق، وكل ذلك مرتبط بذيوع قيم العدالة والحرية ، لا بذ من حرب ضروس ضد الإبتذال ، إذا اردنا أن تكون فتوحات في عالم الفكر والإبداع . لا بد أن تكون لنا الثقة في قدراتنا عوض الإستخفاف بالجيل الجديد ، مسام عروقنا اهترت بهذه التفاهات التي نشاهدها في قنواتنا التلفزية ، لابد في هذا السياق من خلق برنامج هدفه النقد البناء ، لا بد كذلك من اصلاح التعليم ، لخلق جيل يتمتع بالخصوبة الفكرية ، وتتمكن منه قيم الجمال وتسري في عروقه مجرى الدم ويمتد صيتها في كل ربوع الوطن !

  • اعتراف
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:20

    اشكر جزيل الشكر جريدة هسبريس على اهتمامها بالمبدعين والمفكرين المغاربة
    كما أني اشكر استاذي الفاضل أحمد بوزفور، واعتز بكوني كنت من بين طلبته بجامعة عين الشق، فقد درسنا فن القصة القصيرة وحبب فينا هذا الجنس الأدبي، و بفضله تعرفنا على القاصات المغربيات اصل ومنبع القصة القصيرة بالمغرب في الستينات، أمثال خناثة بنونة وغيرهن من المبدعات المغربيات.
    له خصوصية في إلقاء المحاضرات تجعل الطالب لايمل من حصصه الدراسية، فشكرا لك استاذنا الفاضل.

  • أشرف
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:22

    يقول الأديب الكبير أحمد بوزفور بأن "الشعراء الكبار كانوا دائما فقراء ومغمورين"، لكن بصراحة هذا الكلام غير صحيح وفيه تلك النظرة السبعينية ديال شعراء الحركة الماركسية اللينينية التي تربط الأدب بالبؤس. لكنه كلام غير صحيح. فأبو نواس لم يكن فقيرا ولا مغمورا. والمتنبي لم يكن فقيرا ولا مغمورا. والأمير أبو فراس الحمداني. وأحمد شوقي لم يكن فقيرا ولا مغمورا. ونزار قباني السفير. ومحمود درويش لم يكن فقيرا ولا مغمورا. نزيد ولا باراكا؟ لهذا باراكا من هاذ الخطاب الذي أكل عليه الدهر وشرب. من جهة أخرى، الأستاذ بوزفور يكتب القصة القصيرة وحدها، ما كاين موشكيل. هذا من حقه. ولكن في كل الآداب العالمية الناس يكتبون الشعر والقصة والرواية ولا أحد يعترض. لماذا نحن فقط نريد أن نكون ستالينيين في الأدب؟ فكتور هوجو شاعر وروائي. بوشكين الروسي شاعر وروائي ومسرحي. غوتة الألماني شاعر وروائي. ارنست همنغواي قاص وروائي. هرمان هيسة شاعر وروائي. شارل بوكوفسكي شاعر وروائي. سليم بركات شاعر وروائي.. نزيد ولا باراكا؟ اذن اتركوا الناس يكتبون بحرية جازاكم الله خيرا. ولا تخيفوا الطلبة والشباب من الحرية. فالكتابة حرية بلا حواجز.

  • moha
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:43

    الأستاذ بوزفور نموذج للمثقف الصامد في وجه زوابع اللغو والمجون الأدبي… عنيد كصخر لا تأخذ منه الأمواج شيئا… يسمي الأشياء بمسمياتها في أزمنة الشقاق والنفاق. تأبط جمرا ولم ينحن ذات يوم أمام الخراطيط

  • C BON ELEVE
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 11:38

    كنت أعرف صديقاً في الجامعة بعين الشق وكنا قلما نفترق ، وكانت لنا نقاشات لا تنتهي ! وبينما نحن نتجول ذات يوم في الساحة الجميلة للكلية قال لي بأن له مشروع فكري يود تحقيقه ، واحتميت بلغة الصمت لأني لا أعرف بالضبط ما يخبأه المستقبل ، ثم أني كصديق حميم كان لكل تعليق غير لائق سيترك أثرا منكرا على صاحبنا ، فتأثير وسطي العائلي كان قويا من أجل أن أفوه بشيء ليس في محله ، غير أن أفكار الفلسفة الوجودية كان هي أيضا أقوى ! فمالت الكفة للصمت الحكيم ! ومرت قرابة عشرين عاما على ذلك . ومن خلال الأنترنت عرفت أن صديقي الوادي محمد أصبح دكتوراً وكاتب مسرح وله مؤلفات ! وأتذكر أن صاحبي سلم بحرارة على بوزفور وهو يريد أن يتقيل الحافلة التي توجد قرب كلية عين الشق بالبيضاء . اتمنى أن يقرأ بوزفور هذا التعليق ليفتخر بذلك الشاب الذي أصبح اليوم رجلا ناضجا !

  • مغربي
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 11:49

    احيي هذا الهرم العظيم والذي حصل لي الشرف أن درست عنده مادة الأدب الجاهلي بكلية الآداب بالرباط أوائل الثمانينيات كانت منهجيته تجعلك تنصهر مع الدرس انصهارا .أتذكر يوما كان عمال الكلية يقومون بإصلاحات نتج عنها بعض الضجيج فأخذ الطلبة يتأففون فنطق قائلا:"اتركوهم فهم يعملون ونحن نتكلم".صدق أستاذنا .ولابد أن أعتز بأنه هو من أشرف علي بحثي في نهاية السلك الثاني من التعليم العالي (الإجازة) تحية اجترام وتقدير لأستاذنا الجليل "أحمدبوزفور".

  • C BON ELEVE
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 12:33

    suite بل أكثر من ذلك أقول للسيد بوزفورأن ذلك الشاب الذي أصبح الآن رجلا بل مديرا للمعهد الموسيقي بحي الألفة بالبيضاء ، تغير صديقي حتى أبيض شعره وحنكته التجارب ، حين ترك الكلية بعين الشق إنتمى لحزب الإستقلال وكان هو أيضاً من أصل فاسي ، وكان هدفه من الإلتزام الحزبي هو أن تتوسع معارفه من خلال الاتصال بشخصيات مرموقة . كان صديقي مذ عرفته يتيم الأب ، وكان له أخ خياط أفاده في تصميم ملابس شخصياته المسرحية ! وقد عرفت من خلاله أنك كنت تحضر لرسالة الدكتوراه في مجال الشعر الجاهلي للشاعر تأبط شرا ، قالها لي بعد أن سلم عليك منذ قرابة عشرين عاما ! كنت حينها تمشي وحيدا متجها للحافلة ! لو رأيت صديقي الآن لبكيت من طول الفراق وللمجهود الذي بذله !

  • متتبع
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 18:07

    كم اعشق أسلوبك يا سي احمد..تقريبا كل أعمالك قرأتها من النظر في الوجه العزيز الى الخيول لا تموت تحت السقف..مرورا بالرسائل المتبادلة مع ع.وساط..كما اني دائم البحث عن جديد أستاذي أحمد بوزفور..آه على دروس الثماننيات بالرباط في الادب الحديث وفي الشعر الجاهلي…أتمنى أن أراك ولو عن بعد أما أن أجالسك فذاك حلم بعيد /ثامن المستحيلات ..مثلي الأعلى : ان كنت أعيب عليك شيئا فقلة ونذرة الكتابة لديك..

  • استاذة
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 22:33

    هرم من أهرام الثقافة المغربية . .دمت أستاذي المبدع احمد بوزفور..و أطال الله في عمرك و مزيدا من العطاء و التميز ..من خلالك عشقنا القصة القصيرة هذا الجنس الأدبي الصعب ..قراءت نصوصك متعة حقيقية..تحياتي لك.

  • درصاف
    السبت 29 أبريل 2017 - 19:16

    أستاذ بوزفور أستاذ له أسلوب راق مع طلابته،شرحه عميق كعمق شخصيته أشعر باعتزاز أني درست عنده فنعم الأستاذ.

  • متتبع
    الإثنين 1 ماي 2017 - 21:14

    اللهم احفظ سي احمد وقه كل مكروه.آمين.أستاذي الجميل والانيق سحرتني نصوصك البديعة وجملتك العذبة الجميلة..شدني تواضعك الكبير ..علمك الغزير .. صمتك البليغ ..ابتسامتك الودودة ..رؤياك الثاقبة..قصصك كأنها شعر.أتلذذ بالعودة اليها ..انها نونويا بتشديد النونين وقاقاي بتشديد القافين وان كنت أجد صعوبة في فهما و الحديث عنها ..علمتنا فهم الشعر الجاهلي بالشعر الجاهلي..ذاك ما أحاوله مع نصوصك.غير اني كقابض الماء خانته فروج الاصابع..ربما غموضها الشفاف ذاك أحد مصادر أناقتها و جمالها…يارب أدم على أستاذي العزيز الصحة والعافية وارزقه وفرة
    الكتابة حتى يتمتع قراؤه أكثر.
    .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب