التونسي: هذه قصة "عبد الرؤوف" الكوميدي ولقائي بالحسن الثاني

التونسي: هذه قصة "عبد الرؤوف" الكوميدي ولقائي بالحسن الثاني
الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:00

اختزلت شخصيته في جوهرها تاريخ الفكاهة في المغرب على مدى خمسين سنة، واكتظت المسارح المحبة له أينما حل وارتحل، ووجد في هموم المواطن كنزا ثمينا ينهل منه موضوعاته.

لم تكن حياة “عبد الرؤوف” مضحكة كشخصيته. بعد طفولة يتيمة قرر عبد الرحيم التونسي الالتحاق بالحركة الوطنية، فتم اعتقاله وتعذيبه من طرف الفرنسيين. في ظل هذه الظروف، تعرّف على مجموعة من المقاومين الذين كانوا يقومون بعروض مسرحية لإدخال الفرحة على السجناء. وكانت بداية تجربته الأولى في مجال الفكاهة من خلف القضبان.

في حواره مع هسبريس، يتحدث عبد الرحيم التونسي عن ظروف اعتقاله، ووقوفه أمام الملك الراحل الحسن الثاني، ومصدر شخصية “عبد الرؤوف” الساذجة التي تخفي وراءها ذكاء وتواضعا كبيرين.

عشت طفولة صعبة.. كيف انتقلت صدفة إلى الفكاهة؟

أعتقد أن حياتي لم تكن مضحكة كمسرحياتي. بعد طفولة يتيمة قررت الالتحاق المبكر بالحركة الوطنية خلال متابعة دراستي، حين بدأ المغاربة في محاربة الاستعمار، من خلال المظاهرات التي كانت تقام ضد المستعمر، وتم اعتقالي خلال المشاركة في إحداها، ولم يطلق سراحي إلا بعد حصول المغرب على الاستقلال وعودة الملك محمد الخامس من المنفى.

خلال هذه الفترة الصعبة التي قضيتها في السجن تحت التعذيب وإخبار عائلاتنا بأننا غادرنا هذه الدنيا، تعرفت على مجموعة من المقاومين. كانوا يقومون بعروض مسرحية، وذات مرة احتاجوا إلى شخص لأداء دور في إحدى هذه المسرحيات، فوقع اختيارهم عليّ. أحسست بالخوف لأني لا أملك الجرأة لمواجهة الجمهور، وكنت دائما أتساءل كيف يستطيع رواد هذا الفن إضحاك الجمهور، ولكي أتغلب على خجلي طلبت منهم منحي جلبابا، فغطيت رأسي بـ “القب”، وبدأت أستحضر بعض أدوار القدميري، وبدأت أقلدها وأنا أؤدي دور رجل بدوي، فأعجب بي من حولي وضحكوا كثيرا، وكان ذلك اليوم بالنسبة لي هو ميلاد أول دور أديته، وأدخلني إلى هذا المجال وأنا في السجن.

ما هو أول عمل مارسه عبد الرحيم التونسي؟

بعد مغادرة أسوار السجن، تفرقت بنا السبل، قبل أن نلتقي من جديد ونقرر الهروب خارج مدينة الدار البيضاء وتأسيس فرقة مسرحية حتى نتمكن من توفير مورد رزق، لكن ظروف الحياة ستفرق بيننا من جديد، واضطررت عندها للبحث عن عمل آخر، وبدأت البحث عن العمل في إعلانات الجرائد، فوجدت إعلانا لأحد الفرنسيين يبحث عن “شاوش” “كورسيي”، فكانت هي أول مهنة لي بداية الخمسينيات، وكنت أتقاضى عليها 15 درهما في الأسبوع، أمنح نصفها لوالدي، وأحتفظ لنفسي بالبقية لبقية الأسبوع.

بعد هذه التجربة، كنت أنتقل من عمل إلى آخر، بطلب من الفرنسي الذي كان والدي يشتغل معه، اشتغلت محافظا لمقبرة الشهداء. ورغم أن عملي كان يحتم عليّ التواجد باستمرار، شاركت في أحد العروض بمدينة الجديدة، تركت الفرقة هناك وعدت إلى الدار البيضاء من أجل مواصلة عملي ومعي حقيبة. بعد مرور أيام كثيرة، تفحصتها إذا بي أجد معي بذلة “المتعلم”. وضعت الطربوش على رأسي، وبدأت أحاول أن أجد شيئا مختلفا، وظللت أبحث حتى خلقت فجأة شخصية عبد الرؤوف بصوته، وبلادته المثيرة للضحك.

من أين استوحيت شخصية “عبد الرؤوف”؟

حين كنت أدرس في مدرسة الأعيان، كان يجلس إلى جانبي تلميذ اسمه عبد الغفور، كانت تضحكني حركاته التي تدل على بلادته وطريقة كلامه، عندما كنت أبحث عن شخصية لأدواري المسرحية، خطرت بذهبي تلك الشخصية المضحكة التي رافقتني في الطفولة، من هنا جاءت فكرة “عبد الرؤوف” الكوميدي.

قدمت فرقة “عبد الرؤوف” عروضا أمام الراحل الحسن الثاني.. ماهي الذكريات التي ظلت راسخة في ذهنك؟

بالفعل، كانت من أجمل اللحظات التي يمكن أن ينتظرها أي فنان، تقديم عروض أمام الملك الحسن الثاني. كنت أشتغل حينها في شركة “صوماكا”، وتوصلت بخبر من طرف المدير بأن القصر وجه إلينا دعوة لتقديم عرض بإفران. عند وصولنا صادفنا العديد من الفنانين الذين كانوا ينتظرون دورهم لإحياء الأمسيات التي كانت تنظم بالقصر، وحين اقترب عيد الأضحى، منحنا الملك هدية مالية، ثم تمت دعوتنا إلى القصر الملكي بالرباط حيث أدينا عرضا بحضور الملك الراحل الحسن الثاني، وحين انتهى العرض جاء الحسن الثاني يبحث عني في الكواليس، فلم يتعرف عليّ بعد أن أزلت الماكياج، فسألني أين عبد الرؤوف؟ فقلت: “أنا هو” فأجاب ضاحكا: “دير الطربوش أصاحبي باش نتعرف عليك”.

بعد غياب، عدت إلى السينما من خلال مشاركتك في فيلم “عمي”.. كيف وجدت هذه التجربة؟

فيلم “عمي” للمخرج نسيم العباسي فرصة للقاء الجمهور من جديد. قدمت دورا امتثلت فيه لأوامر المخرج، من خلال شخصية عادية بعيدة عن شخصية “عبد الرؤوف”، قمت بمجهود والحمد لله أن الفيلم لقي إقبالا مهما من طرف الجمهور، لكن كنت أتمنى أن يلتفت الكتاب والمخرجون إلى شخصية “عبد الرؤوف” التي أحبها الجمهور في عبد الرحيم التونسي.

ما الأسباب التي دفعتك إلى الغياب عن التلفزيون وخشبات المسارح؟

لا يمكن لأي فنان أن يختار بمحض إرادته الابتعاد عن الساحة الفنية، فهو ينتظر دائما المشاركة في أعمال فنية تقترح عليه، لكن شركات الإنتاج لم تلتفت بصفة مطلقة إلى شخصية “عبد الرؤوف” وحركاته وسذاجته خلال السنوات الأخيرة، ولا يمكنني أن أفرض نفسي على أحد.

كيف تقيّم مستوى الجيل الجديد من الكوميديين؟

أنا أرفض رفضا مطلقا تقييم فنان لفنان آخر؛ لأن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للجمهور، كل فنان لديه طريقته وشخصيته في إضحاك الجمهور.

هل نقل عبد الرؤوف عدوى التمثيل إلى أبنائه؟

أعتقد أن أبنائي ورثوا عني الحس الفكاهي إلى جانب تكوينهم الأكاديمي، ابني أسامة يتمتع بـ”ستايل” خاص به في مجال الكوميديا، وابنتاي التوأم جيهان ودنيا تشاركانني عملا بعنوان “احضيه لا يزلكوا رجليه”، وهو عرض موجه إلى الأطفال، كما سبق أن شاركني ابني أسامة وإيهاب في عروض سابقة.

‫تعليقات الزوار

13
  • شاهد.
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:13

    أعظم كوميدي مر في تاريخ المغرب المعاصر …

  • miriam
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:18

    اللهم ارزق عبد الرؤوف الصحة والعافية
    كم ادخل علينا الفرحة ونحن أطفال صغار و مراهقين وشباب وعجزة
    نعم الرجل الكوميدي لا ميوعة ولا كلام فارغ مهدا الذي نعيشه اليوم
    تحية لك سيدي واطال الله عمرك

  • نقطة
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:20

    ا كره ان يصبح ابناءي يوما فوق خشبة المسرح او تمثيل.. لاءن معضم المسرحين والممثلين مصيرهم التشرذ وصداقات علي ابواب الصحف ومواقع الاجتماعية…

  • شاب من الماضي شيخ في الحاضر
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:49

    والله العظيم كم كنت تمتعنا وتدخل علينا البهجة والسرور في طفولتنا اﻷستاذ عبدالرحيم التونسي ((عبد الرؤوف)) في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. كنا ننتظر سهرة يوم السبت بشوق خاصة التي تكون حاظرا أنت فيها بسروالك العريظ والجيلي وطربوشك اﻷحمر ودكائك الخارق التي كنت تعالج به مواضع اجتماعية بطريقة فكاهية نادرة مغلفة بشخصية ((المبوهل) ) تحياتي لك من كل قلبي ورزقك الله صحة جيدة

  • ROME TO MOROCCO
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 21:57

    الله إحفظك ويشافيك السي التونسي. ويخلي ليك صحيحتك ووليداتك.الله إطول ليك العمر.راك فعلا شخصية لامثيل لها…أعجز فعلا عن التعبير.وهاد لكلام في حقك قليل وقليل بزاف.

  • الوديعي
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 22:01

    مع احترامي لشخص هذا الرجل و تاريخه الحافل أقول بأن كوميديا الأمس ليست هي كوميديا اليوم، و للأسف صاحبنا لم يبذل أي مجهود لتطوير كفاءاته الذاتية و كانت النتيجة صادمة بحيث وجد نفسه متجاوزا و خارج المنافسة.

  • صحراوي
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 22:04

    أطال الله في عمره وجعل له بكل فرح وسرور أدخلها على كل فرد حسنة..احسن شخصية كوميدية بأيام الزمن الجميل إلى يومنا هذا

  • مستر BEN
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 22:48

    ماذا اقول عن مستر BEN المغربي، والله لقد اضحك الصغير قبل الكبير والى حد الان ما زالت مسرحياته تلقى نسبة مشاهدة عالية على اليوتيوب .

  • ١محمد١
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 22:59

    أحد أجمل ذكرياتي عندما كنت صغيراً وكنت أنا وأختي نجلس مع جدتي الله يرحمها لسماع فكاهة عبد الرؤوف من خلال تسجيل الكاسيت ونضحك ونقهقه كل مرة نسمع فيها مسرحياته حتى لو حفظناها عن ظهر قلب… أيام بسيطة وجميلة لا تنسى…

  • adel
    الخميس 27 يوليوز 2017 - 23:13

    ابلغ ستين سنة من عمري.والله العظيم لم يضحكني طول حياتي اي فكاهي مغربي الا عبد الرؤوف.وليومنا هذا اذا اردت ان ارفه عن نفسي فانني اختار مسرحية من مسرحيات هذا الفنان العظيم.حفظه الله واطال عمره.

  • Un ancien
    الجمعة 28 يوليوز 2017 - 00:18

    La première fois que j'ai mis les pieds a casa c pour acheter les disques et les photos (cartes postales) De Abdraouf et abd lawahab doukali /je suis revenus au bled fier comme un chef . HHHHH belle époque

  • تحياتي
    الجمعة 28 يوليوز 2017 - 01:09

    غياب عبد الرؤوف عن التلفزة المغربية كما كانت تسمى انذاك سببه هو عزة نفس هذا الفنان العظيم الراضي بفدره فقد كان باستطاعته ان يتملق الحسن الثاني كما يفعل المتملقون من اجل الولوج الى دار لبريهي خصوصا وانه قد احيا له ليلة مسرحية لكنه لم يفعل احتراما لفنه ومبدإه، فالف تحية تقدير واجلال ياسيدي .

  • الفن في الروح
    السبت 29 يوليوز 2017 - 17:35

    فنان كوميدي ممثل عتيق لا زال يذكر حتى اليوم

صوت وصورة
الأمطار تفرح الفلاحين
الأحد 14 أبريل 2024 - 18:16

الأمطار تفرح الفلاحين

صوت وصورة
أممية أحزاب الوسط في مراكش
الأحد 14 أبريل 2024 - 14:04

أممية أحزاب الوسط في مراكش

صوت وصورة
نقاش إلغاء عيد الأضحى
الأحد 14 أبريل 2024 - 11:28

نقاش إلغاء عيد الأضحى

صوت وصورة
فوز الجيش الملكي على الوداد
السبت 13 أبريل 2024 - 22:57

فوز الجيش الملكي على الوداد

صوت وصورة
تدخل للإنقاذ من مكان مرتفع
السبت 13 أبريل 2024 - 16:27

تدخل للإنقاذ من مكان مرتفع

صوت وصورة
الشواطئ تمتلئ في الدار البيضاء
السبت 13 أبريل 2024 - 14:55

الشواطئ تمتلئ في الدار البيضاء