معضلات النقد السينمائي العربي .. وصف سطحي وضُعف مِهَني

معضلات النقد السينمائي العربي .. وصف سطحي وضُعف مِهَني
الخميس 21 شتنبر 2017 - 03:00

أثناء مشاهدتي لفيلم الويسترن “الرائعون السبعة” لم أشعر للحظة وأنا أشاهده لمرتين متتاليتين أن المناظر الطبيعية من جبال وسماء وخضرة هي خدع سينمائية..على اعتبار أنني كنت متأكدا أن سينما الويسترن أغلب مشاهدها الخارجية من مناظر طبيعية هي مشاهد حقيقية..

وكم كانت صدمتي وأنا أشاهد كيف تمت إضافة هذه المناظر والمقاطع إلى أجزاء كبيرة في الفيلم دون التغيير في بنية فيلم الويسترن. أفلام عديدة أمريكية أصبحت أتوجس من لقطاتها وطرق تصويرها وخدع الشاشة الخضراء والزرقاء والتقنيات المتطورة في عالم المونتاج.

هل تخدعنا التقنية؟ وما هي مهمة الناقد السينمائي في هذه الحالات والنقد السينمائي العربي حيال هذه الإشكالات التي باتت من جزءا من واقع الفن السابع؟.

النقد السينمائي العربي وفشل الواقعية

تغرق السينما العربية في واقعية قاتلة.. واقعية كل همهما أن تتماهي كليا مع الواقع العربي المحبط، في بيئة تنغرس فيها كل الأوجاع والأمراض والمتاهات، وفي أمكنة تعكس الإحباط …دون أن تتغلب هذه السينما على أوجاع الواقع وتنقله بجماليات كبيرة..ما جعل المشاهد العربي يفر/ يهرب/ ينآى/ عن المشاهد دائمة الحزن… ودون قدرة المخرجين على تجاوز هذه الواقعية التي كرسها النقد السينمائي العربي كمدرسة تقترب من هموم المواطن العربي، ولكن ترخي بظلالها في تكريس مزيد من اللا أمل والخيبة، وتصور الأمكنة بسوداوية مقرفة تزيد من توتر الإنسان العربي وقلقه.

لتبيان هذه الحالة، يمكن أن أتناول نموذجين: السينما المصرية… في الأونة الأخيرة تعكس الكثير من مشاهدها ضيق المكان والحارة ونرفزة أبطالها ومشاهد من عنف غير مبرر، بدعوى إضفاء مزيد من الواقعية على الفيلم.. يتسابق النقاد السينمائيون بالتنويه بهذه السينما دون إدراك تأثير أبعادها النفسية الخطيرة على المشاهد العربي.

النموذج الثاني بعض الأفلام المغربية، التي صورت في الدار البيضاء وفي المناطق المهشمة في المغرب وفي الضواحي الهامشية، من أزبال وكلام ساقط… وغرف مظلمة وأمكنة محدودة دون جماليات تجعل المشاهد أسير هذه المزابل وهذه الغرف المظلمة..وتجعله ينفر منها ويتجه صوب رحابة الأفلام الأمريكية والهندية…التي تبحث في سعة العيون وفضاءات تتسع لمحتويات ومضامين تتسع بأفق المكان..طارحين السؤال على النقد السينمائي الذي يعقد هذه المقارنات السينمائية بسعة العتبات الجمالية وبسعة قدرة المخرج على النهل من المدرسة الواقعية دون الانحناء كليا لقوالبها، ولكن بإضفاء جماليات تجعل العين تستريح وتسعد فرحة بلقطات جميلة مصنوعة بفهم عميق لسينما إمتاع المشاهد.

تقنية في خدمة الواقعية

يقدم برنامج المونتاج “أفتر أفكت” بأجزائه المتطورة كل سنة عالما متجددا في عوالم السينما وهندستها..بالإضافة إلى برامج المونتاج الأخرى… المتقدمة وتقنيات الشاشات الخضراء والزرقاء/ الكروما، حتى تحولت إلى مدرسة سينمائية قائمة الذات على مستوى الخدع السينمائية، تجعل مشاهد بانورامية كاملة كسور الصين العظيم مثلا ممتدا وحاضرا ومن خلفه الجبال الشاهقة والسماء ذات الأفق البهي، في قوالب سينمائية وفي لقطات بانورامية تضفي على الحكاية الواقعية مزيدا من رحابة العين.

يتسع المكان رغم أنه يضيق أحيانا، وفي ضيقه تهرب الكاميرا إلى النوافذ والمزهريات والصور واللوحات الجميلة وحركات الأيادي وتعابير وقسمات الوجوه، دون أن تغرق في كآبته.. ما يجعلنا نطرح سؤالا عميقا: لماذا تستطيع هذه السينما أن تتغلب على واقعيتها بعتبات جمالية؟ ولماذا تغرق السينما “العربية” في متاهات مفاهيم بالية وحرفية فجة للمدرسة الواقعية العربية؟.

هل يدرك المخرج العربي ما يقدمه وما يساهم فيه بإضفائه مزيدا من الكآبات على واقع متعفن لا يرسخ قيم الجمال بقدر ما يضيف جرعات من قهر اجتماعي وتسلط لصور البؤس والابتعاد عن إمتاع عين المشاهد العربي الذي أضحى يبحث عن سينما غير مقرفة تذكره بما يعيشه يوميا، دون أن يغلب لغة الإبداع والحب على لغة العنف والواقع المهين والأمكنة التي تحجر على مواطنيها وتأسرهم برهاب الواقعية والواقعية الجديدة وخدع الارتهان للواقع كما هو.

في السينما وفي لغة الإبداع الغلبة للغة الجماليات السينمائية، ومزج الأجناس السينمائية لتقديم تحف سينمائية رائعة وليس التسابق على المنح السينمائية وتقديم سيناريوهات بها الكثير من السذاجة والغباء.

تحت غطاء الجماليات

تقدم السينما الهوليودية بشقيها المستقلة والسوداء واللاتينية والهوليودية نماذج أفلام متعددة تحت يافطة الكوميدي والسياسي والخيال العلمي والزومبي والرومانسي…وأحيانا المزج بين أكثر من جنس سينمائي في حبكة وقص سينمائي واقعي متخيل، بجماليات كبيرة وتقنيات مونتاج وتصوير معقدة، تسهر عليها أطقم من العمل لساعات طويلة، وتقدم في طبق سينمائي يحوز الكثير من الإعجاب..

كثيرا ما تخدع الناقد السينمائي نفسه فما عساك بخدع غالبية همهما الأول والأخير المشاهدة وإراحة العين من القرف اليومي العربي، ومن مشاهد الذبح وصور الدم المنتشرة، والتي تنقلها قنوات عربية متخصصة في نقل الواقع كما هو، بل إضافة مزايدات من توابل عنف ليبدو أكثر فظاعة مما هو عليه.

تحت هذا الغطاء التقني المتطور للسينما الأمريكية بأجناسها وطوابقها وأطباقها المختلفة، ينغمس الطفل / المراهق / …الإنسان العربي في جمالياتها الإبداعية دون الفطنة إلى أبعادها النفسية والإيديولوجية والفكرية والاجتماعية والسياسية… والتي تخلق المفارقات وتؤجج صراعات الذات والهوية وتمزق أشلاء الجسد العربي المرتهن بالأوجاع وحرقة الأسئلة التي تجدد يوميا مع عدد المشاهدات الفيلمية وعقد المقارنات دون القدرة على استنتاج الأجوبة، في غياب نقد سينمائي عربي يخلخل بنيات هذه السينمات المقدمة للإنسان العربي. وهنا تطرح مسألة أساسية هي الهروب من الذات نحو الآخر ودبلجة الآخر والاحتماء بمظلة سينمات وصور جمالية مغايرة، هربا من الواقع المرير، مستقبلا هذه الجماليات بكل ما فيها دون طرح مزيد من الأسئلة..لأن طرحها طرح لمزيد من المقارنات والمزيد من الأوجاع.

معاناة النقد السينمائي العربي

يختزل كثيرا النقد السينمائي العربي في نقد وصفي وتعبيري، إلا قلة القلة، دون الغوص بعيدا..وتكاد صحف بعينها تحصره في المتابعات الإخبارية دون وجود نخبة متخصصة من النقاد السينمائيين العرب في سينما شرق أسيا ..الصين/ الفيتنام/ كوريا الجنوبية/ اليابان… وما يكاد يصل إلى الشاشات العربية من عينة هذه الأفلام الجميلة قليل جدا، ويصل بمحض الصدفة..كما هو الشأن بالنسبة للسينما الروسية وسينما أوربا الشرقية… مع انخراط الجميع في السينما الأمريكية والانجليزية والفرنسية والهندية…غياب هذه المتابعات وغياب نقاد عرب متخصصين في سينما بعينها أو في أجناس سينمائية خاصة…

على سبيل المثال عدم وجود ناقد سينمائي عربي واحد متخصص في السينما الزومبية أو سينما الأنثربولوجية… هذا ينضاف إلى الخلط الكبير الذي يقدمه الإعلام العربي في متابعاته الإخبارية والإشهارية المجانية لعينات من الأفلام، سيئاتها أكثر من حسناتها. هذا يجعل النقد السينمائي العربي يكاد يكون منحصرا، وتنضاف إليه معضلة صحف لا تقدم سوى المتابعات السينمائية دون الاقتراب من عوالم النقد السينمائي أو انغلاقه في هموم السينمات الوطنية العربية، وتتبع عورات المشاهير والنجوم…

كل هذا ينعكس على بنية النقد العربي السينمائي الذي يبدو ضعيفا وغير متزن وغير قادر على المتابعة والمسايرة النقدية للسينما الدولية، بل يصعب على نقاد عرب النفاد إلى عمق المنتوج السينمائي والترويج لأفلام تقدمها مجلات بعينها… مع عدم إلمام بعض النقاد ببعض تقنيات التصوير وتقنيات المونتاج المتطورة، والانحصار في النقد الوصفي وإعادة إنتاج قصص محكية تنسجم مع الثقافة الشفهية المستشرية في البلدان العربية.

غياب الأرشيف العربي للنقد

تزداد معاناة النقد العربي مع غياب دار لأرشيف النقد، ومؤسسة متخصصة في جمع المقالات النقدية وتبويبها..فقط هناك مواقع على قلتها وبمجهودات شخصية، ونتف هنا وهناك، في غياب مؤسسة عربية تقوم بهذا الدور..وتساعد على الاطلاع على تجارب الآخرين النقدية والتجارب العربية الجميلة التي غذت النقد السينمائي العربي والحقول المعرفية التي اعتمدت عليها… بل الأدهى أن هناك أفلاما عربية بنفسها تصعب أرشفتها.

كل هذه المعضلات تساهم في عدم تكوين مدرسة عربية نقدية سينمائية بمواصفات علمية، تخصص في النقد السينمائي.. ويبقى كل ناقد سينمائي عربي يعتمد على إمكانياته الذاتية، وحبه للسينما وشغفه بالعمل النقدي. وهناك صحافيون ومخرجون تحولوا إلى نقاد سينمائيين…

يعيش النقد السينمائي العربي حالات من الوهن والضياع في غياب أي توجه…ويبقى المستهدف في هذه العملية الإنسان العربي الذي يقبل بكل شيء حتى التخمة وإشباع رغباته؛ بل في بعض الأحيان تتحول هذه المشاهدات الفيلمية إلى هوس يلاحق صاحبه.

‫تعليقات الزوار

7
  • elyuba
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 05:23

    النقد الفني إما أن يكون نقدا أو لا يكون…النقد العرقي أوهام تحتاج لتفكيك ذهنية أصحابها فقط وإحداث رجات في طرق تفكيرهم, فالعمى الاديولوجي العروبي يخرجنا من دائرة الانسانية والعلم أي يعزز وجودنا اللاتاريخي وخارج التاريخ…

  • طنسيون
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 07:24

    العقلية العربية يطغى عليها المنظور التقليدي المتخلف ويحجم عنها البصيرة ويلجمها في الواقع ولا يسمح لها بالتفكير إلا بما ترى الأبصار. لا تقبل العقلية العربية الفنون التشكيلية إلا التي تجسد الواقع، ولا يحب من الموسيقى غير الرقص والغناء ولا يفضل من الرياضة غير كرة القدم وبالطبع لا يستطيع الابتكار والإبداع في غير الحكي والرواية التي لا تخرج بدورها عن عالمه الواقعي ومنظوره المحدود. فلن تتغير هذه العقلية لوحدها ولن ترقى فنون العرب إلى مستوى العالمية بمحدودية العقل والفكر المحدود.

  • الواقعي
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 07:28

    يا صديقي يجب ان نقول ألف قبل باء. لايمكن لمجتمعات، مازالت مكبلة بقيود الحلال والحرام والطابوهات، ان تبني صناعة سنمائية في مستوى "الرائعون السبعة". هل تعرف قيمة ميزانية هذا الفلم؟ انها تفوق ميزانية مستشفى ولادة في جبال الريف. كونوا واقعيين. لا تبيعوا الاوهام للشعوب الجائعة.

  • ماسينيسا
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 09:13

    ما جدوى مناقشة هموم "الإنسان العربي" في بلد سكانه أمازيغ ، أيها المثقفون المغيبون المستلبون ؟

  • beladi
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 09:33

    مشكلتنا مشكلة هوية كيف لبلد غير عربي ان ينتج سينما عربية لا علاقة لها بهويته الحقيقية المغاربية وهنا لا اقصي احدا…نحن في كل الدول المغاربية ننقل من المشرق العربي..

  • PSYCHO AND HISTORY
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 10:47

    وكيف لنا ان نمثل تاريخ الأخرين الذين غزوا نوميديا وموريطانيا في الالفية الاولى قبل الميلاد ونحن نعمل على تحريف و تزور ارشيفات تاريخهم .ومن هو الممثل المقتدر الذي يتوفر على قوة وهمجية ووحشية وبنيتي LES GLADIATEURS جوبا وماسيناس وغيرهم من عساكر الروم والوندال الذي دكوا تاريخ وثقافة الإنسان MAURE ؟ كان رحمه الله يعمل على فك إشكالية بنية العقل هنا وهناك وإذا بالإشكلية تنشطر إلى بنيتي السوما والنفس . صباح الخير من الجنوب الأسمر .

  • جواد الداودي
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 16:16

    4 – ماسينيسا

    الكاتب يعتبر نفسه جزءا من الوطن العربي – ويخاطب العرب اينما كانوا – وبالمغرب يوجد عرب – ومقاله بالعربية – في جريدة عربية – بما انك تعتبر ان الموضوع لا يخصك – لانك امازيغي – ما كان عليك – لا ان تدخل الموقع – ولا ان تقرأ المقال – ولا ان تعلّق عليه

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة