بوصوف: العرض السياسي لـ"الأحزاب الاحتجاجيّة" لا يستهوي الإسبان

بوصوف: العرض السياسي لـ"الأحزاب الاحتجاجيّة" لا يستهوي الإسبان
الخميس 30 يونيو 2016 - 08:00

أفرزت انتخابات 26 يونيو 2016 في إسبانيا أخبارا غير سارة لليسار، وخصوصا اليسار الجذري المتمثل في حزب “بوديموس” المنبثق عن الحركات الاحتجاجية الداعية إلى التغيير التي شهدها هذا البلد الأوروبي تزامنا مع الربيع العربي، والذي كانت جميع الاستطلاعات تتوقع إحداثه لمفاجأة أكثر من تلك التي أحدثها في انتخابات 20 دجنبر 2015 عندما فاز، في أول مشاركة له، بـ92 مقعدا، لكنه مع ذلك فشل في أن يكون طرفا في تحالف حكومي يقوده الاشتراكيون أو حتى اليمينيون، مما أدى إلى إجراء انتخابات جديدة بعد أزيد من ستة أشهر من الفراغ الحكومي.

وبالعودة سريعا إلى نتائج اقتراع 26 يونيو، فقد احتل المرتبة الأولى في هذه الانتخابات الحزب الشعبي الحاكم بقيادة ماريانو راخوي، بعد حصوله على 137 مقعدا؛ أي بإضافة 14 مقعدا عن الانتخابات السابقة، في حين نال الحزب الاشتراكي 85 مقعدا مقابل 90 مقعدا في انتخابات 20 دجنبر، بينما لم يحصد تحالف حزب “بوديموس” واليسار الموحد سوى 71 مقعدا، وجاء في الصف الرابع الحزب الحديث بدوره “المواطنون” بقيادة الشاب ألبيرتو ريبيرا بمجموع 32 مقعدا مقابل 40 مقعدا في دجنبر.

إن نتائج الانتخابات الإسبانية وإن كانت تعيد البلاد إلى نقطة البداية بما أنها لم تستطع إفراز حزب أغلبي أو تحالف منطقي بين تيارين متقاربين قادرين على تشكيل حكومة أغلبية، إلا أنها أبانت بالواضح أن بريق العرض السياسي للأحزاب الاحتجاجية لم يعد يستهوي الناخبين الإسبان. فحزب “بوديموس” الذي رأى فيه بعض الإسبان، في البداية، بديلا مقنعا لكسر الثنائية الحزبية التاريخية في سياق سياسي مطبوع بارتفاع نسبة البطالة التي بلغت سقف العشرين بالمائة وبتعدد الفضائح السياسية وتهم الفساد التي لاحقت مجموعة من قيادات الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي، أثبت محدودية برنامجه الاقتصادي وعدم وضوح برنامجه السياسي وسياسته الخارجية، ففضل الإسبان، يوم الحد الماضي، التصويت على الحزب الشعبي، وأجلوا انهيار الحزب الاشتراكي الذي احتفظ بالمركز الثاني، وهو ما يعني أن الإسبان لم يرغبوا في وضع مصيرهم بين يدي من يمكن أن يسيروا به نحو المجهول.

وإذا كان المسار الديمقراطي في إسبانيا قد تميز، نهاية سنوات السبعينيات، بالتوافقات وتقديم تنازلات من طرف جميع الفاعلين من أجل تمكين المملكة من طي صفحة الدكتاتورية ووضع نفسها في مسار الدول الديمقراطية، فإن الانتخابات العامة الأخيرة أثبتت أن النسيج السياسي والمجتمعي الإسباني لا يمكن أن يراهنا على بناء مشروع مجتمعي انطلاقا من نقد ما هو موجود، ورفض كل ما يطرحه باقي الفاعلين من دون اقتراح بدائل واقعية وقابلة للتطبيق، كما دأبت على ذلك القيادة الشابة لـ”بوديموس”. فالإسبان قد أخذوا الدرس من التجربة اليونانية التي لم يوصلها اختيار اليسار الجذري، ممثلا في حزب “سيريزا” وزعيمه تسيبراس، سوى إلى مزيد من التقشف والبطالة وانهيار اقتصادي كاد أن يهدد مكانتها بين دول الاتحاد الأوروبي.

إن الشعارات الرنانة وإيديولوجية الرفض الرافعة لشعار التغيير من دون إرفاقه ببرنامج واضح وقابل للتحقيق، لم تعد كافية لاستقطاب الناخب، لأن ما يطمح إليه المواطنون يتجاوز حماس الشباب الذي لم يقدم برنامجا مقنعا بالرغم من وعوده المتكررة بالرفاهية والازدهار. فالمشروع السياسي لا يمكن أن يعتمد فقط على المظاهر، كما أن التصويت الاحتجاجي لم يعد وسيلة للتعامل أثناء علمية التصويت، على الرغم من كونه يقدم طبقا إعلاميا دسما تستفيد منه وسائل الإعلام وتبنى عليه استطلاعات الرأي.

من جهة أخرى، أكد تصويت الإسبان يوم 26 يونيو الماضي أن البرامج الحزبية التي بنت سياستها الخارجية على قضايا داخلية لدول أخرى أثبتت محدوديتها. فمناوشات أحزاب اليسار، على رأسها “بوديموس”، ضد الوحدة الترابية للمغرب، ودعمها لطرح طرف دون آخر في قضية الصحراء، وتقديمها لوعد بدعم الانفصال، كلها أمور لا تدخل في صلب اهتمام الناخب الإسباني الذي أعطى أغلب أصواته للحزب الوحيد الذي لم يوقع أعضاؤه عريضة حول الصحراء، والذي يعتبر المغرب شريكا حقيقيا وجارا يعتمد عليه وأثبت أهميته في العديد من القضايا المشتركة.

إن التحديات المطروحة على الأحزاب السياسية في إسبانيا مرتبطة، أساسا، بارتفاع نسبة البطالة وتدني مستوى عيش السكان وانخفاض جودة الخدمات الاجتماعية والصحية، ولا وجود لإمكانية من أجل مواجهة هذه التحديات دون التوافق على حكومة وحدة وطنية تتجاوز العناد الشخصي للقيادات الحزبية وتضع على رأس أولوياتها مصلحة المواطن الإسباني، وهو الاتجاه نفسه الذي يذهب إليه الاتحاد الأوروبي الذي لا يحتمل، في هذه الفترة على الأقل، مواجهة إشكاليات سياسية داخلية قد تدفع إلى التفكير في الخروج من الاتحاد والانكباب على البيت الداخلي، على نهج استفتاء بريطانيا.

* الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج

‫تعليقات الزوار

10
  • عمر الزاوي
    الخميس 30 يونيو 2016 - 09:06

    برامج الاحزاب اليسارية الحديثة العهد كبوديموس وسيريزا…تتعرض لضغوطات رهيبة من طرف لوبيات الرأسمال،فلا يمكن لها ان تطبق برامجها وتضع حدا للوضع الاقتصادي الاوروبي المتردي دون المساس بمصالح كبريات الشركات المسيطرة على دواليب المجتمع،من السياسة مرورا بالدعاية الاعلامية وصولا الى ابسط تفصيل في حياة الناس،لذا فهي تحتاج الى النفس الطويل للجماهير من اجل مؤازرتها وليس الى مجرد آلية انتخابية توصلها الى سدة الحكم ومن ثم تُترك لتُخنق من طرف سياسيين متمرسين يمثلون مصالح الرأسمال الكبير.
    اما نقطة الصحراء التي اوردتها تعسفا في الموضوع فهي لا تشكل موضوعا يمكن له ان يحسم الانتخابات الاسبانية.الاوروبيون اشتراكيون كانوا ام ليبراليون ام …لا يختلفون عندما يتعلق الامر بالسياسات الخارجية،فهم دائما يضعون مصالح اوطانهم وشعوبهم في المقدمة متخلصين من كل مبدأ

  • مع اﻷسف تحليل غير دقيق
    الخميس 30 يونيو 2016 - 09:17

    فحزب بوديموس لم يسبق له أن حصل على 92 مقعدا. لقد حصل على 69 مقعدا في اﻹنتخابات السابقة ثم حصل بعد ذلك على 71 مقعدا في جولة اﻹعادة بعد أن تحالف مع حزب اليسار الموحد. وهو ما يعني أنه لم يحقق أي مكسب جديد ﻷنه حافظ على نفس النتيجة (69 + 2). مع اﻹشارة أن المقعدين يرجعان لحزب اليسار الموحد. وهما بذلك الحزبين الوحيدين اللذين حافظا على نفس النتيجة.
    قد أتقاطع مع الكاتب في كون الحزب الشعبي هو الحزب الوحيد الذي حسن من آدائه على حساب كل من الحزبين اﻹشتراكي وسيودادانوس. إلا أن ذلك راجع ﻷسباب عدة منها ما هو داخلي (النتائج اﻹقتصادية رغم اﻷزمة) وأوربي … أما إرجاع ذلك لعدم مناوئته للوحدة الترابية المغربية على خلاف أحزاب اﻷخرى فهو أمر غير دقيق مع اﻷسف

  • ملاحظ
    الخميس 30 يونيو 2016 - 09:36

    أشاطر الرأي للمتدخل الثاني وأثمن الأفكار التي قدمها لأنها تعكس ما حصل بإسبانيا خلال الانتخابات الأخيرة. مع الإشارة إلى أن الشعب الإسباني لا يواكب الحركة السياسية ويفضل وضع الثقة في حزب فاسد تورط في العديد من الفضائح عوض دعم حزب يساري شاب يتوفر على أطر لها من الكفاءة ما يسمح لها بتغيير الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

  • عبدالله
    الخميس 30 يونيو 2016 - 11:46

    يا اخي ما كاين لا بوديموس ولا اشتراكي ولا جوج، أروبا هاته هي بداية انهيارها بعد خروج الإنجليز ، اوروبا سوف تتفرق اليوم او غدا. وزن اوروبا مانا مهما جدا للاتحاد والآن المانيا وفرنسا سوف يعملون ما في جهدهم ان لا تتفرق اوروبا وفي الأخير سوف ينهار اقتصادهم وتنهار اوروبا.
    الزمن سوف يريك من هاته الأحزاب الاسبانية، سوف يقتربون الى المغرب اكتر من ما كانو عليه لأنهم واكلين الخبز مع المغرب، الوقت سوف يريك الصراحة، هم يريدون ان يشترون دول المسلمين وأضعافهم بوسيلة الدين والله سبحانه وتعالى سوف يضعفها ويشتمهم بضعف اقتصادهم لانه عاشو في الرفاهية مدة وما في قدرتهم العيش في ….وسوف يتور شعوبهم عليهم.
    يطول ويعجبكوم .

  • AMAZIGH
    الخميس 30 يونيو 2016 - 12:22

    المغرب شريكا حقيقيا وجارا يعتمد عليه وأثبت أهميته في العديد من القضايا المشتركة.ههههههههههههههههههههه

    -شريكا لانه يهدى له كل خيراته من خضر وفواكه, وسمك باثمان بخسة لا تتعدى نصف سعرها فى الممكلة.
    -جار لسبتة ومليليا الاسبانيتن وفى المستقبل الناظور والحسيمة وما بينهما من مدن وقرى.
    -يعرف ان اهميته مثل ما تعترف بها دول اخرى انه اقل اهمية من الصومال.

  • محمد
    الخميس 30 يونيو 2016 - 13:20

    بوديموس حصل على المرتبة الثالثة والنتائج التي اعلنت بصعود الحزب ااشعبي الاسباني راجع لنظام التصويت وكدا تحالفه مع الكنيسة ودور العجزة لاان اغلب من صوتوا هم ااعجزة واغلبهم مصاب بداء الزهايمر ،ومن وضع ورقة التصويت هن القسيسات المرافقن لهؤلاء العجزة ،اسبانيا ستعرف مخاضا عسيرا على ضوء هده النتائج قد تصل الى احتجاجات وطنية للطعن في هده النتائج.

  • الحــــــــاج عبد الله
    الخميس 30 يونيو 2016 - 14:30

    قلت في تعليق سابق بأن الإسبان شعب عاقل لا يمكن أن يضع مصيره بين يدي حزب المراهقين الذي لا يملك المال ولا البرامج لانقاد البلاد، يملك فقط الشعارات التي تدغدغ جوارح الغوغاء، أما المال الذي يحل جميع المشاكل فهو في يد من يصنعه. ومن يصنعه غالبا ما يتخذ له الأحزاب المحافظة معقل له لأنها هي التي توفر له الحضانة وبيئة استثمارات تستفيد منها الدولة بالضرائب والشعب بالشغل.
    وإذا صوت الشعب للأحزاب الشعبوية فإن صاحب المال الذي يدور عجلة الاقتصاد يحول ماله إلى بلد آخر كما حدث في المغرب حينما وصل بن كيران إلى السلطة حيث حول أثرياء المغرب أموالهم إلى الخارج و(هذا من حقهم) وتركوا له خزائن الأبناك فارغة من هنا جاءت جملته الشهرية والذكية التي قال فيها (عفا الله عنا سلف)
    صناع الثروة لا يتركون رساميلهم في يد الحكومات الشعوبية لكي تعبث فيها وتوزعها على ناخبيها على شكل ريع لحل مشاكلهم بشكل مؤقت وقصير قبل أن يتبخر المال وراس المال وتبدأ طوابير الناس تظهر من أجل الخبز كما يحصل الآن في فنزويلا والجزائر النظامين يحاربان صناع الثروة وفي نفس الوقت يبددان المال العام المستخلص من الثروات الطبيعية في سبيل الشعبوية !

  • الحــــــــاج عبد الله
    الخميس 30 يونيو 2016 - 17:58

    قلت في تعليق سابق بأن الإسبان شعب عاقل لا يمكن أن يضع مصيره بين يدي حزب المراهقين الذي لا يملك المال ولا البرامج لانقاد البلاد، يملك فقط الشعارات التي تدغدغ جوارح الغوغاء، أما المال الذي يحل جميع المشاكل فهو في يد من يصنعه. ومن يصنعه غالبا ما يتخذ له الأحزاب المحافظة معقل له لأنها هي التي توفر له الحضانة وبيئة استثمارات تستفيد منها الدولة بالضرائب والشعب بالشغل.
    وإذا صوت الشعب للأحزاب الشعبوية فإن صاحب المال الذي يدور عجلة الاقتصاد يحول ماله إلى بلد آخر كما حدث في المغرب حينما وصل بن كيران إلى السلطة حيث حول أثرياء المغرب أموالهم إلى الخارج و(هذا من حقهم) وتركوا له خزائن الأبناك فارغة من هنا جاءت جملته الشهيرة والذكية (عفا الله عنا سلف)
    صناع الثروة لا يتركون رساميلهم في يد الحكومات الشعوبية لكي تعبث فيها وتوزعها على ناخبيها على شكل ريع لحل مشاكلهم بشكل مؤقت وقصير قبل أن يتبخر المال وراس المال وتبدأ طوابير الناس تظهر من أجل الخبز كما يحصل الآن في فنزويلا ويحصل في الجزائر النظامين يحاربان صناع الثروة وفي نفس الوقت يبددان المال العام المستخلص من الثروات الطبيعية في سبيل الشعبوية !

  • علي حسن
    الخميس 30 يونيو 2016 - 18:27

    الى عبد الله رقم4 يا لك من محلل سياسي محنك زمن تطاحن الاوروبيين بينهم قد ولى الانجليز لم يسبق لهم تاريخيا ا ن كا نوا مؤدين للاتحاد الاوروبي اما الستتة المؤسسين للاتحاد لن يتخلو عن الفكرة ولو انسحب الاخرون.

  • homad
    الخميس 30 يونيو 2016 - 23:20

    الوضع السياسي في إسبانيا
    الم يرى أحسن من قبل من اﻷن فصاعدن
    هذه هي اﻷحزاب اﻷثنان صاعدة قد خربة الشعب اﻷسباني
    لكون هذا الشعب على مأعتقد أكلخ شعب في أوربا. ..هوا شعب النشاط وترفيه واحتفالات فقط
    هوا ليس ككل الشعوب اﻷروبية … كالفرانسين
    واﻷالمانين وغيرهم
    الشعب اﻷسباني تقريبا كالشعب المغربي
    يموت كل يوم 30 موتا ولم يحرك سكينن

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين