لاجئون عابرو سبيل في ليبيا .. معانقة أوروبا أو احتضان الموت

لاجئون عابرو سبيل في ليبيا .. معانقة أوروبا أو احتضان الموت
الثلاثاء 23 ماي 2017 - 04:00

شخص ما كتب بالفحم على جدار بجانب مراحيض: “الأشياء الجيدة لا تأتي بسهولة”. في مكان مثل هذا لا نعرف ما إذا كان كاتب هذه العبارة يقصد بها شعارا للمثابرة أم للسخرية، فالجدار المكتوب عليه هذه العبارة يوجد في مستودع واقع على أطراف العاصمة الليبية طرابلس، حيث يفد إليه لاجئون من إفريقيا بعد توقيفهم من قبل خفر السواحل خلال محاولتهم الفرار إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

تفوح من المستودع رائعة العرق والبراز والغسيل المبلل. مئات الحشيات (المراتب) ملتصقة بعضها ببعض على الأرض. اللاجئون يقفون في الخارج “للتزود بفيتامين د”، هكذا يقول وجدي المنتصر، قائد مخيم اللاجئين. وبينما يلعب الرجال بأقدام حافية أو بجوارب كرة القدم، تجلس النساء في فناء ذي سقف شبكي. الجدران مطلية حديثا باللون الوردي وعليها رسوما ضاحكة لميكي وميني ماوس. الغسيل معلق على أرجوحة أطفال. هذه إحدى مخيمات اللجوء النموذجية التي تعرضها حكومة الوفاق الوطني الليبية أمام الصحفيين ومنظمات الإغاثة الدولية.

بناء على ذلك فإن الأوضاع في معظم مخيمات اللجوء في ليبيا رهيبة على نحو لا يمكن تصوره. “في مخيمي الأخير كانت تنام بجواري امرأة مريضة”، هكذا تروي شيلوك (30 عاما) المنحدرة من نيجيريا. “الحراس رفضوا استدعاء طبيب لها لأن الوقت كان ليلا. في وقت ما توقفت عن الأنين وماتت”. شيلوك تجلس بجوار نساء شابات أخريات على الرمال، بعضهن يرضعن أطفالهن. “سامت” مولود جديد عمره أسبوع مسمى على اسم أحد المشرفين في المخيم. يقول قائد المخيم إنه تم إنجاب العديد من الأطفال داخل المخيم خلال الفترة الأخيرة.

بدون أطفال غادرت شيلوك بلدها قبل تسعة أشهر. تروي شيلوك أن زوجها قُتل وأنها تركت طفليها الصغيرين لدى والدتها لأنها تريد السفر إلى أوروبا بحثا عن مستقبل أفضل. وبدلا من الوصول إلى هناك، تقبع شيلوك حاليا في مخيم اللاجئين بليبيا.

تقدر منظمة الهجرة الدولية عدد اللاجئين المقيمين في ليبيا حاليا بنحو مليون لاجئ. وتعتبر ليبيا الآن أهم طريق عبور للاجئين في رحلة فرارهم من إفريقيا إلى أوروبا. وخلال هذه الرحلة كثيرا ما يسقط اللاجئون ضحايا في يد عصابات تهريب بشر آخر ما يهمها هو نقل الأفراد إلى أوروبا في أسرع وقت ممكن.

شيلوك مرت أيضا بقصص مرعبة خلال طريق هروبها، لكن لا يزال أملها في الذهاب إلى أوروبا كبيرا. تروي شيلوك أنها توجهت في قريتها إلى امرأة مسنة مشهورة بمساعدتها لنساء أخريات في الفرار. وبعد بضعة أيام وصلت شيلوك إلى مدينة صغيرة في نيجيريا ، اضطرت فيها إلى ممارسة الدعارة لدفع تكاليف السفر. وبعد فترة فرت شيلوك ولجأت إلى عصابة تهريب بشر أخرى وتمكنت عقب ذلك من الوصول إلى ليبيا عبر الصحراء الكبرى، ثم الصعود على متن أحد قوارب تهريب المهاجرين في البحر المتوسط. لكن على بعد أميال بحرية قليلة أوقف خفر السواحل القارب، ونُقلت شيلوك مع آخرين إلى مخيم اللاجئين على أطراف طرابلس.

يقول العقيد أشرف البدري من جهاز خفر السواحل الليبي في طرابلس إن رصد قوارب اللاجئين عملية صعبة بوجه عام، وأضاف موضحا: “مهربو البشر ماكرون للغاية. إنهم يستخدمون قوارب مطاطية لا ترصدها أجهزة الرادار”، موضحا أنه يتم الاعتماد ليلا على السمع في رصد هذه القوارب، بسبب عدم امتلاك خفر السواحل لأجهزة رؤية ليلية.

يجلس البدري في حاوية صغيرة على أطراف الميناء. وفي الميناء يوجد قارب مقلوب صدئ، بجانبه قوارب سريعة يبلغ طولها 12 مترا تابعة لخفر السواحل، وهي أكبر قليلا من قوارب المهربين. يشعر البدري بالخذلان من الجميع، فحكومته والاتحاد الأوروبي تعهدا بتقديم مساعدات، لكنها لم تصل، موضحا أن مهربي البشر متفوقون بصورة واضحة في العتاد، وقال: “الوضع يزداد سوءا… سيطرة الحكومة على الوضع تكاد تكون معدومة، وهناك تزايد في الميليشيات المسلحة التي تتعاون في بعض الأماكن مع المهربين”.

لكن يبدو أن خفر السواحل نفسه على صلة بشبكات تهريب البشر، حيث جاء في رد مصنف بدرجة “سري” للحكومة الألمانية على طلب إحاطة للكتلة البرلمانية لحزب “اليسار” الألماني المعارض أنه نما إلى علم الحكومة الألمانية وقائع عن “تعاون بعض مسؤولين في قطاعات بخفر السواحل الليبي مع شبكات تهريب بشر، مثل توضيحهم للطريق البحري الذي يمكن استخدامه في التهريب، ومرافقتهم لقوارب المهاجرين وانتشال القوارب التي تم استخدامها في التهريب لإعادة استخدامها مجددا”.

تقدر منظمة الهجرة الدولية الأرباح التي تحققها عصابات تهريب البشر من تهريب لاجئين من إفريقيا إلى أرووبا بنحو 140 مليون يورو سنويا. وتحدثت المنظمة مؤخرا عن أسواق منظمة للعبيد في ليبيا.

المهاجرون بلا أمل في مهب الريح. النساء يجبرن على الدعارة والرجال يجبرون على العمل الشاق أو لا يتم إطلاق سراحهم إلا مقابل فدية. وحتى عندما يوقف خفر السواحل اللاجئين في البحر فإن كثيرا منهم لا يريدون العودة إلى وطنهم. تقول النيجيرية شيلوك: “لا يمكنني العودة”، موضحة أن الضغوط التي مرت به كبيرة للغاية ولا يمكنها العودة إلى أبنائها في مسقط رأسها وهي تحمل أذيال الفشل ، وقالت: “إما أن أصل إلى أوروبا أو أموت في البحر”.

*د.ب.أ

‫تعليقات الزوار

3
  • الامازيغي الحكيم
    الثلاثاء 23 ماي 2017 - 05:03

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ازول نربي فلاون
    مسألة اللاجئين حول العالم هي من اخطر المشاكل التي تواجه الدول الغربية..وما منع دونالد ترامب بعض الدول من دخول الولايات المتحدة تحت ذريعة الإرهاب الاسلامي الا دليل على خطورة هذه المشكلة فالمكسيك ليست دولة إسلامية ولكن ضرب بينها وبين الولايات المتحدة سور "المكسيك العظيم " حتى يمنع تدفق البشر إليها..على كل يبقى السبب الرئيسي في أزمة اللاجئين حول العالم هو الحروب المتزايدة إلى جانب الفقر والعدم الذي كانت الدول الرأسمالية نفسها من بين أسبابه ايضا عدم توزيع خيرات الارض بالمساواة ونهبها دون هوادة..خاصة نهب الدول الفقيرة ..إذن..الاتجار بالبشر والتهريب عبر قوارب المطاطية كل هذا. ذر الرماد في العيون فعلا هذا واقع موجود.لكن رغبة اللاجئ أقوى من كل الرغبات انه ببساطة يريد أن يستعيد حقه المنهوب من الدول الغربية باللجوء إليها.ولو كلف ذلك نفسه تحت شعار اعطوني حقي من هذا الكوكب الأرضي ..تنميرت وشكرا . .

  • لا حول و لا قوة بالله,
    الثلاثاء 23 ماي 2017 - 09:56

    لا حول و لا قوة بالله, الدول العظمى بدل أن تساهم في رفع مستوى العيش في إفريقيا و بعض بلدان آسيا و تفرض عليهم ،نظام سياسي رشيد بدل الإستبداد و الدكتاتورية التي يعيشون في ظلها , هذا هو الحل الأمثل لتدفق ملايين من الجياع على ما يرونه فردوسا في الجانب الآخر لأن لا حل بين أيديهم , لكن لا نرى من الدول العظمى سوى القنابل و الصواريخ و الحروب والملليير تنفق هباء , و الموت اليومي و البحث عن المصالح , إن قيادة العالم تقتضي إقامة العدل و نشر الخير و لاشك أن العديد من ذوي النيات الحسنة في الدول العظمى يناقضون و يعارضون سياسة بلدانهم .

  • وليد
    الثلاثاء 23 ماي 2017 - 15:29

    لا يجب أن نتهم دولا أخرى بما يقع من مجاعة في الدول الأفريقية. فالعيب في حكامهم الذين يتلاعبون بثروات بلدانهم الطبيعية الهائلة بدلا من تقسيمها بالعدل وانصاف بين شعوبهم واستثمارها احسن استثمار لتعود بالنفع على شعوبهم. ولو فعلو ذالك ما رأينا هذه المآسي الانسانيه الكبرى. أين تذهب الملايير الدولارات من الدولارات من عائدات النفط و
    والغاز والذهب والألماس والاحجار الكريمة وغير ذالك من المعادن لدول كنيجريا 'الجزائر' ليبيا أنغولا غينيا الاستوائية الخ……..

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة