سهام الفراكِي .. معلّمة سيدات رُومَا كيفيَّة معانقة العيش كمغربيَّات

سهام الفراكِي .. معلّمة سيدات رُومَا كيفيَّة معانقة العيش كمغربيَّات
السبت 28 فبراير 2015 - 09:00

نشأت سهام وسط بيئة معدمة، لتضطرّ إلى شقّ طريقها وسط الغربة من أجل إنقاذ أسرتها من الفقر.. فأفلحت بتحقيق ذلك وسط مسار عصاميّ لا يمكن أن يعدّ إلاّ نجاحا بفضل درجة التطوّر الجماعي التي حققها بالنسبة لأسرة كاملة تغيرت عيشتها بشكل كامل.

استثمرت نفس المغربيّة بعضلاتها بعد أن اعتمدت على تقوية نفسيتها وهي تواجه المصاعب المهنية المتعدّدة في سبيل ضمان قوت أقاربها.. هذا قبل أن تتحول للاستثمار بثقافة بلدها الأم، وسط الديار الإيطاليَّة، لتتحوّل إلى سفيرة للمغرب وسط شريحة عريضة من الإيطاليات أضحين يقرنّ صورة المملكة بتمثلاتهنّ الإيجابيّة عن سهام.

محنَة عيش

في عام 1979 ولدت سهام الفراكِي بالعاصمة الرباط، وبعد مقام قصير وسطها انتقلت بمعيّة أسرتها للعيش وسط العاصمة الاقتصاديّة، وذلك وسط ظروف صعبة ناجمة عن انتمائها لنواة أسريّة بإمكانيات مالية متواضعة للغاية.. ورغم ذلك تحصّلت سهام على نصيب من التعليم، إلاّ أن ذلك لم يسر على نحو جيد بفعل التأثير السلبي لمحيطها، فيما شبّت الفراكي على وقع أحلام تتنامَى صوب الهجرَة، متأثرة بقصص لمن كانوا بذات وضعها القاسي قبل أن يتحسن مستوى عيشهم نتيجة البحث عن فرص خارج البلاد.

“عشت لسنوَات وأنا أتمنّى أن أهاجر، وذلك في محاولة لاكتشاف العالم، بحكم صغر السنّ، وكذا محاولة إنقاذ أقاربي من الحالة الاجتماعيّة الصعبة بتحسين عيشهم” تقول سهام قبل أن تزيد: “عائلتي كانت على اطلاع بطموحي، ولم تبد إيّ ممانعة بل شجّعتني في محاولة إقدامي على تجربة قد تنقذ الجميع”.

مغامرة إيطاليّة

رحلت سهام صوب الديار الإيطاليّة وعمرها لم يتجاوز الـ17 ربيعا من عمرها، مواجهة صعوبات جمّة ضمن خطوتها غير محسوبة العواقب.. حيث أقدمت على الاشتغال بعدد من المهن البسيطة من أجل ضمان الوفاء بالتزاماتها المادّية وإرسال ما تستطيع توفيره من مال نحو الأسرة التي تنتظر اتصالاتها بالدّار البيضاء.

وفي لحظة استذكار تقول الفراغي عند لقائها بهسبريس وسط رُوما: “عملت أجيرة، وبقيت محتفظة بطموحي لبلوغ ما هو أفضل.. وقد امتهنت حرفا خدماتية بسيطة مكنتني من تكوين نفسي وإنقاذ أمّي وإخوتي من وسط الفقر”، وتسترسل سهام: “كنت وحيدة بلا عائلة تحتضنني، وبالرغم من افتقاري لأي رقابة على تصرفاتي إلاّ أنِّي لم أفكّر في الخروج عن جادّة الطريق الجديّ الذي ابتغيته لنفسي، متسلحة بحفاظي على التقاليد المغربيّة رغم أنّ عمري لم يكن قد بلغ الـ18 بعد.. لذلك أشكر الله الذي ساعدني على فعل ما لم أندم عليه، كما لدي كل الامتنان لوالدتي التي ربتني على عزّة النفس وطيب الأخلاق”.

تطوّر ملحوظ

استوفت سهام عامها الـ19 ضمن مسار هجرتها، وخلال هذين العِقدين حاولت العمل بكامل مجهودها لفرض نفسها ونيل رضا مشغليها، خاصة ضمن الفترة التي كانت محتاجة لتسوية وضعية إقامتها، ومع التطورات قررت الفراكي توجيه قدراتها لإنشاء مشروع خاص بها.. “مع توالي السنين أحسست بأني أتعرض للاستنزاف مقابل أجر زهيد من الأرباح المحترمة التي كنت أساهم في تحقيقها بشكل كبير، حيث تمّ استغلال حاجتي للعمل من أجل إعالة أسرتي في هذا الوضع الذي عبرت عن رفضه لاحقا”.

حققت سهام اندماجا سريعا وسط العاصمة رُوما، وتزوّجت لاحقا بإيطاليّ قبل أن ترزق بطفل، ثمّ قررت البصم على مشروع خاص بها وهي تكتري محلاّ صغيرا برغبة في الاستثمار ضمن ميدان التجميل.. وتورد سهام عن هذه الخطوة: “كنت أبتغي تحقيق مشروع خاص بي أجعله يكبر على مهل، وأمام هذه الفكرة تملكتني الحيرة حين وجدت أمامي مقترحات لا علم لي بها ولا يمكن أن أضع بها الرأسمال البسيط الذي كنت قد أفلحت في لمّ، وبحكم عشقي لعالم التجميل والأزياء قررت الاتجاه صوبه”.

أبدت الفراكي تصميما كبيرا على إنجاح فكرة التشغيل الذاتي، خاصة وأنّه قد تحوّل إلى ورش خلق مناصب عمل استفاد منها آخرون، وكل ذلك باستثمار الثقافة المغربيّة ومواد زينة وتجميل تستقدمها سهام من وطنها الأمّ.. “لقد أخذت وقتا لنيل ثقة الإيطاليّات وضمان إقبالهن على الخدمات التي أقترحها، لكن الأمور تطورت وهي تحمل صوبي نجاحا غير متوقع بفل صدقي مع كل الوافدات على محلّي” تقول ذات المغربيّة.

أضحَى اسم سهام الفراكي، وبوتيكُها الشهير بـ”شهرزاد”، معروفا بالعاصمة رُومَا.. خاصة وأن ذات الشابّة قد أفلحت في جعل كلّ نساء الحي الذي يستقر به نشاطها عاشقات للتزيّن كالمغربيّات بمواد من الحناء وزيت الزيتون والكُحل والقرنفل، وذلك بالرغم من تغييرها لمحل الاشتغال ابتغاء لفضاء أرحب بفعل كبر الإقبال.. وبشأن ذلك تعلق سهام: “اشتريت محلا بمساحة أكبر من الأول، وأضحيت مالكة له بالفعل جراء استفادتي من قرض أغطي مستحقاته بسهولة.. بل أضحت عرائس إيطاليات تقبلن على خدماتي من أجل زفّهنّ على الطريقة المغربيّة، بما فيها طقوس الحمام البلدي.. وحتَّى العاملات معي هنّ إيطاليات أضحين محترفات ضمن المجال الذي الغارق في تَامغرَابِيت”.

الوطن وطموح

ما تزال السنوات الـ17 الأولى لحياة سهام الفراكي بالمغرب موشومة ضمن مخيلتها وكأنها تعني ما جرَى البارحَة، ولا تدع فرصة تمرّ دون أن تبدي اشتياقها للوطن الذي عادت لا تزوره إلاّ ضمن فترات متقطّعة لا تدوم لما يكفي من الزمن كي تروي حنينها لأرض رأت بها النور وعاشت بها لأحوال شكلت شخصيتها رغما عن قساوة الوضع الاجتماعي لأسرتها حينها.. بينما تطمح سهام إلى تطوير استثمارها بإنشاء فضاءات أخرَى تقدّم خدماتها على الطريقة المغربيّة بإيطاليا، وأولاها حمام مغربي هو الآن في طور الانتهاء من تفاصيله الإعداديّة.

“لقد أصبحت أمّا، وبحلول كل يوم أودّ نقل المزيد من تقاليد المغرب وثقافته لأبني كي لا يعتبرني أجنبيّة عنه.. حتَّى فضاء اشتغالي عمدت على تجهيزه بأثاث مغربي إلى جوار إعداده بفنون معمارية من وطني الأمّ، أبرزها السيراميك والزليج البلدي والفسيفساء، وحتّى الموسيقى التي تسمع بداخله هي مغربيّة، ذلك أني أعدّه قطعة من بلدي الأصلي بحكم التواجد المطول الذي أمضيه وسطه” تقول الفراغي.

أمّا بخصوص الشباب المغاربة الراغبين في البحث عن ذواتهم خارج الوطن فإن سهام تقول لهم: “ليس كل ما يفكر به المرء يكون صوابا، ولا كل ما يقوم به.. فلو أتَى ابني في يوم من الأيام لإخباري بقرار تحركه للهجرة فإنِّي سأمانع بالرغم من إقدامي على ذات الخطوة بالماضي”، وتضيف نفس المغربية الإيطاليّة: “ينبغي محاولة تحسين الأوضاع الاجتماعيّة بالبدء في ذلك من داخل الوطن، مع الوعي بضرورة المثابرة والتعب، وحين الاضطرار لقصد المهجر ينبغي الإلمام بكون الجد والصبر هما متطلبان مفصليان من دونهما لن يفلح أي كان في نيل النجاح المستحقّ”.

‫تعليقات الزوار

3
  • بنات لبلاد
    السبت 28 فبراير 2015 - 20:30

    وسيمة هذا ما يمكنني ان اقوله وذكية يظهر من بريق عيناها ما شاء الله

  • Abdel
    السبت 28 فبراير 2015 - 21:01

    تقرير جميل لكن يلزمه صور, حبدا لو تضعو صورة لكل فقرة حتى تعبر عنها و تكون قراءة التقارير ممتعة, و لكم اطيب المنى!

  • nadahajar
    الأحد 1 مارس 2015 - 22:47

    التقرير كان رائعا وسهام كانت صريحة وواضحة في وصف مسار حياتها في ايطاليا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 20

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 27

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 3

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة