بيان "بدر" حول "غزة"

بيان "بدر" حول "غزة"
الخميس 17 يوليوز 2014 - 20:30

سياق ” بدر”

إن أي رسالة تسعى إلى تحرير الإنسان من العبودية و المساواة بين البشر في الحقوق و الواجبات، و نصرة الضعفاء و تثبيت الحق، لابد أن تعادى و تقاوم و يتخذ في سبيل ذلك كل الوسائل لإطفاء جذوتها في المهد.

كانت الدعوة المحمدية تجسيدا لهذا الصراع، فبعد الشعور بالخطر على الآلهة و الأصنام، أدرك أبو لهب إفلاس بورصته المالية، وأحس أبو جهل بتهديد مكانته و خراب ناديه السياسي، فأعلنوا العداء و تفننوا في المواجهة، فأذاقوا المسلمين فنون التعذيب، و نظموا ” قصيدة الإبعاد ” التي ستتلوها شعاب مكة، و تنشد سياط أبي لهب سيمفونية ” بلالية ” : أحد أحد… و تشهد بذلك الهجيرة و الرمضاء، و يمارس النظام القرشي حصاره الاقتصادي، فلم يكن أمام المسلمين سوى البحث عن أرض طيبة تهيئ لهم الظروف لاستمرار ناموس الدعوة . لقد كان تغيير مركز الدعوة الجديدة من مكة إلى المدينة أفقا استراتيجيا أدركت فيه قريش الخطر على تجارتها و قوافلها و وثنيتها.

كان لابد من تطور موقف المسلمين من الضعف، الذي فرضته ظروف مكة، إلى التمكين، فقد أخرجوا من ديارهم و تركوا بلدهم، أحب بلاد الله إلى رسول الله ( و الله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما تركتك أبدا ).

لم يكن هدف المسلمين القتال فقد خرجوا يطلبون قافلة قريش التي يسير بها أبو سفيان لعلهم يعوضون عن ممتلكاتهم التي تركوها في مكة، لكن أبا سفيان بدهائه نجا بالقافلة بتغيير الطريق، لكنه منح النجاة لقريش بتجارتها و مهد لهزيمة عسكرية، فقد خرجت قريش بزعامة قادتها في أعداد ضخمة و أسلحة كثيفة لتحمي قافلتها، و بعد علمها بسلامتها أبى استكبارها و تعنتها إلا المواجهة، و رفضوا العودة، و كان أمر الله قدرا مقدورا.

لقد كان قتال المسلمين لقريش لدفع الأذى و تأمين حرية الدعوة و استرجاع حقوق المظلومين، وذلك في شروط راقية للمواجهة، فقد نهى عليه الصلاة و السلام عن قتل كثير من المشركين ( إني قد عرفت رجالا من بني هاشم و غيرهم قد خرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هاشم فلا يقتله، و من لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها )، كما استوصى بالأسارى خيرا و كان الفداء على قدر أموالهم و قدراتهم و أطلق سراح بعض الأسرى الذين لم يقووا على الفداء كوهب بن عمير و أبو عزة عمرو الجمحي، و كانت تجربة متميزة في تاريخ الشعوب في التعامل مع الأسرى، و هي الفداء مقابل تعليم المسلمين، هذه المقصدية و الفلسفة التنموية البشرية العسكرية لم يقف عندها القادة و الضباط العسكريون، على مر التاريخ، في مواجهاتهم الحربية، كيف يصبح عدوك و خصمك ( الذي هو في هذا السياق كافرا) معلما لك ؟ كيف تنتقل من الرغبة في الانتقام و الإبادة إلى الرغبة في التعليم من عدوك ؟ فلا يمكن أن يكون أي هدف لهذا العمل سوى مقاصد الدين ؟ فإذا غابت هذه البوصلة فلا يمكن أن تكون إلا مقصدية الإبادة و الاستعباد و الحصول على الثروات و الموارد الأولية و تحقيق الأحلام العنصرية، عقلية و مقصدية العدو الصهيوني.

بين بدر و غزة :

إن من حكمته تعالى أن يجمع رمضان هذه المواجهات الحضارية، فالصراع في عمقه واحد بين بدر و غزة، والمستهدف واحد : دين الله و دعوته، فالأرض ليست مقابل السلام، فقد عرضت على الكيان الصهيوني أراضي مختلفة في كندا و إفريقيا لكنها رفضت ذلك، فالأمر صراع هوية و تبعية، و رغبة في الاستئصال و وضع حد للخطر الاستراتيجي في المدينة و أو في غزة أو في غيرها، و كل تحرر و دعوة للحرية و التوحيد يعادى ( و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم )البقرة 120 ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا )المائدة 82.

إن سنن الله واحدة تتكرر في الزمان و المكان بنفس المنطق ( و لن تجد لسنة الله تبديلا )، العداء لأهل الحق واحد، لا فرق بين نتانياهو و أبي جهل و لا بين ليبرمان و أمية بن أبي الصلت و لا بين ليفني و زوجة أبي لهب، حمالة الحطب.

إن مواجهة بدر بيان إلاهي فيه توصيات تصدق على كل مواجهة أو موقف صراعي بين الحق و الباطل، و هي كالتالي :

ـ إن كثرة العدد و العدة ليست مقياسا للنصر، فالخصم قد يقل عدده أو يكثر حسب معنويات المقاتل، لقد وصف عمير بن وهب المسلمين في هذه المواجهة ب ( البلايا تحمل المنايا )، و شتان بين من يشتري نفسه بثمن الجنة و من تسيطر عليه روح الانهزامية قبل بدء القتال، فقد خرج أمية بن خلف تحت ضغط أبي جهل الذي قال له :( استجمر أبا علي فإنما أنت من النساء )، و قد كانت صورة القدح الناهي عن الخروج تشيع فيهم روح اليأس.

ـ إن الدعم الالاهي متعدد بتعدد السياق و بمستويات المواجهة، فقد مكن الله البدريين من نوم عميق ليلة المعركة للاستعداد النفسي و الجسدي و منحهم قوة نفسية ” اينشطانية”، يصبح فيها عدد العدو أمرا نسبيا، كما أنزل المطر و تمهدت به الأرض الرملية لتخف حركة المسلمين في مقابل عرقلة حركة قريش،(إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)الأنفال 11 ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا و لو أراكهم كثيرا لفشلتم و لتنازعتم في الامر و لكن الله سلم، إنه عليم بذات الصدور) الأنفال 43. إن حركة الله لا تقتصر على تأييد المؤمنين بل تتحكم أيضا في حركة العدو،( وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلا، و يقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا، و إلى الله ترجع الأمور)الأنفال 44

إن هذا الدعم الإلاهي ليس حكاية “أزلية ” و لا بطولات وهمية تقرأ في الحلقات والساحات، بل الأمر مصيري و حاسم لمصير الدعوة ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض )، و العصابة هنا في العربية كانت تعني الفئة المؤمنة، و المؤمنون ينصرون الله فينصرهم،( إن تنصروا الله ينصركم و تثبت أقدامكم) و هذا من بنود بدر التي تعاد في غزة، فمن الدعم المعنوي الذي يعيشوه أهل القطاع أن الصواريخ لم تعد ترعبهم عكس العدو، رغم اختلاف قوتها، و من الدعم المعنوي الغزاوي، الذي لا نعرف حقيقته نتيجة البعد عن الساحة و للتعتيم الإعلامي، أن العدو لم يعرف حقيقة غزة تحت الأرض و لا يستطيع الوصول إلى أهدافه، و لا يستطيع مطاردة صواريخ القسام بقبته الحديدية التي أصبح الشك فيها و أنها ” وهم إسرائيلي”.

إن الذي أنزل الملائكة يوم بدر قادر أن ينزلها في غزة، أليست نفس المعركة، أليست نفس القضية ؟ أليست نفس القوانين و السنن ؟ أليست الآية حصرية ( و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أليست هذه عزته و حكمته على الأرض ؟ أليست شروط النصر هي الصبر و التقوى ؟

فبعد الدفعة الأولى من جنود الاحتياط الملائكي الجاهزة التي تنتظر الإذن الالاهي ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين؟ )آل عمران 124 يأتي مدد تحقيق شروط النصر ( بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)آل عمران 125.

ـ و من بنود بيان بدر، الدعاء، كان رسول الله (ص) يتابع المعركة و قلبه متعلق بالله، تارة ينزل المعمعة فيستنهض الهمم، و تارة يصعد العريش يدعو ربه و يستغيثه و يستنجزه وعده بالنصر.

إن التضرع إلى الله ثمن النصر في كل الأحوال، فهو الوظيفة الكبرى التي خلق من أجلها الإنسان، فالمصائب و الابتلاءات المختلفة التي تصيبه هي أسباب و عوامل تنبهه لعبادة الله و الفرار إليه، و التضرع هنا ليس سلبية و لا تواكلا فقد سبقته حركة “فاثبتوا “،( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) الأنفال 45، و الثبات يعرف لحظة الشدة، بل هو شرط في الحياة العادية الاجتماعية فما بالك في اللحظات المصيرية ؟ إنه أكبر قوة لمواجهة العدو، أليس الثبات هو الذي يجعل غزة تنضاف إلى عجائب الدنيا السبع ؟ إن غزة رمز الثبات، تمرست بالحصار حتى تركته يقول أمات الموت أم ذعر الذعر، غزة رماها العدو بالنار حتى تكسرت الصواريخ على الصواريخ و لم تعد تبالي، إن ثبات غزة يخلق الذعر في الكيان الصهيوني، و ما أراه إلا الدعم الالاهي الذي أعطاه الله تعالى لأهل غزة.

ـ و من بنود بدر أن النصر في المعركة ينبع أساسا من الحنكة و سعة الأفق و القدرة على تحريك القوات و التعامل معها، و الثقة الكبيرة المتبادلة بينها و بين القادة، فقد ارتبط رسول الله(ص) بالبدريين في كل لحظات المواجهة، يخطط و يوجه و يعالج مواضع النقص و يعدل الصفوف بل و يباشر القتال، و يكون ضمير كل لبة، يقول علي بن أبي طالب : (كنا إذا اشتد الخطب و احمرت الحدق اتقينا برسول الله، فما يكون أحد اقرب إلى العدو منه، و لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ برسول الله )، و في تصريحات أحد قادة غزة أنه لا يميز بين الشهداء الأطفال و النساء و القادة.

و يأتي بند المشورة في بيان “بدر”، فقد كان الرسول (ص) يستشير أصحابه فيما له علاقة بالتدبير و السياسة الشرعية، فالاتفاق على المواجهة كان جماعيا، و لم يكن جواب أبي بكر و لا عمر و لا المقداد كافيا، فظل عليه السلام يتأمل في الوجوه باحثا عن رأي الأنصار، فليس من حقه أن يجبرهم على القتال لأن المعاهدة معهم لا ترتبط إلا بالدفاع عنه داخل المدينة، فلما تحدث سعد بن عبادة اطمأن و طابت نفسه عند ذاك، و يجسد نزوله عند رأي الحباب بن المنذر لتغيير مكان التموقع قمة المشورة.

إن القوة التي تمنح للغزاويين، و التي أثارت العدو و كانت سببا في الهجومات، هي وحدتهم و تكثلهم و اتفاقهم الذي يشترط المشورة، فالمشورة هي فلسفة أي اتفاق، ينتج عنها التراضي ثم الدفاع عما اتفق عليه. إن الأعداء يدركون جيدا ما معنى “الوحدة”، فهي المعادل الموضوعي للتوحيد : إلاه واحد و دين واحد و مصير واحد و بالتالي عدو واحد، هذا ما يخشونه، و هم يعرفون جيدا نظرية ” الكاو” التي يهزم فيها الضعيف القوي، فقد حقق أهل بدر ” الكاو” لقريش و يحقق أهل”غزة” الكاو” للعدو الصهيوني، و لا أستبعد أن تصبح أبجديات ” المقاومة الغزاوية ” تدرس في الجامعات الحربية، صواريخ لا تكلف إلا ثمن علبة “سيجار” لدى العدو في مقابل صاروخ القبة الحديدية الذي يكلف 50 ألف درهم.

ـ و من بنود بدر ” مراعاة السياق “، فقد كان الرسول (ص) يعرف شروط الواقع و ما تتطلبه المرحلة و كيف يتعامل مع أعدائه و خصومه دون أن يفتح عليه الجبهات للمواجهة، فقد تعاهد مع اليهود داخل المدينة من خلال وثيقة دستورية تضمن لهم حقوق المواطنة و التمتع بالحرية الدينية، و قد أثبتوا و كما يثبتون في فلسطين أنهم سباقينا إلى نقض العهود و لا يضمن شرهم و أن سياستهم العنصرية لا تجعلهم يعيشون السلام،( العودة إلى قصصهم القرآنية و تاريخهم الصهيوني )

‫تعليقات الزوار

1
  • مفروح
    السبت 19 يوليوز 2014 - 11:56

    حررنا فلسطين بكري و بقا تسنا في الملائكة المسومين

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين