غزة... أو حين ترتدي البوصلة ثوب نبي

غزة... أو حين ترتدي البوصلة ثوب نبي
الخميس 17 يوليوز 2014 - 20:30

بغض النظر عن مرجعياتهما و أدبياتهما التي قد يختلف البعض أو الجل معهما فيها أو يتقاطع, ظل حزب الله و القاعدة يشكلان الإستثناء في المنطقة العربية. حرصت الأولى بداية على حصر الصراع و تحديده في المواجهة مع الكيان الصهيوني بينما نالت الثانية شهرتها من خلال البحث عن الإصطدام مع الغرب و مع الأنظمة العربية تحديدا .لكن يبدوا أن المواجهة الحالية بين هاتين المنظمتين على الساحة السورية تهدف أساسا إلى استنزاف قدراتهما و ذلك بعد استدراجهما باسم الطائفية في إطار خطة ممنهجة و فخ محكم في تطبيق ناعم و عالي الجودة لنظرية الإنفجار الداخلي. حينما سألت “إيدعوت أحرنوت” توني بلير الأسبوع الفارط حول احتمالية اجتثات الكيان الصهيوني لحركة حماس في العدوان الحالي على غزة أجاب بالنفي. لكن أكد إمكانية حدوث ذلك في حالة الفتنة الفلسطينية و الإقتتال الداخلي أي من خلال الإنفجار الداخلي و الإستنزاف الذاتي. هذا يدفعنا دفعا إلى تحسس أهمية الوحدة و البوصلة في قضايانا الوطنية..

حين بدأ العدوان الغاشم على غزة، كان في اعتقاد و ظن الكيان الصهيوني أن الحسم في متناول اليد ومتاح لاسيما بعد سياستي الحصار و التجويع المستوحاة من القرون الوسطى و هي للعلم نفس ما طبق على العراق حيث يبدأ الأمر بالحصار في أفق الإنهاك يتبعه التدخل السافر و تختتم الصورة و الصيرورة بصراع طائفي مقيت. لكن الكيان إياه لم يكن يعي و يدرك أن غزة هي للأعداء مثل الرمال المتحركة و الكابوس و ليست متنزها.

استقراء الوضع الحالي يوحي أن غزة اليوم بمواجهتها المتميزة للعدوان و تفضيلها خيارالنضال و الإستشهاد على الركوع و الإستسلام هي ضمنيا تختزل روح الأمة و عمق الدين في مقاربة الصراع . لا يسعفنا في التعبير عن دورها و يقينها إلا صرخة مظفر النواب في قصيدة الأساطيل: » إننا أمة ، لو جهنم صبت على رأسها واقفة، ما حنى الدهر قامتها أبدا « .

غزة ارتقت و غدت رمزا للأخلاق و للحضارة و الإنسانية المضرجة بدماء الشهداء .واهم و مخطئ اليوم و غدا من يعتقد أن الإنتصارات تتحقق بعقلية القرون الوسطى أي بطابعها المادي الصرف الذي يحدده عدد القتلى و حجم الدمار. مسلّمة و اعتقاد كهذا هو قمة الجبن و التخلف و الفشل الحضاري.

فبقدر تمثٌل العنف في الحروب كخيار و آلية حتمية لتدبير الصراع عبر الإصطدام، يظل الشق الأخلاقي و الجانب الإنساني هو المحدد الأول و الأخير للإنتصار كحدث يٌستقرأ و يفرض نفسه في التاريخ. فكما كان انتصار سيدنا علي كرم الله وجهه ذوا طابع أخلاقي و قيمي في صفّين فإن من يستهدف شعبا أعزلا و يتقصد المدنيين عمدا و جبنا يسقط عموديا و بسرعة الضوء في مستنقع الإنحطاط النتن كما انزلقت قبل ذلك أمريكا حين قررت الحسم بالقنبلة الذرية و حين اغتصبت حقوق الهنود الحمر و أبادتهم عن بكرة أبيهم.

إن من حسنات الصمود و ثمار النصر اليوم هو ارتداء غزة لثوب النبوة الطاهر تدعو الكل عبره للتخندق و الإنصهار في قضايا الأمة . وهي بتصديها للعدوان تحت عنوان الممانعة تقوم كذلك بإعمال الحجة و البينة في عملية فرز واضحة بين المناصرين للحق و أصحاب المواقف و بين المتخادلين و المطبعين مع الكيان.

فأمام منظر أم مكلومة تجمع أشلاء ابنها و أب جاثم أمام دمار منزل تهدّم على أهله، أمام منظر من صعقوا بالشظايا و من احترقوا و استشهدوا ، أمام استهداف الأطفال و النساء و المقعدين و استباحة المساجد، أمام الحصار و غلق المعابر، أمام الألم لا يمكن توصيف المشهد في غزة إلا بكونه دمويا بامتياز و رغم ذلك غزة لم تنكسر بل أبعد من ذلك هي من وضعت الكل أمام المرآة، من غرب منافق إلى كيان صهيوني مجرم و متغطرس لا يخجل من استعمال الأسلحة الصاهرة و الحارقة المحرمة دوليا، مرورا بسلطة فلسطينية فاقدة للسيادة تؤمن بسلام الجبناء على حساب الكفاح المسلح و كأننا أمام مثيلة حكومة فيشي الهتلرية في فرنسا، و انتهاءا بأنظمة استمرأت الخنوع و الهوان و التخاذل عبر صمت مريب من هؤلاء و مطبق من أولئك هو أقرب إلى الهمس في أذن الكيان باستكمال العدوان و القضاء على المقاومة للأسف الشديد. أمام كل هذا و ذاك فبوصلة لا تشير إلى القدس وغزة اليوم تظل مشبوهة.

لكن غزة ليست كلمة بسيطة سقطت سهوا من السماء بقدر ما هي مفصلية زمانيا و مكانيا مع استجداء العدو الصهيوني لتهدئة. غزة اليوم هي العلامة الفارقة التي حققت أهم إنجاز ألا و هو عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الإعلامية و إحيائها في الوعي و الوجدان الشعبيين بعد عمليات التشويش و التضليل الممنهجين في المنطقة.

مع غزة و كأننا فجأة و بدون سابق إنذار ,صارت آذاننا تصدح بنداء أب الأنبياء و هو يتبتل لغزّة بٱسم الله و الكرامة و النصر وكأننا نرى بأم أعيننا خاتم النبيئين يدعوا لفلسطين ويصلي بخشوعه المعتاد على الشهداء فتسري الأرواح الطاهرة إلى بيت المقدس لتعرج من هناك إلى السماء.

إنه الوعد الرباني و انتصار غزة الحضاري الذي تظل به و عبره فلسطين و القدس وخز ضمير لكل إنسان حي. هي المسيرة قد بدأت و لن تقف إلا على عتبات المسجد الأقصى إن شاء الله، إيمانا و يقينا بوعده تعالى في كتابه العزيز: “كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز”.

‫تعليقات الزوار

7
  • هشام
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 10:51

    مقال في الصميم يختزل كل ما يقع في المشرق, و عسى الخاتمة تكون قريب…."هي المسيرة قد بدأت و لن تقف إلا على عتبات المسجد الأقصى إن شاء الله، إيمانا و يقينا بوعده تعالى في كتابه العزيز: "كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز"."

  • r"edouane
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 10:58

    علمنا صمود غزة أن الابتلاء يلزمه التقدم إلى الأمام، لا الاستسلام والخنوع والخضوع والتقهقر للوراء. بارك الله فيك أخي سعيد مقال متميز.

  • حميد قساوي
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 11:12

    بارك الله فيك ونصر الله اخواننا في غزة على الاعداء الصهاينة.
    ان ثبات و مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة بالتحديد ليبعث على الأمل ولو بشكل محتشم على إمكانية نهوض الامة من خمولها والخروج أخيراً من الذل الذي تعيش فيه.
    اللهم أعز المسلمين وانصرهم على الأعداء

  • saida
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 13:15

    بارك الله فيك ونصر الله اخواننا في غزة على الاعداء الصهاينة

  • zarbane
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 14:33

    شكرا جزيلا الأخ سعيد على هذا المقال و على التحليل الموضوعي لمجريات الأحداث التي تعرفها القضية الفلسطينية و غزة بالتحديد،والله انه درس من أهم الدروس و العبر التي يجب على كل مسلم خفق قلبه من بشاعة المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني الأخد بها.فرغم الحصار و التجويع و الاغتيالات اليومية للأبرياء بل حتى حديثي الولادة و الرضع و هي فئة مقصودة بالقتل لأنها ستشكل استمرارية المقاومة و الصمود تأبى غزة الا أن تكون رمز العزة بصمودها ضد طائرات الأباتشي و ف 16 والصواريخ المحملة بمختلف الأسلحة المحرمة دوليا، أظن أن اسرائيل بدأ يساورها بعض الشك من حتمية كسب المعركة عسكريا حيث لا سبيل لها لطلب الهدنة رغم كبريائها لقد أدركت أنها تحارب السراب و النتيجة محسومة بإِذن الله لقوله تعالى"كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" صدق الله العظيم.

  • adiltames
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 15:05

    شكراً لك أخي سعيد على هذه المقالة أرجو الله تعالى أن يعجل بالنصر قال الله عز و جل إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فهيا ننصر الله بالرجوع إلى شريعتنا وقال الله عز وجل إن الله لا يغيروا مابقومٍ حتى يغيروا مابي إنفوسهم فهيا لنغير ما بأنفسنا إن النصر قريب بمجرد أن ننصر الله ونرجع إليه أفراداً سوف يأتي النصر فجأةً وكأنه على جناحي طائر

  • المصطفى
    الجمعة 18 يوليوز 2014 - 15:27

    بارك الله فيك أخي سعيد
    الصهاينة أجبن خلق الله على الأرض أين الآف الجيوش المتراكمة على خطوط غزة لو رجال يحاربوا رجل لرجل( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ).
    اللهم انصر لهم ولا تنصر عليهم و كن معهم ولا تكن عليهم وانتقم لهم ولا تنقم عليهم
    اللهم تقبل شهدائهم واشفي جرحاهم وفك أسراهم وآنسهم في وحدتهم و امددهم بمدد من عندك يا الله

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات