لماذا الغرض الديني في قصائد "عْقَّى"؟

لماذا الغرض الديني في قصائد "عْقَّى"؟
الأربعاء 23 يوليوز 2014 - 23:40

بعد مجالسة الشاعر في منزله البسيط الذي ينم عن نمط عيشه، وبعد تبادل أطراف حديث مطول بيننا بخصوص تجاربه الفنية، ونوعية الأغراض التي استوقفته، وحياته الشخصية، توصلت إلى أن للفنان اسمين اثنين شأنه شأن النموذج الأول الذي تحدثت عنه في أحد المقالات السابقة، اسم عائلي واسم فني، ذلك أن شاعرنا مكتوب على بطاقته الوطنية للتعريف ‘ عقى إيموري’ بينما اسمه الفني الذي عُرِف به بين أبناء المنطقة هو ‘عقى أوكردوز’، وقد سمي بهذا الاسم نسبة لمسقط رأسه ‘أردوز’.

لهذا، فهو من مواليد منطقة أردوز التابعة إداريا للجماعة القروية تونفيت وذلك سنة 1945، حيث هناك بدأ بنظم القصائد التي ألِف إتحافنا بها سواء في المهرجانات أم في المناسبات أم في الأعياد الوطنية كعيد العرش أنموذجا، فقد بدأ حياته- كباقي الشعراء المحليين الآخرين- راعيا للغنم منذ نعومة أظفاره، إذ جعلته العزلة رفقة ماشيته يقرض شعرا يعالج من خلاله قضايا محلية وأخرى وطنية، مع العلم أن أول قصيدة شعرية مطولة أنشدها تناول فيها غرض المدح باعتباره واحد من الأغراض الشعرية التي يُعنى بها الشاعر ويوفيها حظها من العناية، إذ مدح فيها المقاومين الأحرار الذين ضحوا بالغالي والنفيس قصد استرداد المغرب استقلاله من الاستعمار الفرنسي الغاشم، ورجوع ملك البلاد محمد الخامس و عائلته إلى المغرب بعد نفيهم إلى مدغشقر، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشاعر فطن وعارف بما يجري من وقائع رغم ترعرعه في المغرب العميق، المغرب غير النافع الذي تنعدم فيه آنذاك وسائل الإعلام من فضائيات و صحف التي ستزوده بالتفاصيل.

إلى جانب هذا نجد قصائد ذات بعد ديني أخلاقي يستهلها الشاعر بمقدمة دينية يقوم بواسطتها بتبجيل عظمة الخالق والتماس العون على الأقران في مضمار الشعر…كما أنه ينبذ الخيانة والغدر، ويهجو البخل والتقاعس والجبن عن الدود عن كيان الوطن وينهى عن التمييز على أساس الجاه والمال بين الأفراد والجماعات. لقد تناول هذا الشاعر -شأنها شأن القصيدة العربية- أغراضا وقضايا متباينة مثل الدفاع عن القضية الفلسطينية التي تعاني جراء القصف الإسرائيلي لها، وكذا بعض المشاكل التي يتخبط فيها المغرب من الرشوة والاستنزاف الغابوي لاسيما شجر الأرز الذي تعج به المنطقة، لهذا فكل هذه الأشعار استوحاها ‘أمدياز’ من هذا الواقع المر، فهي بهذا حقائق تجاهلها المسؤولون وغضوا الطرف عنها حفاظا على مراكزهم الإدارية.

و لعل أبرز غرض يتناوله شعراء الأطلس المتوسط عامة و الأطلس الكبير الشرقي هو الغرض الديني، نظرا لتجدر النظرة الدينية الفقهية في الوعي الشعبي لمختلِف الشرائح الاجتماعية في الوسط القروي الأمازيغي خاصة، وكذا لعمق أثر الخطاب الديني في الثقافة الأمازيغي. فالشعر الديني غرض قديم وعريق يقوم بوظيفة الوعظ والإرشاد و ترسيخ المبادئ الدينية الإسلامية وإبراز عظمة الخالق وقدرته المطلقة، لأنه حجر الزاوية في القصيدة الأمازيغية، إذ لا وجود لشاعر لم يتناول هذا الغرض، كما أن مقدمة جل القصائد الأمازيغية يكون استهلالا دينيا، لهذا فهم يستهلون قصائدهم المطولة بكلمة ” زورخش” التي تعني بالعربية ‘ أُجلك و أعظمك’ دليلا على التربية الدينية لهم، و انتمائهم إلى طائفة شعراء التيار الديني الراغبين في الجنة السرمدية معتبرين الدنيا مؤقتة و فانية.

إذا كانت المقدمة الطللية في الشعر الجاهلي قالبا فنيا متوارثا، فإن الاستهلال الديني قالب أصيل و متواضع في الشعر الأمازيغي، لأن الدين و الإسلام عند الشعب الأمازيغي كان و لا يزال ذا قيمة تعلو على كل القيم، لهذا يجعلها الفرد مثلا أعلى يتعامل معها بكل حرص و جدية دائمين دوام البشرية.

و هنا لا يسعني إلا القول إن التصديق والايمان باليوم الآخر والحساب والعقاب وبالقدر خيره وشره يعد أحد المبادئ الجوهرية الأساسية في القصيدة الامازيغية، فلا تعد الدنيا بالنسبة للشاعر الأمازيغي أن تكون إلا مجرد طريق ومسلك للدار الأبدية التي لا يفلح فيها إلا من تزود لها، و خير الزاد التقوى.

‫تعليقات الزوار

5
  • كلاسيكية او استلاب او اغتراب
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 03:26

    لا يمكن للفن الامازيغي ان يبقى حبيس الأشكال الإبداعية الاولى أغنية ،،،أزورش إربي ،،نجدها عند رويشة الخنيفيري وهي احدى أغنياته الأصيلة ،فيجب على الفن ان يكون معاصرا في قضاياه وأساليبه عبر ادماج الآلات الحديثة اولا ،والاهم هو اللغة ،لا احد هو ضد الانفتاح على التراث الفني العربي او الغربي بأشكاله ،ولكن ليس الأستلاب ،وهي مرحلة عاشتها الثقافة الامازيغية الأطلسية فكل أغاني الأمازيغيين بالعربية هي عنوان لدلك الأستلاب ،هناك فنانون لا تطرح عندهم اشكالية الهوية،واللغة لأسباب عرقية او اجتماعية او ثقافية ،وهم فقط استتناءات ،وليسوا المعيار،وبعبارة ادق انهم مجرد فلكلور ،ان البناء يجب ان يبدأ من تراث امديازن ومن الواقع الراهن ،لانه فقط مدرسة امديازن عبر أشعارها تحتفظ بالقيم الثقافية الامازيغية خد من شئت من الفنانين المعاصرين من أحوزارالى أمكيلد او ميمون او العكري ستجد أشعارهم تتضمن عدة كلمات عربية مفصلية وهنا لا يمكن الحديث الا عن لوحات فلكلورية محلية ،وهدا الأستلاب لا نجده في سوس حيث القوالب فنية كلاسيكية ولكن جامدة ،وفي الريف اغتراب ومغالاة في المعاصرة بحثا عن روح الثقافة الامازيغية والريفية

  • مهتم
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 03:37

    أحييك على هذه الغيرة على شعرائنا الذين همشهم الإعلام الرسمي وهمشتهم المؤسسات الثقافية واستغتهم مافيا المهرجانات , ملاحظة كان يجب الانتباه إليها في ترجمة كلمة زروخش فمعناها في القصيدة هي ابدأ بك وليس أقدرك وإن كان المعنى الذي قلته قد يكون مجازيا

  • الرياحي
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 10:10

    شكرا على تلبية طلب القراء واعطاء صورة على القصيدة الامازغية.الى المعلق رقم 1 ما تسميه انت الكلام العربي وتريد تنقيته هو تثاقف واصبح ملك للامازغية المهم هو "اللوجيسال" logiciel .تطلب المستحيل لا يمكن تنقية اي لغة ولا اي عرق. الكلام في حد ذاته ملك للجميع. اما عن استعمال الالات الحديثة فليس لك دراية بالمقامات الموسقية.ان الالات الحديثة لا تصلح للغناء الامازيغي المتوسطي لهذا السبب : المقامات المستعملة هي مقام البياتي ومقام الصبا ويتطلب اذن تشغيل نوتة ناقص ربع شيئ مستحيل مع البيانو القيتارة الساكسو …الالات الحديثة تفقد روح الاغنية وتصبح هجينة الارجح ان تقول تصنيع الات حديثة  تنتج ذات النوتات.
    نفس الشيئ بالنسبة للعيطة ولو انها تستعمل مقام اخر : سيكا.
    للتذكير فالمقامات المذكورة كلها شرقية .
    ما تذهب اليه هو قتل الموسيقى الاطلسية لانه يجب اذن تنقية الموسيقى الاطلسية من مقاماتها وخلق شيئ اخر يروق لك التطرف ضرب من الاستلاب.
    تتكلم في اشياء تجهلها لكن التطرف يشجع على ذلك.
    مرة اخرى شكرا للكاتب الشاب لشرحه لعمق "امدياز" ننتظر "ايزلان". شخصيا احب كثيرا الموسيقى الاطلسية
    الرياحي 

  • ألأمازيغية والمستشرقون
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 18:07

    لا وجود لحركة فكرية غربية تدرس التراث الأمازيغيي هدا اكيد ،ولكن توجد فئة اجتماعية مغربية تكوينها غربي وبالتدقيق مدارس البعثات الجنبية منهم امازيغ ومنهم عرب ،يعرفون ملارمي وbel ami ونتردام دو باريس وجان دارك ،كما يعرفون اپائهم ،ولهم اهتمام بالقضايا التقافية المحلية،مشاكل المدارس الأجنبية معروفةانفصال عن الواقع،قيم تقافية ودينية مغايرة،غربة وتحدي دائم وفي غربة داخل المدرسة وخارجها من الشارع الى البيت،،هي تناقضات قد أفضت ببعضهم الى أطباء نفسانيون اكيد قد يجدون تحت مفهوم L'acculturation بعض العزاء المعرفي،،ولكن يبقون دائماً بدون أسس امازيغية او عربية إسلامية صلبة،يسقطون عقد مسارهم الدراسي على كل قضايا اللغات ،فلقد خبروا وهن تجربة ان بدون عربية ربما اصبحوا مسيحيين او حمقى مجانين ،ويظنون ان دلك سيكون مصير الأمازيغ مع تفناغ ،متناسين انهم كبروا في مدارس اجنبية لائيكبة شكلا،على عكس مؤسسات المغرب ،وعلى اي نحن تكلمنا عن الآلات المسيقية الحديثة متل العود او ما ادمجه كوردا او مجموعات ازنزارن اوالريف ،ولم ولن نتحدت عن المقامات ،ولكن سنتحدت يوما ما عن الأوزان ،ومنها الأصيل ومنها الدخيل ،وكدلك الهجين

  • نقض النقد الخارجي
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 23:28

    لا وجود لأي عوائق داتية ولأي لغة تمنع من ادماج الا لات الحديثة ،يمكن حتى للغرب ان يغني بالتمن الأندلسي ،ولكنه سيكون غريبا عن ثقافة مستمعيه المسيقية،وفعلا أدمج الفن الامازيغي الآلات الحديثة،ولكن دون الحفاظ على أصالته ولو على مستوى الألفاظ وهنا فعلا يتم تسييس الأشكال،وهو ما نرفضه متطرفون اكيد ،ونعم ،اما دروس المرحوم الجراري التلفزية عن النتات والمقامات ،واستفزازه للهوات بثقفته المدرسية عن التقاسيم،فدلك لن يغير شيئا من الأشكال ،الا وهو ثمة أغاني امازيغية من حيث الألفاظ والمصطلحات هي امازيغية صرفة ،اي بدون اي لفظ اجنبي ولكن من حيت الأوزان الشعرية هي عربية وبالتالي هي ايضا مجرد فلكلور ،احب من احب وكره من كره،فلمادا نطالب ادن بإقامة نوع من البناء انطلاقا من ارضية أمد يازن ،ليس فقط لاستبعاد الألفاظ العربية،بل ايضا أوزان التراث المسيقي العربي ،نحن لا نعرف متلا التراث الشعبي الحوز او كدالة او الشاوية او تادلة ،حتى نقوم بتقييم عن مدى أصالته او قدرته على التطور او اختراق الفن الامازيغي له على مستوى الشكل ،وهو مايدافع عنه الكتير ولكن لانعرف تاريخه ولا بنياته الأصيلة او الحديثة حتى نتحدت عنه

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية