جدل زكاة الفطر: بين القِــيمة والعَـــيْــن

جدل زكاة الفطر: بين القِــيمة والعَـــيْــن
الخميس 24 يوليوز 2014 - 23:06

تحرص ثـــلـة من المفــتـيــن على تلـقـيـن الناس أن إخراج القيمة (النقود) غير مجزئ عن زكاة الفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أداهــاعــيـناَ وليس قيمة.

يُـــقـصَــد بالقيمة: إخراج ثمن الحبوب عُــملة، من التمر أو الشعير، (والضابط هو غالب قوت أهل البلد) ويُــقصد بالعين: إخراج الحبوب ذاتها اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، على اعتبار أن إخـراج القيمة جنوج عن السنة وهذا هو محل الـــنـزاع في هذا الباب. والسؤال المطروح هنا: مـــا الأقرب إلى تحقـيــق مقصد الزكاة الذي يتمثل في إغناء الفقير لذلكـ اليوم وإدخال السرور عليه، كما يرشد إلى ذلكـ الحديث؟ هل ينحصر إدخال السرور على المحتاج بإعطائه الحــبــوب أم يمكن أن يتحقق ذلكـ بإعطائه قيمتها؟ يتكرر هذا النزاع لدى آخر كل شهر من رمضان في هولاندا وقد ألف جل الناس إخراج القيمة نظراً للأسباب التالية:

إستفادة المستحق ليومه، انطلاقا من كون المحتاج أولى بمعرفة حاجته حيث يوكل إليه الأمر ليصرفها فيما اشتدت حاجته إليه. إن كانت مؤونة البيت إشتراها، أو عجزا في فاتورة الضوء أداها، أو دينا كان قد أثقل كاهله قضاه وربما استعاد بذلكـ كرامته فتحقق إدخال السرورعليه.

لورود إخراج الصحابة نصف الصاع من القمح لأنه يعادل صاعا من التمر أو الشعير وقد رأى معاوية مُــديــن من سمـــــــراء الشام تعدل صاعا من التمر، وهذا قياس من الصحابة على الأصل. إذ لم ينص الشرع لا على القمح ولا على سمراء الشام. فاعتبر أهل الرأي كُـــلا من القمح وسمراء الشام قيمة ثبت إخراجها من لدن الصحابة الذين هم أعلم بالسنة.

وأفتى بإخراج القيمة جمع من أهل العلم المشهود لهم بالصلاح منهم أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري والبخاري في صحيحه. فلو قمنا اليوم باســتـفـسار المحتاجين بين القيمة والعين ماذا سيختارون؟

حجة المخالفين لإخراج القيمة

يستدل المخالفون لإخراج القيمة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يخرج القيمة مع علمه بما ســيـجـــدّ في الــناس، وقد كانت النقود متداولة على عهده. وأن الزكاة عبادة والعبادة توقــيـفـيــة. وكون الذي لا يحتاج للحبوب والتمر ليومه لا يعد فقيرا وهذا ما يجعله غير مستحق للزكاة أصلا.

التركـ لا يدل على المنع

تــركـ النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج القيمة لا يدل على نهيه عن إخراجها طبقا للقاعدة الأصولية: التركـ لا يدل على المنع. لــهذا يلزم المخالف الإتيان بدليل النهي عن إخراج القيمة نصا صريحا ليس مؤولاً. لقوله تعالى: وما نهاكم عنه فانتهوا” سورة الحشر7. فتحريم الأمور بدون نص لا يقل خطورة عن إباحتها لأن كلا من الحظر والإباحة تشريع. المشكلة أن بعض المشايخ الذين لا يرون إخراج القيمة يُـــصـدرون فـــتواهم في هذه المسألة بعبارة ” يَحــــرُم إخراج الــقـيمة لمخالفة ذلكـ للسنة” فيجعلونه قولا واحداً يـــنـبـئ عن إجماع، وهذا يحمل على الإستغراب حيث لا يناقشون أدلة من خالفهــم بحياد وموضوعــية. فالتحريم يترتب عن النهي الصريح. ” النهي يدل على التحريم” عند علماء الأصول، كيف يزعم المرء التحريم دون نص صريح؟

دعوى مخالفة المالكية لإخراج القيمة

إقحام المالكية في تحريم إخراج القيمة فيه نظر إذ ليس كل ما نقل عن المالكية على مستوى الــفــروع يلزم المذهب فلو أسقطنا أصول المذهب الثمانية عشرة أصلا على مسألة جواز إخراج القيمة وعدم جوازها لوسع المذهب مصالح المحتاجين ووقف عند أولوياتهم ورعاية مصالحهم داخل أقطار الأرض التي يتواجدون فيها، لأ المذهب لا يستقرئ النصوص الواردة في المسألة فحسب إنما يستقرئ معها الوقع من خلال استصحاب الأصل ومراعاة المصالح والأعراف.

ليس من الفقه حصر المسألة في القيمة وحدها ولا في العين فالمهاجر الغير الشرعي في أمستردام اللاجىء والعاطل عن العمل المستحق للزكاة لــيرسلها لأبنائه في بلده الأصلي عبر الوسائل السريعة المتوفرة ليس هو المستحق في البلد نفسه الذي سيستفيد من العين. لقد رأيــتـهـم يحملون أكياسا من الأرز ولا يدرون ما يفعلون وأكياسا متناثرة في المسجد وقد تركها أصحابها وأخذوا ما خف محمله ومن ورائهم من يعــيـلون في بلدانهم الأصلية.

وقد أشتهر عن سفيان الثوري قوله: إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحـــــد.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

‫تعليقات الزوار

8
  • الكافر
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 11:46

    ان ربط زكاة الفطر بشكل جامد بالسنة هو الجزء القليل جدا من فكر وتصرفات عامة لدى السلفيين و الفطوكوببن الذين يزعمون الفهم الصحيح للدين من خلال رجوعهم الى الماضي لسكبه على الحاضر دون مراعاة دواعي وظروف المرحلة الاولى والمحمدية بالخصوص فالمجتمع انذاك مجتمع النذرة و الحاجة فاداء الزكاة عينا ايسر لطغيان التبادل والمقايضة اما الان فالظروف عكس ذلك تماما والغاية او المصلحة اضمن من الكيف او الشكل فما اغرب تناقضات هؤلاء حين يتجاهلوا سنة ركوب الجمل راكببين الكات كات محملا كاس شعير او قمح لاداء زكاة الفطر عينا اقتداء بالسنة

  • iman
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 18:22

    كيف لفرض عمره 14 قرنا ما زال لم يجمع عليه المسلمين.
    هذا هو سبب تدني المسلمين في جميع الميادين.

  • مالكي
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 21:06

    جزاكم الله خيرا

    للشيخ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله رسالة مهمة في هذا الموضوع وهي بعنوان: (تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال)

  • مالكي
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 23:30

    2 – iman

    أعتقد أيتها الأستاذة إما لأنك لم تفهمي الموضوع، وإما لأنك لم تقرئيه أصلا.
    زكاة الفطر سنة واجبة بإجماع أئمة الفقه المعتبرين، استفادوا ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره.
    وكلام ألأستاذ الفاضل أعلاه إنما حول الاختلاف الحاصل بين العلماء وهو أيجوز إخراج زكاة الفطر من النقود أم لا؟ لا أقل ولا أكثر، والمشهور في مذهبنا (المالكية) عدم جواز إخراج القيمة، لكن بعض العلماء أفتوا بجواز إخراج القيمة عملا بالقول الضعيف في المذهب واقتداء بالمذهب الحنفي في هذا الأمر تحقيقا لمصلحة الفقير.

  • l'expert
    الأحد 27 يوليوز 2014 - 06:10

    نصيحة إلى أصحاب الزكاة بالقيمة أوالعين لكي لا يقعوا في الحرام البين

    تيقنوا جزاكم الله خيرا من كون المستفيذ من زكاتكم المقبولة إن شاء الله ليس من أهل البيت لأن هذا النوع من البشر ممنوعون منها لقول النبي ص ع س نحن بنوا هاشم لا نأكل الصدقات بل وأخرجها من فم أحد أولاد سيدنا علي إبن أبي الطالب عليه السلام

  • iman
    الأحد 27 يوليوز 2014 - 10:10

    4 – مالكي

    ' الاختلاف الحاصل بين العلماء وهو أيجوز إخراج زكاة الفطر من النقود أم لا؟'
    أيها الأستاذ هذا هو الداء الذي ابتلى به المسلمين وهو عدم الإجماع والإتفاق على كيفية إخراج فرض إسمه الزكاة وكثيرا من الأمور والمسائل الأخرى المتعلقة بالفرائض والسنة كذلك.
    إختلاف دام عمره 14 قرنا !

  • سعيد
    الأحد 27 يوليوز 2014 - 12:15

    إعلمي أختي أن هذه الختلافات في الفروع لا في الأصول ، وقد إختلف الصحابة رضوان الله عليهم في حياة رسول الله عليه الصلاة و السلام، وليست سببا في التخلف بل لكل رأيه و أدلته.
    المطلوب هو الإختلاف بأدب و إحترام وكل يطرح رأيه و دليله.

  • السلف الصالح
    الإثنين 28 يوليوز 2014 - 07:45

    نشكر الكاتب على الطرح
    الذي يظهر لي وارتاح له بعد البحث:
    ان الاصل هو اخراجها طعاما .. لأن حتى القيمة تستند الى الطعام في مقدارها .. لكن تجزئ نقدا عند الرجحان و المصلحة ..
    ومثل هذا هو اختيار ابن تيمية ـ رحمه الله>> :<< إخراج القيمة في زكاة الفطر وغيرها يجوز للمصلحة الراجحة، قال في مجموع الفتاوى (25/79) : "وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع: هل يجوز مطلقاً؟ أو لا يجوز مطلقاً؟ أو يجوز في بعض الصور للحاجة، أو المصلحة الراجحة؟ على ثلاثة أقوال ـ في مذهب أحمد وغيره ـ وهذا القول أعدل الأقوال" يعني القول الأخير>> والعلم عند الله

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب