داعش والإيبولا وسوسيولوجية الرعّب

داعش والإيبولا وسوسيولوجية الرعّب
الأحد 19 أكتوبر 2014 - 16:09

منذ أن انحسر الصراع في مطلع تسعينيات القرن الماضي بين المعسكر الشرقي والغربي و بعد أن آلت الغلبة للأخير لاح في الأفق برق العدو الجديد للغرب فلم يكن بد من أن تبقى الساحة الدولية بلا صراع ، حينها انهالت العقول الغربية تقبل وتدبر وتخطط لكي تعود سنّة الصراع إلي سابق عهدها ــ أو أشد ــ وفي خضم هذا الاستنفار الغربي بدأت ملامح العدو الجديد تتضح حيث ظهرت بقايا جماعات وتنظيمات جندّها الغرب لخدمة مصالحه في أوج الحرب الباردة وحين انتهت صلاحياتها وجد القائمون عليها أنها يجب أن تتحول إلى عدو لكي تكون بذلك تمهيدا لخلق ظاهرة جديدة هي “الإرهاب”، والتي يجب أن تتسع وتتشعب وتأخذ أشكالا عديدة وذلك بغية التمكن من “تمفصلات” دول الجنوب التي لايجب أن تنهض، والتي يجب أن تبقى في “سييزيفية” وعبثية مستمرة…

إن التراكمات الكثيرة التي خلفها الفكر السياسيي الغربي بكل تناقضاته جعلتنا نقف وقفة تأمل حول الكثير من المستجدات في المنطقة العربية والإفريقية والآسيوية وذلك بغية فهم هذه التناقضات التي جعلتنا مسرحا للكثير من التجارب الغربية وجعلتنا في الوقت نفسه أرضية خصبة للصراع الخفي بين أكبر امبراطوريات المال والأعمال والسلاح وسماسرة الفيروسات ولقاحاتها، حيث تشكلت تنظيمات عديدة في مجتمعاتنا وظهرت أوبئة لم تكن معروفة في الأمس القريب كل هذا جعل مجتمعانا تصاب بنوع من الرعب المزمن حيث دّمرت حضارات بأكملها تحت مسميات عديدة من قبيل “الثورة” و”الحرية” و”الكرامة” وظهرت شعارات كثيرة باسم الله والرسول والصحابة، وفي الجانب الآخر من مجتمعاتنا حيث الفقر والجهل والمرض خيمت الأوبئة والفيروسات التي ظهرت فجأة ودون سابق إنذار وهذا ماجعلنا ندق ناقوس الخطر وننظر إلى أنفسنا بنوع من البؤس والحسرة والحيرة .

إن متلازمة الرعب التي تقف أضلاعها على أخطر الأشياء تهديدا لمجتمعاتنا والتي تتمثل في داعش والإيبولا هذين الخطرين اللذين يمارسان كل صنوف الرعب والهلع في مجتمعاتنا قد أظهرا حجم المأساة التي نعاني منها وهشاشة الأنظمة السياسية التي تحكمنا من جهة، ومن جهة أخرى أظهرا ضعف المنظومات الصحية التي تمسك بزمام الأمور في مجتمعاتنا، لقد استطاع الغرب وفي كل مرة أن يمارس علينا شتى صنوف القهر والتوجيه حتى في أكثر الأشياء خصوصية في حياتنا اليومية، كل هذا جعل منا مجتمعات منقادة؛ لأننا نعيش حالة من الفهم السقيم للكثير من الأمور من أبرزها “الدين” وكذالك العديد من القيم المدنية كـ”المواطنة” و”الانتماء”… وهذا ما جعلنا نقوم بإعادة إنتاج الكثير من المسلكيات المدمّرة التي تهدد مجتمعاتنا المهترئة..

لقد أظهرت الكثير من الدراسات والوثائق السّرية أن هذا الرعب الذي ينتشر في العالم اليوم هو نتيجة طبيعية لتراكمات جملة من الاستراتيجيات الغربية الموجهة نحونا وذلك بغية العبث في مجتمعاتنا وجعلها دوما مسرحا للصراع والقتال والتطرف من جهة، والأوبئة والجهل والمرض من جهة أخرى، لهذا فإن عمق المأساة يتلخص في فهم الكثير من التراكمات السياسية والاقتصادية والمصالح الضيقة التي تحكم الملفات الكبرى في العالم.

لقد آن الأوان لكي يفهم الإنسان في “الجنوب” أنه ضحية لخديعة كبرى دافعها الأول جشع الشركات المختلطة وحكوماتها، ويحدوها صمت وتواطؤ المنظمات الدولية والإقليمية التي تقتات على تزايد حجم المآسي والأوبئة في عالمنا اليوم.

كاتب وباحث في مجال السوسيولوجيا والآنتروبولوجيا

‫تعليقات الزوار

1
  • رامي
    الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 17:50

    بارك الله فيك يا هسبريس مقال ذكي جدا جدا

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز