لماذا اللغة العربية لغة القرآن الكريم ؟

لماذا اللغة العربية لغة القرآن الكريم ؟
الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 17:16

لم تقتصر اللغة العربية على دورها التواصلي الذي قيُضت من أجله جميع اللغات الإنسانية فقط ، و إنما اختزنت في حمولتها طاقات جمالية تطفح بالإبداع البلاغي الراقي على نحو جعلها لغة القرآن الكريم ، ليس اعتباطا و إنما عن علم بمكنوناتها التي تتمظهر في تضام ألفاظها و تشكلها في جمل تلخصها المقولة المشهورة بين جمهور البلاغيين و اللغوين : لكل مقام مقال .

لذلك فقد اعتمد النبي صلى الله عليه و سلم على هذه اللغة في إعجاز القوم الذين أرسل إليهم ، خاصة أنهم عرفوا بفصاحة اللسان ، و براعته في التفنن باللغة العربية ، و بالأخص في الشعر ، فجاءت لغة القرآن الكريم لتبهرهم و تجعلهم واقفين وقوف المندهش من براعة نظم هذه اللغة التي ما هي إلا لغة عربية عرفوا بإتقانها أيضا , لكن في لغة القرآن الكريم ميزة خاصة جعلت القوم في ذلك الوقت يقولون عنها : إن لقوله لحلاوة , و إن عليه لطلاوة , ولأعلاه لمثمر , و إن أسفله لمغدق , و إنه ليعلو و لا يعلى عليه .

لقد حار العقل القرشي في إدراك كنه هذه اللغة القرآنية البارعة فاهتدوا في الأول إلى أنها شعر ، لكن أهل الرأي و الحكمة عندهم وصلوا إلى حقيقة مؤداها : ما هو بشعر , لقد عرفنا الشعر كله رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه , فما هو بالشعر . و منهم من اهتدى إلى أنه نطق كاهن بارع ، لكن قفَلوا إلى القول إلى : لا و الله , ما هو بكاهن , لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و لا سجعه . بل من ذهب إلى أنه سحر و جنون و خبال … و في هذا كله إعجاز لهم عن الإتيان بمثل فصاحته و عمق نظمه و بيانه .

من بين ما يميز لغة القرآن الكريم أنها لغة تستخدم جميع المفاهيم البلاغية التي أثتها فيما بعد الجرجاني و الزمخشري و السكاكي … ، فقد استعملت في لغتها أساليب البيان و البلاغة المعتمدة اليوم ، لكن بدرجة ليس لها نظير ، على نحو يجعل مهمة المفسرين ليست سهلة لاستنباط أحكام القرآن الكريم و تأويلها , ففي آيات كثيرة من القرآن الكريم مجاز بمختلف فروعه و تلويناته ، فحين تقرأ قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا , فالقارئ يحتاج فيها إلى نباهة متزنة كي يستطيع فك شفرات تأويلها ، لأنها لا تخلو من مجاز لتفسيرها ، فالبداهة أن الذي يتوفاه الله لا يترك زوجة و إنما أرملة ، و بلاغة القرآن الكريم جعلت من هذه الآية مجازا مرسلا قرينته اعتبار ما كان من ترك المتوفين زوجات ستصبحن أرامل فيما بعد . أو حين يقول عز و جل : لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، تعبير جمالي بليغ جعل الخالق يعبر عن طريق التيه و الكفر بالظلمات التي لا يبصر فيها الكائن أي شيء ، في مقابل ذلك عبر عن طريق الإسلام و الإيمان بالنور الذي تعيش فيه جميع المخلوقات بأمان و اطمئنان ، و هذا النوع من المجاز يسمى استعارة تصريحية .

هناك آيات كثيرة تتمظر فيها هذه الصور البلاغية المتميزة . يبقى الفضل الأكبر الذي قدمته لغة القرآن الكريم للذي كان ينطق به العرب قديما من لهجات عربية أنها وحدتها و أصبحت اللغة الرسمية التي يتحاكم إليها أهل الفصاحة و البيان في شواهدهم و استشهاداتهم .

لقد أصبحت لغة القرآن الكريم , لغة الدين الحق التي يؤمن بها كثير من الناس ، عربا و عجما , ويغارون عليها , ويفضلونها على لغاتهم الأولى , ويرون أنها أفضل اللغات وأحقها بالحياة , وهي أقوى وسيلة من وسائل الترابط والوحدة بين العرب أنفسهم , وبينهم وبين المسلمين الذين يتكلمون بها في البلاد الإسلامية , وهي أقوى من رابطة النسب والدم , لأن الدم لا يمكن استصفاؤه بسبب التصاهر والتزاوج , و لغة القرآن بما تحمله من رسالة هذا الدين وكتابه , هي أساس العلاقات الحضارية والثقافية والاجتماعية بين العرب والمسلمين , بها تتوحد أساليب التفكير والتعبير , ويمكن التفاهم والتعاون على البر والتقوى , ونصرة الإسلام , وهي الحصن الحصين الذي يحول دون احتلال عقول أبنائها بآراء وأفكار وافدة عليهم .

ولقد بلغ من حب السلف الصالح للغة العربية , وإعجابهم بعبقريتها , أن قال أبو الريحان البيروني : والله لأن أُهجَى بالعربية أحب إلي من أن أمدح بالفارسية .

عموما لا ريب أن كل عربي سواء كان مسلماً أو غير مسلم , وكل مسلم عربياً كان أو أعجمياً, يعلم الجاذبية التي سرت في هذه اللغة , فأكسبتها الديمومة والبقاء , هذه الجاذبية والروح الجبارة هي القرآن الكريم, إنه قطب الرحى للأمة الإسلامية .

لقد مدَّ القرآن الكريم سلطان اللغة العربية على منطقة من أوسع مناطق الدنيا , واخترق بها قارات ثلاثاً هي : آسيا وأفريقيا وأوربا ( الأندلس ), وجعل العربية هي اللغة العالمية المشتركة المنشودة .

‫تعليقات الزوار

10
  • متسائل
    الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 23:06

    وأنا طفل صغير، كنت أحفض القرآن في جامع الحومة بطلب من أبي الذي كان يفتخر بي حينما كنت أتلو عليه الأيات التي كنت أحفضها بسهولة خارقة ، و كان يقول لي أنني أحفض كلام الله بطريقة جيدة ، حينها كنت أفهم من كلامه أن الله هو أول من تكلم اللغة العربية وتعلمها الإنسان منه ، لكن لما كبرت ، عرفت أن الأنسان كان يتكلم اللغة العربية قبل نزول القرآن ، حينذاك أصبحت تراودني تسائلات كثيرة منها مثلا ، لماذا إختار الله اللغة العربية لبعت رسالته و ليس لغة أخرى من اللغات المتعددة الموجودة أنذاك ؟ لماذا لم تكن الرسالة بلغة ليس بالضرورة ناطقة و يفهمها جميع سكان العالم ( طريقة الأنترنيت ، مثلا ) أو الرموز كما هو الحال بالنسبة للكتابة الصينية ( اللي كيستهزأ منها بنكيران ) حيث أن حزمة من تلك الرموز يمكن لأصحاب ألاف اللهجات المختلفة في الصين أن يقرؤونها و يفهمونها بنفس الفهم و ذون حاجة إلى تأويل من أحد.
    هل من حقي أن أتسائل ؟

  • اطفال أبد الدهر
    السبت 25 أكتوبر 2014 - 09:34

    أسس العلم سيكتبها الإغريق،مباديء القيم الاخلاقية سيكتبها العرب،الغرب سيأخد بالبحت العلمي والمعرفي نهج وغاية للإنسان ،،الإغريق أطفال الانسانية،طفولة ماقبل اللغة،طوروا علوما وليسا آدابا،لا فكر قبل اللغة ،ولكن تمة دكاء،حسي حركي،فزيائهم سكونية رياضاياتهم غير جبرية،نواتها التناسب ،لهم كلمة في كل التيارات الفلسفية،رغم تصحيحات أرسطوظلوا متسامين،صاغوا الاَه على شكل الأب مع المسيحية،لقد كانوا يسقطون ذواتهم على على الوجود،انسان العصرالوسيط ،طفل كبير يكتشف العالم عبر وباللغة،سيجسد عرب الجزيرة تلك المرحلة التانية من الانسانية ،ربما لتواجدهم وسط تلاث مراكز حضارية،مصر،فارس وبزنطة،لتخليق الأطفال الكبار ليس من سبيل الا البلاغة والبيان ،وتلك كانت وظيفة القرأن،وستكون تلك رسالتهم الحضارية،انها حضارة دلالات ورموز،انها ادبية وتقافية،هل لم ينتجوا فلسفة وعلوما كما قال الجابري?دلك خاطىء،متل الجزم بان الإغريق لم ينتجوا آدابا واخلاقيات،الحركات السلفية هي حنين الى تلك الطفولة المفقودة بحكم الدهر،القرأن فكر وليس المعلقة الحادية عشر ،تثمين اللغة على حساب الفكر هو نكوص الى عالم الدلالات والرموز،الىى العصرالوسيط،

  • azul
    السبت 25 أكتوبر 2014 - 13:38

    كلمة اللاة قبل ان يوجد التنقيط في اللغة العربية تكتب اللاه

  • الى azul
    السبت 25 أكتوبر 2014 - 19:26

    الى azul لم تجد سبيل او مجال للمقارنة بين اللغة العربية ولهجتك فبدأت تتصيد الاخطاء في الماء العكر لكن شتان بين اليل والنهار والسماء والارض

  • fedil
    السبت 25 أكتوبر 2014 - 21:13

    ماذ ا يقول صاحبنا عن القراءات السبع و عن وجوب كلمات لا تخضع لقواعد اللغة في القران
    ان نقول كلاما و لا ناتي بمثله حرام علينا اذا فعلنا عظيم و ليس عظيما على العظيم
    فما ان نستغبي غير المغبون في ما يقال كقول الفقيه افعلوا ما اقول وليس ما افعل
    فاما انه ليس له دراية بالنحو او نحا غير منحاه فان اصاب فله اخر فا لم فهو الفعال لما يريد لا يزيد و لا يحيى يجوز له

  • سمير ‏
    الأحد 26 أكتوبر 2014 - 19:15

    حاشا أن أفضل لغتي الأمازيغية على اللغة العربية ولو كانت لغة القرآن لأنها لغة عبادة الأوثان كذلك قبل الإسلام لغة أمي أولى من لغة بني أمية ‏

  • نواس
    الأحد 26 أكتوبر 2014 - 20:09

    و الله إن جعل العربية لغة مثالية فوق-إنسانية لحلم ميتافيزيقي مافتئ يراود المتطرفين العرب طول حياتهم، لأنه نطلب من اللغة ما لا طاقة لها بها ، لنكون واقعيين لا عاطفيين . فاللغة العربية ما هي إلا لهجة من بين لهجات شبه الجزيرة التي تواصل بها قوم من قبيلة إسمها قريش ضمن لهجات من بينها لهجة الطائف و الحجاز و قبائل كالأوس و الخزرج و غيرها… فالعربية الآن لغة لا وجود لها إلا في الكتب الصفراء لا تصلح إلا للعبادة أما اللغة اليومية للعرب عامة فهي الدارجة المحلية لكل بلد و التي حلت محل لغة القرآن و أتحدى المثقفين العرب المتطرفين استعمالهم للعربية الفصحى في حياتهم اليومية . فعلا الله وظف اللغة العربية ليخاطب العرب البارعين في لهجتهم . لكن توظيف اللغة توظيفا إلاهيا ساميا لا يعني أنها أفضل اللغات . أو أنها لغة الحساب أو لغة الجنة أو أو لا دليل عليه في كتاب الله. لأنه من ضروب المستحيل أن يرسل الله نبيه إلى قوم بلغة لا يفهمونها و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .

  • خالد ايطاليا
    الأحد 26 أكتوبر 2014 - 20:47

    كفى تقديسا للغة ساهم العجم بالشئ الكثير في تأسيسها ونشأتها وتطويرها ,وفضل العجم عليها كثير .السؤال الذي يمكن طرحه .لماذا لهجة قريش اصبحت لغة القرأن ؟؟؟؟مع العلم انه يحمل الكثير من غريب الكلام الذي لم يعتد العرب سماعه الشئ الذي ابهرهم واعجزهم عن الاتيان بمثله .كلام سرياني وعبري وفارسي وحبشى وبربري …؟؟؟

  • مالكي
    الإثنين 27 أكتوبر 2014 - 02:04

    سر اللغة العربية لا يعرفها إلا رب العزة سبحانه الذي أنزل القرآن بها، ومن أراد أن يزيل شكه في عظمة اللغة العربية فيمكن له أن ينظر فيما سطره فصحاؤها كالجاحظ وسيبويه وغيرهما لا فيما خرفه المخرفون الأعاجم من المستشرقين وأذنابهم، وإذا لم تصدقوني فمن منكم يتفضل فيقرأ لنا على سبيل المثال شيئا من دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، ترى هل يمكن أن يفهم منه شيئا أو ينطق جملة صحيحة؟

  • مالكي
    الإثنين 27 أكتوبر 2014 - 08:38

    8 – خالد إيطاليا

    قولك (ساهموا في تأسيسها ونشأتها وتطورها) غير دقيق، فاللغة العربية لم يعرف أحد حتى الآن كيف نشأت ومن الذي اختار على سبيل المثال للفاعل الرفع وللمفعول النصب… إن كل ما فعله علماء اللغة العربية هو أنهم اكتشفوا فقط قواعدها وبعض أسرارها لا تأسيسها وتطويرها كما زعمت، فقالوا مثلا إن سبب اختيار الرفع للفعل والنصب للمفعول هو أنه لما كان الفاعل قليلا والمفعول كثيرا والرفع ثقيلا والنصب خفيفا اختاروا للقليل الثقيل وللكثير الخفيف، وهذا منطقي جدا، لكن يبقى السؤال من الذي اختار ذلك وكيف اهتدى إلى هذه الموازنة العجيبة… وغير ذلك كثير كما في أصول النحو.

    أما عن تطورها فأعتقد أنك لم تذق لغة القرآن بعد، ويبدو أن العجمة التي لم يسلم منها أي واحد منا هي السبب وراء ذلك (وأنا بالمناسبة أمازيغي)، فاللغة العربية الفصحى عاشت زمنا خاصا بها انقضى، ومستحيل أن يجود الزمان بمثلها مرة أخرى، وأما الدراسات التي تحاول أن تسوي بينها وبين ما يطلق عليه اليوم بمدارس حديثة حرة وروادية وما إلى ذلك فهي مجرد ترهات وأضغاث أحلام وخيالات سكران.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 1

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال