" غُمَّيْضَة " الإصلاح التعليمي

" غُمَّيْضَة " الإصلاح التعليمي
الخميس 20 نونبر 2014 - 07:44

هيا هيا نجري جريا
غط البصرا وخذ الحذرا
أنا في الصف أنا في الخلف
أنا يمناك أنا يسراك
سارع سارع أنت البارع
أدرك ندك تبلغ قصدك

بهذا النشيداللعبة، لعبة ” الغميضة ” تشكل متخيلنا التربوي الذي نمتح منه سلوكنا و ثقافتنا، كنا نحفظ النشيد بالإحساس، و كان للكلام معنى، كنا نصطف صفا مرصوصا منضبطا في الدراسة و في اللعب ، و كانت أناشيدنا هادفة تربوية تعبر عن تجربتنا، تجدرت في متخيلنا و ذاكرتنا و لا زلنا نحفظها إلى الآن، و حين نقرأها بوعي و في “زمننا الثقافي” تبدو أبعادها الإستراتيجية، فقد كنا نتعلم “ثقافة المبادرة” جماليا و فنيا، و كانت الكفايات تمر تلقائيا، فأين تكمن جمالية هذا “النشيد البارع”؟ و لماذا لم تعد أناشيدنا تربي ؟ و هل نستطيع اليوم أن نلعب “الغميضة” أم ولى زمانها ؟ فما الذي تعلمناه من لعبة ” الغميضة”؟ و ما دلالة اللعب التعليمي؟ وما ” غميضة” الإصلاح ؟

اللعب فلسفة تربوية :

جرت العادة أن نستعمل صيغة “اللعبة” في سياق السياسة فنقول ” اللعبة السياسية ” و ” اللعبة الديمقراطية ” و لا نقول ” اللعبة التعليمية “، فاللعب التعليمي لعب تربوي هادف، لعب تكويني، لكن الحمولة الدلالية التاريخية لمفهوم اللعب، منذ أرسطو، لازالت تشوش عليه و تجعله مقابل الجد، يأخذ حمولته من الاستخدام اليومي لا الاستعمال العلمي، لهذا نصف به سلوكات و مجالات مختلفة، فنقول “لعبة الأمم المتحدة ” و ” لعبة الإغراء”، وهي دلالة تحيل إلى عالم الكبار، و نقول ” لعبة الغميضة ” و لعبة ” التركيب ” و لعبة ” بيت البيوت ” إحالة إلى عالم الصغار، فهل هذا التقسيم يجعلنا نضع ” برزخ اللعب ” بين عالم الكبار و عالم الصغار؟ أم للعب جمالية تربوية يحتاج إليه الكبار و الصغار؟ أليس للكبار ضحكات دفينة و حركات تحتاج إلى لعبة تخرجها؟ ألا يكتشف الأب في ابنه لحظات مفتقدة من اللعب في حياته؟ ألا يشعر الأستاذ أنه ” فيلسوف اللعب ” و أنه ” كائن مرح” يربي باللعب؟ و كم هو جميل أن ترى أستاذا جديا يلعب مع التلاميذ، أليس للعب صرامة و احترام كما للجد صرامة ؟ لماذا نتخندق في زوايا متطرفة و كأن للحياة معنى واحد ؟ فلماذا هذا الخلط في قانون اللعبة ؟

لن نقف عند التعريفات المتعددة لمفهوم اللعب بقدر ما يهمنا ” النسق التربوي للعب” أو ” فلسفة اللعب في نظامنا التعليمي”، وإذا كان اللعب فلسفة تربوية فهو لا يرتبط بالأطفال دون الكبار، فواضع اللعبة يتمتع بها أكثر ممن يلعب.

لا تستهنوا باللعب، فلو كنا نلعب كما ينبغي لفجرنا طاقاتنا التعليمية، يقول بعض اللسانيين أننا لا ننطق بعض الحروف المعجمة ك “ذ” و “ث” و ” ظ” لأننا لم نلعب جيدا في طفولتنا و لأن اللعب لم يكن “دراما تربوية ” في حياتنا، فهيا نلعب جميعا لعبة “غميضة الإصلاح”.

قانون ” الغميضة “:

إن التقيد بشروط اللعبة أمر ضروري من أجل استمرار اللعبة و مخالفة السلوك المتفق عليه و غياب بوصلة اللعبة يؤدي إلى الاحتجاج أو الاستياء، فمن سيضع العصابة في البداية على عينيه، السيد الوزير أم رجل التعليم أم التلاميذ أم الإصلاح نفسه؟ و هل دور العصابة فرض عين أم فرض كفاية، أو من لا يلعب غميضة التعليم فليس معنيا بالإصلاح؟ و متى تنتهي ” لعبة الغميضة ” لنبدأ “لعبة الحكمة “؟

إن “الغميضة” لعبة لحل المشاكل حيث يغمض الإصلاح عينيه و يختفي الجميع كل مكونات التعليم: الموارد البشرية و المناهج و البرامج و القيم … و يبدأ زمن الإصلاح في عد نفسه: إصلاح1957 إصلاح 1958 إصلاح 1959…و يختم: لا يفتح أحد عينيه قبل مارس 2015 موعد المشروع الإصلاحي المرتقب.
إن الغميضة سرعة ضد الزمن، فيجب أن تحصل على حل في أقرب وقت و إلا أنت خاسر و مفلس و لن يعوضك أحد في خسرانك، فمقاييس الخسران واضحة و لا يمكن تزييفها، الإصلاح مصلحة عامة لا يمكن إخفاؤها، فكل المختفين يحيطون بالغميضة و يدورون ، و كل سيأتي دوره كي يضع العصابة على عينيه.

إن الخسران نسبي، فلا خاسر مادامت اللعبة جماعية، و سنخسر جميعا إذا لم نخسر فرديا، فكل يتحمل عبء خسران ” الغميضة” التي لن تكون سوى الإصلاح، فقد نخسر في إصلاح لكنه ليس “نهاية التاريخ الإصلاحي”، فيا أيها المختفون لابد أن تنتهي اللعبة و لابد من إزالة ” العصابة”، و لابد أن ننتقل إلى لعبة أخرى و إلا لن نتمتع بإحساس”لعبة غميضتنا ” ” غميضة الإصلاح “، فهيا نجري للإصلاح جريا.

مقاصد ” غميضة الإصلاح “:

إن الجري في المتخيل المغربي يرتبط بالبركة ( الله يغلب البركة على الجرية )، و البركة ليست سوى المقاصد الكبرى للتعليم التي حددت في الميثاق الوطني و المجسدة في العقيدة و روح الوطنية و التراث الحضاري و الثقافي و اللغوي المغربي.

إن الجري مقياس للمسارعة وثقافة للمبادرة و بذل للجهد، فلكل زمان مبادرته، و المبادرة قد تفقد معناها خارج سياقها، فلا زلنا ندرس التلاميذ تعاريف لهيئة الأمم المتحدة حول التنمية لسنة 1990، بينما العالم تغيرت خصوصياته و أصبحت المعرفة و المعلومة هي المحدد للوجود، فلا يعقل أن يكون لدينا مشكل في حق التمدرس أو تعميمه، أو الصحة أو الدخل الفردي، فهذه من ضروريات الحياة، و تحتاج إلى “غميضة ” إصلاحية أولى قبل الميثاق أو الخطة الاستعجالية.
في الغميضة الأمر أبعد من الركض أو استكشاف المكان أو التواصل مع الرفاق، إنه تعليم لثقافة: الاستعداد و مسارعة الزمان و ثقافة المبادرة، و التنافسية، و الندية و الوصول إلى المقصدية، ف”تغطية البصر”و ” أخذ الحذر ” تمرين صعب و مستوى راق في المواجهة، حيث يعطى الاهتمام للحس التعليمي و البيداغوجي و التربوي لدى كل عناصر ” الغميضة “، لعبة تحقق المستوى التحصيلي و المعرفي و المهاري و تلبي الحاجيات الذهنية و الوجدانية و الحركية و تفتح أفق القدرة على الإبداع: ” سارع سارع أنت البارع”.

إن حركة “المسارعة” هي الزيادة في السرعة، و الحسم في “السرعة النهائية”، فقد طال زمن انتظار الإصلاح، فقد كنا ننتظر الإصلاح في زماننا فأصبحنا نرتقبه لأبنائنا، كنا نخاف على حاضرنا فأصبحنا نخاف على مستقبلنا.

إن المسارعة أكثر دقة من “المسابقة” التي تتضمن دلالة المغالبة في السبق، حيث يريد كل من المسابقين جعل حركته أسرع من حركة صاحبه، أما “المسارعة” فهي الجد في تسريع الحركة بشكل ذاتي و كأنك تسارع نفسك أو تسارع الزمن، فالرقم القياسي هو في حوزتك و ما عليك إلا تكسيره، فهل سيحطم السيد الوزير الرقم القياسي للإصلاحات السابقة، و إذا كان الميثاق الوطني تطلب عشر سنوات و تم التصريح بالفشل، فكيف سيكون المشروع المرتقب في أشهر في ظل التعقيدات و التحديات الواقعية ؟

لسنا متشائمين، لكن نخاف أن تتحول ” لعبة الغميضة ” إلى ” لعبة الغموض”.

‫تعليقات الزوار

2
  • fedil
    الخميس 20 نونبر 2014 - 20:47

    ا لسؤال الاشكال في الاصلاح هو اي اصلاح نريد و هل سترك الاسلاميين فرصة للاصلاح ذلك ان اصلاح التعليم مرتبط بالدرجة الاولى بتحييد الدين و حساباته السياسوية من الطريق ف يما يخص اللغة التي تحمل اثقال و مثبطلات و تتعارض حمولتها التقافية و الاجتماعية مع حقوق الانسان خاصة المراة والطفل في ارتباطا مع المقدس الدين الذي يتعارض و العقل خاصة والكل يعرف ا لانحدار الشديد للتعليم بنهج سياسة التعريب و الاسلمة لاعتبارات سياسية اكثر منها تربيوية او تعليمية فالفراغ الذي خلفته الفلسفة و تاثيرها الايجابي على البحث و السؤال استاثرت به التربية اسلامية و التعليم الاصيل الذي يستكين الى كراهية السؤال و التسليم مع تصريف مؤثرات الخنوع و الكراهية احيانا
    هل يسقبل الاسلامييون بعلمنة التعليم و ان كان لا فهل سيقبلون بدراسة الاديان جوابه لا لانهم يزعمون امتلاك الحق و الحقيقة و غير ذلك باطل

  • NOUR
    الجمعة 21 نونبر 2014 - 10:31

    موضوع جميل، لكن يجب أن تنتهي لعبة الغميضة و تبدأ لعبة فتح العيون على آخرها وفي كل المجالات. شكرا على أسلوبك الرائع.

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم