نهج الصفا

نهج الصفا
الأحد 21 دجنبر 2014 - 13:23

حين كان يراه مريدو الحركة الاسلامية، وربما غيرهم، من بعيد أوعلى صفحات بضع جرائد، إذ لم يكن حينها مرغوبا في الاعلام العمومي المغربي، تَبعث في روعهم قسمات وجهه ونظرته الحادة وشكل لحيته أحاسيس الغلظة والشراسة. لكن ما أن يلقوه ويصافحوه ويحادثوه يندهشون لحاله: تتعدل القسمات وترتخي النظرة وتتوارى هيبة اللحية.

إذ لما كانت الصور خالية من الروح فإنها تعجز عن إمدادك بجوهر الأناسي، وحين تلتحم الروح بالصورة يتجلى الحق ويكتمل الخَلْق.

حين تلاقيه تجد الرجل اللطيف والأخ الوديع، وليس بإمكانك استيعاب خطابه والنفوذ إلى حكمته ومراميه إلا إذا استحضرت العقل والروح.

كل ما قيل في شخصه نزر يسير، ومن استكثر عنه طيب الكلام وجميل العرفان عن صنيعه القدير وفِعله منقطع النظير، فقد سقط في فخ الصورة، ولم يعرف عنه وعن إخوانه وتنظيمه غير الظاهر، أما الروح المحركة والمبدعة فقد أخفقت بصيرة المستكثر بإدراكها.

حضر يوما إلى دورة تكوين لقادة المستقبل، فحاضر في قضايا تجديد الفكر الديني، ولم يمر إلى الحديث عن قضايا تجديد المنهج دون التأسيس لذلك بالحديث عن تجديد الايمان؛ جوهر الفكرة الدينية. ولما انتقل إلى تجديد منهج الحركة الاسلامية استحضر معالم الحركة التي تنهج السلم والسلام، وتنهمك في البناء والإصلاح.

أعاد الاهتمام وإخوانه في التنظيم لعبادة التكفر، فكان دائم التفكر، وربما ذهب يوما ليتفكر في الآخرة، ليرى مصرع القوم، وليقترب من مكان زاره ملك الموت قبل أيام قليلة ليقبض أحد رجالات السياسة الأفاضل، ولا أدري إن كان على موعد مع الموت، وكان يعلم بأنه سيجد ما جاء للتفكر فيه قد ملأ المكان وأعد له ملحمة العودة إلى الواحد الديان، أم أنه كان يشعر فقط بدنو الأجل، ولم يكن يومها متأكدا من لقاء ملك الموت.

قد يكون السيناريو الثاني الأقرب إلى الواقع، فكيف يموت على فراشه من جعل حياته حركة في سبيل الله: سعي لقضاء حوائج الناس، إصلاح ذات البين، إكرام اليتيم، عيادة المريض، …فوجئ الجميع بموته غير أني أرجح بأنه لم يفاجأ كثيرا بقدوم ملك الموت لقبض روحه.

كان اسمه عبد الله، عاش عبدا لله ومات عبدا لله، توقفت حركته العادية وهمد قلبه الصغير، غير أنه خلف حركة غير عادية، وترك قلبا يتحرك بنبضه المجتمع والحضارة، وكذلك العظماء يصنعون.

كان يغبطه الكثير على منصبه، وقد يغبطه على موته القليل، ولما بلغني نبأ رحيله فكرت في رثائه، لكن كيف يرثى من أعاد الله خلقه في أعظم تقويم.

لا أخفيكم سرا إن قلت لكم بأني استلهمت مقالتي الأخيرة من كاتبه “سبيل الاصلاح”، وأصْدقكم بأني كلما أكملت جملة منها غمرت خيالي صورة عبد الله، وما هي الا ساعات حتى ملأ ذكره السماء والأرض. وسلوى نفسي فيه أني تحدثت بحضوره في جمع عن ريادته في العمل الإسلامي التجديدي، ولم يلمحه بصري يبتسم كشأن كل من يتلقى مديحا، بل طأطأ رأسه تواضعا وكأني به كان يردد دعاء الأولين:”اللهم لا تواخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون”. وقد ختمت تلك المقالة بأبيات عن نهج الاصلاح وأنشدت في أواخرها:

أبشر مِن بابٍ ولو كان ظاهره عذابا”””” فإن باطنه يخفي رشدا تجنيه إكراما

وقل للحزم أقبل شبرا فسنأتيك أميالا”””” وقل للعابد يكفيك ذاك النهج إحراما

وبعد نعي الفقيد بأيام أكملت منشدا عن نهجه الصافي:

أين عبدٌ ظل يحيي في الإخوان إيمـانا””””ويبعث الإصلاح في النفوس إلهاما

طوافُ فكرٍ ذاكرٍ يجول الدنيا تسبيحـا””””وقافٌ عند حد الله لا يجتاز أحكاما

نال الولاية حائزا من الشعب تفويضا””””وحل بصرح كان يأتي ثراه أحلاما

تهيب قابض الروح قطع الخير إِنهاء””””ويمضي عبد الله إلى الرزايا مقداما

وكأن الموت مد يديه ليـروي ضمآنـا””””وكـأنه تفادى اليوم أن يكون هدامـا

نهْجُ الصفاء خالدٌ وفي التدبير تسديد””””هو الاحسان بِرا متين النَّسْج إِحكاما

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • saccco
    الأحد 21 دجنبر 2014 - 21:44

    لقد ذهب باها نتيجة إرتباك وخطأ في التقدير في مسألة جد بسيطة وهو على خطي السكك الحديدية
    ومن هنا تنبعث قوة الانسان بإتخاد القرار الصائب في وقت وجيز في حالة مشكل طارئ
    فكم من قائد او ربان او اشخاص عاديين تكون لهم ملكة البديهية ووسرعة إتخاد القرار الصائب في لحظة سريعة للنجاة من الاخطار المحدقة وآخرون يرتبكون ويخطئون فتكون العواقب وخيمة

  • khawla
    الإثنين 22 دجنبر 2014 - 15:42

    يقال أنه لا يقع الا الشاطر وفي رواية أخرى حين تنزل الاقدار تعمى الابصار، أما عن المنطق الاول فأقول لم يعش الدنيا بعد من لم يرتكب خطأ كان بامكانه تجاوزه بسهولة.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال