الإرهاب الممنوع والإرهاب المشىروع

الإرهاب الممنوع والإرهاب المشىروع
الخميس 22 يناير 2015 - 12:15

عندما تعرضت العاصمة الفرنسية خلال هذا الشهر لهجوم راح ضحيته 17 شخصا: صنف ذلك إرهابا، وتضامنت معه الكرة الأرضية من أدناها لأقصاها، بمختلف أشكال التضامن والاستنكار، ابتداء من بيانات تنديدية هنا وهناك، مرورا بحملات إلكترونية في المواقع الإجتماعية، وصولا إلى مسيرة باريسية هاجر إليها عدد لابأس به من قادة الدول وصناع القرار، رغم أن لكل مشارك غاية من هجرته تلك، فمنهم من كانت هجرته لمصالح ذاتية قد تكون حملة انتخابية سابقة لأوانها، وقد تكون رغبة في إغناء ألبوم صوره الشخصي كي يفتخر به يوما أمام أحفاده.. ومنهم من كانت هجرته لمصالح بلده قصد إثبات شيم الأخوة والتآزر .. كي تبقى العلاقات الثنائية قوية.. ومنهم من كانت وراء هجرته دوافع أخلاقية محضة وقيم إنسانية نبيلة وهم القلة القليلة، والنتيجة هي تحول العالم بأسره إلى محارب للإرهاب الممنوع ومدافع عن حرية التعبير وحرية الصحافة… جميل.

لكن عندما تعرضت غزة لقصف عشوائي جائر، راح ضحيته آلاف النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين الأبرياء والصحفيين، لم يصنف إرهابا، الشيء الذي سمح للكرة الأرضية بمتابعة مجريات كأس كرة القدم المنظم في البرازيل بأريحية وبضمير صاف مرتاح والذي تزامن تسجيل الأهداف فيه مع تسجيل الكثير من الأموات في لوائح المقابر الفلسطينية، والتفاصيل أصبح يعرفها العادي والبادي..

أستطيع أن أجلب العديد من الأمثلة التي تظهر التناقض الصارخ في التصنيف، لكن الأمر في نظري لايحتاج، لأن تفسير الواضحات يعد من المفضحات، ففي الهجوم الأول مات فرنسيون أي إنسان والقاتل حيوان همجي وبالتالي فنحن أمام ارهاب ممنوع ومحرم دوليا، الأمر الذي يستدعي الحداد والمظاهرات والاستنفار الأمني والسياسي وغير ذلك. لكن في الهجوم الثاني مات فلسطينيون أي شيء يشبه الإنسان قليلا، والقاتل ملاك يكره الإرهاب والعنف، والدليل هو أنه كان حاضرا في المسيرة الباريسية جنبا إلى جنب مع الرئيس الفرنسي، فهل يعقل أن يكون ارهابي مع الرئيس الفرنسي في نفس المسيرة؟ نحن إذن أمام إرهاب مشروع لاجرم قانوني فيه ولاحرج أخلاقي يعتريه.

إننا أمام نفاق دولي، وازدواجية في المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، عندما يموت الغربي نستخدم معيار الإنسان فنلجأ لقاموس الأخلاق والقيم الانسانية ونصبح طبقة من النبلاء الشرفاء، ونعرج بقاموس القانون فنجد العقوبات متراصة. لكن عندما يموت عربي أو مسلم أوأي مواطن من دولة متخلفة مهمشة.. نستخدم معيار غير الانسان فنختلق الأعذار ونخذر الضمير ونقتل الانسان الساكن فينا فنخرج بدله دمية لا قلب لها ولا احساس، أليس الإنسان إنسانا أينما كان؟ أم أن الإرهاب فيه الممنوع والمشروع في الآن نفسه؟ هل إرهاب نتنياهو إرهاب مشروع لاجرم فيه ولااعتداء ؟

خلاصة القول: من الشهامة والأخلاق أن نتضامن مع الضحايا الأبرياء، في كل أرض وتحت أي سماء، ومن النبل أن نتألم لتألم أي انسان كيفما كان، مابالك بموته، لأن هذا أقل مايمكن أن نقدم لهم، ولأننا نشترك جميعا في الإنسانية وحب الخير للجميع. وفي المقابل سيكون من الجبن والنذالة أن نختار بأهوائنا من نشاء من الضحايا، ونتضامن تبعا لأهداف شخصية أوغايات أيديولوجية، فنشغل إنسانيتنا متى شئنا ونطفئها متي شئنا. نموت يوم تموت فينا الانسانية، نموت يوم يموت فينا الإحساس بألم الآخرين، نموت عندما يموت داخلنا الإنسان.

‫تعليقات الزوار

5
  • مغربي
    الخميس 22 يناير 2015 - 20:57

    نشكرك على المقال أستاذ ماقلته صحيح ومعقول
    لكن ليس الكل لديه الجرأة ليقول ماقلت
    هناك نفاق دولي كبييييير
    الكل يعرف لكن الكل يسكت للأسف

  • عبد الوهاب
    الخميس 22 يناير 2015 - 21:47

    الكل اليوم يعرف هذا لكن الكل اليوم يتعامل وكأنه شيء عادي
    لكن في الحقيقة ليس شيء عادي
    لأن قتل النفس كيفما كانت جريمة انسانية شنيعة

    شكرا للكاتب
    (ملاحظة أسلوبك بسيط ومفهوم ورائع)

  • متسائل
    الخميس 22 يناير 2015 - 23:25

    الإرهاب الممنوع و الإرهاب المشروع ؟
    القيم الإنساية و الكونية تجمع على أن الإرهاب ممنوع .
    الإرهاب المشروع ، مصطلح من إنتاج أصحاب الشرع أو الشريعة .
    قلتَ : أستطيع أن أجلب العديد من الأمثلة التي تظهر التناقض الصارخ في التصنيف، لكن الأمر في نظري لايحتاج، لأن تفسير الواضحات يعد من المفضحات…..
    و طبعا كما يفعل بقية المثقفين ، أعطيتَ مثالا بالحرب بين إسرائيل و فلسطين و سميته إرهابا ( إرهاب دولة ) ، طيب ، كيف ستصنف ، غزو العراق ( دولة مسلمة ) للكويت ( دولة مسلمة )حيث قتلت جيوش صدام كل من صادفهم في الطريق و إستباحت نسائهم ؟
    أكيد أنه كان إرهابا مشروعا بالنسبة إليك كما كان بالنسبة إليَّ و إلى الأغلبية المطلقة من المغاربة الذين ساندوا صدام المعتدي بعد ان باعنا متقفونا سلعة عنوانها – صدام حسين ، البطل العربي القومي يقضي على الخونة الكويتيين –
    وكيف ستصنف عملية قطع الرأس متبوعة بكلمة الله أكبر في بث مباشر ؟ هل هو إرهاب ممنوع أم إرهاب مشروع بشريعة الله ؟

  • عمر
    الجمعة 23 يناير 2015 - 14:15

    حق الحياة والحرية مقصور على الجنس الأبيض فقط. على الباقي واجب الخضوع عدم النظر للأسياد

  • chawech
    الجمعة 23 يناير 2015 - 16:59

    مقال رائع و جريء يفضح نفاق و ازدواجية معايير المجتمع الدولي.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز