بين مطرقة القمع وسندان المنع

بين مطرقة القمع وسندان المنع
الإثنين 2 مارس 2015 - 18:38

يبدوا أن واقع حقوق الإنسان في هذا البلد ، لا يكاد يزايل مشكلا إلا ويقع في مشكل أعوص و أشرس من الذي سلفه . حتى و نحن اليوم بصدد ما يتراءى من الوهلة الأولى كخطوات خجولة في اتجاه توحيد الصف و رأب الشرخ ، لتصحيح ما أفسدته العهود السالفة على كل الأصعدة ــ مثلا كاستقبال المغرب لأشغال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ــ ، و إن كان لا يستقيم ربما والشواهد التي تنفي كل دليل على أن ملف حقوق الإنسان شرع بالفعل في تنفس الصعداء ، مادامت في الوطن بؤر تمارس التجاوزات فيها بشكل اعتيادي خارج حدود القانون و المنطق والتاريخ ، دون حسيب أو رقيب ، في ظل إغفال مقصود أو غير مقصود لهذا الواقع المخجل الأليم من حيز النقاش السياسي و اللاسياسي ، بما يمكن و لا ريب التيار الرجعي الرافض للانفتاح و الإنسانية ، من ترسيخ اغتصابه للحقوق و تكريس ممارساته الشاذة عن المنطق الكوني بل و عن مقتضيات ما جاء به دستور سنة 2011 الذي علقت عليه آمال جيل يتلمس النور في الغد.

وحيث من الثابت أن نقاش حقوق الإنسان اليوم ، لا يمكن فصله عن معترك الصراع بين النزعة الرافضة للقيم الكونية الكريمة من جهة و التطلعات الإنسانية الشريفة من جهة أخرى ، كان لزاما علينا جميعا كنشطاء حقوقيين و إعلاميين و فاعلين سياسيين بل و مواطنيين عاديين التصدي لتحديات هذا المنحى الرجعي ، و اتخاذ اليقظة و نكران الذات و الفاعلية الموحدة المتكاملة ذخيرة لمواجهة ضغوط الخطر الأنف الذكر ، و انطلاقا من هذا الثابت فالداعي لا يروم اجترار ما يقال في التقارير الحقوقية الوطنية و الدولية و الندوات المتكررة المعنية بكشف خطورة الوضع الملم بواقع حقوق الإنسان بالمغرب و لا يروم اللطم على ما شهده هذا البلد من تجاوزات مشينة طوال ما عرف بسنوات الرصاص و لا العقود الثلاث من نكث العهود و بقية المعادلة معروفة بالضرورة لدى الجميع ، بقدر ما ينبري للخوض في كشف مغضة الهجوم السافر الذي طال المقر المركزي لأكبر منظمة حقوقية في هذا الوطن ، هجوم لا يمكن فصله عن مسيرة الانتكاس و التقهقر في منسوب الحريات و الحقوق ، فكل المؤشرات لا تبشر بقدر ما تنذر و تحذر ، بما يفتح المجال أمام التاريخ ليسجل شهادته على ما يتخبط به النضال الحقوقي ، و الظروف التي يرزح تحتها في زمن الترويج لجيل ثالث من الحقوق و الحريات في عهد حكومة ما بعد 20 فبراير .

إن من المسلم به أن الفرد حتى و إن ارتكب فعلا أو امتناعا يجرمه القانون بصريح نصوصه ــ ناهيك عن كونه بريئا شريفا مناضلا ــ فإن هذا المعطى لا يلغى بأي وجه بعض أو كل حقوقه اللصيقة به بوصفه إنسانا ، فحقوق الإنسان وحدة مغلقة لا تقبل الفصل أو التجزيء مهما قدم من حجج منمقة لتبرير ذلك ، فكل مشجب يعلق عليه تجاوز أو يمرر بموجبه خطاب إستباحي لحق الإنسان لا أساس له و لا يعتد به أمام القانون و التاريخ و السياق الإنساني الكوني . وكما سبق بيانه فالنقاش مبني على وقائع عايشناها جميعا و نحن نتابع التضييق تلوى التضييق و الاعتداء تلوى الاعتداء ، يطال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و مناضليها في ربوع الوطن قاطبة شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا ، كان أخرها اقتحام مقرها المركزي بصيغة مشابهة لما ينقل لنا عن الأوضاع في الشرق الأوسط ، ليتوج باعتداء صائل على امرأة كرست حياتها للدفاع عن الإنسان و حقوقه ، ليطرح السؤال عن الذريعة التي تتيح تعميد حق جهة في دعس النساء و اقتحام المكاتب المرخص لها قانونا و ترويع من بها من مناضلين ، إن الهجوم الذي طال الجمعية المذكورة ــ و أنا لا أتكلم هنا بلسان المنتمي للجمعية المغربية بل بلسان الملاحظ المحايد ــ ليس بالحادث المعزول بل إن له ما بعده ، و ما بعده يرسخ إحساسا عميقا بمعضلة تتفاقم و أن الواقع اليوم بصدد تكرار لسنوات الفشل المنصرمة و بصدد قطيعة كلية بين الخطاب و الممارسة ، تغذيها رغبة خفية في تقزيم العمل الحقوقي .

الانتهاك الصارخ المذكور هنا هو أيضا من جنس الانهاكات الجسيمة التي وعدنا بالقطع معها و التي كما يتجلى أضحت ثقافة و عرفا معمولا بهما و ممارسة اعتيادية تدخل في صميم العلاقة الخاطئة بين الجهة الأنفة الذكر و المناضل الحقوقي و هذا ما يحيلنا في أعقاب ما سبق تبيانه إلى ضرورة دعوة الكل ــ أو على الأقل محاولة دعوة الكل ــ ، خاصة من هم في صنف المسؤولين ، إلى لحظة من الحقيقة و درء حالة الإنكار ، فالأمر بما لا يدع مجالا للشك أخطر مما ذكر ، إذ المكتسبات الحقوقية تقف اليوم في مهب الريح ، ما لم يتم التصدي لؤلئك الذين اتخذوا وظائفهم و القانون لباسا يواري سوءة ساذيتهم و حقدهم على الإنسانية و الانفتاح ، و اتخاذ ما يمكن اتخاذه في هذا الصدد بما في ذلك اختيار الموقف الصحيح و الاعتراف بما هو كائن و استجلاء ما ينبغي أن يكون و مسائلة العابثين ، الشيء الذي لن يتسنى إلا عبر إنهاض ثقافة حقوق الإنسان و الخروج بها من دائرة النسيان و الخطابات ضيقة الأفق ، إلى فضاء الممارسة الأشد اتساعا و رحابة ، و إقحامها في أولويات الوطن كركن من أركان التعاقد ، و خلق أوراش حقوقية مستمرة و صادقة بتشارك مع المجتمع المدني ، و فتح المجال أمام رقابة المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية ، و السماح لها بالتلاقح الحر مع الأفراد دون أدنى تضييق ، بما يزيل الستار عن عيونهم و يمدهم بثقافة حقوقية متينة تحصنهم في وجه التحديات المتفاقمة ، في غياب ذلك لا مجال أمام قطار الإنسانية أن يتخذ سكته الصحيحة في هذا البلد . معشر النخبة أفيقوا فنحن في أزمة !

-عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ” فرع الرباط

‫تعليقات الزوار

3
  • Rachid
    الإثنين 2 مارس 2015 - 20:19

    عن أي أزمة حقوق إنسان تتحدث وعن أي 20 فبراير تتحدث ،الم تستحون من أنفسكم وتنظروا إلى بلدكم الذي اصبح استثناء يحسد عليه عربيا ودوليا بهذا الأمن والاستقرار،إذا كنتم ما زلتم تراهنون على الشارع المغربي لاستنساخ التجربة الشبيبة والتونسية والمصرية فالشعب المغربي أدرك من قبل لعبة التجاذبات الدولية والإقليمية التي تخدم القوى الامبريالية حذاري لقمان من السقوط في فخ سايس بيكو التانية لتجزئ المجزء وتفتيت المفتت.

  • العنقاء
    الثلاثاء 3 مارس 2015 - 00:14

    نص جميل و كاتبه أجمل ليس في كلامك ما يوحي بالنقص لأن النص متوازن وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رصيدك المعرفي الضخم

  • كاره الرقم20
    الثلاثاء 3 مارس 2015 - 14:28

    يجب اولا تحديد هوية المهاجمين فالمهاجمبن قد بكونوا افراد من الجمعية نفسها او مدفوعين من جهتها من اجل فرقعات واثارت الانتباه الكل يعلم جيدا ان حقوق الانسان في المغرب هي على الحضيض ولكن لا احد يريدها على نهج جمعياتكم

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 3

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات