غزوة المقابر وكشف المستور

غزوة المقابر وكشف المستور
الجمعة 27 مارس 2015 - 11:33

هل يوجد عاقل يستطيع أن يصدق أن السلطات في مدينة الرباط قد منعت دفن امرأة، وقالت لأهلها وعشيرتها احملوها بعيدا عن مقابرنا، فارموها في البحر أو أحرقوها؟ هذا هو بالضبط ما حاول أن يروج له أتباع جماعة العدل والإحسان طيلة يوم الخميس 26 مارس 2015، وهم يهمون بدفن السيدة خديجة المالكي زوجة المرشد السابق للجماعة عبد السلام ياسين رحمهما الله معا.

أتباع الجماعة دشنوا على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ سموه (ممنوع_الدفن)، ونشروه على نطاق واسع، وملؤوه صراخا وعويلا، حتى يصل صوتهم إلى كل مكان في العالم، ليعلم القاصي والداني بأن سلطات العاصمة المغربية منعتهم من إتمام عملية دفن امرأة رغم أن إكرام الميت دفنه.

والحقيقة البعيدة عن كل كذب بواح، أن الجماعة كانت تريد دفن السيدة خديجة المالكي في قبر يجاور قبر زوجها، وهو الأمر الذي رفضته السلطات، حيث أخبرت القائمين على الجنازة بأن الأمر غير ممكن وبأن هناك قبر آخر قد خصص لإتمام مراسيم الدفن. فلماذا لم يقل أتباع الجماعة الحقيقة كما هي ولجؤوا إلى الكذب، رغم أن الكذب في الإسلام حرام؟؟؟ وهو الدين الذي جعلوا أنفسهم قيمين عليه، يتكلمون باسمه، ويمارسون السياسة باسمه، ويسعون لدولة الخلافة باسمه.

ووحده الله يعلم أنه لو فتحنا هذا الباب مشرعا في وجه المغاربة لاختيار أماكن دفن أقاربهم، لوجدنا أنفسنا في بضع سنين أمام ظاهرة تشبه تلك التي توجد في مصر، حيث انتشرت ظاهرة المقابر العائلية، فصار للأغنياء والأعيان وعلية القوم مقابرهم التي توجد في أرقى الأماكن، في حين لا يجد الفقراء وعامة الناس مقابر يدفنون فيها. فلماذا هذا الإصرار على الدفن في مكان بعينه، وكأن الميت لن يكون في حضرة الله ورحمته إلا في ذلك المكان دون بقية الأماكن؟

ويجب أن أعترف أنه في كثير من الأحيان، تبدو لي ممارسات جماعة العدل والإحسان لا تختلف في شيء عن ممارسات المخزن. هي فقط الغيرة التي تحرك قيادة الجماعة التي تعتقد أنها تستحق نفس الجاه والحظوة. فما الفرق بين إمارة المؤمنين والخلافة؟ وما الفرق بين تقبيل يد الملك وتقبيل يد الشيخ؟ وما الفرق بين مقابر المشور السعيد حيث ترقد جثامين الأمراء، وبين مقبرة الشهداء حيث تريد الجماعة أن تجمع جثامين شيخها المؤسس وعائلته في مكان واحد وكأن مقابر باقي المغاربة لا تجوز مجاورتها؟

لقد أخطأت جماعة العدل والإحسان حين جعلت نفسها تنقاد لمعركة دونكيشوتية، لم أجد لها من اسم يليق بها سوى غزوة المقابر، خصوصا حين سمحت لأتباعها بانتهاك حرمة مقبرة الشهداء، والدوس بأحذيتهم على قبور موتى المغاربة، وتعطيل باقي الأسر عن دفن ميت لها أو زيارة قبر عزيز عليها. لكن خطأها الأكبر كان في كذبها على الرأي العام، وهو الكذب الذي أخذ بعدا أكبر حين كشف غضب نادية ياسين ما ظلت الجماعة تخفيه لسنين، حين قالت بالحرف: “…ياك أعباد الله، العالم العربي كلو شاعل، وجا هاد السيد الله يرحمو وبـرد ليهم الطرح في المغرب، وهذا هو الجزاء ديالو…”، وهي العبارة التي تختصر كل شيء وتظهر لكل ذي قلب سليم، كيف تواطأت الجماعة مع المخزن من أجل إجهاض حركة 20 فبراير.

فحين قررت جماعة العدل والإحسان الانسحاب من حركة 20 فبراير، قالت في بيان عممته على وسائل الإعلام بتاريخ 18 دجنبر 2015، أن أسباب انسحابها تكمن في نقطتين أساسيتين:

أولا) طبيعة السقف السياسي لحركة 20 فبراير والمحدد في الملكية البرلمانية، منخفض جدا وهو ما يجعل منها حركة تنفيس لا حركة تغيير.

ثانيا) محاولات باقي الأطراف المكونة لحركة 20 فبراير فرض القيم والتوجهات اليسارية على الخطين السياسي والإيديولوجي للحركة، وهو ما اعتبرته الجماعة يناقض هوية الشعب المغربي المسلم.

وها نحن نكتشف اليوم، أن كل ما قيل حينها كذب في كذب، وأنه مجرد محاولة هروب للأمام عبر إلصاق تهم واهية بشركاء كانوا صادقين في نضالهم، وأن السبب الحقيقي وراء انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، والذي ظل طي الكتمان هو صفقة طبخت في الظلام بين المخزن وقيادة الجماعة، حتى يستمر الفساد والاستبداد، وذلك في غفلة من أتباعها الطيبين الذين لا يناقشون أي شيء ويكتفون بالتنفيذ الأعمى للأوامر وكأنهم آلات فاقدة للرشد وغير قادرة على التحليل.

ورب ضارة نافعة، فلقد انقلب السحر على الساحر، وعوض أن تساهم غزوة المقابر في تكريس مظلومية الجماعة، وتعزز من مكاسبها السياسية جراء لعبها الدائم على وتر الضحية المهضومة الحقوق، فقد كشفت لنا عن سياسات قياداتها الحربائية، حيث الكذب والتقية وإظهار عكس ما تضمره النفوس. ولا يأتي أحد ليقول لي أن تلك السياسة وأحكامها وأن الغاية كما قال ماكيافيلي تبرر الوسيلة، لأن هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا، خصوصا ممن يدعون ليل نهار أنهم يمارسون السياسة باسم الإسلام وأن غايتهم نشر الفضيلة والتقوى بين الناس. فمن يكذب مثلما يتنفس لا ثقة فيه، ومن يتهم الناس بتسقيف الحراك في حين هو يجالس المخزن من أجل عقد الصفقات وإحباط محاولات التغيير، لا يمكن أبدا التعويل عليه من أجل إقرار الديمقراطية ونشر قيم الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

‫تعليقات الزوار

9
  • مغربي
    الجمعة 27 مارس 2015 - 15:31

    انسحاب الجماعة من 20 فبراير هو تكتيك استغلته الجماعة بذكاء، فعندما بدأت هي و جماعة النهج الشيوعية بالمظاهرات ، انتقلت الى التصعيد و التسخين وبلغت حدا يجب فيه الانتقال الى المواجهة الفعلية كما حدث في البلدان التي انتقلت فيها المظاهرات الى المواجهة، لكن المخزن تصرف بذكاء مستفيدا من تجارب الدول الاخرى، فانسحب من الساحة تاركا الجماعتين بشعاراتهما و مسيراتهما التي لم تلق قمعا و لا رصاصا من الشرطة مما أضعف زخمها، لتنتقل الجماعة الى الأحياء الهامشية لكنها فشلت. و أمام تكرار المظاهرات التي لا أمل منها بسبب انسحاب السلطة و عدم تدخلها، و عدم استجابة الشارع لها، كان ما كان.
    هل هناك صفقة؟ المهم أن الجماعة لو استجاب لها الشارع المغربي لانقضت على السلطة، و لبدأت بقمع جماعة النهج الشيوعية أولا و هم حلفاؤها، كما فعل اية الله الخميني في ايران، و كما فعل الاخوان في مصر..لكن الله سلم.

  • كاره الضلام
    الجمعة 27 مارس 2015 - 15:57

    المقابر ليست مقابر عائلية ليوصي احد بدفنه جوار قبر من القبور،ياسين مات مند زمن غير قصير و دفن بعده الاف المغاربة فهل يعقل ان يترك جواره فارغا تحسبا لموت الفقيرة في زمن لا احد يعلمه؟ و هل من الاسلام او الانسانية ان تقوم الجماعة باخراج اشخاص من قبورهم لكي تضع في مكانهم الفقيرة لانها اوصت بدلك؟ لو ترك الامر للجماعة لجعلت لها مقابر خاصة دونا عن المغاربة و لما قبلت ان يدفن اعضائها الى جانب بقية الشعب، انها جماعة عنصرية و الكل يعرف انها فعلت نفس الامر في التخييم، لقد استولوا على شاطئ معروف و قاموا بانزال كبير و منعوا غير المنتمين لهم من المرور بجوار مخيمهم، لقد كانوا يضعون حراسا منهم يبعدون الناس و كان الشاطئ في ملكيتهم،و نفس الشيئ يفعلونه ببعض المساجد و حتى الحرم الجامعي،هم يتصرفون و كان الدولة غير موجودة و يعتبرون المغرب ملكا لهم اخده منهم المخزن و يعتبرون الاستيلاء على الاماكن العامة حقا لهم و منع المخزن لهم يشعرهم بالغبن،نرجسيتهم لا تقبل الا باخد كل شيئ ،هده الجماعة ادمنت المتاجرة بالجنائز و تتقن التمثيل بالجتث مثل سائر الغربان عبر التاريخ

  • أمين السلاوي
    الجمعة 27 مارس 2015 - 19:46

    التباكي والكذب ،ميزتان تثقنهما جماعة العدل والإنسان ،عندما يتهم عضو منهم بإرتكاب جنحة أو خيانة زوجية ،دوما يخرجون للتو لتكذيبها وإتهام الدولة بفربكة الملف وإرادة الدولة تشويه أعضاء الجماعة ،شاهدنا لمرات شخصيات نسائية ورجال عدليين يخونون أزواجهم أو زوجاتهن بالصورة وبالفيديو أيضا ،فدائما التكذيب ،وكأن العدلويين أشخاص منزهين عن الخطأ تماما . في قضية الجنازة،نفس الشيء يخلقون أشياء لمعرفتهم بأنها سترفض ،فالسيناريوهات التي يحبكونها تكون جد مدروسة ،فيسيسون أي موضوع ولو كان جنازة عادية، لإظهار لمريديهم وللجميع بأنهم مظلومين وفي نفس الوقت موجودين على الساحة ،يتبنون الصراع مع السلطات

  • شاهد عيان
    الجمعة 27 مارس 2015 - 21:00

    مقالك لن ينطلي على احد فقد شاهدت كل الفيديوهات التي تدل على غباء وسذاجة المخزن ولعلمك الان اصبحت محبا اشد الحب لجماعة العدل والاحسان واتمنى ان انتمي يوما لصفوفها انهم رجال وامل المغرب لوطنيتهم ليس كالنظام المخزني الذي عاث في البلد نهبا وفسادا

  • رشيد
    الجمعة 27 مارس 2015 - 22:37

    فعلا انكشف المستور وهو الحقد الدفين لمن في قلوبهم مرضا الله اعافيكم يا كاتب الحمد لله الفديوهات فضحتك ومخزنك

  • amazigh
    السبت 28 مارس 2015 - 07:47

    هكذا يكون الحقوقي وإلا فلا. ربما يعلم جميع من شاهد الفيديو أن السلطة رخصت لعائلة ياسين رحمه الله دفن والدتهم بجانب زوجها و تراجعت بعد ذلك و ذلك بردم القبر ومنعهم من الوصول إليه.
    السلطة أصدرت كذلك تصريحا متناقضا تبرر فيه أسباب المنع وهي تبريرات بعيدة كل البعد عن ما سطره صاحب المقالة المدافع الشرس عن حقوق الإنسان.
    لو أن الأمر يتعلق باللواطيين و وكالين رمضان لأقمتم الدنيا ولم تقعدوها و لكاتبتم الأوربيين و الأمريكيين مطالبينهم بالتدخل العاجل لوقف جور السلطة.

  • الرياحي
    السبت 28 مارس 2015 - 20:36

    يجب يا سيدي ان تختار ولا تخلط الحابل بالنابل .توقع مقالاتك الغزيرة ، اللتي شخصيا اعتبرها جادة ، باسم رءيس مركز الحقوق إذن لا يحق لك ان تكون حكم في أمور سياسية بل اكتفي بالدفاع عن حقوق الناس فقط لكي تربح شيئا من المصدقية.غير ذلك سيحق لأي كان ان "يرففك" اعني cataloguer من هذا التيار او ذاك او عدو لهذا التيار او ذاك وهذا ليس في صالحك او في صالح مركزك لانه سيتبخر قريبا اذا كان لك أصلا قاعدة. شخصيا ليس لذي رأي في هذا الموضوع بالذات لتضارب الأخبار.كل ما اعتقد ان على الدولة ان تكون محايدة وتحرم على نفسها الانتقام واستعمال المفرط للقوة بل التشبت بالقانون والدستور بتبصر وانسانية .بلادنا والعواصف تزفزف على البلدان العربية يجب ان تتجنب المصاءد وتكرس الديمقراطية والاحترام كاختيار استراتيجي.كم نحن بحاجة للاحترام فلا ديمقراطية بذون ثقافة الاحترام والحوار والانسياغ والاعتراف بالمساوات بين المواطنين كيف كان عرقهم او لغتهم او افكارهم او وضعيتهم الاجتماعية او الصحية .احيانا تجمع المقابر أناس ما كانوا ان يلتقوا احياء فليدوم الحال الألف سنة القادمة
    وشكرا

  • الحسن داودي
    الأحد 29 مارس 2015 - 14:29

    نزلت يا هسبريس الى الحضيض بنشرك مقالات كل من هب ودب , في يوم من الايام كانت هسبرس صحيفة مهنية. عاودوا النظر ونتمنى لكم التوفيق

  • الشباب والقفز على التاريخ
    الأحد 29 مارس 2015 - 15:57

    لا وجود لصفقة ما،في الماضي او الحاضر،الجماعة تدخل الى الصراعات وفق اجندتها ،خطابها مزدوج دائما،كانت تحاول استغلال الربيع العربي ،متل جماعة الاخوان المسلمين،انسحبت لما علمت ان اجندتها مرفوضة من الجميع بين ،المتفقين ،او في الأماكن الشعبية ،الدولة لا تحاول ادماج الجماعة،لان للجماعة خصوم غير المؤسسات ،وهم نحن العلمانيون ،لان مطلبنا كان دائما هو ان على تلك الجماعة بعد ان جربت كل الأشكال النضالية الميكيافيلية ،والدجلية المقيتة ،ووصلت الى الطريق المسدود ،ان تحل نفسها بنفسها،بعد ان تقدم اعتذارا للمغاربة،لينا أكباش او مريدون ،حديت شاب متلك عن المخزن هو رجوع الى ايام الاستعمار،وبداية تأسيس المؤسسات الوطنية مع صراعات الحرب الباردة ،حيت كان من الصعب التعرف على الوطني من العميل،وها نحن نعيس نفس الوضع مع تقافة حقوق الانسان،لا ننكر انه هناك في المؤسسات الوطنية موظفون لا تهمهم الا مصالحهم ،ولكن تشخيص مشاكل اليوم على انها استمرارية لمشاكل الامس يعني،انه لأزيد من خمسين سنة ،لازال قياد فرنسا وأطرها هم الدين يسيرون مرافق الدولة وبتسلط واستبداد ،وان نضال الكتلة الديموقراطية لمدة عشرين سنة كان وهما وسرابا،

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء