مذكرات كاتب فاشل .. قلم الزعيم

مذكرات كاتب فاشل .. قلم الزعيم
الخميس 16 أبريل 2015 - 20:54

3/ قلم الزعيم

التحقت بشيبة الحزب مبكرا، وقد ورث حرفة السياسة عن أجدادي، كان أبي ينام على مذكرات غرامشي ويستشهد به في كل مائدة طعام، والغريب أنه لم تطأ رجليه باب المدرسة، فقط ماتعلمه في الفيتنام عندما كان يحارب بالسخرة لأمنا فرنسا. وكان دائما يقول لي، لقد قضى غرامشي 25 عاما من السجن ويوم خرج منه قضى نحبه في اليوم التالي من أجل أن يحيا الوطن، هكذا يجب أن يكون المناضل وهكذا يجب أن تكون يابني.

وكنت في كل مرة أتذكر كلماته التي نقشت في ذاكرتي ووجداني، أجدني مسلوب الإرادة أمام عقيدة الحزب وزعيمه، لا أناقش مقررا من مقرراته ولا أحتج على انحراف من انحرافاته، فقد أصبحت متيما به وبصلواته، أليس الحزب معبد الشرفاء ؟

كنت أحضر كل الأنشطة الحزبية وأستمع بتفان إلى خطب الزعيم حول التغيير ورهان الديمقراطية، وكان سقف القاعة يكاد يسقط على رؤوسنا من قصف الكلمات والشعارات النارية ، وكان لا يتوقف بالمطالبة بإسقاط التماثيل التي نعبدها مع سبق الإصرار والتوسل.

وما كان يثيرني حقا هو حماس الجماهير في التفاعل مع الزعيم وهم يرددون الشعارات المدوية، فكنت أشعر حينها أننا نطير بالوطن إلى الأعلى، حيث كان يحلم سقراط قبلنا بمدينته الفاضلة مند آلف السنين.

وكنت أعود إلى المنزل دائما في وقت متأخر، وأنا أردد ما حفظته من شعارات وكانت أمي تنهرني وتقول لي، ابتعد عن السياسة إنها تجارة فاسدة ومفلسة، لا يفلح فيها سوى المشعوذون، ولكن العيب ليس عليك ولكن على أباك الذي ورث منها الفقر والمرض.

وفي الصباح الباكر كنت ألتحق بالمناضلين للسفر لمساندة أحد المناضلين والذي كان مضربا عن الطعام احتجاجا على طرده من وظيفته بسبب إفشاء سر المهنة، لأنه تجرأ وأخبر احد الصحفيين بتلاعبات في وجبات المطعم المدرسي، وكانت هذه فرصتي الأولى لأكتب عن هذا الفساد العظيم الذي يأكل مدرستنا العزيزة كما تأكل النار الحطب.

ومنذ ذلك الحين أصبحت قلم الحزب ورصاصه الذي يصوبه في كل الاتجاهات، ولكل من يمس صورة وسمعة الزعيم وحزبه. وكم كنت مسرورا عندما فتحت لي جريدة الحزب عمودا أسميته ” مع الشعب ” كنت أكتب فيه كل ما يدور من أحداث بالمدينة ومشاكلها وكنت أحاول في كل مرة أن العب دور الكاتب الذي سينقد المدينة من براثين الفساد وكنت أصر أن اكتب الحقيقة عارية مهما كلفتني من ثمن كما كان يقول الأديب صنع الله ابراهيم. ولم يمر على هذه الكتابات زمنا طويلا حتى لمع إسمي وأسمعت كلماتي من به صمم من المناضلين المنافسين لي.

وفي أوج الصراع بين الحزب والسلطة أصبحت كاتب الحزب بامتياز، أرد على الأحزاب المعارضة وأتصدى إلى الرفاق من الحزب الذين يعارضون توجهات الزعيم وأمطرهم بالقصائد والنصوص القاتلة ولم أكن أجد صعوبة في ذلك مادامت الأسماء المستعارة متوفرة لقضاء هذه الأغراض الدنيئة في جنح الظلام.

مهمة كاتب الحزب وكاتم أسراره ، مهمة خطيرة عندما تتحول إلى جلاد حقيقي لكل من يختلف معك في الأفكار والطروحات كيف ماكان وضعه ولونه الاديولوجي، فقد تحولت إلى رجل الدسائس وسفك سمعة وأعراض كل من سولت له نفسه الدخول إلى مغارة الزعيم وحواريه، اللعنة لقد تحول قلمي إلى مصاص دماء الإخوة والأعداء سواء.

ونزولا عند رغبة الزعيم، فقد أصبحت أمثل الحزب في المنتديات والملتقيات الإقليمية والدولية، وأدافع بشراسة عن وجهة نظر الحزب ولو كانت خاطئة وبدون جدوى، إنه منطق السياسة الذي يعلمك أن تتشبث بأفكارك والدفاع عنها ولو على حساب حياة ومستقبل الآخرين، والغريب أنه في كل مرة كنت أخوض فيها معركة من المعارك المتعفنة سواء ضد الخصوم أو الأصدقاء،( طبعا باسم الحزب)، كان يحضرني طيف أبي ووصيته وكم كنت أشعر أنني تحولت إلى رجل تافه والى قلم مسموم بعد أن دست بثقل رعونتي كل مبادئ وأخلاق الكتابة.

والأفظع من ذلك، كنت أحاول في كل مرة أن أواجه هذه الوحشية التي لمت بي بتبرير مخيف، وكنت أقول في نفسي: إنها السياسة ومخلفاتها ولابد من ضحايا ، وما أنا سوى حارس أمين في تحقيق هذه المهام القذرة. ألست صوت الزعيم وكاتم أسراره ؟

وقد كنت أغلب الأوقات أقضيها قرب الزعيم، أعد خطبه الرنانة وأطرز بياناته النارية أو الموسيقية وذلك حسب شهوته المتغيرة. وكثيرا ما كنت أسهر الليالي أعد وثائق المؤتمر مستعملا كل الأساليب والوسائل الماكرة في نسج مسودة تعيد انتخاب الزعيم وأتباعه، وكنت دائما استحضر أن السياسة خدعة.

ويحدث أن، ينقطع حبل الود بين الزعيم والسلطة، وترتفع حرارة الصراع وغالبا ما يكون بسبب المقاعد التي فقدها الحزب في إحدى حصونه المحصنة، فتجدني في مقدمة المترافعين عن صورة الزعيم التي خدشتها السلطة ” بحماقتها ” المحسوبة أو غير المحسوبة ، فأصوب مدفعيتي الثقيلة نحوها مستغلا كل المعطيات والمعلومات التي تتقاطر علي فجأة من طرف الزعيم حتى أرد اعتباره ومكانة الحزب المقدسة.

إنها حرب سياسة في الظاهر بين الحزب والسلطة ولكن في جوهرها تقودها المصالح غير المعلنة، والتي يتغذى من شرايينها كل المؤلفة قلوبهم على زبد الريع ومشتقاته.

ولا تمر أيام بعدد الأصابع، على ما أطلقته من قذائف على قصر السلطة حتى تلفق لي تهمة ثقيلة ، فيتم اعتقالي ومتابعتي بالسجن لأجل مسمى، فيرعد الحزب ويمطر بيانا باهتا، يشجب فيه طريقة اعتقالي المخلة بالديمقراطية، وماهي إلا ساعات قليلة حتى يتم استبدالي بكاتب آخر، فيزورني طيف أمي وأتذكر كلماتها العظيمة، وأعرف قمة غبائي.

‫تعليقات الزوار

1
  • ن.ن
    الأحد 19 أبريل 2015 - 16:22

    اتدحرج بين الكلمات فاجد ان افلاطون اصبح سقراط.تذكرت الاغريق فادركت ان بابل عادت روما و البندقية تفتحت وردة و صبحا اشرقت اسكندرية .كيل من ضجيج في صحراء قاحلة و هل القبائل كان لها زعيم ؟انبهرت ،وبد هنيهة بكيت ربما نقصد النبي ،تالمت رسول من؟تهجيت وما فهمت "غرامشي"
    اكان رطل لبن من ابلنا،ام سطلا من عسل الشهد؟لم نكن نملك الا نصف بقرة تعطينا الحليب ،و ربع شاة كل يوم نقتات من بقاياها.و ما الكتابة؟لانني لاأذكر الا كتاب وحيد اصفر مع الدهر.ان اردت ان ..لست ادري جعبتي فارغة .فتهديت ،لا استطيع الوقوف،لازلت لاأقدر على المشي.هذه!"مذكرات"لكن نسيت يوم ولدت ،فماذا أكتب؟رحلة شعب يكسب درهم عرق،ليأكلوا؟يا لغبائي!!!
    لانشرب سبعا،ولا نأكل اربعين.أهذه هي ؟لا أظن!
    من القاتل و من المقتول؟لم يكن بحينا حاكما،نفيق صباحا ،اكل ،نظل نأكل،لا فقيه بيننا.ربما كان بالقرية المجاورة؟

صوت وصورة
سماء وجدة تتلون بالأصفر
الأحد 24 مارس 2024 - 18:11 3

سماء وجدة تتلون بالأصفر

صوت وصورة
الفهم عن الله | ادخل باب الله
الأحد 24 مارس 2024 - 18:00 1

الفهم عن الله | ادخل باب الله

صوت وصورة
خلف الستار | فيلم كازافورنيا
الأحد 24 مارس 2024 - 17:30

خلف الستار | فيلم كازافورنيا

صوت وصورة
أسرار رمضان | إدارة الغضب والخلاف
الأحد 24 مارس 2024 - 17:00

أسرار رمضان | إدارة الغضب والخلاف

صوت وصورة
وزيرة السياحة في جولة بالبيضاء
الأحد 24 مارس 2024 - 13:26 1

وزيرة السياحة في جولة بالبيضاء

صوت وصورة
الجديدة تغرق في الأزبال
الأحد 24 مارس 2024 - 10:55 14

الجديدة تغرق في الأزبال