فيلم "عيّوش" بين جرأة الفكرة ووقاحة الطرح

فيلم "عيّوش" بين جرأة الفكرة ووقاحة الطرح
الجمعة 29 ماي 2015 - 22:22

أثار فيلم “الزين اللّي فيك” لمخرجه “نبيل عيوش” ضجة إعلامية كبرى وصخبا في النقاش العمومي المغربي. صخب تراوح بين التنويه بالجرأة التي طرح بها الفيلم موضوع الدعارة في ارتباطها بالسياحة الجنسية، والتنديد بالوقاحة التي وسمت المشاهد وبالبذاءة التي ميّزت لغة الفيلم. لقد أبى صاحب الفيلم إلا أن يحطم كل الحواجز الثقافية وامتداداتها النفسية في تناوله لموضوع يعتبر واحدا من الطابوهات المجتمعية لدى المغاربة، وهو ما يدل على استعداد من “نبيل عيوش” على كل هذه الانتقادات والقراءات.

بداية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ندعّي امتلاكنا لثقافة النقد السينمائي، إلا أن ذلك لن يمنعنا من التفاعل مع هذا النقاش الذي أعقب عرض الفيلم، لا نجد بدّا من التنويه بفكرة طرح الظاهرة التي كانت موضوع الفيلم، فطالما كانت الدعارة والسياحة بالمغرب وجهين لعملة واحدة في نظر الكثير من المتتبعين والمهتمين داخليا وخصوصا خارجيا، وهو ما لا ننتبه إليه إلا في مناسبات موسمية نمتعض فيها من “اتهامات” المصريين – رغم انتشار زواج المتعة بالقاصرات عندهم من طرف الخليجيين – وعرب الشرق الأوسط – رغم تعدد أشكال الزواج الفاسد عندهم -، اتهامهم لنا بالدعارة والسحر.

من جهة أولى، لقد كان القاموس الموظّف في الفيلم قاموسا عنيفا من الناحية السوسيو- ثقافية، خصوصا أنه آثر المكشوف والمباشر على المرموز، دون أية مراعاة لحميمية اللغة (Intimité de la langue)، وهو ما جعل الكثيرين ينتفضون ضده -وإن لم يشاهدوه بعد – لكونه تطاول على القيم المحافظة – ظاهريا على الأقل – للمجتمع المغربي بغير قليل من الجرأة، فصناعة التغيير في القيم الثقافية للمجتمع، بغض النظر عن طبيعة هذا التغيير، تحتاج إلى التدرّج والنفس الطويل، ويظل حرق المراحل في هذه الحال مغامرة غير محسوبة العواقب.

من جهة ثانية، من يظن أن الفيلم هو من سيطلعنا على الواقع المرّ بظواهره المرضية فهو واهم، فالمغاربة أو لنقل جلّ المغاربة يدركون جيدا حجم الظواهر الاجتماعية المرضية، ويعون خطورتها على الاستقرار الاجتماعي والنفسي لهم ولأبنائهم، إلا أنهم لا يمتلكون من الآليات ما يمكّنهم من الدفع نحن تصحيح الأوضاع. صحيح أن الفيلم عكس للمشاهد ما يجري وراء الستار، لكن صورة الجسد الفاضحة الصادمة – لمن ألف رؤية الأجساد المدّثرة – وتوظيف كلام “خادش” – لمن لا يوظفه – ينهل من الواقع المغربي – كونه متداولا في الشارع ومحطات النقل والمواخير والأسواق في المدن والقرى – ستجعل المواطن ينتقده بطريقة أو بأخرى حسب قناعاته، وخلفياته، وتجربته، وفهمه، ونفاقه الاجتماعي، ورؤيته النقدية للفن، وولاءاته، واستقلالية فكره، و…

جميل أن يكون سينمائيونا جريئين يخوضون في اللامخوض واللامفكّر فيه، فهو ما سيتيح لنا كمجتمع مكلوم فرصة التناول والتداول في مجموعة من الظواهر التي يريدنا البعض أن نجهلها أو نتجاهلها، لكن الطرح الذكي الذي يراعي حساسية الخصوصيات، وتحجّر العقليات في تناول مثل هذه الظواهر خيار لا محيد عنه، فيظل بذلك مبدأ التدرّج وتوظيف المرموز أمرا محبذا.

إن السينما المغربية في حاجة إلى الجرأة في الطرح، لكن ليس فقط في دائرة ضيقة تلعب على الإثارة في مواضيع تتمحور حول الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر. لسنا أبدا ضد فكرة طرح موضوع الدعارة في السينما، لكننا نستحب الغوص في جذور الظاهرة في ارتباطها بالفقر والتشتت الأسري، وظاهرتي الاغتصاب وزواج القاصرات، في تناول يهتم لطرح البدائل التي من شأنها تصحيح الوضع، بدل السلبية والضبابية اللتين تشوشان على المشاهد.

جميل كذلك أن نتناول موضوع السياحة المغرب للتنبيه إلى أشكال البضعنة والامتهان التي تطال أبناءنا وبناتنا باسم السياحة، ولفت الانتباه إلى ما يدفع بعض الشواذ ممن يعانون كل أنواع العقد إلى القدوم إلى وطننا حاملين الدولار واليورو لاستغلال الفقر والجهل كي يعبثوا بكرامتنا وشرفنا، كل ذلك لتتحمل الدولة مسؤولياتها في حماية مواطنيها من هذه الوحوش الآدمية المكبوتة.

ما أحوجنا إلى سينما تطرح المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية بغير قليل من الجرأة، من قبيل الامتيازات التي تهم فئات مجتمعية معيّنة، وتوريث المناصب السياسية، ومراكمة الثروات الضخمة، وتداعيات الفقر المدقع، ومخاطر الجريمة المنظمة، وأسباب التهميش الممنهج، ومضاعفات الرشوة المستشرية وويلات حقوق الإنسان المهضومة. كم هو جميل أن تطرح السينما في قالبها الفني موضوع العدالة في كل تجلياتها الاقتصادية والمجالية واللغوية والثقافية.

لقد كان الفيلم في الحقيقة مناسبة سانحة لملامسة جوهر الظاهرة بطرح أكثر عمقا ومسؤولية، فالتهور الذي يطبّع ويميّع تحت ذريعة الحداثة المغلوطة، والاندفاعية التي تتنكر وتتجاهل باسم الطهرانية الظاهرية، لم يعودا ينفعان في مقاربة الظاهرة، وحريّ بمسؤولينا فتح نقاش عمومي هادئ حول هذه الظاهرة وكل الظواهر المرضية بشكل ينصف المواطن المغربي الذي تداس كرامته في الواقع قبل السينما، بدل اللجوء إلى الوقفات “الفلكلورية” التي تجيش السذج والبسطاء، أو سن سياسة المنع والحظر اللذين لم يعودا يعنيان شيئا في زمن الأنترنيت.

https://www.facebook.com/lahcen.amokrane.Tinjdad

‫تعليقات الزوار

5
  • كاره الضلام
    السبت 30 ماي 2015 - 01:59

    تقولون لنا ان غاية الفيلم محاربة الظاهرة، و نحن نsالكم متى كان الفن يغير الواقع؟كم عدد الاعمال الفنية العظيمة التي تناولت مسالة الدعارة مند بيجماليون الى محمد شكري مرورا بغادة الكاميليا،من منها غير شيئا في قضية الدعارة؟ هل من لا يستطيع الفهم ان الدعارة ظاهرة انسانية و ليست مشكلا اجتماعيا يرقى لوعظ الناس و تنويرهم؟
    هناك وسيلتان لا تالث لهما لتناول الثيمات الاخلاقية في الفن: الوعظ و الاثارة، فاما ان يكون فيلم عيوش موعظة فيكف عن التدرع بالظلاميين الاخلاقيين و اما ان يكون فيلمه للاثارة فيكف عن ادعاء الاصلاح
    تصفون الشعب بانه رجعي متخلف و تكيلون له الشتائم ثم تقولون انكم تريدون محاربة الدعارة،و السؤال هو من اجل من تريدون محاربة الدعارة ان كنتم تكرهون الشعب؟هل يوجد اصلاح دون حب؟
    تقولون ان الفيلم تحرى الواقعية و لم يفعل سوى نقل الواقع،و السؤال هو كيف لمن لا يتكلم الدارجة و لا يفهمها ان ينقل واقع الطبقات السفلىو لغة الهوامش؟هل يعقل ان يتحدث عن الواقعية شخص لا يتكلم لغة الشعب و العامة؟و يقول انه اشتغل على عاهرات حقيقيات،و هل العاهرة الامية بامكانها ان تفهم واقعها بنفسها؟

  • الرياحي
    السبت 30 ماي 2015 - 06:38

    فيلم نبيل عيوش عملية تجارية ضخمة فصلت بكثير من الذكاء ستجلب ارباح طائلة وهو اصلا الهذف.من المفروض ان ما نشر في المواقع هو "فرورة" الفيلم وما رايت هو شيئ قبيح لا يطاق ولا يليق.كما قال المعلق اعلاه فالرجل ليس متشبع بلغة المغاربة ولا يفهمها ولا الرموز مجتمع لا يجمعه به الا الخير والاحسان والفلوس والتميزات والسيادية واعطاء الاوامر.

  • زيزل
    السبت 30 ماي 2015 - 09:16

    سؤال: الحكومة الحالية مضى على تعيينها مدة 3 سنوات ولم تعمل اي شيء ليحد من ظاهرة الدعارة (الظاهرة ازدادت ولم تنقص). اذن قبل ان نسائل فنانا عن عمل سنمائي، نسائل الحكومة التي سفهت كل ولم تنجح في محاربة الفساد (الدعارة ايضا فساد) مع انه كان الهدف و الوعد الاساس المعلن عنهما

  • الدعارة باسم الفن
    السبت 30 ماي 2015 - 13:12

    الدعارة باسم الفن أو الدعارة العلنية

  • ichouali
    الأحد 31 ماي 2015 - 22:41

    الدعارة واللواط و زنا المحارم والقوادة متواجدة بالعلالي في بلادنا ومن أنكر هدا فهو منافق وكل ما أرجو أن يكون الفلم الوثائقي/الخيالي لنبيل عيوش بداية لحراك اجتماعي واع نحو تطويق مثل هده الضواهر وجعلها في نطاقها الطبيعي كضاهرة لا يخل منه مجتمع قديما أو حديثا ,.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة