المغرب بين أزمة الإبداع السينيمائي وتاريخه وواقعه الملهم لهوليود

المغرب بين أزمة الإبداع السينيمائي وتاريخه وواقعه الملهم لهوليود
الإثنين 24 غشت 2015 - 22:29

إن المتتبع للسينما المغربية (إن جاز أن نسميها كذلك) سيلحظ بسهولة أن جل أفلامها تتمحور حول موضوع واحد، “حياة الليل”، ولكم أن تتأملوا ذلك في كثير من الأمثلة كأفلام “كازا نيكرا” و “زيرو” لمخرجيهما نور الدين الخماري، و الفيلم الذي أثار جدلا كبيرا مؤخرا “الزين لي فنبيل عيوش” مرورا بفيلم محمد مفتكر “جوق العميين” الذي لاقى استحسان كثير من النقاذ إلا أنه رغم ذلك سقط في نفس الموضوع، كذلك التلميذ الكسول المشهور بموضوع التعبير الكتابي “و سقطنا و وجدنا…”، بالأضافة إلى الكثير من الأمثلة الأخرى، ويظل الأمر غامضا لماذا كاتب السيناريو المغربي وهو غالبا مايكون نفسه المخرج وفي أحيان كثيرة يكون هو منتج الفيلم أيضا (إحدى معضلات السينما المغربية)، لا يستطيع أن يحرر مخيلته من هذا الموضوع، هل لضيق مخيلته وعدم القدرة على الإبداع أم أنه يحاول أن يعكس واقع المحيط الذي يعيشه.

و لا أحد ينتظر من السيناريست/ المخرج المغربي أن يكون في مستوى كتاب عالميين كالأخوين جوناثان و كريستوفر نولان مبدعا التحفة Interstellar الذين تطرقا لموضوع نظرية انشتاين للنسبية بشكل علمي محض وهو ما شكل الحدث السينيمائي العالمي لسنة 2014، و لا أن يكون في مستوى الكاتب أندرو نيكول الذي كتب فيلم The Truman Show الذي يحكي قصة شخص يعيش داخل استوديو عملاق و حياته تصور منذ ولادته و يتابعها المشاهدون مباشرة عبر شاشات التلفاز، و لا أن يكون من طينة كاتب السيناريو الكبير كورت ميلر مبدع فيلم Equilibrium الذي حاول تخيل عالم يعد فيه ارتكاب فعل الإحساس جريمة.

فقط ننتظر من مخريجينا أن يسلونا بمواضيع أخرى غير هذا الموضوع الذي أصابتنا التخمة منه، فواقعنا و تاريخنا يوحي ويلهم بمواضيع و أفكار مذهلة وهو الأمر الذي انتبهت إليه هوليود عموما قبل عشرات السنين وخصوصا السيناريست جون ميليست الذي كتب فيلم The Wind and the Lion “الريح و الأسد” و أخرج سنة 1975 وقد جسد دور البطولة دور الشريف الريسوني، النجم العالمي شون كونري الذي اشتهر بتأديته لأفلام جيمس بوند، و تدور أحداث الفيلم في فترة بداية القرن 20 عن المجاهد الثائر الشريف مولاي أحمد الريسوني الملقب بثعلب قبائل جبالة المنحدر من قبيلة “الزينات” قرب طنجة، الذي كان يبسط سيطرته على مناطق جبالة بالشمال إبان فترة مقاومته للتواجد الإسباني و الفرنسي بالمغرب، فقام باقتحام فيلا هاريس المتواجدة بغابة الرميلات بطنجة (الفيلا طالها النسيان و أصبحت الآن مرتعا للمدمنين و المخمورين و المتشردين) واختطف عائلة الملياردير الأمريكي بيرديكاريس في أكتوبر من سنة 1905، و التي كانت تقطن بالفيلا حينها. و كان المغرب وقتها يعيش حالة تشرذم، إذ آنا ذاك كان يحكمه السلطان الفتى مولاي عبد العزيز الذي أغرقه الأوربيون بالألعاب وهو ما أوضحه الفيلم حين ظهر وهو يلهو بدراجة هوائية بحديقة قصره ويطلق النار بواسطة رشاش من أجل التسلية.

فيلا هاريس كما هي الآن:

الفيلم وكما هو معروف عن هوليود لم يخلو من النظرة النمطية و العنصرية عن العرب و المسلمين، إذ احتوى على مغالطات كثيرة و غريبة، فقد روج عن الشريف الريسوني أنه مجرد زعيم لعصابة من قطاع الطرق القتلة الذين ينهبون الناس أموالهم، وأنه رجل متدين متعصب لدينه ويأم جماعته في صلاة غريبة عجيبة ماعرفناها لا عند أهل السنة و لا عند الشيعة، كما ظل طيلة الفيلم يردد أنه “ينفذ مشيئة الله في الأرض” وهي عبارة غالبا ما يرددها رجال الكنيسة.

مشهد اقتحام فيلا هاريس واختطاف عائلة بيرديكاريس

ورغم تضمن الفيلم لهذه المغالطات إلا أن كاتب السيناريو كان منصفا لشخص الريسوني رحمه الله بالمقارنة مع العديد من الكتاب الغربيين و الأوربيين الذين تناولوا حياة الرجل، إذ كان جليا من مجريات أحداث الفيلم أنه كان طيبا و لطيفا في معاملته للعائلة التي اختطفها والتي تعاطفت مع قضيته مما جعلها تنقذه من قبضة الألمان حسب الفيلم و حسب ما ورد في كتاب “الريسوني سلطان الجبال” لكاتبته الصحفية الإنجليزية فوربس روسيطا التي زارت الريسوني سنة 1923 و طبعت الكتاب سنة 1924.

و حتى تخرج السينما المغربية من مأزق فقر الإبداع هذا، على المغرب أن يحاول تأسيس صناعة سينيمائية حقيقية، و يعمل على تشجيع رؤوس الأموال الكبيرة على الإستثمار في المجال السينيمائي، لا أن يعتمد على حل ترقيعي مؤقت يقوم على منح دعم مادي مباشر للمخرج. فتأسيس هذه الصناعة سيعمل على فصل التخصصات السينيمائية، فالمخرج مخرج و المنتج منتج وكاتب السيناريو كاتب سيناريو كل متفرغ لتخصصه. وسيعمل أيضا على تقوية هذا المجال الفني بدءا من إنتاج قوي وانتهاءا بتوفير دور سينيمائية كافية و في المستوى المطلوب.

‫تعليقات الزوار

2
  • مجيد
    الثلاثاء 25 غشت 2015 - 12:39

    في فيلم " جوق العميين" لقطة ساخنة تظهر الحسين وزوجته وهما يتخبطان تحت الملاءة ويناقشان طرق ممارسة الجنس؟ هل لا بد من تحمل هذا المشهد حتى أكون "متحررا" ويكون الفيلم معبرا عن المجتمع المغربي "المنافق"؟ إذ من لا يمارس الجنس؟
    أظن أن الكتابة السينمائية ليست هي الكتابة بالقلم.هناك طرق فنية وتقنيات سينمائية تقول دون ان تظهر وتوحي دون اللجوء إلى المشاهد الفاضحة ودون استعمال اللغة الفجة المباشرة حتى لا يصنف الفيلم من نوع: X

  • L'absence de bni mellal
    الجمعة 28 غشت 2015 - 17:07

    يجب اعادة توزيع الدعم حسب نجاح الفلم يعني الفلم الناجح نشكر المخرج ونشجع كاتب السيناريو اما الفيلم الفاشل فعلى المخرج إرجاع نصف أموال الدعم للخزينة حثى يعرف المخرج ان الأموال أموال الشعب واداارادالاغتناء فعليه بالتجارة وترك الإبداع لاصحابه والسلام

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات