حتى لا تتحول الخصومات السياسية حقدا وكراهية

حتى لا تتحول الخصومات السياسية حقدا وكراهية
الأربعاء 2 شتنبر 2015 - 18:58

في مقالة سابقة تحت عنوان “ماذا تنتظرون من الحطيئة وقد اعتلى منبر السياسة؟” انتقدت المستوى الذي وصلت إليه لغة الخطاب لدى بعض السياسيين عندنا، والذين حولوا الخلافات السياسية إلى تهم وسباب وشتائم. ووقفت عند أثر ذلك الخطاب على العملية السياسية في البلد وعلى المجتمع، وبالخصوص على الأجيال الصاعدة منه.

إلى جانب ذلك الأثر الذي ذكرته في المقالة السالفة الذكر، هناك أثر آخر ربما أشد خطورة، وأعني بذلك ما يسببه هذا الخطاب من زرع للحقد والكراهية بين أتباع هذه الأحزاب، والذين ليسوا في الحقيقة إلا أبناء الوطن الواحد مغربنا الحبيب.

قد تكون لبعض السياسيين أهدافهم ومبرراتهم التي تجعلهم يشيطنون المخالف. فالرغبة في الفوز قد تعمي وتصم. وقد يعرفون كيف يصلحون الأمور فيما بينهم عندما يستخفون من الناس، فيأكلون جميعا ويضحكون ويمزحون، بعدما كانوا للتو يتسابون ويتشاتمون! لكن، أليس لهذه الخصومة السياسية حدود؟ وهل فكر هؤلاء الزعماء في آثار هذه الشيطنة المتبادلة على الأتباع وعلى اللحمة الوطنية للمغاربة عموما؟

قد يرى زعماء الأحزاب ذلك التصرف من مباحات السياسة ومقتضيات اللعبة. لكن، من يدري الأتباع بحقيقة ذلك؟ من يدريهم أن الأمر مجرد تمثيل تقتضيه أخلاقيات السياسة؟ فقد يأخذون الأمور مأخذ الجد! فكيل التهم الغليظة واستعمال الألفاظ القاسية كالإرهاب وخيانة الوطن وتهديد مصالحه… وغيرها من صنوف الأوصاف التي يستخدمها بعض السياسيين في حق مخالفيهم، والتركيز في االنقد على الأشخاص والأسماء بدل التركيز على البرامج والخطط وطرق التدبير أمور من شأنها أن تزرع الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، وقد تسبب شرخا وجرحا لن يندمل أبدا. فالتعامل مع الخصوم السياسيين على أنهم محض أشرار وأعداء يجرعلى الوطن ويلات لا حصر لها، إذ يصبح إقصاؤهم والإطاحة بهم وعرقلتهم في حد ذاته مطلبا وإنجازا! وتضيع مصالح الوطن والبرامج الهادفة لخدمته على إثر هذا الصراع المحموم.

إن تأطير الأتباع في جميع المجالات أمر في غاية الخطورة، وإذا لم يتم هذا التأطير بالحكمة والنظر في العواقب ومراعاة المصالح العليا للوطن، فقد يؤدي إلى الحقد والتعصب والتطرف، وربما إلى استعمال العنف والخروج عن السيطرة. لهذا السبب سن الغربيون قوانين تجرم من يزرع الحقد والكراهية بين أبناء الوطن، رغم تقديسهم حرية التعبير!

لقد رأينا نتائج هذا التأطيرالغير السليم للأتباع في المجال الديني وفي المجال السياسي وحتى في المجال الرياضي. ونتيجة للتجييش والتجييش المضاد، انقلبت أعراس كروية إلى مآتم! وتحولت دول كانت آمنة مطمئنة إلى ساحات حروب لا تبقي ولا تذر، وأصبح أبناء الوطن الواحد والدين الواحد يفعلون ببعضهم ما لم ولن يفعله بهم ألد أعدائهم!

لا زلت أذكر كيف كانت تمر فترة الانتخابات في قريتنا وأنا طفل. كان الاحتقان يبلغ مداه، وتنقسم القرية (القصر) إلى فريقين، فيعادي بعض أهل القرية بعضا ويقاطع بعضهم بعضا، وربما وقعت العداوة والقطيعة بين أفراد العائلة الواحدة، وقد يتجاوز الأمرالعداوة والقطيعة إلى الخصومات والشجار بالأيدي وربما بالأسلحة البيضاء. بل قد يؤدي الاحتقان والحقد الانتخابي إلى القتل كما وقع بأحد القصور المجاورة للقصر (الدوار) الذي ولدت ونشأت به. فلا زالت ذاكرتي تحتفظ بالتفاصيل التي كان يرويها أبي عن الحادث، وكيف سولت لأحد الرجال نفسه أن يشنق بيديه الضخمتين حتى الموت شيخا ضعيفا من أبناء قصره، فقط بسبب الاختلاف حول الميولات والولاءات الانتخابية!

إن الخصومة السياسية لا يجوز أن تنسينا أبدا أننا أبناء الوطن الواحد، أو الدوار الواحد أو الجماعة الواحدة، وأننا إن اختلفنا فإنما نختلف في تقديرنا لمصلحة هذا المشترك وطرق تدبيره، وطنا كان أم جماعة أم جهة. والوطن في حاجة إلى اليمين واليسار والوسط، وكل المكونات السياسية من جرار ومصباح وميزان وسنبلة ووردة… شريطة أن تجعل هذه المكونات السياسية مصالح الوطن العليا فوق كل اعتبار. ولا يجوز لمكون سياسي احتكار الوطنية وإقصاء خصومه. بل حتى الذين يقاطعون الانتخابات ويدعون إلى ذلك، لا يجوز التشكيك في وطنيتهم ما داموا مؤمنين أن المقاطعة تخدم المصالح العليا للوطن. فالمشكلة إذا ليست في الموقف أو اللون السياسي بحد ذاته، فالوطن يتسع للجميع كما ذكرت، ولكن المشكلة تكمن في كيفية تحديد هذا الموقف، أي: على أي أساس وبناء على أي قناعات ولأية غايات يبني المواطن موقفه السياسي ويحدد وجهته الانتخابية؟

إن الموقف السياسي والصوت الانتخابي شهادة وأمانة سيسأل العبد عنها أمام الله! ومن صوت لشخص أو حزب وفوضه تسيير دولة أو جهة أو جماعة وهو يعلم أنه ليس أهلا لذلك فقد خان وطنه وجهته وجماعته وخان أمانته. قال تعالى:(سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف:19.

وما دام الصوت الانتخابي شهادة وأمانة فلا يجوز أن يباع أو يشترى، لا بمال ولا بطعام! كما لا يجوز أن يعطى أو يمنع فقط بناء على دعايات وإشاعات، أو تطييبا لخواطر أو إرضاء لرغبات أو انسياقا مع القبائل والتيارات. ومن فعل ذلك فقد شهد شهادة زور، وشهادة الزور من السبع الموبقات!

أما الذين يزرعون الأحقاد ويكيلون التهم مغالين في العداوة والكراهية تجاه خصومهم السياسيين فعليهم -إن لم تمنعهم مروءتهم وأخلاقهم من ذلك- أن يتمعنوا في هذا القول الماثور “أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما” وخاصة في بلاد لا بد فيه من التحالفات والتكتلات، فقد تضطركم قوانين اللعبة ونتائج الانتخابات إلى أن تتحالفوا غدا مع من كنتم تشيطنونهم وتخونونهم بالأمس. سيسقط حينها في أيديكم وتذهب مصداقيتكم!

لا يهمني فوز حزب معين بقدر ما يهمني فوز الوطن، وفوز الوطن لن يكون إلا بنشر الأخوة والمحبة والقضاء على بوادر الفتن.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • عبد الحميد
    الخميس 3 شتنبر 2015 - 12:00

    سلمت يداك يا شريف
    تحليل ممتاز ومنطقي جدا
    مقال رائع زادك الله علما ونورا
    لكن متى يفهم الشعب ذلك ؟ ومتى يطبقه أهل السياسة على أرض الواقع ؟

  • samira
    الخميس 3 شتنبر 2015 - 14:51

    حتى في مسجدنا الذي بني ب 4 مليون اورو وقعت الانتخاباب التي دمرت الجماعة
    وكان سببها امام الذي فرق هاته الجماعة لاجل مصالحه الشخصية والمادية مع مجموعة من ذوي سواقب في الاجرام والمخدرات .لدينا سوى مال الحرام في مسجدنا نطالب وزارة الشؤون الاسلامية في التحقيق مع هولاء افراد العصابة التي ارعبت الجماعة

  • المصباحي
    الجمعة 4 شتنبر 2015 - 00:45

    كما جاء في مقال وهو بصفته امام المسجد ، حيث وصف الاحزاب السياسية حسب تعبيره عدة وصفات غير اللائق ، وفي هذا السياق نقول نفس ما جاء في المقال، فصاحبه هو الذي استعمله داخل المسجد ، مثل: العنف الحقد التفرقة مال الحرام خلق قبائلية ، خلق الكراهية ما بين أهل العائلة طرد فئة من الجماعة ، تشتيت الجماعة ، وبعد هذا الخطبة اليوم الجمعة ليس في المستوى ، وفي هذا الصدد نقول لصاحب المقال قبل تلاحظ عن الاحزاب السياسية المغربية يجيب عليك أن تصلح نفسك .

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات