الاتحاد في التنوع

الاتحاد في التنوع
الأربعاء 27 أبريل 2016 - 13:57

لو فكرنا في جسم الإنسان لوجدنا أعضاءه المختلفة المتباينة في المهام ,في اتحاد و تناغم تام ,تشتغل كلها في اتحاد كامل رغم اختلاف شكلها و حجمها و مهامها , فها هو الدماغ يحرك الأعضاء , و القلب يضخ الدماء , و الكبد يقوم بعملية الإستقلاب , و الكلي بعملية التصفية . و لكن كلها تهدف إلى دبٌ الحياة في جسم الإنسان على أحسن حال , و بقاءه و نموه على وجه الكمال . و لنا حجة ظاهرة في هذا المثال , و أعظم دليل و أوجه برهان على أن الاتحاد في التنوع جائز لا و بل نافع على أحسن تقدير و أبرز تدبير .

و القول القائل بأن الاختلاف و التنوع و التعدد يسبب التفرقة و النزاع و العناد و التعصب و الجدال لا ينبني على أي وجهة نظر و تبيان , بل هو يرتكز على فكرة قديمة متوارثة عبر العصور و الأجيال , الداعية إلى نبذ المختلف و الاعتراض على المغاير في اللون أو الجنس أو العقيدة أو الوطن .

يتغير حال الأقوام بالأفكار التي تتبلور و تتطور في ذهن الإنسان , فلا يحق لنا الاحتفاظ على أفكار و نظريات مرت عليها قرون , و التي كانت صالحة مقنعة مسلم بها في تلك العقود . فالكل في تطور دائم ,حتى النظريات العلمية في تحول مستمر , تبنى كل واحدة على الأخرى , و بفضل النظرية النسبية للعالم الجليل و المفكر المستنير , ثبت بأن ليس هناك حد للمعرفة , و لا نهاية للإدراك , فالكل في تطور و تقلب دائم بدوام صاحب الملك الذي لا تدركه الأبصار .

فتنوع الأفكار و الآراء , و التقاليد و العادات , و الفنون و المعتقدات , كلها و غيرها هي بمثابة ثروة للمجتمعات و مصدر للقوة الخلاقة , و منبع للقوة البناءة , بها شيدت الحضارات المختلفة , و انبثقت منها معارف جديدة , و آفاق منيرة . فما بالك في هذا العصر المجيد و القرن الفريد , حيث تقلصت المسافات بين الشعوب و الأوطان , و يسرت سبل التواصل و التنقل , حتى أصبح العالم كوطن واحد , التقت فيه مختلف المعتقدات و الديانات , و أصبح الكل على علم بالآخر , و كأنهم يسكنون في نفس الحي أو في نفس القرية

قد أثبت العلم بشكل واضح لا يعتريه الشك أو الجدل , بأن بني الإنسان من صلب واحد و جنس واحد , فالطبيب يجري نفس العملية الجراحية على أي إنسان , من أي بلد أو قارة كان . فلما كانت أجسام الشعوب المختلفة في توافق تام فما بالك بالروح التي هي منبع الحياة و جوهرها , و هي آية من آيات السبحان , تبقى بدوام ملك الله الغني المتعال . إذا فالأمور المتعلقة بلون الإنسان , و لسانه و عاداته و دينه و تقاليده , هي ثانوية و جب علينا احترامها و تقدير ما هو راق فيها , حتى يكون ذلك سببا في الاستقرار و السلم و الأمان , و منبعا للإبداع و الإتقان .

و التنوع و التعدد في الخليقة سنة من سنن الخالق , فمضاهاتها أو التعرض عليها يرجع إلى التعرض عن المبدع الصانع المبدع الحكيم . كأننا نقول للبستاني الذي أفلح في زرع بستان ذا أزهار مختلفة متنوعة , في الشكل و اللون و الرائحة , مما أعطا للبستان رونقا و جمالا بديعا , بأنك أبدعت شيئا منكرا , بشعا قبيحا ,فما كان لك أن تزرع كل هذا و الاكتفاء بنوع واحد من الزهور في الشكل و اللون . فهل يجوز لنا نحن المؤمنين بالله المقتدر المتعال , الفعال لما يريد , أن نتهجم و ننتقد و نجعل من التنوع سببا للخلاف و الشقاق . و كأننا نقول بأفكارنا هذه , و أعمال العنف و النبذ الناتجة عنها , بأن الله – و أعوذ بالله من هذا القول – قد أخفق في الإبداع , و أخطأ في الاختراع . سبحانه سبحانه عن قبيل هذه الأقوال , بل هذا ناتج عن قصورنا , و ضعف تفكيرنا , و تلبية لغرائزنا التي تخشى المخالف و تبعد ما هو مغاير , و كذا لفتورنا و تكاسلنا عن التفكير و التدبير , و الانقطاع عما هو موروث مألوف , حتى يتسنى لنا أن نشاهد الحقائق بأعيننا لا بأعين العباد , و نستمع إلى النغمات الجديدة بآذاننا لا بآذان أحد في البلاد .

فإذا كانت أجسامنا على اختلاف أعضائها في اتحاد كامل , بل و الكون بأسره , بكواكبه و نجومه مع اختلافها و تنوعها متحد متآلف , إذا فهذه إرادة الرب الجليل و تدبيره الحكيم , فكيف يجوز للمؤمنين أن يعارضوا هذا الخلق الجميل ؟

‫تعليقات الزوار

4
  • عزيز
    الخميس 28 أبريل 2016 - 13:28

    مقال جميل شكرا لك ايها الكاتب

  • طنجاوي
    الخميس 28 أبريل 2016 - 19:37

    بريطانيا العظمى بلد العلم والعمل والاحترام فيها مزيج من اجناس الشعوب عرب باكيستانيين هنود صينيين..كلهم يشتغلون ويفيدون هذا البلد بفضل التنوع والاختلاف البناء عكس الدول الاوربية الاخرى العنصرية كاسبانيا ايطاليا وفرنسا

  • ألفت .ا .ح
    الجمعة 29 أبريل 2016 - 01:13

    صدقت أخي على طول المقال.
    "كلنا أوراق شجرة واحدة و قطرات بحر واحد":
    هذا ما يجب أن نرسخ في أذهاننا و أذهان أطفالنا و شبابنا حتى نتحد كلنا بالرغم من اختلافنا العرقي أو الديني أو اللغوي أو الاجتماعي.

  • هشام
    الأحد 1 ماي 2016 - 21:30

    في رأيي الشخصي التنوع غنى، تصور معي اخي القارى تخرج من بيتك فتجد كل شيء ابيض ، السيارات بيضاء ،الأبنية بيضاء، الناس تلبس الابيض،……الخ.سيكون هذا ممل .أما عندما تخرج من بيتك فتجد أنواع من الألوان فهذا جميل.

صوت وصورة
ليالي رمضان في العيون
الجمعة 29 مارس 2024 - 15:57

ليالي رمضان في العيون

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج