دور المجلس الأعلى للحسابات في حماية المال العام

دور المجلس الأعلى للحسابات في حماية المال العام
الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:10

تعتبر المحاكم المالية هيآت عليا للرقابة على المال العام تناط بها مهام مراقبة تنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات المحلية بمراحلها المختلفة وأجهزتها المتعددة، وتمثل بالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها “محاكم مالية” تناط بها ممارسة اختصاصات رقابية قضائية وإدارية حسب مجالات تدخلها.



وقد كان الارتقاء بهذه الهيأة لتصبح مؤسسة دستورية خلال التسعينات تم اعتباره حينها نقلة نوعية واتجاها واضحا لتقويتها ومنحها الآليات القانونية لحماية المال العام وضبط آليات التدبير المالي العمومي والمحلي.


وعلى الرغم من الأهمية التي يكتسيها عمل المجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بمالية الدولة، والمجالس الجهوية للحسابات فيما يخص المالية المحلية، إلا أن الاهتمام التشريعي والعملي بهذه المؤسسات لم يرقى إلى المتوخى من دسترة هذه المؤسسات، بل إن الإطار الدستوري نفسه بقي محدودا جدا ولم يحسم في الطابع القضائي الفعلي لهذه المجالس.


وإذا كانت التقارير الصادرة قد أثارت نقاشا واسعا حول تدبير المالية العمومية على مستوى القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، فإنها اعتُبرت بحق من أهم آليات الرقابة السياسية على المال العام، على اعتبار أنم ملاحظات وخلاصات المحاكم المالية فضحت خروقات هائلة كانت طي الكتمان فيما مضى، وأطلعت الرأي العام على تفاصيل دقيقة تهم اختلالات التسيير وسلطت الضوء على فضائح بالجملة على المستوى المالي والتدبيري.


فالمجلس الأعلى للحسابات أصبح يكتسي أهمية معنوية كبرى على الرغم من إشكالات النص الدستوري وغموض الوضعية القانونية ومحدودية الإمكانات المادية والبشرية، وإذا كانت حماية المال العام تعتبر في صلب الإصلاح السياسي والدستوري، فإن تعزيز الرقابة القضائية وتفعيل دور المجلس الأعلى للحسابات يوجد في صلب النقاش الدائر حاليا بخصوص إقرار مبادئ الحكامة السياسية والمالية والتدبيرية.


فعندما تم التنصيص على دسترة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات اعتُبِر الأمر حينها نقلة نوعية، وتم الحديث عن دخول المغرب مرحلة تاريخية في إقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي، وأُعطي الانطباع حينها أن حماية المال العام قد تم إقرارها في القانون الأساسي للمملكة.


غير أن وضعية هذه المؤسسات بقيت غامضة عندما تم إفرادها بالباب العاشر من الدستور، وتم التنصيص على إحداثها بصفتها هيآت للرقابة “العليا على تنفيذ قوانين المالية”، مما يخرجها عمليا من مجال القضاء بصريح النص الدستوري رغم الاختصاصات القضائية المخولة لهذه المجالس.


فالدستور خصص الباب السابع للقضاء والباب الثامن للمحكمة العليا، ولم يتطرق في سياق ذلك لهيآت الرقابة العليا على المال العام بصفتها هيآت قضائية، مما يخرجها عمليا من دائرة القضاء، ويجعل حماية المال العام في هذا الصدد خارج القضاء المالي المنشود.


بل إن عدم إدراج هذه المؤسسات في الباب السابع يجعل قضاتها غير معْنيِين بالضمانات المنصوص عليها فيه، فقضاة المحاكم العادية يتمتعون بضمانات دستورية، في حين أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات يستفيدون فقط من ضمانات قانونية تنص عليها المادة 165 من مدونة المحاكم المالية التي أوردت نفس الصيغة المستعملة في النص الدستوري.


ومن جهة ثانية نجد أن قضاة المحاكم المالية لا ينتمون للجهاز القضائي لعدم انضوائهم تحت مقتضيات الباب لسابع من الدستور ولا يعنيهم المجلس الأعلى للقضاء، مما يطرح إشكالات حقيقية ترتبط بالطابع القضائي للمحاكم المالية وبالضمانات القضائية لحماية المال العام.


كما أن التنصيص في الدستور على أن مهام المجلس الأعلى للحسابات تنحصر في الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية (الفصل 96) يقيد هذه الهيآت على مستوى حماية المال العام ومراقبة مختلف أوجه التسيير الإداري والتدبير المالي العمومي.


وإذا كان النص الدستوري لم يفَصِّل في عدد من مجالات تدخل المجلس الأعلى للحسابات، فإن ترك الأمر للنص القانوني من أجل إيراد التفاصيل والحيثيات يؤدي إلى غموض الوضع الدستوري والمعنوي والاعتباري لهذه المؤسسات، كما يضفي ذلك مزيدا من الغموض على الأساس الدستوري وعلى مجالات التدخل وممارسة الاختصاصات.


فالفصل 96 من الدستور حصر اختصاصات المحاكم المالية في مراقبة تنفيذ الميزانية، ولم يجعل مهام هذه المؤسسات تطال كل أوجه التدبير المالي العمومي، والفرق بين المجالين كبير وعميق.


فالمراقبة على تنفيذ الميزانية تجعل الرقابة العليا شكلية وذات طبيعة مسطرية محضة، ولا تُدرج في سياق الرقابة هنا مناقشة السياسات العمومية أو تقييمها، علما أن السياسات العمومية ذات تكاليف مالية تتجاوز بشكل واضح تدبير الميزانية في حد ذاتها.


فهل يستطيع المجلس الأعلى للحسابات تقييم مخطط المغرب الأخضر أو المغرب الرقمي أو المغرب الطاقي…؟


وهل تملك المجالس الجهوية للحسابات سلطة أو قدرة مراقبة وتقييم برامج التنمية الجهوية والمحلية التي يتم تنفيذها من قبل وكالات إنعاش وتنمية أقاليم الشمال والجنوب والشرق؟


إن حدود اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات كما وردت في النص الدستوري تضع عائقا أمام تفصيل المهام والاختصاصات على مستوى القانون المنظم لهذه المؤسسة، وإذا كان القانون المتعلق بالمحاكم المالية قد حاول توسيع مجالات اختصاصاتها، فإن ذلك بقي في حدود ما هو شكلي ومسطري أيضا في عمومه، وربط أمره بتنفيذ الميزانية مما يبعد السياسات العمومية والمخططات الاستراتيجية القطاعية من مجال تدخلها.


إن حماية المال العام تعتبر رهانا أساسيا الآن في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية والدستورية المنشودة، فما لم يتم تعزيز الرقابة القضائية على المالية العمومية والمالية المحلية، لا يمكن الحديث عن اعتماد مبادئ الحكامة المالية، وما لم يتم التنصيص على مستوى الدستور على الطابع القضائي الواضح للمجلس الأعلى للحسابات فلن نكون أمام ترسيخ رقابة القضاء المالي على التدبير العمومي.


ودون هذه المحددات الأساسية، وحتى وإن أقمنا مؤسسات دستورية حقيقية، فسنجد أنفسنا أمام نسقين للتدبير العمومي، نسق خاضع للمؤسسات الدستورية، ويتعلق بالميزانية العامة للدولة التي لا تمثل جزءا كبيرا من التدبير المالي العمومي؛ ونسقا خارج أي رقابة تتم إدارته خارج المؤسسات الدستورية التي يشملها الإصلاح، والتي تضم حاليا ثلثي التدبير المالي العمومي، ناهيك عن تدبير الممتلكات العمومية الذي يبقى أهم مجالات غموض التسيير العمومي، وإضافة إلى باقي مجالات تدخل وتدبير الوكالات الوطنية والمؤسسات العمومية.


فإعادة النظر في الموقع الدستوري للمجلس الأعلى للحسابات يتطلب بالأساس إدراجه صراحة في إطار السلطة القضائية، مع التنصيص الدستوري على دوره الشمولي وتوضيح لدوره كأهم الآليات المؤسساتية لحماية المال العام ومراقبة التدبير العمومي بمختلف مجالاته وحيثياته وأركانه.


*دكتور في القانون


[email protected]

‫تعليقات الزوار

9
  • الايكوبي
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:24

    ربما ينتظر الفاعلون الدستوريون و السياسيون فوحان رائحة الفساد النثنة في المؤسسات التي لا تطالها المراقبة المالية كما فاحت في مثيلاتها الخاضعة للمراقبة النظرية حتلى يشمها المواطن في الادغال و الجبال!! انذاك سيعمل المعنيون على ابتكار مؤسسات مراقبة مبتكرة خارج الدستور لها نفس المشروعية التي تتمتع بها المؤسسات و الوكالات و البرامج السوبيرية هذه المشروعية التي يمكن تسميتها “المشروعية السوبيرية” اي خارج الدستور و القانون او خارج الوضوح القانوني! لتنضاف الى مؤسسات المملكة الدستورية و الغير دستورية التي اتثت الرواق المغربي المعاصر بشكل اصابته بالتخمة و البدنة كعرض واضح من اعراض السكري الذي ساهم في شل الحركة العادية للسير الديمقراطي للمملكة السعيدة! مؤسسات تستهلك من الميزانيات و الطاقات ما لا تستحقه بكونها لا تحمل جوهرا و لا تملك صلاحيات حقيقية تمكنها من اداء وظيفتها المفترضة. فكما خرجت مؤسسات و ووكالات و برامج تتصرف في الملايير من رحم المغرب ذو الراسين كذلك ستخرخ منه مؤسسات لمراقبتها من الرحم ذاته. لاننا في دولة المؤسسات و كفى

  • كريم محمود
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:26

    الشعب المغربي يريد محاسبة الحكومة الفاسدة اولا وخاصة بعد ان اغرقت المغرب في الديون واستلفت من اوروبا240 مليون دولار من اجل اصلاح الادارة العمومية ولم تصلح بهاشيئا في المغرب سوى مشاريعهاالخاصة التي قامت بتوسيعهاعلى حساب المغاربة مثل العادة فالحكومة تسرق والشعب يدفع الثمن وياتي بعدها مجلس المحاسبة التابع للحكومة ليقدم لشعب المغربي كبش فداء صغير من بعض الجماعات الحضرية التي لاتسرق سوى بعض الدراهم القليلة والتي تغطي بهاالحكومة على سرقاتها الكبيرة لاموال الشعب ولهدا يريد الشعب محاسبة الوزراء الدين يسرقون الملايير من خزينة الدولة قبل محاسبة الفئران الصغيرة لان المحاسبة الحقيقية تبدا بالرؤوس الكبيرة والمهمة اولا وتترك الرؤوس الصغيرة و التافهة الى النهاية ويتحدى الشعب المغربي مجلس المحاسبة ان يقوم بمحاسبة وزير المالية الدي يجلس فوق خزينة الدولة هو وحكومته وياخدون منها كل مايستطيعون حمله وسيتركونهافارغة بعد رحيلهم وسيجعلون المغرب دولة مفلسة و غارقة في الديون .

  • nobleps
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:12

    الله يكتر من متالك يا رجل

  • mohamed
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:22

    ماأطلبه من هذا المجلس المحترم هو التقصي في صفقة اكاديمية جهة الحسيمة تازة تاونات مع شركة safa securite للوقوف على التبذير البشع للمال العام فهذه الشركة المذكورة وبتواطؤ مندوبية الشغل و صندوق الضمان الا جتماعي راكمت ثروات في استغلالها للمستخدمين ولا تقدم الخدمات المتفق عليها في دفتر التحملات يا صاحب الجلالة الله ينصرك على مخربي البلاد ونحن وراءك إلى الامام

  • mohamed
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:28

    أطلب من هذا المجلس المحترم ان يحقق في صقة التدبير المفوض بين شركة صفاء سيكوريتي وأكاديمية الحسيمة تازة تاونات لقد اصبحت هذه الأكاديمية بقرة حلوب للسيد المدير وشريكه في نهب المال العام وللوصول إلئ الحقيقة لابد من القيام بجولات علئ ثانويات الإقليم وخاصة الناءيةللوقوف علئ الفساد المالي او علئ الأقل سيملؤون لكم بعض الأياس ليسكتوكم تحركوا غدا لتشتروا سيارات فاخرة يوم الخميس اكيد سيحدث ماأقوله لذا ابدأوا غدا بالتحديد ولككن ابدأوا من الضواحي

  • العابر
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:18

    إيوا من بعد؟؟ وهذه الملايين اللي كتشبر في البرلمان بلا متخدم والو، أش كتسمى..ما خصها الحساب ديال مجلس الحسابات
    الهدرة ما كتجيب خضرة

  • ابو ادريس
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:20

    القانون على الاوراق ثائر وفي حلبة التسيب لا مكان له لظروف لا يعلمها الا المحاسبون الغامضون في تعاملهم مع ما يراه غير المحاسب ويتغاظاها المحاسب الدي يغطي عين الشمس بالغربال فكم من رئيس جماعة كان لا شيء فاصبح شيئ والمجلس الجهوي او الاعلى يزور ويراقب دون نتائج بل يصفق للناهب ويزكي ثروته دون ان يسأل من اين لك هدا فالعهدة على المجلس الدي يزيد في الطين بلة باغماض عينيه على من شاء والتشبث بمن شاء تحت القانون الدي يريده حسب شهيته فالمستقبل نتمنى ان تتغير فيه الاوضاع ويفتضح امر المتلاعبين كيفما كانوا .

  • ana
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:14

    si on compars les frais de fonctionnement de cette cour a ses resultats on constate qu il vaut meiux qu il n existe plus d autant plus qu aucun de ses resultats n est suivi de fait a quoi bon sert de dire que tel a depnsé l argent public si aucune sanction n est suivie et en plus y a t il une cours de compte qui sureville ce cours de compte meme?

  • محمد أحمد
    الثلاثاء 3 ماي 2011 - 17:16

    قبل المحاسبة يجب التقيد بمساواة المواطنين فهل يعقل أن تكون الرواتب بتلك الفوارق . المواطن يتقاضى 2000 درهم و بعض المسؤولين يتقاضون 70000 درهم و له أكثر من منصب برواتب أخرى دون التطرق إلى ….
    البرلماني 30000 درهم لا علم لي لما يتقاضاها و ماذا ينتج للدولة و بعد خروجه من المنصب يصرفون له 7000 درهم عن كل شهر فكم من برلماني يخرج من البرلمان كل خمس سنوات ليضاف اليه برلمانيون أخر يكلفون الدولة 30000 درهم شهريا ..هذا هو الهدر المالي أضف إليه تشفارت و استغلال النفوذ لصرف فاتورات البنزين و الميزانيات المخصصة للمؤسسات العمومية لصالحهم

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين