..ويستمر مسلسل الدم في أوطاننا العربية والإسلامية

..ويستمر مسلسل الدم في أوطاننا العربية والإسلامية
الثلاثاء 28 يونيو 2016 - 08:03

مادام جل جلاله خلقنا متباينين ومختلفين “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما اتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون” وهذا الاختلاف جعله الله تعالى من ثوابت نظام كونه، في سمائه وأرضه وبحاره وجباله، بل هو نظام وقانون دقيق يعيش في دائرته جميع مخلوقاته من إنس وجن وشجر وطير وحجر “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء..”

والإنسان كمخلوق لا يخرج من دائرة هذا النظام الرباني الشمولي، فقد خلق الله البشر مختلفين في الأشكال والأحجام والألوان والألسن “ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم..” . وبسبب هذا الإختلاف أوكل الله تعالى حرية التفكير والرأي والاعتقاد لكل فرد من الأفراد في أن يعتنق ما يشاء، ويؤمن بما يريد، وحساب الخلائق على رب العباد، وتلك سمة كبرى من سمات هذا الدين في أنه يقيم جسور التواصل بطريقةٍ متفردة ليحقق أسمى معاني التسامح الديني ، لذا يرسي الإسلام ويزرع في عقول أتباعه ركيزة هامة من ركائز الفهم لهذا الدين، وهي أن الأديان السماوية كلها تستقي من معينٍ واحد يقول سبحانه: ” شرع لكم من الدين ما وصىّ به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ..”

وقوله تعالى:” إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً..”. وحرصاً على إدامة جوّ التآلف والإحترام المتبادل مع كافة الأطراف المخالفة، فقد أمر الإسلام أتباعه باجتناب السبّ والمهاترة والتجريح في مجادلاتهم مع غيرهم قال الله تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ” وذلك سدّا لأي منفذ يفتح أبواب الشقاق والصراع وحرصا على دوام العلاقات المتوازنة مع الآخرين؛ بل ويعلمنا الإسلام غض الطرف عن ما يبدو من المخالفين لنا في الإعتقاد حتى وإن أبدوا الإساءة لنا قال الله تعالى: “قل للذين آمنوا أن يغفروا للذين لا يرجون أيام الله”. ولعل الصورة قد بدت عن قرب ووضوح بأن التسامح الإسلامي في مجال الاعتقاد أمر غير مسبوق في دين ولا ملة أخرى أو نظام وضعيّ، وذلك أمر عرفته أمة الإسلام ومارسته على أرض الواقع على مرّ العصور والسنين .

قلت: ما دام هذا هو خلق الله وسنته في كونه وملكوته، ما شأنك بي إن كنت سني أو شيعي أو درزي أو علوي أو صوفي أو أشعري أو سلفي، أو مالكي أو شافعي أو حنبلي أو حنفي أو إباضي ، أو جعفري.. أو مسيحي أو يهودي أو بوذي أو علماني أو حداثي أو شيوعي..ما دمت لا نؤذي أحدا ، ولا نظلم أحدا ، ولا نقتل أحدا ، ونحترم النظام العام لكل بلد من البلدان، فاتركني وشأني، ولا تعلق مشانيق الحقد والكراهية والتكفير والتخوين والتفسيق ضدي، فأنا إنسان عاقل أفكر، لا تحاول فرض علي أفكارك التي تؤمن بها أنت، فأنت أنت، وأنا أنا، فإن فعلت فستكون أنت هو أنا، وأنا هو أنت، وهذا من المحال في سنة الله وفي قوانين كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلا..هل فهمت أيها المسلم العربي في ليبيا والعراق وسورية الذي تقتل على الهوية، وباسم الله، فما تفعله هو جريمة في حق الله جل جلاله، وفي حق دينه الذي قرر في كتابه ومن فوق سبع سماوات: ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ،إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم..”

مع الأسف الشديد، هذه الدروس في فقه التعايش والإختلاف تعلمناها عمليا في بلاد الغرب “الكافر” ولم نتعلمها في جامعاتنا العربية والإسلامية، مع أنها من صميم الدين الإسلامي ومن مقاصده النبيلة، وشتان بين التنظير والتطبيق، ويستمر مسسلسل الدم في أوطاننا العربية والإسلامية، حتى إشعار آخر.

‫تعليقات الزوار

1
  • مولاي نم
    الأربعاء 29 يونيو 2016 - 16:54

    لقد حدثت وزينت ولمعت ما وجدت لذلك سبيلا،دون أن تقف عند الأسباب وتبرز منها الحقائق التاريخية وعمق تجذرها في وجدان المجتمعات الدينية.
    ولو استطعت أن تشرح العلل والظواهر شرحا وافيا ووقفت على العلة أو العلل، وتعمقت فيها شرحا وتفصيلا لكان ذلك مدعاة لتنوير الرأي العام وبيان ما عليه العامة من شطط وفهم سقيم للدين.
    ولكن الاكتفاء بالحديث الإنشائي العام ليس يجدي نفعا،ولا يؤدي إلى نتيجة هادفة، وهذا ما دأبت عليه خطب الوعظ والإرشاد في كل العصور ،ولم تفض إلى ما نحن في أمس الحاجة إليه، وإنما تثلج صدر الخطيب الذي يظن أنه قال ووفى .

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال