الصيام وحرية الافطار والاستفزاز ومفاهيم أخرى

الصيام وحرية الافطار والاستفزاز ومفاهيم أخرى
الخميس 30 يونيو 2016 - 04:28

الصيّام شعيرةٌ من الشّعَائرِ التي يتقرب بها المؤمن إلى خالقه، طمَعا فيما عنده بعد المعاد والمآل الأخروي، بالامتناع عن شَهْوتي الأكل والجماع ــ حسب المرجعية الدينية الاسلامية ــ والتدخل “البلطجي” البدائي في حق المفطرين غير المؤمنين أو غير المقتنعين بدين معيّن، هو تدخّل مرفوض وغير مقبول حتى بالقياس إلى المنطق الديني نفسِه.. إذا كان الصيّام عبادة يؤدّيها المؤمنُ لله فما شأن البشر بالبشر؛ بصيامهم وافطارهم بعصيانهم وطاعتهم ؟ إذ الايمان حريّة شخصية فردية، وعلاقة عمودية بين الفرد وبين خالقه، ولا دخل للبشر في ذلك، إن المنطق السليم والسوي يقتضي أن يشعرَ الصّائم المؤمنُ تجاه المفطر (العاصي) بالشّفقة، وفق ما تقتضيه مرجعيتك الدينية لأنه سينالهُ نصيب من النار والعذاب، لا أن تلجأ الى تدخّلك البدني الفزيائي “قضاء الشارع” لتقيم الحدود والتعازير بنفسك، وتسلخَ وتجلدَ وتصفع وتسحقَ من تشاء ..

لأنه يستفزّ مشاعرك الدينية، اذا استفزك مفطر وزعزع عقيدتك الدينية فمعناه أن تدينك قائم على غير أساس، تصوم مع الصائمين صوم القطيع بالوراثة ولربّما بشكل قهري ، وتحتاجُ أن تعيد النظر في تديّنك حتّى لا يصدق فيك قول التنزيل “ومن الناس من يعبد الله على حرف” أم أن “سيكولوجية الصائم” من سماته العدوانية والانتقامية، حينما يشعر بالجوع فإنه يتوجّب على جميع أفراد المجتمع أن ينخرطوا معه، ويشعروا معه بالجوع وبنفس الشعور ” ذهنية الجماعة” وإلا ستثور له ثائرة ويملأ الأحياء والأسواق الشعبية ضجيجا، “ويطبق شرع يده في غير الصائمين ” وهذا ما تناقلته الأخبار في مدينة فاس المغربية مثلا حينما تدخل مجموعة من قطاع الطرق، بالصّفع والضّرب في نهار رمضان، في حقّ فتاة لأنها ترتدي لباسا غير شرعي حسب زعمهم وتبريرهم ! وقس على ذلك مجموعة من الحالات الأخرَى التي عشناها في قضايا ذات صلة بالحريات الفردية، في سنوات ماضية لا يسع المجال هنا للتطرق إليها فرادى وبتفصيل..

متى نعيد الاعتبار في أنسقتنا التربوية المعطوبة وأنظمتنا التعليمية المهزوزة يا ترى “لثقافة الاختلاف ” وروح التعايش والتدبير القيمي المشترك للمرافق العمومية ؟ متى نعلم ونربي الناشئة عن كون مرافقنا وفضاءاتنا العمومية هي مشاع مشترك يرتادها ويتقاسمها الجميع؟ هي للمسلم ولغير المسلم، للمؤمن ولغير المؤمن، للملحد والموحد ..الخ متى نقبل الآخر كآخر مختلف ينماز عن الأنا وخصوصية الأنا ؟ ومن حقه أن يختار هويته و نمط الحياة الذي يريد، وحقيقة الذات الانسانية كما هو متعارف في جميع المذاهب الفلسفية والحقوقية قائمة على مبدإ الاختيار الحر المستـقــــــــل عن أي وصاية فوقية؟ لماذا لا نتحدث عن الاستفزاز إلا في رمضان دونما سواه، إذا علمنا مبدئيا أنه لا وجود لمجتمع انساني يتحدث عن الاستفزاز بهذا المنطق الذي تتحدث به جماعة المسلمين ..؟ الاستفزاز الحقيقي في حقيقة الأمر حينما يركبون سيارات Touareg والسيارات الفخمة التي اشتروها من أموال الشعب وعرق جبين الكدح والفقراء والمسحوقين في بلداننا المتأخرة الثالثية ! الاستفزاز الحق حينما يسكنون في القصور وأنت لا حظ لك الا كوخك الطيني البئيس !

الاستفزاز حينما يقتنون لأبنائهم ألبستهم الداخلية وأطعمة كلابهم من أفخم المتاجر في العالم ويسجلونهم في أعتد المدارس الخصوصية ولا حظ لأبناء الكدّح من ذا وذاك إلا الفتات ؟ ! لماذا نتحدث عن الاستفزاز في نهار رمضان فقط ؟ ولا نتحدث عن الاستفزاز الذي يكون بعد الإفطار بعد أذان المغرب ؟ أليس الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي مثلا الذي يعاقب على الافطار العلني في نهار رمضان يتنافى مع حرية المعتقد ؟ ويتعارض مع جوهر الدين القائم أساسا على الاختيار الحر لا القهر والجبر ؟

ألم يحن الوقت لتجديد خطاباتنا الدينية التي لا تكرس الا ثقافة الكره ورفض الآخر وصناعة الموت؟ ولا أحد يجادل في أن خطابات المؤسسات الدينية احدى هذه الأطر التي تؤطر سلوك الأفراد داخل المجتمع ؟ ألم يحن الوقت أيضا للاشتغال على “المادة الدينية” المقررة في مناهجنا الدراسية البيداغوجية لتنشئة أجيال تتعايش مع المختلف بعيدا عن النبذ والرفض والانغلاق..

‫تعليقات الزوار

5
  • أبوندى
    الجمعة 1 يوليوز 2016 - 03:11

    مقال جيد محرر بكامل الهدوء والرزانة يحلل الظاهرة (ظاهرة الإفطار في رمضان كظاهرة مستفزة ) على ضوء معطيات دينية وقانونية واجتماعية وفلسفية وبالتالي فليس هناك من تحيز لجهة ما وهذا النوع من التفكير والفكر هو الذي ينبغي أن يكون سائدا في المجتمعات الإسلامية لكونها تعيش في القرن 21. المشكل هو في ضعف الوعي عند الفرد العربي بثقافة العيش بالمجتمع الحداثي بحيث ما زالت الجماعات المتدينة وهي الأغلبية تفكرووتفتي بفتاوى وكأنها تعيش في القرون الغابرة واضعة رأسها في الرمل لكي تتمادى عن كل ما من حولها من مظاهرالتقدم الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي وهذا ما يعيقها عن استيعاب ثقافة "الاختلاف وروح التعايش والتدبير القيمي المشترك للمرافق العمومية".ضعف الوعي ناتج عن عدة أسباب من بينها الجهل بالدين وبالقانون وبمبادئ العيش المتحضروبثقافة التعايش والتسامح وبحرية المعتقد وتقبل الاختلاف والمسؤولية تعود في ذلك للمؤسسات العمومية وللساسة وجمعيات المجتمع المدني وللمثقفين والمنابر الإعلامية التي ينبغي أن تثيرالنقاش حول كثير من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تستعصي وتخلق فئات وطوائف من المواطنين داخل نفس الوطن .

  • Marocaine
    الجمعة 1 يوليوز 2016 - 11:07

    أنا كنت مع حق من يريد أن يفطر علنا فرمضان، و لكن الآن أصبحت فقط مع تعديل الفصل 222 من عقوبة جنائية لعقوبة مالية، بعد ما قنعني واحد الأخ أن ما دام المغرب فدستوره دولة إسلامية يعني خاصو يبقى محافظ على مظاهر الإسلام، اللي من بينها المساجد و الآذان و انعدام الإفطار العلني في نهار رمضان. أما بالطبع أن ننهال بالضرب على المفطر علنا و لا المثلي و لا كل ما هو مختلف، فهذا ضد حقوق الإنسان و بلطجية محضة لتفريغ العنف و المكبوتات الدفينة ..

  • hassan
    الجمعة 1 يوليوز 2016 - 19:21

    مقال محرر بكامل الهدوء والرزانة يحلل الظاهرة !!
    "سيكولوجية الصائم" !!
    تصوم مع الصائمين صوم القطيع بالوراثة !!
    ماهذا الهراء !!
    ا نتركهم يعطلون ركنا من اركان الاسلام ؟
    وقد حارب ابو بكر الصديق المرتدين ولو منعوه عقالا كانوا يعطونه في الزكاة لرسول الله مع ما لاقى من معارضة كبار الصحابة والتابعين لانه علم ان الاسلام سينقض عروة عروة !! بخلاف الواجبات الاخرى كالحجاب او اللحية او الى ما ذلك الذي له الحق في حريته/ها يفعل ما يشاء
    لا تصم فهذه حرية لكن الجهر بالافطار العلن هذا تعدي على حقوق الله وليس حتي العباد
    وهو من باب الذين يحبون ان تشيعة الفاحشة في الذين امنوا
    ونبقى مكتوفي الايدي بل حتى الافواه ولا نامر بالمعروف وننهى عن المنكر بالتي هي احسن وبالارشاد من جهة الناس وبالعقوبات الزجرية لارجاعهم عن غيهم من جهة الدولة وامارة المؤمنين .

  • samir
    السبت 2 يوليوز 2016 - 21:06

    Le commentaire numéro deux,marocaine
    Je ne comprends pas pourquoi quelqu'un qui ne fait pas le ramadan doit payer
    C'est même contre nature de faire le ramadan

  • عادل
    الثلاثاء 5 يوليوز 2016 - 06:05

    متفق معك بالكامل صديقي ،
    عندما كنا صغار ،عندما نرى طفلا يحمل شيئا لا نستطيع الحصول عليه ،نلجأ للعنف ضد دلك الطفل لمادا ،لأنه مختلف ،فهو متلا مجتهد أو لديه ملابس جميلة أو مأدب ،و بالتالي يجب عقابه لأننا بشعون غير مؤدبيين ،هدا بالضبط ما يحدت هنا ،مجموعة من الأميين تقافيا ،تعاقب الآخر لأنه مختلف ،

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 15

مغاربة والتعادل مع موريتانيا

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30 6

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 2

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين