الاستلاب الفكري والقوة الناعمة المغربية

الاستلاب الفكري والقوة الناعمة المغربية
الأربعاء 20 يوليوز 2016 - 10:06

برزت على السطح مجددا مسألة الغزو الفكري للذات المغربية تزامنا مع الأحداث التي وقعت في تركيا مؤخرا.ونفرق في هذا المقام بين التضامن مع الشعب التركي و الانبهار بالآخر التركي. و يتخذ هذا الانبهار وجهين:وجه إسلامي و آخر علماني.فإذا كان الأول هو نتاج تداخلات فكرية فالثاني دخل من بوابة الإعلام المرئي وخصوصا المسلسلات المدبلجة.وخير دليل على ذلك هو سفر إحدى القنوات المغربية إلى تركيا لتصوير أحد برامج الكاميرا الخفية مع اثنين من نجوم هذه المسلسلات أو دعوتهم إلى المغرب لتصوير أحد الإعلانات.أضف إلى ذلك تأثير تلك المسلسلات على القيم المغربية الأصيلة. وبالمقابل تجد بعض الناس منبهرة بالنموذج السياسي التركي لدرجة أن منهم من نسى أنه مغربي. إن العيب ليس في القيادة التركية التي تعمل وفق استراتيجياتها العميقة و إنما العيب في من هو مسلوب الإرادة ويحتقر ذاته.وحتى نكون منصفين فهناك من هو منبهر بالنموذج الفرنسي و الأمريكي إلى آخره.

وإذا قمنا بجرد لتجليات الظاهرة في المجتمع المغربي،فنجد أنها تتخذ عدة أوجه تقافية:دينية وفنية واجتماعية ورياضية.والقاسم مشترك بين هؤلاء هو وجود فراغ فكري وثقافي لدى الأفراد سهل عملية الاختراق الفكري للثقافات الغازية.فلسوء الحظ هناك في المغرب من يقوم بشعائره وفقا لجدولة إحدى دول الشرق الأوسط دون حياء أو احتراما للأصول.فالجسد يوجد في المغرب لكن البرمجة عن بعد.وهناك من قرر لأسباب دينية تلقي تدريبا عسكريا في أحد البلدان الأسيوية سواء أكان مسلما أو يهوديا.وهناك مع هو مهووس بالحياة الشخصية للفنانين الأجانب وتقليدهم في كل شيء ما عدا النجاح في الحياة. وما يقع في قطاع الرياضة فحدث ولا حرج:فهذا متعصب للفريق الفلاني الأجنبي و الأخر للمهاجم الأمامي لدرجة أنه يساورك الشعور أن هؤلاء المتعصبين للفرق الأجنبية أجساد ملعوب بعقولها ووجب غسل أدمغتها من جديد وفقا للمصالح الإستراتيجية المغربية نظرا لهشاشة البنية الفكرية لهؤلاء وسهولة توظيفهم من طرف الأجانب لخدمة أجنداتهم. و السؤال الذي يطرح هو هؤلاء هم من يعول عليهم لدحر أي معتد على المغرب؟

إن هذا الاستلاب الفكري ناتج عن عامل أساسي هو ضعف القوة الناعمة المغربية وعدم قدرتها على جدب هؤلاء إلى النماذج المغربية.وأظن أننا في حاجة ماسة إلى تطوير هذه القوة لملئ الفراغ الحاصل في نفوس البعض لأننا لا نعيش وحدنا في الكون،بل هناك مؤثرات خارجية من كل حدب وصوب.والقوة الناعمة ناتجة عن التميز والتفوق على الآخرين والوعي بانتماء للذات الجماعية.فالبعض تجده ينجذب إلى ما هو خارج حدود بلده لشعوره بالنقص و احتقاره لذاته الجماعية. وما نحتاجه هو تشجيع الذات المغربية على الإبداع و التميز في الكون و لن يتأتى ذلك سوى بالرغبة في التفوق في جميع المجالات على الآخر خارج الحدود.فعندما يتمنى هذا الأخير أن يعيش مثلك آنذاك ستحس أنك أفلحت إلى حد ما في تطوير القوة الناعمة.

إن المسألة لا علاقة لها بالانفتاح على الآخر و إنما هي متعلقة بالتفوق المعنوي و التميز في الرؤية للعالم والأشياء.فالقوة الناعمة تتجاوز التشبث بالفلكلور إلى مستويات فكرية عميقة تجعل الفرد مندهشا أمام الثقافة الغازية يصعب معها تمالك كيانه الشخصي ويصبح شخصا مسلوب الإرادة أحيانا.و الحل الوحيد لمواجهة الغزو الثقافي بكل ألوانه هو تقوية الجبهة الداخلية عبر بناء الوعي الجماعي المغربي وفق المصالح الإستراتيجية المغربية و دعم النموذج الثقافي المغربي وتطويره و غرسه في نفوس الأفراد عبر التربية و التعليم و الإعلام و تسطير البرامج حتى تتولد لدى المواطن المغربي المناعة الكافية التي ستقيه من كل غزو فكري شرقي كان أم غربيا وحتى نحافظ على تماسك جالياتنا المغربية بالخارج و أن لا نتركها فريسة سهلة للغزاة. ونحتاج في ذلك إلى تضافر الجهود على كل المستويات والاستفادة من الذكاء الجماعي المغربي وتوظيفه أحسن توظيف و تربية الأجيال الصاعدة على الإخلاص والحفاظ على هذا الوطن و العيش بحرية و استقلالية فكرية غربية كانت أم شرقية.

‫تعليقات الزوار

3
  • حميد
    الأربعاء 20 يوليوز 2016 - 14:42

    الإستلاب الفكري/الثقافي يمر و يتغلغل (بإجماع العلماء و الفلاسفة) في العقول عبر اللغة! فئة كبيرة في المجتمع (أولهم الدولة) تعبث بلسان رسمي لشعب بأكمله بفرضهم للغة المستعمر..و جعل فئات داخل المجتمع تحمل أعلام الفرانكوفونية و تنشد ليلا و نهارا بلسان المستعمِر و تدّعي المواطنة و خير دليلا على هذا هو الشارع المغربي: محمد و عائشة يقلدون جاك و جاكلين في تلوييك لسان موليير ليلا و نهارا. في ظل الإستعمار اللغوي/الثقافي و النفسي ظهرت عاهات و أمراض عند فئات جد مهمة من المجتمع تخجل على التكلم بلغاتها الأم، بل ربما تستنكف عن لغة أجدادها بإعتقادها أن لغة الفرنسيين رمز للرقي و الإنفتاح على حضارة ماما فرنسا. اللغة الفرنسية في الإعلام، المدرسة،الإشهار، الشارع، البيت الوثائق..الخ. يتبين جليا أن اللسان المغربي طرأت عليه عمليات جراحية أدت بثقافة كاملة إلى هاوية المسخ. ليثنا قلدنا النموذج التركي في ما هو حسن..لما لا؟ في نظري، الثقافة و الفكر، اللغة..أصبحت ضحايا الفرانكوفونية التي تزداد شراسة و توغلاً في أذهان الأجيال الصاعدة..مغاربة بمنطق فرنسي أي منطق رجال الغد؟
    "رحم" من قال: "لا حياة لأمة بدون لغة"

  • متتبع
    الخميس 21 يوليوز 2016 - 19:25

    مقال مهم يمس واقعنا الحالي. معظم الشباب اصبح يجاري شباب الدول الاخرى في كل ما هو فارغ اللهم فئة قليلة تشرفنا مقارنة مع الجموع الغفيرة التي تقلد ولا تنتج شيئا.
    أصبت ودمت في مقالاتك النيرة أستاذي العزيز.

  • اللغة وحل المسائل
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 23:23

    مقال وجيه ،يتطرق الى مشكلات حساسة وجد معقدة ، لكن السؤال الجوهري عن اية لغة نتحذث وبأية لغة نتخاطب أصلا ؟لغة المدرسة ،لغة الاعلام ،لغة الشارع لغة الاشهار لغة الفن وو كل هته اللغات غزتها الفرانكفونية عن قصد او بدونه ،ولم يعد لها مكان في العقل ولا في الوجدان الاجتماعي .الكل يتكلم ويتواصل ولا تعبير سليم ولا فكر واضح المهم هو التمظهر بالخطاب .خلال شهر رمضان امطرتنا القنوات المغربية بمجموعة انتاجات فكاهية اجتماعية ،لاطعم لغوي ولاموروث ثقافي ولا لغة اصلا ،خليط من المفردات من هنا وهناك ،لا شيئ مفيد سوى الكلام من اجل الهزل . اللغة وعاء الفكر وفي نفس الوقت أداة لتبليغ المعارف بشكل واضح وسليم فهي تعبر عن درجة الوعي كما تعبر كذلك عن المستوي الحضاري والفكري لمجتمع ما .لكن للاسف الشديد اللغة العربية الفصيحة فقدت قوتها ومكانتها حتى داخل المؤسسات التربوية فما بالك بالفضاءات الفكرية.

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 19

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا