الواقع الحزبي المغربي وضرورة التجديد

الواقع الحزبي المغربي وضرورة التجديد
الثلاثاء 30 غشت 2016 - 06:11

أصبح لزاما على الدولة المغربية التدخل في العملية السياسية و تجميع أصوات المستقلين و المقاطعين للتشكيلة الحزبية الحالية لرد الاعتبار لتمثيلية الديمقراطية أمام الاتفاق التام و الطوق الذي فرضته الأحزاب الحالية عن إمكانية تطوير العملية السياسية حتى لا يدخل إلى المعترك السياسي لاعبون جدد قادرون على عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي. كنت أطمح أن تلزم بعض الأحزاب بأخلاقيات العمل السياسي و فتح المجال لدوي الكفاءات الحزبية،لكن ما يلاحظ أن الهم الوحيد الذي راودهم هو البحث عن أشخاص قادرين على كسب مقعد انتخابي و هنا أتساءل كيف تزكي بعض الأحزاب رؤساء لوائحها دون أخد بعين الاعتبار الأقدمية الحزبية للشخص داخل الحزب و علم المرشح المنتقى بالبرنامج الحزبي. هناك أيضا الدفع بالمقربين لأمانة العامة لأحزاب للترشح في الانتخابات و إمكانية حصدهم بعض المقاعد في إطار اللائحة الوطنية ولائحة الشباب بسهولة بالغة.

ويلاحظ أيضا احتكار الترشح وعدم التزام بعض الأحزاب بالقانون الداخلي فيما يخص عدد الولايات الانتخابية المسموح بها. أضف إلى ذلك الجمع بين المناصب في الجماعات الترابية والترشيح في البرلمان وهذا مضر بالحيات السياسية والتسيير الجماعي لأن رئيس الجماعة أو العمدة مطالب بالتركيز على التسيير الجماعي مادام أنه يتلقى تعويضا وليس الحضور في البرلمان ومناقشة القوانين.فالغائب الأكبر هو إصدار قانون يمنع الجمع بين المناصب وفتح فرص للعاطلين لملء الفراغات وبذلك سنرفع من الأداء الإداري ونؤسس لثقافة الرجل المناصب في المكان المناسب و يحضرني مثال مسؤول حزبي يشغل ثلاثة مناصب ويتقاضى عنها أجورا: منصب حكومي مهم مؤدى عنه ومنصب في الجماعات الترابية مؤدى عنه و العضوية في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و السؤال المطروح هو هل هذا الشخص يتوفر على الكفاءة الرهيبة أم هناك فراغا تم استغلاله أبشع استغلال عوض الرضا بمنصب واحد و التفاني فيه؟وهل الإسلام يدعو إلى أخذ الرزق دون العمل بجد؟ وهل يستطيع أي إنسان إيفاء حق ثلاثة مناصب تتطلب مجهود وإرهاق عملي؟ فأينما تولي وجهك تجد أشخاص يزاوجون بين المهن الحكومية والإدارية المؤدى عنها دون ايفائها حقها. و ما أحوجنا إلى فتح الباب لأطر العليا المعطلة لشغل هذه المناصب والمساهمة في نقص بطالة أصحاب الشواهد والظاهر أن الأحزاب تتهرب و تتجاهل هذه المسألة وإصدار قانون يمنع الجمع بين المناصب في جميع المجالات الإدارية و فتح المجال للشباب المغربي.

وما يلاحظ أن هناك إرادة حزبية لخدمة المقربين والاستفادة من حزمة المناصب التي تتيحها العملية الانتخابية دون التقدم باقتراحات ومشاريع قوانين مهمة مفيدة للبلد على الأمد البعيد. و لحد الآن هناك غياب النقاش العمومي الرصين فيما يخص الحد من الدين العمومي ما عدا أحد الأحزاب المعارضة دون تقديم حلول يعول عليها في المستقبل. وبالمقابل تبرع الأحزاب في طلب المال العام لتغطية نفقات الحملة الانتخابية وتنشيط المطابع الحزبية.وفي هذا الإطار، تجدر الحاجة إلى تدخل الدولة في العملية السياسية وسحب البساط من تحث النخبة الحزبية لأن مصداقيتها في تراجع و مع مرور الزمن ستصبح غير قادرة على مجارات الحركية السياسية نظرا للتطور التكنولوجي الذي عرفه المغرب في السنين الأخيرة و سرعة انتشار المعلومة و تبوأ المواقع الإخبارية المراتب الأولى بخصوص المواقع الإلكترونية الأكثر زيارة في المغرب. و عليه فإنه من الأفضل للبلد التفكير في إعادة هندسة العملية السياسية وفق التحديات القادمة والظرفية الاقتصادية التي يتواجد عليها البلد والتي تتطلب الحزم و البحث عن قوى سياسية جديدة قادرة على الدفع بالاقتصاد المغربي إلى الأمام والتعبير عن طموح الشباب عوض الانتفاع من البلد دون تقديم أي قيمة مضافة حقيقية عوض شحن الأجواء بالسلبية.

فالمغرب في حاجة إلى أحزاب ذات مرجعيات تنموية همها الأوحد هو تحويل المغرب من الأحسن إلى ما هو أحسن منه عوض زرع ثقافة جديدة غريبة عن التربية السياسية المغربية. لقد انتهى عهد الإيديولوجية المستوردة و برز عهد التنمية مع رائد التنمية في المغرب جلالة الملك محمد السادس نصره. أما الثقافة السياسية الدخيلة على المجتمع المغربي من الشرق و الغرب فلسنا في حاجة لها وولى عهدها. لقد اختار المغاربة نظامهم السياسي تاريخيا و لسنا في حاجة إلى أطروحات سياسية أثبت فشلها شرقيا و غربيا. فهذه الأحزاب فشلت فشلا ذريعا في المغرب للتأسيس لثقافة البرنامج السياسي و الالتزام بأخلاقيات العمل السياسي و اختيار مرشحيها بناء على معايير واضحة و معقولة. فالأحزاب التنموية هي الأحزاب التي عمادها البرنامج السياسي الدقيق و هي التي تعتمد في مقاربتها للشأن على الدراسات العلمية و هذا ما يجعلها متفوقة. غير أنه لتحقيق هذا الغرض،ينبغي تغيير نمط الاقتراع و جعله وطنيا عكس ما هو حاصل حاليا. فالمطلوب أن يتقدم كل حزب بلائحة وطنية تضم كل مرشحيه و أن يتم التنصيص على المناصفة بين الرجال و النساء أثناء الاختيار و أن تراعى كذلك التمثيلية الشبابية.و بذلك سينقص التأثير الشخصي للمرشحين و ينقص العنف و تنقص مصاريف الحملة الانتخابية و يصبح الصراع متمركز على البرامج. وما هو معلوم أن التشكيلة الحزبية الحالية سوف تتجاهل هذا الاقتراح لأنه سوف لن يخدمها علما أنه في صالح البلد.

هناك أيضا ضرورة تجميع مديريات الدراسات في العديد من الوزارات و بعض المجالس الاستشارية العليا في إطار مؤسسة إستراتيجية لتدبير البرامج الحزبية و تصبح هذه المؤسسة هي المسؤولة عن المصادقة على البرامج الحزبية و معايرتها. بحيث تصبح الأحزاب المغربية مطالبة بتقديم برامج حزبية طبقا للمعايير التي تضعها هذه المؤسسة الوطنية.فالمتأمل للبرامج الحزبية الحالية يلاحظ غياب شبه تام لقطاع الرياضة من حسابات الأحزاب السياسية و ما لهذا القطاع من فوائد جمة اجتماعية و اقتصادية و إذا ترك المجال على حاله فإن هناك العديد من القطاعات ستبقى رهينة الانتظار إلى أن تعي الأحزاب الحالية أن طريقة اشتغالها خاطئة. هناك أيضا الحاجة إلى التفريق بين ما هو دعوي و ما هو سياسي و ينبغي على الأفراد الاختيار إما التوجه إلى المجال السياسي أو المجال الدعوي. فالدين يشترك فيه الجميع في المغرب و السياسة مجال للمنافسة على أساس البرامج. و عندما يوظف الدين في السياسة تختل الموازين السياسية.

ومن الأفضل أن يشتغل من يدعو إلى الله منفصلا عن العمل السياسي لما في ذلك من مصلحة للدين. ومادام أن المغرب دولة الإسلامية فلسنا في حاجة إلى توظيف الدين في المعارك الحزبية لكسب ود الأفراد لأننا لا نحترم الدين عندما نوهم الناس بخطاب معين و نستغل ثقتهم في ما هو ديني لكسب مقاعد انتخابية علما أننا مطالبون بتقديم برامج انتخابية منافسة وكل من يغار على الدين عليه أن ينشره في سبيل الله دون طمع في مكاسب سياسية و أن يركز على تكوين الأفراد و تريبتهم. وعندما يميل العالم إلى تيار سياسي معين تسقط هبته وورعه و يصبح كالعوام و يجب عليه أن يعامل الجميع سواسية لأنهم كلهم مسلمون و ينئ بنفسه عن المزايدات السياسية.ولسنا كذلك في حاجة إلى المزج بين السياسة و المرجعية العلمانية المستوردة لأن المغاربة اختاروا دينهم لقرون ويجب أن نعمل وفق المرجعية الدستورية التنموية لتفادي الصراع الإيديولوجي الذي يخرج الأحزاب السياسية عن مهامها الأساسية.و هذا ما يجعل الأحزاب التنموية هي الأفضل لأنها تبتعد عن كل ما هو إيديولوجي وتركز على التنمية بكل أبعادها.

‫تعليقات الزوار

8
  • طاطا نونو
    الثلاثاء 30 غشت 2016 - 11:14

    حزب الندالة والتعمية وممارسة الجنس على الشواطئ أكبر مصيبة أصابت هذا البلد الأمين فلندعو الله الواحد الأحد أن يخلص منه هذا الشغب المغلوب على أمره والذي يتم استغلال براءته وعفويته ونيته باسم الدين الإسلامي

  • احمد الباشا
    الثلاثاء 30 غشت 2016 - 11:17

    كل الدول الديمقراطية ادا ارادت التقدم تغيير سياسيها .فالدولة التي تعتمد على سياسيين الشكارة والشفارة واصحاب المافيا والمخدرات ستبقى فالحضيض اهذا هو الدي اراد ان يصبح رئيس الحكومة لا حولة ولا قوة الا بالله انسان يشبه الجدات التي تحكي الخرافات زمان كولها غموض لا تفهمها لكن بفضل الله وبفضل صاحب الجلالة اصبحت السياسة بالمغرب واضحة مشات ايام التزوير الانتخابات الشعب هو من يحدد نخبه الشرفاء والوطنيين والتقدميين والاصلاحيين وليس الشفارة واصحاب الشكارة الصندوق بيننا ان لم تتدخل الداخلية وتعكس النتيجة الى احزاب النهب والشفارة وتكون الصدمة والتراجع الديمقراطي

  • mohammed
    الثلاثاء 30 غشت 2016 - 17:26

    المشاكل التي نواجهها اليوم لا يمكن حلها من نفس العقول التي خلفتها.

  • حماد
    الخميس 1 شتنبر 2016 - 11:18

    مصيبتنا في المغرب هو أننا ابتلينا بطبقة سياسية هي مجموعة من الانتهازيين والوصوليين همهم الوحيد هومصالحهم الشخصية والعائلية كمراكمة الثروات وتشغيل الأقارب…حيث أصبح المسرح السياسي المغربي هدفا لكل من هب ودب من الشلاهبية الذين يرفعون شعارات لدغدغة مشاعر المغاربة كالاشتراكية أو الشيوعية أو الليبرالية …و آخرها الدين ولا أقول الإسلام لأنه حاشا أن يكون مافعله الباجدة في البلاد والعباد من مصائب له علاقة بدين الإسلام

  • منصف
    الخميس 1 شتنبر 2016 - 11:28

    قال الكاتب
    هناك أيضا ضرورة تجميع مديريات الدراسات في العديد من الوزارات و بعض المجالس الاستشارية العليا في إطار مؤسسة إستراتيجية لتدبير البرامج الحزبية و تصبح هذه المؤسسة هي المسؤولة عن المصادقة على البرامج الحزبية و معايرتها. بحيث تصبح الأحزاب المغربية مطالبة بتقديم برامج حزبية طبقا للمعايير التي تضعها هذه المؤسسة الوطنية
    (نعم هذا كلام صحيح باختصار)

  • مصطفى راشدي
    الخميس 1 شتنبر 2016 - 12:38

    مقال اكثر من رائع !
    حقيقة قليلة هي الفرص التي تجعلك تقرأ بتمعن مقالا ملما و ناقلا للصورة الحقيقية للوضع السياسي المغربي …..بوركت قلما و محللا و كاتبا….

  • الحسن لشهاب
    الخميس 1 شتنبر 2016 - 21:24

    في الواقع ليس العيب في الكائنات السياسية المغربية ،بل العيب في المراجع و المناهج التكوينية و التوجيهية السياسية التي تتلقاه هده الكائنات السياسية ،تلك المناهج و المقررات التي تسهر على تعليمها مدارس الاقتصاد السياسي الريعي الغير الاجتماعي ،حيث ليس فقط الكائنات السياسية هي التي تجهل او بالاحرى تتجاهل تحت الضغط ،اليات الديموقراطية المغربية ،بل كدلك الاقليات الدينية و اللوبيا الادارية و المخابراتية و العسكرية ،من بين كل الطبقات الاجتماعية ،كل من موقعه اصبح شبه مجبر على تنفيد عمق مقولة انا و الطوفان بعدي،او بعبارة اخرى يمكن القول بان الفساد السياسي يأخد العبرة من الفساد المالي و الفساد الاداري يأخد بدوره العبرة من الفساد السياسي و هكدا دواليه الى الاوساط الاجتماعية المتوسطة و الضعيفة التي تلتجئ الى الدعارة و بيع فلدات اكبادها في اسواق السياحة الجنسية او المتاجرة في المخدرات ،كله فساد لا يختلف في مضمونه عن الفساد السياسي و المالي و الاداري.

  • فات الميعاد
    الجمعة 2 شتنبر 2016 - 23:22

    كان يمكن ان يحسم في كثير من الاشكالات الحالية قبل 1980 .

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس