مدونة الانتخابات تؤسس لصراع البرامج الانتخابية

مدونة الانتخابات تؤسس لصراع البرامج الانتخابية
الأحد 25 شتنبر 2016 - 02:10

إن الحديث عن انتخابات ديمقراطية تنافسية، كآلية للتداول السلمي على السلطة، يستلزم توافر منظومة تشريعية ضامنة لشروط السلاسة والمصداقية في تغيير مركز القوة في الحكم بحسب إرادة الأغلبية، وذلك وفق مقاربة تعاقدية ورؤية مشتركة. و واقع الحال أن بعض الظواهر الانتخابية تلقي بظلالها خارج دائرة القانون، وتجعل بعض الأحزاب تعاني محنة الحفاظ على أمنها الفكري والإيديولوجي لتبقي على تميزها كقوة اقتراحية تعبر عن ممكنات وطن أفضل. وكنموذج لذلك، نجد قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهي تصرح بالإيداع القانوني لبرنامجها الانتخابي صدا لكل محاولة سطو على ما جاد به الذكاء الجمعي لأطر التنظيم ومفكريه. تبدو المبادرة في ذاتها تعكس قدرة على إبداع الحلول والمنافذ القانونية حين يصمت القانون. فالقرصنة والاستنساخ هما أهم ما يقف وراء غياب ثقافة البرامج الانتخابية وانعدام تدافعها في المعترك السياسي الوطني. فالكل يردد :”ولات البرامج كلها بحال بحال” ولا ملاذ سوى تنازل بعضهم عن حصته في المواطنة والانضمام لكوكبة العازفين عن السياسة أو العازفين لحن المقاطعة، وفي أحسن الأحوال ينتقل البعض الآخر إلى ثقافة التصويت على الأشخاص بمعايير تتراوح بين القبلية والدينية والمادية…، وكلا الاختيارين يزيد من حجم الفجوة التي تفصلناعن رهان دولة المؤسسات، وينأى بقاطرة الديمقراطية بعيدا عن السكة الصواب.

إن الإجراء الاحترازي والمبرر الذي ذهب إليه الاتحاد، وقد ينتبه إليه آخرون بعده، من شأنه أن يكون أثقل وزنا إن تلاه إجراء ثان يؤسس قانونيا لمبدأ “تساوي الحظوظ بين المرشحين والهيئات السياسية ” كما هو وارد في القانون رقم97-9 المتعلق بمدونة الانتخابات، ألا وهو المطالبة بتضمين المدونة لفقرة خاصة تجعل اليوم الأول من الحملة الانتخابية موعدا وطنيا لإعلان البرامج الانتخابية لكل الأحزاب التي تدخل غمار الاستحقاقات التشريعية و الجماعية أيضا، باعتبار أن النازلة تتكرر في البرامج الجهوية والمحلية هي الأخرى، لكن بعيدا عن عدسات الإعلام. فتقديم البرنامج الانتخابي قبل الشروع في الحملة قد يصنف مبدئيا في خانة الحملات السابقة لأوانها. أما التباين في تواريخ الإعلان فما هو إلا مهلة للمتربصين لينهلوا من حصيلة جهود الغير وعصارة إبداعاتهم. وكل متابعة قانونية للمعتدين على الملكية الفكرية لن تضيف للمشهد السياسي سوى مزيد من الخلاف والاحتقان. وهذا أمر يزيد من تعتيم الحقائق وتشويه صورة السياسي لدى المواطن، مما يضاعف حجم استيائه وعزوفه. ناهيك عن كون هذا النوع من السجالات، يبعد الممارسين السياسيين عن الإنصات لنبض الشعب وتوحيد الجهود قصد تصريف المطامح الوطنية المشتركة وتدبير الشأن العام بما تقتضيه مقومات الحكامة الجيدة.

إن مأسسة تكافؤ الفرص بين الهيئات السياسية وبين مرشحيها، والسعي إلى منع القرصنة كوجه من أوجه “الغش في الانتخابات” على غرار “الغش في الامتحانات” والتسريبات…هو مطلب ينبغي أن لا يضيع أمام ضخامة هذا الحدث الانتخابي الوطني. فالاستحقاقات الجماعية باعتبارها نواة لبناء الفكر والفعل الديمقراطيين، تقتضي تعاقدات واضحة من خلال تقديم برامج انتخابية ملزمة لكل حزب سياسي. فإذا كانت هناك أحزاب تختصر الطريق عبر آلية النسخ لتنويع مظاهر المسخ السياسي، فإن أخرى تقتحم غمار الانتخابات دون أي مشروع محلي يقدم إجابات، ولو افتراضية، على تطلعات الساكنة المحلية. إن غياب نص قانوني يجبر الأحزاب على احترام المواطن بتقديم برنامج صريح يؤسس لمفهوم التعاقدية، ويكون موضوع مساءلة ومحاسبة من قبل الناخبين، يفسح المجال لكل مرشح للإبداع في أشكال دغدغة مشاعر الناخبين بشعارات رنانة و وعود قد تبدو جريئة، لكن عمرها، في الغالب، لا يكون أطول من عمر المداد الذي يوضع قسرا على أصابع المصوتين.

يفترض في التشريع الانتخابي بدولة تنشد إعلاء الحق وسيادة القانون، أن يوفر منظومة قانونية متراصة البنيان وموحدة، تلجم الفساد الانتخابي وتسد مختلف الثغرات التي قد تظهر بين الفينة والأخرى لتحدث زوابع إعلامية وتقدم مواد دسمة للتقاسم المجاني على صفحات الفضاء الأزرق. ومع ذلك، يظل نداء المواطنة الصادقة، في مثل هذه المحطات الحاسمة، يدعو كل الفاعلين السياسيين للتعبئة الواعية واليقظة لتدبير المرحلة بكل مصداقية ومسؤولية، وفق مشروع سياسي راق وممارسة أرقى.

*مفتشة تربوية

‫تعليقات الزوار

3
  • Missouri
    الأحد 25 شتنبر 2016 - 15:23

    الحقيقة أن الموضوع التي تطرقت اليه الأخت رجاء، موضوع متميز ودقيق لأنه ركز على نقطة خاصة وفي غاية الأهمية. لكن هناك أشياء أخرى هامة جدا كذلك تدفع في اتجاه العزوف وأهمها عدم التزام الأحزاب ببرامجها بل هناك نية مسبقة على عدم الالتزام بهذه البرامج ولو كانت من تسطير "خبراء" الأحزاب، إذ أن الكل يسعى الى تجميل كل ما هو قبيح في الممارسة السياسية من خلال "برنامج" لكن في الحقيقة ما هو إلا إنشاء … وعند تحمل المسؤولية تتنكر الاحزاب للبرنامج وتصرح على ألسنة مسؤوليها " أن السيسة هي فن تدبيرالواقع " ورغم أن هذا الكلام صحيح إلا أن أحزابنا تريد من خلآله خلق مببررات للتملص من الوعود وعدم تطبيق "البرامج" ويتحدثون عن العراقيل وعن التماسيح والعفاريت والتحكم … وبعد أن تَتَوَرَّد خدودهم التي كانت في الأصل صفراء ، يكتشفون ملذات الحياة … وتذهب المبادىء … وفي غفلة منهم ينسون " أن الله يرانا" كما قام قال المرحوم العلامة بوكمخ ويفضحهم الله جميعا على شواطىء المحمدية وفي شقق حي الفتح بالرباط … ولا يبقى لا دين ولا برامج ولا هم يحزنون.

  • مواطن
    الأحد 25 شتنبر 2016 - 16:39

    أشكر الأستاذة رجاء على الإسهام بهذا المقال في هذا الظرف بالذات الذي يتعرض فيه الناخب للنصب والتغليط.فهناك من يوهمه بأن الله من أرسله ويسر له الوصول إلى الحكم.و أنهذه السنوات كانت مطرة بدعم إلاهي، ولعل جفاف 2016 إشارة ربانية لصناديق الاقتراع أن اسفري على نفس الخلطة!
    وهناك من أصل للاشتراكية في الإسلام وسمى أصحاب المنجل والمطرقة بالإخوان الشيوعيين أو الرغاق الإسلاميين!
    وهناك من يدعي القدرة على تطويع المعاصرة و الحداثة وإدخلها في قالب الأصالة.
    أمثلة من بين أخرى كثيرة، تنم عن كون الحوانيت السياسية تلاميذ نجيبة لنظام أبدع في خلط المفاهيم والأوراق "برق ما تقشع": سطا على الخطاب الديني التقليدي وأتقن توظيفه سنيا شبعيا وصوفيا…سطا علىالمفاهيم الحقوقية والديموقراطية و أثث بها المشهد الإعلامي والتشريعي…سطا على خطاب الأقليات اللغوية فكان أكثر تجذىا دون تمكينهم من أية حقوق فعلية…
    هذا هو وطني

  • كاره الضلام
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 01:42

    لاختيار المرشح الافضل هناك بعض المعايير :
    لا تصوت على اي مرشح قضى سنوات طويلة في البرلمان
    " " على مرشح عنده مشاكل مع القضاء في الماضي او الحاضر
    على من يعطيك المال( خد من عندو و ما تصوتش عليه)
    على المرشح الدي يحمل جنسية تانية اجنبية
    لا تعتمد المعيار الديني و لا تفضل المتدين فقط لكونه متدينا
    لا تصوت للبرنامج او الحزب و انما للشخص
    صوت لشخص تعرفه جيدا و فيه اقل جرعة ممكنة من الخبث السياسي و الخسة
    لا تصوت لمن يكسب ماله من نشاط غير قانوني او مشبوه
    لا تصوت لمن سبق لك التصويت له و اخلف وعوده
    لا تصوت لمن يبكي و يبدي التاثر وهو يخاطب الناس
    لا تصوت لمن يعبر كثيرا بالحركة و يبالغ في استعمال اليدين للتعبير
    لا تصوت لمن لا يحمل شهادة جامعية او اي عديم الكفاءة
    لا تصوت لمن يغير حزبه و ينضم لحزب اخر
    لا تصوت لدافع قبلي او مناطقي او انتماء جزئي
    لا تصوت لمن يبالغ في الوعود و يتحدث عن 6 في معدل النمو او مئات الالاف من الوظائف
    لا تصوت لمن يتودد كثيرا و يهين نفسه من اجل الانتخابات
    ادا لم تجد بين المرشحين من تتوفر فيه هده الشروط الق ورقة بيضاء

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس