تأملات في سورة الكهف

تأملات في سورة الكهف
الأحد 25 شتنبر 2016 - 03:14

1ـ “الاستبصار الزمني”

كانت سورة الكهف جوابا عن أسئلة مخفية سألها أحبار المدينة الرسول عليه الصلاة و السلام للتأكد من نبوته و من معرفته بفتية الكهف و أمر الدجال و ياجوج و ماجوج و علامات آخر الزمان، و لفهم هذه القصص لابد من إدراك ” الزمن” لفهم واقعنا و البعد الاستبصاري المستقبلي.

نسبية الزمن:

إن الزمن ليس له بعد واحد، بل متعدد الأبعاد، لا ينفذ للواقع الحقيقي للزمن إلا المؤمن كما جاء في سورة العصر ( و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات) العصر ، فلا ينجو من الحسرة و الخسران الزمني إلا المؤمنون.

فجدار الزمن هو” الهنا” و ” الآن “، غشاء للبصر يمنعه من الاستبصار و إدراك حقائق الأشياء، و لهذا يوم القيامة سيكشف الغطاء عن الذين لا يستبصرون، فيصبح بصرهم حادا، يكشف لهم عن ” حقيقة الزمن” ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ق 22، آنذاك سيخرجون من سجن الزمن ليروا واقعا جديدا ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) ابراهيم 48 أي أن هناك نظام خلق زمني جديد، تصبح عشرات السنين في الحياة السابقة يوما أو بعض يوم ( قال كم لبثم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) المؤمنون

( و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) الروم 55 ، لقد تعودوا ان يخدعوا أنفسهم، فالإيمان هو عمق النفاذ إلى حقيقة الزمن.

لقد ارتبط الزمن بالعبادة، فأداؤها لا يتحقق إلا بوقتها ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)الإسراء78 ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج)البقرة189، كما ارتبطت الأحكام الشرعية بالمدة الزمنية كعدة الطلاق و وفاة الزوج أو كفارة الصيام و الإخلال في بعض مناسك الحج… فالحساب الزمني شرط في العبادة.

و الزمن، الذي هو أنت، بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فإما تنفقه استهلاكيا أو استثماريا.

إن التجربة تقاس بالزمن القيمي لا بالزمن الفيزيائي ، فقد تكون تجربة 20 سنة عبارة عن ممارسة واحدة تكررت 20 مرة دون تغيير أو ارتقاء في المعرفة و التحصيل، لهذا تشير الآية إلى هذا ” السراب الخطير” ( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الكهف 10

إن الزمن القيمي يقاس بالتجارب و العبر و لا يقاس بالسنين و الأيام. هو زمن العبادة و الإستثمار مع الله، هو الزمن الأخروي، بنسبيته.

زمن الفتوة :

إن زمن الفتوة، من خلال السورة، هو كمال التدين و الاستثمار، و المقصود بالتدين الآثار الخلقية لممارسته، فلا فتى بغير دين، و لا فتوة لمن لا إيمان له برب العالمين .

إن التدين في زمن الفتوة ممارسة لاحقها أفضل من سابقها، ولكل تجربة أخلاقية أو زمان أخلاقي فتوته، فإما أن نكون فتوة زماننا الأخلاقي أو سنكون فتوة مدجنة في خدمة مشروع الآخرين.

إن الفتوة لا تعرف التبعيض و لا أنصاف الحلول إما ارتقاء أو ارتقاء، إما فتى أو لا فتى، زمن الفتوة لا يعرف الدونية الأخلاقية التي ترضى بالذل و الهوان.

إن الأربعيني الذي شاب شعره أكثر إدراكا للزمن من العشريني، فالشيب منبه لطيف للإنسان، و معاتب له على الزلات، و مذكر له بفوات الأوان و قرب الآجال، فبعد الأربعين يبدأ العد العكسي من رصيد عمر الإنسان و متوسطه، و الزلة بعد الأربعين مشينة، إن هذه المرحلة حسب بعض المفسرين هي النذير الإيجابي ( حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحا ترضاه) الأحقاف

إن فتية الكهف عاشوا فتنة في الواقع، عرفوا حق الله و أعلنوا توحيدهم، لم يستسلموا و لم يتبعوا قومهم في الضلال، و اتبعوا القول بالعمل و فروا إلى الله فكانت الكرامة التي تتلى على مر التاريخ و كانت العبر التي سنشير إليها بحول الله.

‫تعليقات الزوار

4
  • باحث عن الحقيقة
    الأحد 25 شتنبر 2016 - 03:51

    هل قصة النيام السبعة وقصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج و قصة الخضر مع موسى قصص حقيقية ام هي عبارة عن أساطير اخذها كاتب القران من مصادر سابقة نصيحتي لكل مسلم أراد ان يعرف حقيقة دينه فسورة الكهف كافية له لمعرفة دين الاسلام لكن علية بالبحث الموضوعي البعيد عن العاطفة عند ذاك يقرر هل يبقى مسلما ام لا وشكرا

  • عبد الله
    الأحد 25 شتنبر 2016 - 09:51

    تحية للكاتب.
    كنت أمني النفس أنك ستقف عند القصص التي وردت في سورة الكهف عن الفتية الذين فُتنوا بعدما آمنوا،عن شخصية ذي القرنين،عن لقاء موسى و الخضر…وما تطرحه بعض تلك القصص من إشكالات علمية وتاريخية وعقائدية…
    لنأخذ مثلا قصة قتل الخضر للغلام:
    "فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا".
    وفي تفسيره لهذا العمل النّكر كما وصفه موسى قال:"وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا،فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما".
    وختم الخضر لقاءه بمسى بالاعتراف أنه:"وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا".
    في تعريف لفظ "الغلام" أنه:الصبيُّ حين يولد إلى أن يَشبّ أو حين يقارب سنَّ البلوغ،أي أنه لم يبلغ سن التكليف بعد!
    الأسئلة الملحة:
    الله عز و جل عالم الغيب،لكن هل يعلم كل احتمالات المستقبل،وهل يعلم الاحتمال الذي سيختاره المخلوق المكلف الحر تحديدا؟
    هل يجوز أن يعاقب الرب شخصا على ذنبه لم يرتكبه بعد؟
    أرجو أن يتفاعل الكاتب و القراء الكرام مع هذه الأسئلة و الأخرى التي ستطرح نفسها خلال النقاش.

  • المخ طار
    الأحد 25 شتنبر 2016 - 20:13

    لايمكن لمؤمن أن يكون غافلا حتى هذا الغباء كلكم تتكلمون عن أصحاب الكهف ولا يتحدث أحد عن أصحاب الرقيم .ومع أن الآية تقول …أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا…أريد أن أسأل الجميع ماالفرق بين أصحاب الجنة ـ بفتح الباء ـ ، وبين أصحاب الجنة ـ برفع الباءـ . والفرق بين أصحاب النار ـ بفتح الباء ـ ، و بين أصحاب النار ـ برفع الباء ـ. ثم إن السبب الرئيسي لنزول سورة الكهف هو ذو القرنين لأن أحبار يهود طلبوا من النبي محمد أن يسأل جبريل أو الله عن هذا البشري اللذي لا يعلم عنه الناس شيئا مع أنه كل الرسائل السماوية أشارت إليه. فأجابهم النبي بماهو مكتوب في سورة الكهف ولم يزد على ذلك بحرف واحد . هنا أريد أن أسأل المتحاذقين منكم ما هو سر هذا الكتمان لماذا لم يذكر حتى إسمه ؟ الجواب واضح لأنه سوف يأتي بعد محمد. قل سأتلو عليكم منه ذكرا يعني سيتكلم معهم الله من خلال هذا البشري اللذي يسميه القرآن ذو القرنين وهو لقب وإسمه الحقيقي ياسين ، داوود ، شعيب ،أيوب ،صالح ،وهو نفسه عيسى بن مريم .

  • abdou
    الإثنين 26 شتنبر 2016 - 10:28

    هناك اسئلة كثيرة يجب على شيوخنا الكرام تفسيرها لنا

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب