اَلْإِسْلَامِيُّونَ: اَلْقَلْبُ الْكَبِيرُ!

اَلْإِسْلَامِيُّونَ: اَلْقَلْبُ الْكَبِيرُ!
الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 08:39

ليس سهلا أن تصادف في حياتك رجال دولة، ومسؤولين كبارا، وسياسيين، وقادة، تتوازن في أفعالِهم، وتدبيراتِهم، عقولُهم مع قلوبِهم. فتَنْضَح من أفعالهم، وخطاباتهم، وتصريحاتهم، عواطفُهم الجياشة، إذا استدعت المواقف، أو الأحداث، أو التعالقات ذلك. تماما كما تغلب عقولهم، ويغلب حزمهم، إذا استدعت المواقف، والقرارات ذلك.

لم نكن نعلم من الساسة والقادة والمسؤولين عبر تاريخٍ مُمْتَدِّ احتككنا بهم؛ هذه الأريحية في التدبير، والعاطفية في المعاملات العادية التي لا تستدعي أحكاما ومواقف وقرارات لا تُحابي أحدا. ولم نكن نعلم من ذلك سوى ما قرأنا عنه في تراثنا الإسلامي الماتع؛ حيث كان المسؤولون الكبار يتألمون لآلام الناس، ويفرحون لفرحهم، ويبكون لبكائهم، تماما كما كانوا يغضبون لانتهاكات تنال إنسانيتهم، أومعتقداتهم، أوأعراضهم؛ فينفعلون، وتنتفخ منهم الأوداج، ويغضبون حتى يردوا للضعيف حقه من القوي، ويثبتوا الحق، ويقيموا القسط.

لقد ظننا، لزمانٍ، أن هذه الطينة من المسؤولين والقادة التي تربت في أحضان القرآن، والسنة النبوية الطاهرة، والمأثورات من فعل وقول القائد الأول محمد رسول الله (ص)، قد انتهت مع زمانها، وأن مصيرنا أن نعيش تحت رحمة قلوب قاسية، شديدة، ووجوه عبوسة، مكفهرة، تتناوب علينا في المسؤوليات، والقيادات، إلى ما لا نهاية،… حتى حلَّ بين ظُهْرَانَيْنَا رجال دولة وسلطة، يحملون الكثير من ملامح البراءة المُؤْنِسَة في وجوههم، ويتعاملون بالكثير من الحِنِّيَّة والرحمة مع الناس، والعفو عن المسيئين في حقهم، حتى استأنس بهم الفقير، والعديم، والمواطن العادي. فما عاد الوزير هو ذلك “السوبرمان” الذي تشرئب إليه الأعناق، وتَوْجَل منه القلوب، وتذوب، خوفا منه، الأنفس.

فرغم أن السلطة تحول القط إلى أسد، والرجل الحنون إلى جسور، وتنزع من صاحبها الرأفة والرحمة، شيئا فشيئا، إلا من رحم الله؛ إلا أن هؤلاء الإسلاميين؛ مغاربةً، وعرباً، وأعاجمَ، استطاعوا أن يحافظوا على براءة “النشأة الأولى”، رغم صعودهم أدراج المسؤوليات، واعتلائهم سلم المناصب العليا، مما يُفْقِد سواهم حاسة الإحساس، ويحولهم إلى “ربوتات” كزَّة جامدة.

وليس ثمة سِرٌّ يحتاج منا إلى كبير جهد لنكتشفه. فالمسألة عائدة إلى النشأة التي تربى عليها هؤلاء، والقدوة التي تأسَّوْا بها، حينما اختاروا أن يكونوا على درب هذا الدين جنودا، لخدمة الناس، رغبة فيما عند الله. واستمر بهم الحال حتى اعتلوا أعلى المناصب وهم على العهد ثابتون؛ لم يبدلوا نهجهم، وهم يتربعون على أَسِرَّة السلطة، والمناصب، ولم ينسلخوا عن دينهم، ويتبعوا أهواءهم، وهم يتقدمون في حصد المقاعد، والمواقع، وتحقيق الانتصارات . كيف، وأعينهم شاخصة إلى ما عند الله، “وما عند الله خير وأبقى”؟!.

كلام قد يستغرب منه الكثير ممن قست قلوبهم، وتَيَبَّسَتِ الدموع في مُقَلِهم، ولا يفهمون من هذه المعارك التي تثار بين الناس لأجل المناصب والكراسي، إلا منتهى الأمنيات، وغاية الغايات، التي دونها المُهَجُ، والأخلاق، والأعراض، والأولاد،…

حينما صعد بنكيران المنصبة إبان الحملة الانتخابية الاخيرة، وأجهش بالبكاء، ضَجَّ العالم يتساءل حول هذا البكاء الغريب، العجيب، أنْ يَصدُرَ مثله من مسؤول كبير، وقائد سياسي لا يشق له الغبار. فلم يفهم الكثير من يتامى بني علمان، ممن لا يتذكرون آخر مرة انهمرت فيها عيونهم، سِرَّ هذا البكاء. وأخذوا يدبجون الروايات، ويفتشون في قلب الرجل ليعرفوا نيته، وهم الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حينما يتجرأ مخلوق، ويتهم نواياهم، أو يُؤَوِّل أقوالهم وأفعالهم… فـ”استنتج” غالبيتهم إلى أن سبب هذا البكاء هو الخوف على المقعد أن يقتعده سواه ويضيع منه!. ومن حقهم أن يفهموا هكذا فهم، فالقوم يتامى في ميزان العواطف، وقد عرفت منهم الكثير منذ كنا في الجامعة، ثمانينيات القرن الماضي، يجمعنا النضال المشترك. فما رأينا منهم إلا الوجوه اليابسة، والسحنات الصامتة، والملامح الخالية من كل التعابير. فقد جمعتنا لحظات جياشة.. لحظات تأبين قتلى الطلبة ضحايا القمع البوليسي، بكى فيها الطلبة، ولم يبكوا، وظلت وجوههم صامتة، وجاحدة، حتى طالباتهم/ الإناث، ياللحسرة!!، لم تتغير ملامحهن، في مثل هذه المواقف الجليلة التي ترتعش لها الأبدان، وتفيض، من وقعها، العيون.

فليس غريبا أن تنبري هذه الكائنات تُؤَوِّل بكاء بنكيران، وقبله بكاء العديد من الوزراء، في مناسبات كثيرة، وهم لم يألَفُوا أن يتربَّوْا في أحضان كتابٍ يُتْلى وتهتز من وقعه الجبال الرَّواسي، والقلوب الصُّمُّ القواسي، ثمَّ تلين إلى ذكر الله.

وليس ذكرنا للسيد بنكيران –هاهنا- دفاعا عنه، ولا تأويلا لبكائه بما يَرُدُّ عنه تأويل الخصوم، ولكننا إنما أوردناه مثالا من بين آلاف الأمثلة، لعلمنا أن البكاء عند هذا الرجل أصيل وقديم، عرفناه فيه منذ ثمانينيات القرن الماضي حينما كانت تجمعنا لقاءات وطنية أيام الدعوة. فلم يكن يحضر لقاء الا وبكى فيه وأبكى. ولقد كتبنا عن ذلك في مقال سابق(1).

لذلك لم نستغرب أبدا بكاءَه في المهرجانات التي أطرها خلال الحملة الانتخابية، بل الذي استغربنا له، حقيقة، هو استمراره على صبغته الأولى رغم خمس سنوات قضاها في السلطة؛ وأيُّ سلطة؟!!.

إنها معاني كبيرة لا يفهمها، للأسف، الكثير ممن يظلمون الإسلاميين، ويسخرون من قلوبهم الكبيرة، ويتهمون عواطفهم الجياشة، وتجاوزاتهم المتعددة ضد من يسيئون إليهم، ويَلِغون في أعراضهم، وأشخاصهم. كما يستكثرون عليهم انشغالهم بخدمة الفقراء، والمعوزين، والأيامى، والأرامل، والمحتاجين، ضمن أعمالهم الخيرية التي تضطلع بها جمعياتهم الخيرية على امتداد العام، ويؤولون كل ذلك بما لا يفهمون سواه، مما تقترفه أيديهم، وتُكِنُّهُ صدورهم، من جشع يجعلهم يوزعون ابتساماتهم الصفراء على الفقراء، واليتامى، والأرامل، والمعوزين،و…و ساكني المغرب العميق، تحت فلاشات “سيلفيات” هواتهم النقالة، يشاركونها؛ رياءً، وتسميعا، كلما حان موسم “الأصوات”، وحلَّ مهرجان بيع الوَهْمِ والضحك على الذقون. وفي المقابل، يُضمِرون باطنا خراباً، يَبَاباً، من كل إحساس جميل، وعفو كريم، وحب بريء، إلا من حب الكرسي، والوَلَهِ بالمنصب ..!

دمتم على وطن…!!

(1) مقال: “عبد الإله بن كيران كما عرفته” المنشور بهذا الموقع بتاريخ : 03/12/2011.

‫تعليقات الزوار

10
  • دفاعا عن العلمانية
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 09:22

    العلمانيون لا يفرضون أي نوع من اللباس و لا أي نوع من العقائد و لا أي نوع من المذاهب و لا أي نوع من الأفكار .ففي الأنظمة العلمانية يبقى الاختيار حرا للأفراد دون أي تدخل من أي جهة كانت جماعة أو دولة.أنظر إلى ذلك التنوع الجميل الموجود في الدول العلمانية.فأنت تستطيع ان تكون مسلما سنيا في فرنسا(العلمانية) ولا تستطيع ذلك في إيران (الإسلامية).وتستطيع أن تكون مسلما شيعيا في أميركا(العلمانية) و لا تستطيع ذلك في السعودية (الإسلامية).أما الذين يجبرون الناس على عقائدهم و أفكارهم و ملابسهم .هم الإسلاماويون.فأيران و السودان و السعودية وطالبان نموذج واضح للاستبداد بكل أنواعه .
    فكل الدول المتقدمة هي دول دات نظام علماني.فأتحدى أي كان بان يأتي بدولة واحدة متقدمة و نظامها ديني .
    أو يأتي بدولة واحدة تكون دينية و متقدمة.
    حتى في العالم الإسلامي الدولة الوحيدة التي حققت تقدما ملموسا ألا وهي تركيا فهي دولة علمانية.وكل الخبراء يؤكدون أنه لولا العلمانية في تركيا لكانت هذه الدولة تشبه باكستان في التخلف و في عدد السكان.

  • ahmed
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 09:46

    القلب الكبير موجود في كل الدول و في كل الديانات و في كل الفئات-
    لمادا هدا "التعنتير"؟
    و ادا كنتم تربطون القلب الكبير بالتدين الاسلامي المرجو ان تقولوا للمغاربة لمادا يغامر المسلمون بارواحهم في البحر املا في الوصول الى اوربا الكافرة و لمادا لا تتم استضافتهم من طرف اصحاب القلب الكبير في الدول الاسلامية الغنية؟ اشرحوا لنا نريد ان نفهم-
    لمادا لا تقولوا ان القلب الكبير يوجد الان في اوربا التي تفتح ابوابها للهاربين من الدول الاسلامية؟
    شكرا

  • مفاتيح الجنة
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 10:35

    المريد المغيب يرى في الفقيه/سياسي رسلا معصوما ملاكادواجنحة غشاوة التبجيل تعمي البصر والبصيرة . المريد بسبب البرمجة وسلب العقل يصل الى درجة من الانبطاح وغياب العقل تجعله يؤمن ان من يقود عشيرته نائب الخالق على الارض وان مفاتيح الجنة بيده لهذا تجد المريد يكفر من ينتقد قديسه المتاجر بالدين حتى المصائب وقرارات بن كيران التي سحقت الفقراء يرى فيها غزوة مباركة حتى عفا الله عما سلف يجيبك المريد بلا تكرهوا شيئا وهو خير لكم وماذا عن الديون الخارجية وانهيار التعليم وانعدام قطاع الصحة وتوظيف الاقربين ……سيجيبك:بن كيران يبكي وله قلب كبير فيا نساء المغرب لا حرج ان تلدن في الشوارع فلكن رئيس حكومة بكاي وانتم يا تلاميذ الفقراء لا حاجة لطاولات ولا حتى اقسام عندما تتزاحمون داخل قسم كزنزانة سجن تذكروا دموع التماسيح الملتحية للمرة الثانية اتمنى نشر تعليقي هذه المرة

  • حزب الاخرة
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 11:37

    بالبكاء واللحية والزبيبة والنكت الحامضة وبن تيمية ومسلسل الرسوم المتحركة للتماسيح والعفاريت تتقدم الامم فقط في 5سنين السابقة خلال عهد حزب الاخرة اكثر من 4000مغربي رموا بانفسهم في البحر للهروب من جحيم البكاي وقلبه الكبير لعبة ذغذغة المشاعر بالشفوي اصبحت مملة امام واقع مرير في جميع القطاعات

  • بوطباصل
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 19:02

    هن يبكون لمقاطع درامية على التلفاز او لموق انساني تجاه حيوان في ورطة ولا يبكون لاطفال تهدم على رؤوسهم اسقف المدارس او لاطغفال حفات عرات في صقيع الجبال او لاسر تقاصي الحرمان والعوز او لاطفال الشوارع ولايبكون لحال من يعرضن شرفهن للبيع حتى يحلن على مايسد به رقهن ولا يبكون لحال شعب كانت الشعوب تهابه وتحترمه والذي اصبح عرضه بين السنة الشعوب

  • الرياحي
    الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 21:28

    ….ويعطونهم دجاجة ويأخدون سلفي وينشرونها في فيسبوك.أبكي ما طاب لك من لذيذ البكاء لكن البكاء ليس برنامج سياسي ولا مشروع تتقدم به البلاد.إذن البكاء تحت الطلب له دوافع أخرى وهي موهبة يعطيها الله العلي القدير الم يشاء.القطة أيضا تأكل أبنائها وتبكي وفي هذا الصدد يوجد مثل أمازيغي.كل هاته القربلة ب1.6 مليون صوت

  • معاد
    الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 07:40

    عن اي علمانية تتحدثون؟ وعن أي غرب تتحدثون ايها المستلبون ؟؟؟
    لم ار في حياتي عنصرية مقيتة ضد الاجانب والاقليات كما رأيت في الغرب.. فرنسا الحرية والاخاء عنصرية، والمانيا العلم والصناعة عنصرية وبلجيكا وانجلتر والسويد .. ووو
    المشكل ليس في الدين أو في الاسلاميين .. المشكل في الديمقراطية وتطبيق القانون.. فكل ما يبهركم في الغرب هو بسبب تطبيقهم للقانون وعدم محاباتهم للافراد والعشائر والاعيان والسلطات ووو ..كما الامر عندنا.
    تركيا تقدمت لانها دولة دخلت نادي الديمقراطية واحترام القانون، وليس لانها فصلت الدين عن الحياة .بل الدين قد رجع بكل قوة الى الحياة التركية منذ مجيء الاسلاميين ..
    غاية ما يطمح اليه الاسلاميون في العالم العربي هو تطبيق القانون وتحقيق الديمقراطية، ولو تركوا لحولوا دول العالم العربي الى تركيات . ولكن امثالكم من العلمانيين واذناب انظمة الااستبداد هم من يضعون العصا في العجلة أمام اي محاولة من اسلاميي الحكم لتحقيق الديمقراطية وتطبيق القانون.. في مصر وتونس والمغرب … انتم من عرقلتم اشتغال الاسلاميين وحاربتموهم بكل ما اوتيتم من قوة ومناورة ..بعد ان تحالفتم مع العساكر وخصوم الشعب..

  • متسائل
    الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 23:28

    الإسلاميون : المقلب الكبير
    نعم ، بان كي ران ، مقلبه كبير و قد قالها تحت قبة البرلمان ، قال : ديالي كبير..
    كل الأسلاميين قلبهم كبير ، أكبر من قلب الحوت الأزرق المشهور بامتلاكه لأكبر قلب لدى الحيوانات المفترسة .
    الحوت الأزرق مثل التمساح ، يتظاهر بالبكاء أمام مجمع من السردين المسكين تم يقهقه بعد دالك مغنيا أغنية : أنا في انتظارك …على نغمات الراحلة أم كلثوم صاحبة القلب الناعم

  • إسلاميو الشهوات
    الأربعاء 26 أكتوبر 2016 - 13:06

    قلب كبيرفعلا لجمع المال و تلبية الشهوات من المال و من النساء و توظيف الأقارب و الأبناء

  • صديق حميم
    الأربعاء 26 أكتوبر 2016 - 17:47

    مجرد سؤال : لماذا لا يدافع الإسلاميون الكيرانيون على الكاتب رغم أنه لايكف يدافع عنهم؟ هل الأمر له علاقة بماضي مقالاته التي كان يهاجمهم فيها؟ أم لأنه مستقل ويرفض أي انتماء ؟؟؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة