على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة؟

على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة؟
الأربعاء 26 أكتوبر 2016 - 12:29

إن التجديد في الدين الإسلامي ظاهرة صحية وضرورة اجتماعية تمليها ظروف الحياة المتجددة وتطوراتها المتلاحقة، ولم يكن المجتمع الإسلامى فى فترة من فترات تاريخه الطويل أحوج إلى التجديد منه اليوم؛ حين تواجه البشرية عموما مرحلة تحول حضارى عالمى مذهل ومحير طال المعايير والموازين والمبادىء والأخلاق والقيم، ولم ترس سفينته بعد، فما تزال تمخر فى عباب بحره المتلاطم، ولا تدرى هل تتعثر أو تصل إلى بر الأمان بسلام؟ ولا ندرى متى يكون ذلك؟ مع العلم أن المجتمع الإسلامى ليس إلا جزءا من هذا المجتمع العالمي المتغير والمتقلب والمتحول والمسافر مع المسافرين في موكب مسيرة الحياة البشرية، هذه المسيرة الحتمية التى لم تتحدد وجهتها بعد، لذلك تحتاج إلى فكر جديد تصيغه عقول متنورة وأفهام متبصرة، عاشت هذا الواقع وسبرت أغواره وأنجاده، وحللت ظواهره وأبعاده، عقول متنورة بنور المعرفة، متقيدة بضوابط الشريعة، متحررة من الجمود والتقاليد والعادات، ملتزمة بالثوابت دون المتغيرات. ولا يمكن أبدا أن نواجه هذا العصر وما فيه من تحديات وتحولات وإشكالات ومستحدثات ومستجدات بكتب وفتاوى عتيقة وأحاديث موضوعة وأفكار صيغت فى ظروف مغايرة تماما للظروف التى نعيشها اليوم، أو نظل أسرى لتراث يشتمل على الكثير من الخرافات والأوهام والإسرائيليات..

لكن بعض المتفيقهين مع الأسف الشديد، يحاولون ما استطاعوا إليه سبيلا أن يجعلونا في سجن هذا التراث وفتاوى علمائنا الأجلاء وفقهائنا الفضلاء؛ محاولين بذلك نقل ماضي أجدادنا الذي كان صالحا في آنه وزمانه ومكانه، دون النظر إلى معنى التقادم الزمني، والتطور المجتمعي في مراقي الصعود الحضاري والتطور الإنساني، ولم يقفوا عند هذا الحد وفقط؛ بل أصبحوا مخبرين ومفتشين في ضمائر السادة العلماء وما يكتبوه وما يسطرونه عبر مواقع التواصل الإجتماعي والشبكات العنكبوتية، فتراهم يقلبون المواقع وصفحات الكتب ودروس العلماء وتسجيلاتهم لعلهم يظفرون بوجبة دسمة لأقلامهم وألسنتهم ، مما يظنونه أخطاء لهم؛ بحيث هؤلاء جمدوا عقولهم وقدسوا أقوال واجتهادات أجدادهم وتراثهم، ولم يبدعوا هم في شيء، وغاية إبداعهم واجتهاداتهم هي لذع الآخرين بسنان أقلامهم وألسنتهم، وكأن الدين حصر وجمع في متون وفتاوى الأولين وليس في القرآن المبين.. في الحقيقة هؤلاء هم المعطلة، عطلوا ما يملكونه وما كرمهم الله به، وهو عقولهم؛ بحجة الخوف على التراث والموروث، وكأن التراث هذا نزل من حكيم عليم خبير على قلب رسول ونبي كريم لا يمسه إلا المطهرون، وليس هو من أقوال واجتهادات الأولين، تحتمل الصواب والخطأ، وصدق رب العزة في كتابه المبين عندما دعا عباد الأوثان إلى توحيد الله المنان أجابوه: ” بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون..” .

فكتب تراثنا الإسلامي مالم يتم مراجعتها وتنقيحها وتصحيحها وتجديد مضامينها وغربلتها -إن صح التعبير- مما علق بها أو دس فيها من أساطير وخرافات وروايات مكذوبة وموضوعة، أو تجاوزه الزمان أو غيبت حجيته مستجدات العصر ومستحدثات الأمور، فإن هذا التراث سيصبح مادة دسمة للمتطفلين والجهلة والكتبة والملحدين يعبرون من خلاله للطعن والتهجم على رسالة الإسلام وعلى صاحبها عليه الصلاة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فأنا لا ألوم هؤلاء الكتبة الجهلة، بقدرما ألوم ورثة الأنبياء السادة العلماء أهل الإختصاص، الذين تقاعسوا في تأدية مهامهم والدور المنوط بهم، وهو التبليغ والبيان؛ لأن العالم أو الفقيه كالفلاح، إذا لم يقم بواجب الحرث والزرع ستكثر الطفيلات في الحقل، وتضيع الغلة، ويهلك الحرث والنسل، وعندما أقول مهمة التبين والبيان والتبليغ أعني بذلك تبليغ الدين الإسلامي المحمدي الصحيح السليم الجميل الإنساني.. وليس دين الجماعات والأحزاب والمذاهب والطوائف والقتل والدم والتكفير وقطع الأعناق والأرزاق، وفي هذا السياق أطرح على نفسي وعلى قرائنا الأعزاء هذا السؤال: على أي مذهب إسلامي سيحاسبنا الله غدا يوم القيامة ؟ هل سيحاسبنا على أننا من أهل السنة والجماعة ؟ أم سيحاسبنا على أننا من الطائفة الشيعية ؟ أم الزيدية أم الإباضية ؟ أم سيحاسبنا انطلاقا من المذهب الشافعي أو المالكي أو الحنبلي أو الحنفي…؟ .

الله جل جلاله عندما سيحاسبنا غدا يوم القيامة فإنه لا ينظر إلى صورنا ولباسنا وقبائلنا ومذاهبنا وجماعاتنا الدينية وأحزابنا الإسلامية ودولنا القومية وألواننا؛ وإنما سينظر إلى قلوبنا وإيماننا، ولهذا سؤال الملكين في القبر سيدورعن ثلاثة أشياء فقط، ولا يدخلان معنا في تفاصيل عقدية مذهبية دقيقة معينة وهي : من ربك ؟ ما دينك ؟ ومن نبيك ؟.

كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام ذهب في هديه وتوجيهاته في سياق هذه المعاني السامية للدين الذي جاء رحمة للعالمين؛ من أجل التيسير والتقريب بين المسلمين وجمع كلمتهم، وأن يكونوا أمة واحدة موحدة قوية، لاشعيا وطوائف قددا، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: “من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، الذي له ذِمّةُ الله وذِمَّةُ رسوله، فلا تُخْفِروا الله في ذمَّته”. رواه البخاري.

هذا هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي استبدله المسلمون اليوم بأديان الطوائف والمذاهب والفقهاء والأحزاب.. وهو الدين الذي سيحاسبنا الله عليه غدا يوم القيامة.

‫تعليقات الزوار

9
  • الباحثة وديعة عمراني
    الأربعاء 26 أكتوبر 2016 - 18:40

    السلام عليكم ورحمة الله ، ان الدين عند الله الاسلام…لاطائفية ولا مذهبية.

    (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ال عمران : ١٩

    دعوة :
    هيا لنقرأ القرءان سويا في زمن العلم فلا مذهب ولا مذهبية بل علم قرءاني يكشف الحقائق التي تربط القرءان بمنظومة الخلق اجمالا حتى في جسيم نووي او في مجرة في فلك دوار او في جسد نملة او جذر نبته ففي هذه الدعوة خلاص من ارث المذهبية واختلافها !! ذلك لان علم القرءان المعاصر مجرد من المذهبية وهو علم لا اختلاف فيه.

  • عبد الكريم
    الخميس 27 أكتوبر 2016 - 01:05

    مقال يستحق القراءة، وياليت لو رجال الدين في المغرب عندنا يملكون هذه الرزانة والدقة العلمية في الطرح والتحيل والمناقشة بالتي هي أحسن بدون لعن ولا تكفير ولا تبديع، مع الجرأة في المعالجة لقضايا التراث الإسلامي بدون لف أو دوران، فهذا الكتاب الداعية المغربي في بلاد المهجر استمعت له في إحدى ليالي رمضان درسا دينيا في مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء وإذا لم تخني الذاكرة ربما سنة 2010أو 2011 ولم أكن أعلم بأنه مغربي، ولم أكن أتصور بأن عندنا في المغرب فقهاء ودعاة مثل هذا، الجميع انبهر بفصاحته وبلاغته وتمكنه من أدوات الدعوة والموعظة، مما دفع بالكثير من المصلين في المسجد يتساءلون من هذا الشيخ هل هو مغربي أم أجنبي؟ وعند انتهائه من الدرس تقدم مدير مسجد الحسن الثاني وعرف به فإذا هو داعية مغربي يعيش في المهجر ومدير لأكبر مؤسسة إسلامية بأمريكا الجنوبية

  • مولاي الديني الخزرجي
    الخميس 27 أكتوبر 2016 - 01:52

    تدعو للمحافظة على الثوابت و تُلزم المسلمين بالنصوص الصريحة المنقولة وتدعوهم إلى الاحتكام إليها على حساب العقل. فمن أين يأت التحديث والتجديد ومسايرة التطور ؟
    أنت أغلقت الساحة والفضاء أمامك، وحاولت أن تلتمس لنفسك مخرجا بعد هذا الإغلاق المحكم.
    إنك كما يقول المثل الفرنسي: تنفخ بالسخون والبارد معا!
    فكل المذاهب الموروثة والمصادر المتداولة بيننا اليوم، ليست سوى آليات التي تكرس التقليد وتدعمه.وحتى العقول التي تربت في أحضانها لا يمكن أن تنتج سوى نفس النمط الموروث.
    والشوك لا ينبت ثمارا. ولهذا كان من السداد أن ترشد إلى نظرية عقلية مدروسة وحداثية،عوض أن تنفخ في الرماد.

  • Filali
    الخميس 27 أكتوبر 2016 - 15:46

    هذا سؤال الملكين في القبر سيدورعن ثلاثة أشياء فقط، ولا يدخلان معنا في تفاصيل عقدية مذهبية دقيقة معينة وهي : من ربك ؟ ما دينك ؟ ومن نبيك ؟
    أتساءل فقط هل سيسؤل كل البشر نفس الأسئلة؟ العالم كما الجاهل؟ الذكي و الغبي؟ المسلم و اليهودي و البوذي الهندوسي و الهنود الحمر الذين عاشوا قبل استكشاف الامريكيتين؟
    هل في ذلك عدل؟ و لماذا نسأل في القبر مادمنا سنحاسب يوم القيامة؟ أو لا يعلم الله العليم البصير سبحانه وتعالى بعد موت شخص انه صالح في الجنة أو شقي في النار؟ طبعا يعلم ، إذا ما فائدة هذا الاختبار و هذه الأسئلة في القبر؟ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة سيحاسبنا ليس عن طريق أسئلة و اختبارات لأن الاختبار يكون في الحياة الدنيا، أما يوم القيامة فهو يعرض علينا حصيلة أعمالنا في الدنيا بالتفصيل ليبين لنا لم ندخل الجنه أو النار.

  • MAMOUCHA
    الخميس 27 أكتوبر 2016 - 21:20

    كلنا نحترم المسلم الذي يستيقظ من نومه قبل بزوغ الفجر ليصلّي صلاته الأولى التي تقرّبه من الله ، والمسيحيّ الذي يذهب إلى كنيسته ليصلّي ويعترف بخطاياه ويطلب من الرب المغفرة ، والهندوسي واليهودي وغيرهم من أتباع الديانات المسالمين الذين يذهبون إلى معابدهم ليكونوا أقرب إلى ربّهم ، وأكثر حرصا على طاعته والامتثال لأوامره .
    الواعظ ، أوالمستوعظ ، أو الراهب الذي يتصرف بطريقة تناقض ما يقول وتؤكد أن صاحبنا ليس إلا … دجالا … لا علاقة له بما يعظ ، وإنه من أكثر الناس طمعا وجشعا وتمسّكا بالحياة ومغرياتها الماديّة ، وإنه لا يتردّد في التعامل مع … الشيطان المستبد … من أجل مصالحه الدنيوية .

    هذا التناقض بين القول والعمل واضح عند … الكثيرين … من رجال الدين المسلمين بما فيهم العدد الهائل من أئمة المساجد ، وغيرهم من كبار المشايخ الذين يشغلون وظائف دينية هامة في الدولة ، ولهم الكثير من التأثيرعلى رأي الناس ، وعلى ممارساتهم الدينية والدنيويّة . هؤلاء الشيوخ يعلمون جيدا أنهم يخدمون طغاة لا يخافون الله ومجرمون بحق شعوبهم . لماذا يفعلون هذا ؟ أليس ما يفعلونه مخالفا لارادة رب العالمين ؟

  • hamidov
    الجمعة 28 أكتوبر 2016 - 16:25

    بسبب الامراض و الآلام والمآسي الإنسان هو الذي يحق له أن يحاسب الله و ليس العكس!

  • نجيب
    السبت 29 أكتوبر 2016 - 11:38

    حاليا صادفت عالما من جمهورية مصر إسمه أمين صبري يلقي دروسا في غاية الروعة والتجديد معتمدا في ذلك على القرآن وقد اعجبتني كلمة قالها * ليس المشكل في إيجاد حفظة القرآن بل المشكل في إيجاد من يقومون على استنباط الأحكام وتوأويل القرآن –
    وهو الشئ الذي يقوم بع مند مدة وله العديد من فيديوات على اليوتوب لمن أراد أن ينور عقله ويعرف الكثير عن القرآن وعن مقام الله – وما قدرو الله حق قدره –
    هذا العالم لا يتجاوز 26 من عمره لكن للاه في خلقه شؤون فهو نابغة بهذا المفهوم ويقوم على تجديد الكثير من المفاهيم وألأخطاء التي ورثناها عن السلف وترسخت في عقولنا وتحجرت وآن الوقت لتصحيحها ومعرفة قدر الله
    ونظافة ديننا الاسلامي السمح من الشوائب وأترك لكم التعليق

  • aziz
    الأحد 30 أكتوبر 2016 - 20:04

    رقعوا في الإسلام كما شئتم؛تارة نسمع بمجددين؛تارة بتنويريين؛إلخ ؛إحذفوا مالاتحبون؛إحذفوا مالاترغبون؛أولوا الكلمات؛وأخرجوها من سياقها؛حتى تظهروا جمالية الدين؛خذوا من البخاري ومسلم مايساير أهوائكم؛وإرموا مالاتستلطفونه؛قوموا بمهنة الخياطة؛فهي ماتبقى لكم

  • طالب علم
    الإثنين 31 أكتوبر 2016 - 00:04

    المشكلة ان كاتب المقال يدعي كما يدعي غيره من الفقهاء الاسلام الصحيح الوسطي والعاقل يعلم بان ما دام هناك اسلام وسطي يتم تشييده واعداده وفق ظروف هذا الزمان فهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك بان الاسلام الحقيقي الاصلي الذي جاء به القران اسلام متطرف داعشي سلفي جهادي الى غيرها من الاوصاف يا سادة هذه الحيل لا تنطلي على اي شخص فمن ادعى التجديد فليجدد القران ولا يتظلل بشعارات واهية خرافية القران فيه ايات قتل وفيه ايات سلم وفيه ايات المساواة بين الجنسين وفيه اللامساواة وفيه ايات قطع اليد والرجل والرقبة وملك اليمين والغريب في الامر ان اصابع الاتهام توجه للاحاديث التي ييدو لي انها اقل خطورة على حقوق الانسان وكما نعلم انها مبنية على القران فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وهو المفسر للقران الكريم

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة