حوار مع خطيب جمعة موقوف

حوار مع خطيب جمعة موقوف
الإثنين 27 فبراير 2017 - 08:19

قال لي وهو يحاورني عبر الشبكة العنكبوتية أمس، لماذا ﻻ تندد بما تقوم به وزارة اﻷوقاف والشؤون اﻹسلامية المغربية بعزل الخطباء ومنعهم من ممارسة الدعوة إلى الله تعالى عبر منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت له ربما هناك ملاحظات ومخالفات قام بها هذا الخطيب أو ذاك؛ ﻷن هناك بعض الوعاظ وخطباء الجمعة خلطوا بين السياسي والديني، وبين مصالحهم الشخصية ومصالح الوطن واﻷمة؛ جعلوا من منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرات حزبية لتمريرأيديولوجيتهم وأفكار حزبهم وجماعتهم؛ علما أن المجتمع المغربي وعبر تاريخه الطويل أصبح له مميزات وخصوصيات ثقافية واجتماعية وسياسية ودينية يعرف بها ويتميز بها عن باقي الشعوب الأخرى المسلمة ومنها: إمارة المؤمنين القائمة على عقد البيعة بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعية، والمذهب المالكي الذي يتسم بالمرونة والاعتدال والوسطية وبتعدد مصادره، كالعرف والإستحسان والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا..والعقيدة الأشعرية التي سد صاحبها كل المنافد التي قد تؤدي إلى تكفير المسلم لأخيه المسلم، والتصوف على طريقة الإمام الجنيد الذي يهدف -أي التصوف- إلى تزكية النفس وتطهيرها وتهذيبها ومحاسبتها وفق الكتاب والسنة، بعيدا عن الغلو والتشدد والتنطع.. بهذه الخصوصيات والمميزات -في الحقيقة – برز النموذج الديني المغربي على سطح الساحة الإسلامية الدولية، والذي أصبح النموذج المعول عليه في محارة الغلو والتطرف والتكفير والإرهاب..

لكون المدرسة الفقهية المالكية انفردت بمصادر تشريعية كثيرة منها: “شرع من قبلنا” وهو تلك الأحكام الشرعية المقررة في شرائع الأنبياء والرسل السابقين عليهم الصلاة والسلام، والتي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم، إما بنص القرآن الكريم أو بصحيح السنة، ولم يلحقها ناسخ من شريعة الإسلام .. فذهب المالكية خلافا للمذاهب الأخرى إلى لزوم شرع من قبلنا، لهذا فالوزارة المعنية بتسيير قطاع المساجد بالمغرب من حقها أن تتدخل وأن تمنع أي فقيه أو خطيب من الخطابة، حتى ﻻ تترك بيوت الله تعالى فوضى هكذا لمن هب ودب أن يعتلي منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويترك العنان للحناجر تصرخ كيفما تريد، وتقول ما تريد بدون مراعاة الطوابط وخصوصيات التدين المغربي الذي تشكل عبر تاريخ أجدادنا وعلمائنا منذ بداية ادريس الأول إلى يوم الناس هذا، وعليه، كيف يمكن -سيدي الفقيه- أن تترك الوزارة الوصية هذا التراث الديني العظيم يعبث به هؤلاء دون حسيب، فاللوزارة الحق الكامل والصلاحية المطلقة توقيف أي خطيب تراه قد اخترق هذه الطوابط وخصوصيات الإسلام المغربي وميثاق الخطباء والمراسيم التي صدرت في هذا الشأن من أولياء اﻷمور، وهذا أمر ضروري جدا؛ ﻷن هناك أسباب وجيهة لذلك..تصور معي -سيدي الفقيه- لو فتحنا حرية الخطابة في صلاة الجمعة، فنجد أن هناك خطباء يتحينون الفرص لخدمة أجندات مشبوهة خارجية ابتغاء وجه الدولار! فهذا الخطيب يريد أن يخدم مثلا أجندة حركة اسلامية ما، والآخر يريد أن يقنعهم بتوجهات حركته أو المذهب أو الحزب الذي ينتمي إليه، وذاك يريد اقناع الناس بالفكر التكفيري الداعشي الذي يعشقه ويجري في دمه، وآخر يريد أن يخطب في الناس بالفكر السلفي الجهادي المتشدد الذي يحرم كل شيء، ولم يترك شيئا مباحا في الكرة الأرضية إلا وبدعه وفسقه وحرمه! وهذا مثالي خرافي، وذاك تحريضي سليط اللسان قليل اﻷدب يزكي التفرقة الطائفية والمذهبية بين أفراد المجتمع، وهناك من ليس له ذوق، مريض يرفض الحياة وقيم الجمال والإبداع والفن والتعايش مع الآخرين..

وكل واحد منهم يرى أن آراءه وأفكاره ومنهجه على الصراط المستقيم، والباقي من التيارات والفقهاء والمشايخ والعلماء والخطباء في ضلال مبين، وكل هؤﻻء لهم أتباع، ولهم مريدون أوفياء يترددون على مساجدهم ويستمتعون بخطبهم حسب القرب والبعد من مذاهم وأحزابهم، ما إن تقدم الوزارة على إيقاف أحدهم حتى يواجهونها بالمقاطعة والإحتجاج والخروج للشارع، ومنع الخطيب الجديد من الخطابة وهذا مشاهد وملحوظ ولا يحتاج إلى دليل أو تصوير، فهو مسجل ومصور؛ هنا يأتي احترام تعاليم اﻹمام اﻷكبر، ومن ينوب عنه في الحقل الديني، واﻹمام “جنة” كما جاء في الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما الإمام جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ ورائه وَيُتَّقَى به، فإن أمر بتقوى الله وعَدَلَ كان له بذلك أجرٌ، وإن يأمر بغيره كان عليه منه”. قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: “الإمام جُنَّة” أي كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام.. “فالإمام الأكبر -أي السلطان- صمام أمان المجتمع، فإن لم يطاع وتحترم تعليماته وتوجيهاته ومراسيمه تكن فتنة في اﻷرض وفساد كبير..

وختاما أقول لك -سيدي الفقيه- الدين سعادة..الدين حياة..الدين محبة ورحمة وتعايش وتساكن..الدين دين الله وليس في ملكية أحد من خلقه، ولهذا ﻻ يمكن ﻷي جماعة أو طائفة أو حزب سياسي ، أو أي أحد مهما بلغ من العلم ما بلغ أن يدعى أنه يملك وحده القدرة على الفهم وأنه يمتلك معرفة الحق دون اﻵخرين..كل البشر متساوون فى الحقوق اﻹنسانية ويفضل بعضهم البعض اﻵخر بالعمل الصالح الذى يؤدى إلى إسعاد الآخرين والتفاني في خدمة اﻹنسان؛ بغض النظر عن دينه وجنسه وطائفته، وسيد البشر خادمهم ..هذه هي رسالة الدين -سيدي الفقيه – وهذا هو اﻹسلام المحمدي الصافي النقي الطاهر.. فمقاصد الدين واضحة ونبيلة وإنسانية، فما خالفها من أنواع السلوك المشين فليس من الدين، ولا يمكن للدين أن يدعو إلى ظلم أو كراهية أو حقد أو قتل أو عدوان أو إرهاب أو حزبية أو عنصرية أوطائفية ..رسالة الدين أن يكون الناس إخوة متحابين متعاونين على البر والخير والصلاح والتقوى..كم نحتاج هذه اﻷيام إلى ان نتعلم رسالة الدين؟، وأن نقرأ من جديد كتاب الله تعالى وسنة نبيينا -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة؛ لكي نعرف أكثر عن أهداف اﻹسلام المحمدي فى احترام إنسانية الإنسان، والله المستعان .

‫تعليقات الزوار

9
  • hamid
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 12:00

    و ان كنت معك في كثير مما تفضلت به, استاذنا الكريم, وددت لو نقلت لنا رد الخطيب.

    العيب الكبير و الطامة عندنا في المستوى البئيس لخطب الجمعة القادمة من الاوقاف. انا شخصيا الله يسمح لي اصبحت اتعمد التاخر عن الخطبة. لم اعد اتحمل ما وصلت اليه فاتاخر حتى اسمع اقامة الصلاة و اخرج من البيت.

    تصور خطب تجمع الالاف من المصلين و الامام يتكلم عن بديهيات كبر الوالدين او اسباغ الوضوء… خطبنا اصبحت مهزلة; لو كانت في اول الليل لاستعملتها لتنويم الاطفال.

  • عابر سبيل
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 13:56

    ماذا عساني أقول ؟. لا تعن الظالم على ظلمه . إن لم تستحي فقل ماشئت .

  • مولاي الديني الخزرجي
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 14:27

    شيخنا الفاضل، أراك حينا توسع من دائرة محيط الإسلام المغربي وتبتعد به بُعدا إلى شموليته للأديان السابقة، وحينا آخر تضيق مجاله و تحصره في زمن إدريس الأول؛ وكانك فقدت بوصلة التاريخ وتميز بين المغرب الديني والمغرب السياسي. وهذا يدل دلالة قطعية أنك مع السياسة البودشيشية التي تتأرجح بين الدين القيم و دين الطرقية الخرافي ،وذلك حسب المزاج وحسب السياسة الظرفية.
    وتريد حينا آخر أن تجعل الدين في الشق البعيد عن السياسة، والحقيقة أن الدين الإسلامي مندمج منذ بداية نشوئه في أتون السياسة وظل يتجادب معها المصالح في كل عصر. غفر الله لك ولمن يدعي البراءة من نوزع النفس وميولاتها الخاطئة . وكل من يدعي الصدق والنزاهة يبطن في قرارة نفسه ما يُخالف به ما يُظهر. والناس اليوم يعلمون أن سياسة الدين سياسة تتلون مع بأمور لا صلة لها بالعقيدة.

  • محمد أيوب
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 16:34

    أجبني ايها الكاتب:
    يقول الكاتب:"..إمارة المؤمنين القائمة على عقد البيعة بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعية،والمذهب المالكي الذي يتسم بالمرونة والاعتدال والوسطية وبتعدد مصادره،كالعرف والإستحسان والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا.. والعقيدة الأشعرية التي سد صاحبها كل المنافد التي قد تؤدي إلى تكفير المسلم لأخيه المسلم،والتصوف على طريقة الإمام الجنيد الذي يهدف-أي التصوف -إلى تزكية النفس وتطهيرها وتهذيبها ومحاسبتها وفق الكتاب والسنة،بعيدا عن الغلو والتشدد والتنطع..".هذا ما اعتبره الكاتب من ثوابت تديننا نحن المغاربة..واني سائله:بماذا تبرر انتشار الخور بيعا وتجارة وشربا في بلد امارة المومنين؟ماذا قال مالك في الخمر؟بماذا تبرر ذيوع السفور والعري والفساد والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل واستغلال النفوذ والسلطة والجمع بين الثروة والسلطة وانتشار المحسوبية والمحاباة وغياب العدل في توزيع الثروة والحصول على العمل؟بماذا تفسر استمرار التعامل بالربا؟ما حكم السفور-خاصة بين نساء علية القوم-؟ماذا يقول امام دار الهجرة في كل ذلك؟ لماذا تسكتون عن سب الدين صباح مساء ببلدنا هذا أم أن هنا تدخل حرية التعبير والرأي؟

  • ابو لهب
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 20:15

    يقول صاحب المقال؛؛المجتمع المغربي وعبر تاريخه الطويل أصبح له مميزات وخصوصيات ثقافية واجتماعية وسياسية ودينية يعرف بها ويتميز بها عن باقي الشعوب الأخرى المسلمة؛ماذا تعني بمميزات دينية؟أضحك كثيرا عندما أسمع مصطلح الخصوصية الدينية عند المغاربة؛وهل للأعراق خصوصية دينية؟هل يجتمعون في دين مذهب واحد عنوة؟أليس الدين إختيار؟أم أنهم يرسمون لنا مسارا في حياتنا؛مسار عملي ومسار عقائدي؛كفاكم إستغباء للناس

  • حميد
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 22:19

    هناك شيئ من المبالغة فشرع من قبلنا لم ينفرد به المذهب المالكي فهو منسوب لجمهور العلماء، كالحنفية ، واختاره السمرقندي، وابن الهمام، والبهاري وعبدالعلي الأنصاري ، كما نُسب للإمام مالك ، ولكثير من المالكية ، واختاره الباجي، وابن الحاجب، والقرافي ، ونُسب للإمام الشافعي، ولكثير من الشافعية ، واختاره الشيرازي ، ثم رجع عنه واختار القول الثالث، ونُسب هذ القول للإمام أحمد في أصح الروايتين عنه ، ولأكثر الحنابلة ، واختاره ابن تيمية، والمرداوي على ما بينه بعض الباحثين

  • عبد الكريم
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 22:54

    إلى محمد أيوب:
    طرحت على الكاتب عدة أسئلة من قبيل: بماذا تبرر انتشار الخمور بيعا وتجارة وشربا في بلد امارة المومنين؟ماذا قال مالك في الخمر؟بماذا تبرر ذيوع السفور والعري والفساد والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل واستغلال النفوذ والسلطة والجمع بين الثروة والسلطة وانتشار المحسوبية والمحاباة وغياب العدل في توزيع الثروة والحصول على العمل؟بماذا تفسر استمرار التعامل بالربا؟ما حكم السفور..أقول لك يا أيوب سأنوب عن الكاتب في الرد عليها: هذه الأسئلة كان ينبغي عليك أن تطرحها على الحزب الإسلامي الذي وصل إلى رئاسة الحكومة والبرلمان على أساس محاربة الفساد ومنع الخمور والربا والسفور والزبزنية والمحسوبية، والحكومة والبرلمان والوزراء مخول لهم منع هذا الفساد أما الكاتب هو عبر عن وجهة نظره فيما يتعلق بمنع خطباء المساجد الذين يخلطون بين العمل السياسي والدعوي وليس مسؤولا أو حاكما أو قاضيا حتى يقوم بمنع هذه الأمور ؟ فالحكومة الإسلامية هي المخولة بذلك وينبغي أن تسألها

  • محمد أيوب
    الثلاثاء 28 فبراير 2017 - 06:40

    الى الأخ الكريم عبد الكريم:
    حينما طرحت بعض الأسئلة على الكاتب فانني أعلم مسبقا أنه لا قرار له، وهدفي كان هو:لماذا لا يتناول مثل هذه القضايا بالطرح والشرح والبيان وربطها بما جاء في مقاله وترتيب الحكم الشرعي عليها بالنسبة لتقاعس المسؤولين عن تدبير شؤوننا كلها بخصوصها:سياسيا واقتصاديا وغيرهما.. أما القول بأن هذه الأسئلة كان يجب توجيهها للحزب الاسلامي وتقصد به طبعا حزب المصباح فانني أقول لك أيها الأخ المحترم:حزب المصباح حزب سياسي كباقي الدكاكين التي تؤثث مشهدنا السياسي وليس له من الاسلام الا بالقدر الذي يستغله لاستغفال الناس،ولا أزكي أحدا على الله تعالى،وانني واحد ممن قاطع الانتخابات الأخيرة وسأواصل المقاطعة ليقيني بأن القرار ليس بيد الحكومة ولا"البا رلمان".وما دامت قناعتي كذلك فلا يمكن لي أن أطلب ممن لا قرار بيده أن يقوم بشيء بخصوص الأسئلة التي طرحتها على الكاتب..ما يثيرني هو الانتقائية في تناول واقعنا من طرف بعض الكتاب ومنهم صاحبنا هذا..ينتقد الخطيب المعزول وينسى دور الخطباء الذين هم فرسان المنابر، وعليهم واجب الصدع بالحق واستحضار الخوف من الله تعالى وليس من البشر..هذا هو قصدي،وشكرا.

  • سعيد اوهنيا
    الخميس 2 مارس 2017 - 00:30

    الى من يخطب على الخطباء ايها الكاتب انك قد صنعت من نفسك واعظا وجعلت الفقهاء تحت منصتك ان التوقيف يا اخي يجب ان يطال كل من اخل بواجبه موظفا كان او سياسيا او خطيبا طائشا اياك ان تسلك سبيل من ينتقصون من فقهائنا لينقضوا على مناصب داخل وزارة الاوقاف كما يفعل جل رجال التعليم في بلادنا العزيز

صوت وصورة
أحكام قضية الدهس بالبيضاء
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:58 4

أحكام قضية الدهس بالبيضاء

صوت وصورة
معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:55

معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 3

احتجاج بوزارة التشغيل