على خلفية وفاة الفنان الكبير محمد حسن الجندي

على خلفية وفاة الفنان الكبير محمد حسن الجندي
الأربعاء 1 مارس 2017 - 15:29

إنه الفن الأصيل والجميل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رجل شريف متواضع قوي الشخصية مع قوة في الصوت الجهوري الذي أبهر به المخرجون الشرقيون حتى لقبه مصطفى العقاد بالوحش .

تربى في أسرة محافظة غيورة على مبادئ الدين الراقية من احترام ووقار وأنفة وحب الناس، كانت كافية أن تجمع عليه أمة من المعجبين سواء في المشرق أو في المغرب.

من أشهر الأدوار التي أداها رحمه الله تعالى نجد:

– دور ”أبو جهل” في فيلم ”الرسالة” بالنسخة العربية لمخرجه مصطفى العقاد،

– دور ”كسرى” في النسخة الإنجليزية،

– دور صخر في مسلسل ”الخنساء” أمام منى واصف

– دور “رستم” في قادسية صلاح أبو سيف، ، وشارك في ”آخر الفرسان” مع نجدة إسماعيل أنزور، وأدى دور عتبة بن ربيعة في مسلسل عمر بن الخطاب.

وتبقى هذه الأدوار أعلاه شامخة وشاهدة على علو كعبه في الفن المغربي والعربي حيث كان بحق أحد الأهرامات الكبرى التي بنت جسورا متميزة بين المغرب والشرق وبعده توالت المشاركات المغربية في العديد من الأعمال الفنية .

لكن لهذه الشخصية خصالا وخلالا عظيمة لم تجتمع عند غيره من الفنانين الكبار، أذكر منها ما يلي:

قوة شخصيته في اختيار الأصوب: لقد كان نبيلا وحكيما في اختيار أدوار طلائعية مفيدة وجادة منذ أن اختاره القدر الإلهي للفن عموما، حيث مثل في نظري أحد الأقطاب البارعة في تغيير وجهة الفن على الإطلاق الذي كان يعتمد في السابق أكثره على سيناريوهات وأدوار ماجنة وأخرى ساقطة حطت من قيمة الفن الراقي والهادف والتي ما زالت نتائجها إلى اليوم سلبية سواء على الأسرة والمجتمع على حد سواء، ودليل ذلك هو رفضه المشاركة في فيلم ”لورنس العرب” للأدوار الثانوية المقترحة على الفنانين المغاربة. كيف لا وهو صاحب القولة الشهيرة: “أجد نفسي حيثما كان هناك فن نبيل يحترم الذوق ومشاعر الناس. أنا لست من أولئك الذين يسفّهون العمل الفني، ويغرقون الإبداع في الإباحيات”.

السلامة اللغوية : من منا لا يعرف جزالة ودقة المعاني اللغوية التي تخرج من فاه بليغ تعلم العربية وعلومها من منابعها الصحيحة، يضاف إليه جهورية صوته الأسدي شكلا رصيدين كافييين لأن يتنافس عليه أشهر المخرجين العرب على وجه الخصوص، فلغته العربية البليغة قد حافظت على اللسان العربي الفصيح وراعت مخارج حروفه المعجمة كالذال والثاء والظاء؛ والتي طالما شكلت عيبا في ألسنة العديد من الفنانين المغاربة، تحتاج بحسب رأيي إلى كبير ممارسة ودربة، للخروج من هذا المأزق اللغوي. ولم تكن رئاسته رحمه الله لمندوبية الثقافة الجهوية بمراكش في فترة التسعينيات من قبيل الصدفة بل ومحاضرا في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي في الرباط إلا لموسوعيته ومعرفته بخفايا اللغة العربية.

إبداع فني خالد : ليس من السهل أن تكون موفقا لأعمال مرضية من الله ومن العباد، ليس فقط في مجال الفن عموما بل في كل ما ينفع الأمة قاطبة، فالمشمول برحمة الله محمد حسن الجندي كان متمتعا بذكاء خارق علم من أين تأتي الشهرة من واسع أبوابها تحت مظلة التواضع والمعاملة الحسنة فقد كان دائم الابتسام والصبر من اجل بلوغ الرقي والإبداع سواء في الإذاعة أو في المسرح أو في التمثيل، من منا لا يتذكر مسلسل الأزلية الذي حقق نجاحا منقطع النظير خاصة وانه كان في فترة واقع النكسة العربية 1967 مستنهضا للهمم ومذكرا بما كان عليه العرب من شهامة وكبرياء إلى جانب السلسة الإذاعية شقيق الهموم والعنترية وسر الانتحار وبائع الخبز وغيرها من الأعمال الخالدة .

الإعلام الهادف: مثل المرحوم حسن الجندي حقبة إعلامية محترمة تفي بمتطلبات المجتمع وما هو مفيد للحياة العامة فلم يكن من ذوي جمع الأموال على حساب المواطن آو على حساب وطنه بل كان مسؤولا ومثقفا كبيرا ساعدته تجربة السنوات الطويلة على معرفة الصالح من الطالح والجيد من الرديء بالإضافة إلى عشقه وتمكنه من اللغة العربية مكنته من إتقان العملية الإعلامية بامتياز حتى وصل صوته الجهوري إلى أبعد مدى.

هي رسالة إعلامي هادف حاول إرجاع المجال الفني إلى مكانته الصحيحة التي تليق به لأنه مجال شعبي ومجتمعي على المستوى الأول، كما أنها رسالة خالدة لإصلاح الإعلام وتقويم الإعلاميين والفنانين اليوم في مجالات مختلفة،لكون هذا الأخير قد اصطبغ بمشوهات ومعيقات تنكر لها الرأي العام العادل كان لابد من بروز رجالات أكفاء وهياكل بشرية جديرة بحمل مشعل الإعلام الحر والمستقل أمثال محمد حسن الجندي الذي ترك تراثا نقيا صافيا يليق بمقام الإعلام بصفة عامة وبمقامه النبيل على وجه الخصوص.

وخلاصة القول في هذا الكلام هو أن يعمل كل منا على أن يكون شامة في أهله وقومه يختار الجيد من الأعمال وأن يقتنص الحكمة أنى كانت وأن يكون عصاميا في اقتحام الكمال من الأشياء دون أن تأخذه موجات الغرور والباطل تبطئه عن فعل الخير واستشراف المستقبل بعيون متفائلة تنفض عن الأمة غبار الكسل والخمول وتبصم فيها بصمات عطرة زكية خالدة في مجالات عدة كما كان المرحوم حسن الجندي فاعلا ومطبقا إلى جانب عدد لا يستهان به من ذوي المروءات الحسنة في هذا الوطن خاصة وفي العالم العربي ككل. فرحمك الله الرحمة الواسعة وأسكنك فسيح جنانه.

*باحث في العلوم الشرعية والقانونية .دكتوراه في المستجدات المعاصرة.

‫تعليقات الزوار

4
  • هدى
    الأربعاء 1 مارس 2017 - 16:55

    تحية لك نفتقد كثيرا ثقافة الاعتراف و خصوصا بالفنانين، رحم الله الاستاد الجندي و عوض الله بلدنا بفنانين من طينته

  • عويس
    الأربعاء 1 مارس 2017 - 17:59

    شكرا لك وبارك الله فيك، فعلا نحتاج إلى تشجيع مثل هؤلاء الأعلام الفذة التي تعطرت بها العلوم الفنية المختلفة ، فمثل الحسن الجندي حي لا يموت لأنه ترك علما وصدى جميلا ينتفع به

  • عبد القادر
    الأربعاء 1 مارس 2017 - 21:54

    نشكرك على المقال، انها فعلا كلمة حق في حق رجل ترك بصمته قي الحقل الفني العربي، رحم الله الفقيد وجازاك الله على الاعتراف بكل ما قدمه الفنان الكبير.

  • aouiss
    الخميس 2 مارس 2017 - 16:03

    لا شكر على واجب سي عبد القادر ، بل هذا من آكد الواجبات علينا ان نستخلص دروسا وعبرا من أفذاذ وفطاحل في شتى العلوم ليس فقط في المجال الفني والمسرحي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة