ذئب العدالة والتنمية

ذئب العدالة والتنمية
الثلاثاء 28 مارس 2017 - 13:58

في هذه الأيام العصيبة التي تعيشها النخبة السياسية ببلدنا، وما نجم عنها من محاولات عديدة لإقبار الاختيار الديمقراطي والإجهاز عليه وخنق أنفاسه، وأمام هشاشة الوضع السياسي تخاذلا وتحايلا وانتهازية ونفاقا، أمام هذا الوضع المتردي؛ يفاجأ المغاربة بحكومة لا مذاق لها ولا طعم، ولا رائحة لها ولا لون، لكنها تنسب -ويا للعجب- إلى حزب العدالة والتنمية، المفروض فيه باعتباره تصدر الانتخابات أن يكون له حسن الاختيار، لا حسن الانصياع لتنفيذ الأوامر “المطاعة”.

إن الديمقراطية هي التوافق الأحسن على الاختيار الأمثل، الذي تراعى فيه مصالح الأمة، لا مصالح النخبة، وتراعى فيه أيضا إرادة الشعب لا إرادة الحاكم؛ ولكن في زمان الذلسياسية لا اعتبار لإرادة الشعوب، فهي في مخيلة “السادة” الحكام عبارة عن قطعان من السوائم.

لقد كان على النخبة السياسية ببلدنا، إن كانت لها فعلا مصداقية وتاريخ نضالي تنتمي إليه وفكر تستنير به، أن تدفع بعجلة الديمقراطية إلى الأمام، وأن يكون لديها ميثاق نصرة الديمقراطية مهما كانت نتائجها؛ فالعبرة ليست دائما بالنتائج، وإنما كذلك بالتمسك بالمبادئ والقيم، وبها يسمو العقلاء فتزيد في رصيدهم الأخلاقي والقيمي والنضالي.

لكن، مع الأسف، بعض الناس يريد أن يسوغ الاختيارات العوجاء، فيبحث لها عن تأصيلات خرقاء، وتأويلات سمجاء. هذا ما أسميه بالاستنجاد السياسي بمقاصد الشريعة، وشتان بين الثرى والثريا، فمن مقاصد الشريعة الضبط لا الخلط، والحقيقة لا الوهم. وتفصيل هذا ليس محله هنا؛ ولكن ما وقع خير تفسير له، يدركه القارئ الكريم بنفسه.

وفي هذا السياق، تذكرت قصة طريفة إنها مستوحاة من التراث المغربي العامي، سمعتها منذ زمن غير يسير، وإن كنت قد صغتها باللغة العربية، مقتفيا –شيئا ما- أثر ابن المقفع، فالعبرة بالمعنى.

قال كليلة لدمنة: حدثني عما جرى للذئب الأبيض، وما حل بأسرته.

قال دمنة: زعموا أن ذئبا “أبلق” أبيض خرج ذات يوم من غاره من أجل الصيد، فجرى به المسير حتى وقف على مزبلة قوم، فرأى من بعيد سلوقية استهوته بجمال لونها، ورشاقة مشيتها، فأعجب بها أيما إعجاب، فقرر أن يخطبها من ذويها وأهلها السلوقيين. فرجع والشوق يحمله إلى غاره، حيث يوجد أبوه وأمه وإخوته، من أجل أن يستشيرهم في الأمر؛ بل تحت شدة التعلق بها، وسيطرة الهوى واستحكامه، قرر أن يعمل جاهدا قصد أن ينفذوا له ما يصبو إليه، بأن يتزوج بنت “شانع وشانعة”. فما لبث، بعد هيامه في وصفها، أن قال له أبوه: اعلم، أيها الأحمق، إنهم كلاب سلوقيون ونحن ذئاب أعداء لهم، وليسوا من فصيلتنا ولا من أسرتنا، فهل تريد خراب بيتنا وتشتيت صفنا وتعرضنا لسوء العاقبة؟ فلم يعر للنصيحة اهتماما، ولا ألقى للإنذار وزنا، وإنما ألقى كل ذلك وراء ظهره، صارفا همته لسكرات الحب التي ألقت بكلكلها على بصيرته وبصره، فطفق بعدها مسرعا لرؤية حبيبته ومعشوقته، راجعا إلى المزبلة المطلة على “دوار السلوقية”، فما كاد أن يقف بها من عل، حتى أبصر به أطفال الدوار وصاحوا جميعا: الذئب “الأبلق” الذئب “الأبلق”، إنه الذي يعتدي على قريتنا، فيأكل دواجننا ويعيث في أرضنا فسادا. فاجتمع أهل الدوار مسرعين ليروا هذا العجب العجاب، وجمعوا كلابهم السلوقية وغيرها وتعقبوه وهو يلهث من شدة الجري حتى بال و”بعر” و”خرج” منه الدم من شدة الهلع، إلى أن دخل على أهله، فلحقه القوم إلى باب الغار، فاتخذوا قرار حفره لإخراجه، فكلما أخرجوا واحدا من ذويه صاحوا جميعا إنه ليس الذئب “الأبلق”. فأخذوا في إخراجهم واحدا واحدا إلى أن انتهوا إلى ذلك الشقي “المتعوس” وجه الشر الذئب الأبلق، فقتلوهم جميعا.

قال كليلة: مثل من هذا يا دمنة؟

قال دمنة: مثل من لا يفهم السياسة، ولا يدرك عواقب أمورها، فهو كالطائر في غير سربه. والله المستعان.

‫تعليقات الزوار

5
  • متعجب وليس معجب
    الثلاثاء 28 مارس 2017 - 14:58

    ايها الاديب المحترم احترم وجهة نظرك وقد تكون نيتك حسنة ولكنني ارى ما لا ترى ما فعله رجال العدالة دليل على التجربة ولا يحق لنا ان نطلب منهم اكثر مما فعلوا الا اذا صوت عليهم الجميع لقد اختارو التدرج منذ ان انطلقوا في ميدان السياسة الذئب الابلق هو من يطلب منهم الاستعجال والطيش الظرفية تراعى يا سيدي

  • حسن
    الثلاثاء 28 مارس 2017 - 15:07

    من اقبر الديمقراطية واسس لمرحلة السبعينيات غير العدالة والتنمية هم من اقبروا العمل النقابي بل اقبروا الفقير والموظف البسيط.ماحدث اليوم تصحيح لمسار يقود البلاد الى الفوضى والتمزيق النسيج الإجتماعي بخطاب شعبوي انتهازي يستغل الأمية والجهل لتحقيق مكاسب شخصية وعائلية.اين اخلاق الإسلام في خطاب فج وفارغ يتلاعب بعقول البسطء.كفانا الله شر من يبحث عن الحل في جيوب الضعيف

  • عاجل
    الأربعاء 29 مارس 2017 - 13:13

    لم يتعظوا مما يروه في البلاد العربية،وخير مثال انقلاب السيسي على رئيسه.
    بدون اسلام سنظل نقتل بعضنا البعض الى قيام الساعة!
    الاه اخنوش وساجد والعنصر وووو هو القصر،والاه لشكر هو أيديلوجية لينين وستالين وماو تسيتونغ وتشيكيفارا وووو،او ربما الاههم جميعا هو حب الذات والمنصب والدولار!!!
    العثماني كطبيب نفسي كان عليه ان يعلم ان الملك محاط بكثير ممن يفهموا في تشخيص DNA البشر لهذا تم ابعاد بنكيران واتوا بك انت،لماذا لم يقع اختيار الملك على الرميد مثلا؟
    السلوقي الابيض هو الذي تسبب في خراب العدالة والتنمية!

  • عصمان
    الأربعاء 29 مارس 2017 - 15:45

    أنت تكتب وتدعي "إن الديمقراطية هي التوافق الأحسن على الاختيار الأمثل، الذي تراعى فيه مصالح الأمة" ولكنك في في الحقيقة تدعو الى سيطرة الحزب المتصدر صاحب 1600 الف صوت على مصير وقرار قوة ناخبة قوامها 20 مليون وعلى شعب يقدر ب 34 مليون.. أنت تقدم لنا تعريفا معينا للديمقراطية وفي المقابل أنت تمارس نقيضها وعكسها عن طريق التبرير لسيطرة ذئاب العدالة والتنمية كما سميتهم.

  • بوشفة بوعزة
    الأربعاء 29 مارس 2017 - 20:49

    الحيوان تحكمه قواعد الطبيعة والانسان يصنع قواعد حياته بنفسه فلا مجال للمقارنة واما النخبة فهي التي تحكم في نهاية المطاف والدستور الحالي وضع قواعد لاختيارها من طرف الشعب فهل يعي الشعب ان اليوم يمكنه التحكم في اختيارها بشكل مغاير

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة