الزجال الراحل عبد المجيد بنخالي .. سلام عليك حاضرا وغائبا

الزجال الراحل عبد المجيد بنخالي .. سلام عليك حاضرا وغائبا
الثلاثاء 18 يوليوز 2017 - 11:44

أصحاب العطاء الكبير كثيرا ما يختارون الموت عندما ينعدم الأمل. فهم يرون أنه ما فائدة زيادة بضعة أيام، أو شهور يعيشونها ليزدادوا عذابا. الحكم قادم، والإختيار واجب، لهذا اختار المرحوم عبد المجيد بنخالي أن يقول للمرض: اكمل مهمتك. نعم إن للموت مرارة يصعب تحملها على بعض الأحياء، ومثل كثيرين غيري فُجِعْت بنبإ وفاة الأستاذ الراحل صبيحة يوم السبت 8 يوليوز 2017 بآسفي، عن عمر يناهز 63 سنة، بعد معاناة مع المرض، ورحلة طويلة من العطاء الدرامي، تاركا وراءه تراثا شعريا وزجليا وفنيا يخلد اسمه طويلا ضمن سجل المبدعين. وكما قال لي بعض ممن عرفوا الراحل، إنك ما أن تلتقيه إلا ويشعرك بأنك تعرفه منذ أمد بعيد. فالرجل، تغمده الله بواسع رحمته وكريم مغفرته، سيفتقده كل محبيه وعارفي مكانته وفضله، ما أن تجلس إليه إلا ويأسرك بثقافته الرفيعة وتواضعه وأدبه الجم، وقدرته الفائقة على نظم الزجل الشعري. فهل يكفي البكاء والرثاء والكلام عن شاعر كبير غادرنا إلى الأبد؟. في اعتقادي أن الوفاء أسمى من الرثاء، والوفاء يملي علي ككاتب أن أفتح بعضا من سيرته الذاتية والإبداعية غير المعروفة عند الكثيرين.

الرجل ليس اسما عاديا كغيره من الأسماء المحفوظة في سجلات الحالة المدنية بآسفي، فبعد الإعلان عن خبر وفاته تحولت مواقع التواصل الاجتماعي لساحة عزاء، حيث توالت كلمات الرثاء والعزاء على فقدان الراحل الكبير من قبل زملائه ومحبيه، خاصة أن الرجل كان مصرا على حضور لقاءات وفعاليات ثقافية رغم مرضه ومعاناته من العلاج الكيميائي. رجال ترحل فتبكيهم أسرهم، ورجال ترحل فتبكيهم الأصدقاء، ورجال ترحل فيبكيهم الوطن. ولمثل الزجال الأديب عبد المجيد بنخالي، يبكي الوطن. وبرحيله فقد الشعر أغلى قوافيه، وبرحيله تَيَتَّم الحرف، وترمّلت القصيدة، وشهق الإبداع حزنا. وبرحيله توقفت البلابل عن التغريد، لأنه كان ملهمها وعاشقها شعرا ونثرا. وبرحيله انفض سامر رفاقه ومحبيه، بعد أن كان نجمهم المشرق ينثر على أسماعهم زجلا رفيعا لا يخلو من ظلال التجربة المسرحية.

عبد المجيد بنخالي، مفرد بصيغة الجمع، اجتمع فيه ما تفرق في غيره، فهو الملقب بابن الأثير، وقيدوم الزجالين، من مواليد مدينة آسفي سنة 1954 بحي تراب الصيني العريق بآسفي. والده ادريس بن خالي كان منخرطا في الحركة الوطنية، و أول مؤسسي نقابة البحارين بآسفي والمغرب. عمل الراحل أستاذا للتعليم قبل أن يختار التقاعد الطوعي. ارتبط اسمه كمناضل يساري منذ أزيد من أربعة عقود بحزب التقدم والاشتراكية ومنظمته الشبيبية، ثم كاتبا عاما للمكتب الوطني للمنظمة المغربية للطفولة والشباب، وعضو الإتحاد المغربي للزجل، واتحاد كتاب المغرب فرع آسفي. حاصل على دبلوم الصحافة من جامعة بغداد بالعراق سنة 1976. ممثل ومخرج ومؤلف مسرحي، يمثل الرعيل الأول المؤسس لتجربة مسرح الهواة بآسفي والمغرب. وأحد الكتاب الدراميين المميزين الذين تركوا بصماتهم على التجربة المسرحية والفنية بالمدينة. كتب بالعامية والفصحى، وانخرط مبكرا في دور الشباب التي ستربطه بالمسرح، حيث ألف وأخرج العديد من المسرحيات، كمسرحية (عندما يصبح عنترة فارسا)، ومسرحية (النقطة)، كما أخرج مسرحيات أخرى مثل مسرحية (الجنون)، ومسرحية (المخاض)، لكن بصمته في الزجل كانت الأبرز، حيث أصدر ديوانا تحت عنوان (برج موكة)، وفي الفصيح له ديوان بعنوان (للنهار ولادة أخرى).

وللراحل تجربة صحفية رائدة في البيان الثقافي خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، فضلا عن أنه من مؤسسي نادي الصحافة الوطنية بآسفي، عمل مراسلا لمجموعة من الجرائد الوطنية مثل: العلم وبيان اليوم. وكان يكتب ركنا بعنوان (مسافات)، يعالج فيه ظواهر اجتماعية بنكهة أدبية. كما تميز في كتاباته الزجلية والشعرية بإخلاصه لموروثنا الثقافي المحلي العروبي عموما ولمنطقة عبدة خصوصا، حيث بحث في أصول التراث العبدي والعيطة، ليخرج ديوانا بعنوان (شي حاجة بحال لكلام). كما ترك إسهامات أخرى مختلفة في النقد والتنظير.

ودعنا الراحل بالأحضان مبتسما فودعناه بالدموع، في وقت كان يتطلع إلى اكتمال مشروعه الإبداعي من خلال أعمال شعرية ومسرحية أخرى لم تر النور. ستبقى أشعارك فينا، ستبقى أنت هنا بيننا، عرفناك من خلال ما كتبت، نحن الذين رضعنا من حليب كلمات شعرك، وتابعنا صولاتك وجولاتك الشعرية و المسرحية، التقطنا كل كلمة قيلت عنك، من أترابك ورفاقك. نعم ستبقى فينا أخا ورفيقا، سنواصل إنشاد أشعارك، سلام عليك حاضرا وغائبا، فقد كنت كبيرا في حياتك، ولا بد أن تشمخ أكثر بعد الغياب.

قال الراحل منشدا: “لابُدْ فْيُومْ يَطَلْ الرْبيعْ يَكْسِينا بِاتْوَابُو يْمُوتْ الشُّوكْ يْغَردْ الطِّيرْ يَعْطِينا اجْوابُو”

‫تعليقات الزوار

1
  • دليل العنفوان
    الجمعة 21 يوليوز 2017 - 00:47

    ا حي الاستاذ الكريم على مواصلته نفض الغبار عن مدينة

    اسفي و رجالاتها فرغم اني لست مسفيويا الا انني شديد

    الاهتمام بهذه المدينة التي ترددت عليها في طفولتي كثيرا

    و لي بها ذكريات لن انساها مقالك هذا عن الراحل الشاعر

    الزجال عبد المجيد بنخالي ذكرني بمحنة شاعر و زجال و مسرحي

    مراكشي له اسهامات كبيرة في الحقل الثقافي المغربي ألا وهو المبدع

    الراحل محمد شهرمان احد مؤسسي مجموعة جيل جيلالة للأسف الشديد

    استاذ النملي قدر مبدعينا الصادقين موت حقير يسبقه اهمال يردم ذكرهم

    لكلام لمرصع فقد المداق ——و الحرف البراق ضيع الحدة

    تحياتي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة