جحا والسياسيون المغاربة

جحا والسياسيون المغاربة
الأحد 17 شتنبر 2017 - 23:30

في كتاب لطائف خوجة نصر الدين المشهور عندنا بـ”جحا”، وهو صاحب الأخبار المستغربة والنكات المستملحة، وصاحب الأطوار النادرة، نجد قصة مسمار جحا التي يعرفها الجميع، وفيها من الفوائد والطرائف الشيء الكثير، والتي تروي بأن جحا باع داره لجاره وكان شرطه الوحيد استثناء المسمار من الملكية ليأتي لزيارة المسمار ومعاينته والاطمئنان عليه، أما ما تبقى فهو ملك للجار، الذي وافق على ملكية الدار واستثنى المسمار الذي دقه جحا في الجدار. وذهب اعتقاد الجار أن مسألة المسمار إشكال مؤقت، لكن من سوء حظ الجار أن زيارات جحا أصبحت يومية لمعاينة المسمار.

جحا بمكره ودهائه كانت زياراته مدروسة ومخططا لها، وتصادف أوقات تناول الطعام والذهاب بهدف الأكل والمبيت في الدار. الجار لم يستطع مع جحا صبرا وترك الدار وفر مغادرا، لتعود الدار إلى جحا، لتصبح هذه النكتة والمستملحة الطريفة النادرة، مثلا، يضرب في اختلاق الحجج الفارغة واستعمال الحيل الواهية الغاية منها الوصول إلى الهدف المنشود والمطلوب.

طريقة تسيير وتدبير الحكومة للقضايا الشائكة والعويصة لا تختلف أبدا عن أسلوب وطريقة “مسمار جحا”، فالوزراء ومعهم البرلمانيون يستخدمون الحجج الفارغة ويستعملون الحيل والخطب الواهية لتأمين حصانتهم السياسية وتحقيق أمنيات عائلاتهم المالية وتنفيذ مخططاتهم المستقبلية، باستخدام أسلوب التأثير في نفوس القواعد الشبابية الحزبية واستعمال طريقة الإقناع للجم غضب أصحاب الأصوات الانتخابية للتأكيد بأنهم على صواب. ولتبرير جرائر سياسية وجرائم حقوقية واجتماعية واقتصادية، يأتون بحجج واهنة وحيل واهية ودون أهمية ليقولوا للأفراد -المواطنين إن الخروج من نفق الأزمة والخلاص من الصعوبات والنجاح المنتظر بأيديهم ويملكون مفاتيحه السحرية.

لو نظرنا إلى أفعالهم وسمعنا أقوالهم وتتبعنا آثارهم ومواقفهم وسلوكاتهم ومسلكياتهم التي برروها ويعللونها سنجدها، حتما، تستند إلى علة وحيدة، تجعلهم يعادون المختلف معهم فكرا والمخالف لهم سياسيا، ويسعون إلى عدم الأخذ بـرأي معارضيهم، وعدم العمل بتوصيات ووصايا منظمات حقوق الإنسان، وعدم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، وهي ضغينة دفينة وانعدام ثقة مشين منذ سنين. أسلوب مارسته أحزاب وطنية وإدارية قديمة ضد اليسار المغربي واستخدمته قيادة حزب العدالة والتنمية وحشته في عقول المتعاطفين معها وزرعته في نفوس المنتمين لها وإليها، وهو ما أدى إلى إمكانية التحكم بعقول شبيبتها وتصرفات أعضائها ومنخرطيها، وتوجيههم نحو الجوانب الشريرة فيهم، بينما هم يرون احتكارهم واختصاصهم ولا ندري من الذي خصهم لوحدهم دون غيرهم بتفسير وتأويل الآيات والأحاديث، وحين يتحدثون تشعر كأنهم يخوضون حربا ضد الذين لم يُومِنُوا وكارهي الإسلام والذين هادوا والصابئين والنصارىٰ وَالمجوس والذين أشركوا، مع أن الله وحده هو صاحب الحق في الفصلِ بينهم يوم القيامة، لتبرير أي فعل أو قول مشين، والغاية تبقى تخويف الآمنين وتخوين المواطنين وترويع المعارضين. هم متكبرون يخالون أنفسهم ليسوا بحاجة إلى مراجعة وتراجع في الأقوال والأفعال والمواقف والتصرفات، كِبْر يخفي عنهم الحقيقة فيجعل كِبْرَ كبيرهم يرى نفسه مخلوقا ملائكيا.

ساسة وسياسيون، مختلفون فكريا وإيديولوجيا ومنهجيا، لكنهم إخوة مجتمعون ومجمعون على كلمة واحدة لما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية ومصلحة أحزابهم، يناصبون العداء للمواطنين، لا يوثرون على أنفسهم ثروة عينية أو نقدية أو بقعة أرضية حتى لو كان المواطنون بهم خصاصة، هذا تدمير للإنسان وللقيم الإنسانية. ما ينفك يخبرنا بعضهم بخطر ارتفاع الدين الخارجي، فيما ينبئنا آخر بانخفاض الناتج الداخلي الخام، وثالث يذكرنا بأهوال القبور بعد الموت لأنه يكره ويحقد ويكفر كل إنسان يدعو إلى نشر نور الفرحة وبهجة الحياة. الموت تيمة يستخدمونها ويستعملها الساسة والسياسيون، يمنة ويسرة، لجعلنا خانعين خاضعين مخدوعين، لنتعظ ونعمل لآخرتنا وكأننا سنعيش أبدا، متناسين أو ناسين بأننا نريد نصيبنا مفروضا في حياتنا الدنيوية من غنائمهم المالية ومغانمهم الاقتصادية والاجتماعية، قل لو اتعظتم بما تعظون لكنا متضامنين متكافلين ومتحضرين منذ آلاف السنين.

ساسة وسياسيون، ربوا قواعدهم على السمع للقادة والطاعة للقيادة، يؤولون ويفسرون الخطابات الملكية، حسب ما يتماشى مع إله هواهم الإيديولوجي، ويوظفون حراك الريف وأحداث الحسيمة لأغراضهم السياسية، ويحورون الخرجات الإعلامية للظهور بمظهر المضطهَدين وطنيا من قبل المخزن سياسيا ومعارضيهم في الفكر والرأي، هنا تبدأ صناعة الجور المزيف وتصنع الظلم المزور لغل دفين يجعل المحافظين الحاليين في الحكومة حاقدين وناقمين ممن حولهم من الأفراد-المواطنين ذاتيين أو معنويين.

إنها بعض الصور الظاهرة في الساسة والسياسيين تكاد تشبه قصة آدم وإبليس الشيطان الرجيم، فآدم، عليه السلام، الذي علمه الله الأسماء كلها، والذي خلق من طين، خالف أمر الله عز وجل وأكل من الشجرة التي نهاه بألا يقربها، والخطأ جلي وظاهر ليس كإبليس الذي أبى ورأى نفسه أنه أفضل من آدم، لذلك استكبر على أمر الله تعالى ولم يكن من الساجدين، والتكبر خطأ جوهري وباطني، بل تحدى الله، وهذا ما يفعله الساسة والسياسيون، خصوصا تلك الفرقة التي تتأول على كلام الله ويتلون آيات خارج سياقها ويفسرونها حسب أهوائهم وغاياتهم السياسية، متكبرون لا يقبلون أو يتقبلون نصيحة، وكأنهم معصومون من الخطأ والخطيئة وأفعالهم وأقوالهم نور على نور كما يظنون ويحسبون.

أخيرا، التبرير والشبهة والضلالة والترهة، كلها أساليب يستخدمها الساسة ويستعملها السياسيون لنشر أفكارهم وإيديولوجياتهم مثل قصة “مسمار حجا”، لن نستطيع إقناعهم ليس لأننا لا نملك الدلائل والبراهين، بل بسبب خروج كل متحزب يمنة ويسرة ووسطى للدفاع وإخراج الحجج الواهنة الواهية بهدف إقصاء أي رأي لأن قصة “مسمار حجا” في معتقدهم هي الصواب، وهي المنهج والنهج والمنهاج.

الإنسانية هي الحل.

‫تعليقات الزوار

1
  • محمد أيوب
    الثلاثاء 19 شتنبر 2017 - 06:35

    أتحدى…
    يقول الكاتب:"طريقة تسيير وتدبير الحكومة للقضايا الشائكة والعويصة لا تختلف أبدا عن أسلوب وطريقة"مسمار جحا"،فالوزراء ومعهم البرلمانيون يستخدمون الحجج الفارغة ويستعملون الحيل والخطب الواهية لتأمين حصانتهم السياسية وتحقيق أمنيات عائلاتهم المالية وتنفيذ مخططاتهم المستقبلية.."..وانني أتحدى اي مسؤول في بلدنا هذا-مهما كان منصب هذا المسؤول صغيرا أو كبيرا-أن يقوم بزيارة ميدانية على حين غفلة ومن دون رسميات لأية مؤسسة تابعة له في مختلف ربوع الوطن ليعاين ما يقال عبر التلفزة الرسمية من أكاذيب..فبخصوص قطاع الصحة مثلا أحيل الوزير على هذا العنوان المنشور بأحد المواقع:"الصّدأ و الأوساخ على طاولات الأكل وأسِرَّة مستشفى العرائش"..وبالنسبة لقطاع التعليم فانني أتحدى السيد الوزير أن يبادر الى زيارة اية مدرسية قروية أو على هوامش المدن ليعاين ما يدعيه بشأن تحسين وضعيتها بمناسبة الدخول المدرسي الجديد..ويبقى في الأخير أن ما سطره الكاتب في الفقرة أعلاه صحيح الى درجة كبيرة..فالمسؤولون مهووسون بامتيازات المنصب وما يأتي منه من مكاسب وثروات لهم ولعائلاتهم..ثم هم يكذبون على الشعب عبر وسائل الاعلام الرسمية..

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة