رسالة إلى الأخ نزار .. الأمين العام المنتظر

رسالة إلى الأخ نزار .. الأمين العام المنتظر
الأربعاء 20 شتنبر 2017 - 12:45

أخي نزار بركة الكريم،

بعد طول تمحيص مفعوم بمستخرجات التأمل في مجريات التحضير للمؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال موازاة مع ما يقع حاليا داخل مجتمعنا المغربي من حركية اجتماعية وسياسية تتأرجح بين الشلل المؤقت أحيانا والكرّ والفرّ المقبل المدبر أحيانا أخرى، ارتأيت أخيرا أن أتوجّه إليك بهذه الرسالة/المقال بصفتك مرشّحا بقوة لتحمّل مسؤولية الأمانة العامة للحزب في المؤتمر العام المقبل، ومن خلالك أتوجّه إلى كل الاستقلاليين والمعنيين بالشأن الاستقلالي واضعا أمامكم رأيي وموقفي مما يجري وجرى بكل تجرّد وموضوعية وخارج إطار “الصراع” التنظيمي المرتبط بالترشح للأمانة العامة وما يولّده من اصطفافات وراء هذا المرشّح أو ذاك وإن كان موقفي واضحا في هذا الشأن؛ حيث إنني كنت من الأوائل القلائل الذين قدّموا دعمهم ومساندتهم لك قبل أن تعلن ترشحك وقبل أن يسمح لك قانون الحزب بذلك، وهذا راجع لأسباب عدة سبق لي ذكرها وتفصيلها في كونك رجل جدير بهذه الثقة بفضل صدقيّتك في القول والفعل أولا وكفاءتك العلمية ثانيا وتشبّعك بمرجعية الحزب ونهلك منها ومن روحها الوطنية ثالثا.

إذن فالغاية عندي من توجيه هذه الرسالة ليست هي التأكيد على ميزاتك أخي نزار أو الإشهار بدعمي لترشيحك، خصوصا وقد قيل الكثير وكتب الكثير في هذا الصدد مما لا يترك لنا المزيد لإضافته، ولكن الغاية عندي في هذا هي النظر معكم في مستقبل الحزب ومحاولة التبصّر في اختياراتنا الجماعية ومحاولة التنبيه والاحتياط من الانزلاقات والانحرافات التي تطرأ علينا حتما إذا لم نحسن اختياراتنا بتمعّن وعقلانية ونحن نعلم أن الأحزاب السياسية المغربية لم تكن تفتقر خلال تاريخها الطويل نسبيا إلى قيادات متبصّرة وخلوقة وكاريزمية _اللهم إلا ما أصابها من غزو شعبوي شاذ في السنوات القليلة الأخيرة_ إلا أنها كانت دائما تعيش تحت وطأة المشاكل الحادة والصراعات الذاتية التي تجعلها عاجزة عن بلوغ أهدافها الحقيقية وغاياته التي هي من غايات أفراد الشعب، ولعلّ السبب في ذلك راجع بالأساس إلى غياب قابلية التغيير والتطور الإيجابي عند القواعد الحزبية التي كانت غالبا ما تنحو إلى تحقيق مصالحها الفردية والذاتية على حساب المصلحة العامة، مع تقديري الخالص لكل المناضلين الحقيقيين الغيورين على مصلحة الوطن في حزب الاستقلال وفي غيره من الأحزاب على قلّتهم.

وللتذكير، وفقط على سبيل المثال، أعود بك أخي الكريم إلى أيام مفاوضات “إيكس ليبان” حينما كان جدّك علال الفاسي رحمه الله يبعث بالرسائل الاحتجاجية من خارج المغرب ليعلن رفضه واستنكاره لأسلوب المفاوضات التي كانت تجري بين السلطة الفرنسية وبعض المختارين من الجانب المغربي، بمن فيهم بعض القياديين في حزب الاستقلال حينها، فاجتمعت اللجنة التنفيذية للحزب وقرّرت تزكية مفاوضات “إيكس ليبان” في تجاهل تام لتوجيهات رئيس الحزب ومؤسسه، بل إن أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، المعروف دون أن أذكر اسمه، قال في اجتماع اللجنة: علال الفاسي لا يمثّل إلا نفسه.

هذا هو حال الحياة الحزبية عندنا في المغرب للأسف؛ بحيث إن المصالح الخاصة للأفراد تتجاوز كل الرموز والمعاني والتوجيهات لتفرض نفسها على أرض الواقع، وحتى عندما عرفت العملية السياسية في المغرب بعض الانفراج القليل منذ المحاولات الأولى لتأسيس دستور ديمقراطي سنتي 1961 و1962 وما تلاها من محطات تاريخية معروفة إلى غاية اليوم، فإننا لم نستطع أحزابا ومجتمعا أن نرقى بالعملية السياسية إلى مستوى ناضج وعقلاني، وهذا أمر ملحوظ جاء اليوم ليؤكدّه الملك بعينه في آخر خطاب له بمناسبة عيد العرش حين قال ما مفاده باختصار إن العملية السياسية في المغرب فشلت في تحقيق مراميها الأساسية وإن الأحزاب السياسية المغربية لم تكن في مستوى انتظارات المواطنين وحاجياتهم…

لذلك فمن حقنا أن نتساءل مع أنفسنا ومع بعضنا البعض: ما الذي حققه حزب الاستقلال منذ تأسيسه وما الذي حققته كل الأحزاب الأخرى في سبيل تجسيد المبدأ الديمقراطي وبناء المؤسسات الحقيقية وتوطيد أسس العدالة والعدل والتقدم ببلادنا في صف الحضارات الإنسانية المعاصرة؟

لا أقول إننا لم نحقق أي شيء وإلا سأكون بمثابة المتكلم السوداوي والسلبي في نظراته، لكنني أقول إننا نتقدّم بخطى ثقيلة تزداد تثاقلا كلما حاولنا أو حاولت كل الأطراف، بمن فيها المؤسسة الملكية، تغيير أوضاع البلاد نحو الأفضل، بل إننا نعيش اليوم في خضم حراك الريف _حسب نظرتي المتواضعة_ واحدة من أحلك المراحل في حياتنا السياسية والاجتماعية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على ثقة المواطن في مؤسسات الدولة وفي مؤسسات الوساطة السياسية خصوصا، وهو ما قد يفقد الدولة المغربية هيبتها كذلك، وإذا فقدت الدولة هيبتها وفقدت مؤسسات الدولة قيمتها، فلا أمل عندنا في نجاح أي مشروع للاستثمار والتنمية الاقتصادية مستقبلا.

أخي الكريم، إن المغرب يواجه اليوم ظروفا صعبة للغاية في ظل ضعف الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، بما فيها أكبر حزب انتخابي في المغرب حاليا، أي حزب العدالة والتنمية الذي مارس وظيفة المحافظة على الاستقرار بتنفيذ كل ما يطلب منه بدون قيد أو شرط، ناهيك عن الأحزاب السياسية الأخرى كلها وعلى رأسها حزبنا العريق الذي يبقى _رغم ما يمكن أن يلاحظ فيه من أمراض سياسوية وانتهازية_ منبتا للأمل في غذ أفضل مادام يحمل معه عهدة تاريخ نضالي طويل مليء بالتضحيات وفكر مستنير كان ينطلق دائما من روح الابتكار في فهم الإنسية المغربية وتطبيق مستلزماتها على الأرض الواقع.

أخي الكريم، إن حزب الاستقلال اليوم كما أراه مشوب بالعيوب والتشوهات الخلقية، سواء على مستوى التنظيم أو على مستوى الإشعاع المجتمعي المطلوب، رغم ما يقال داخل دواليب الحزب من حاجة سياسية ملّحة لتغليب مبدأ التوافق بين مختلف الأطراف النافذة في مؤسسات الحزب وهياكله التنظيمية لتجاوز هشاشة المرحلة الصعبة التي يعيش الحزب في خضمها، وقد ظهرت ملامح تشوّهاتنا الخلقية خلال تنظيم المؤتمرات الإقليمية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية الوطنية واللجان التحضيرية الإقليمية؛ حيث بدا من الجليّ والواضح أننا نتجّه إلى تثبيت وجود مجموعات ضغط معلومة داخل الحزب مرّكزة حول مجموعة قليلة من الأشخاص الذين كانوا يمثلون قيادة الحزب خلال ولاية الأخ حميد شباط وكانوا ملتّفين حوله ومتماسكين وراءه قبل أن ينقلبوا عليه انقلاب السحرة، وها هي اليوم المجموعات نفسها تتحكّم في جهات بأكملها وتختار من يجب أن يكون ومن لا يجب أن يكون في تشكيلة المؤتمر العام المقبل كأننا أمام اتحاد للأحزاب الجهوية داخل الحزب نفسه.

إن هذا الوضع الملتبس أخي نزار لا يبشّر بالخير لأنه يعني أن التغيير الذي سيعرفه الحزب _لو بقيت الأمور كما هي عليه الآن ولم تدخل أياد سحرية أخرى لتحويل الموقف الحالي إلى دفة أخرى_ لن يكون إلا تغييرا شكليا على مستوى القيادة أو لنقل على مستوى الأمانة العامة فقط، في حين إننا لا نجد من داخل المساهمين في العمل التحضيري للمؤتمر من يبحث عن تجميع المناضلين وفتح باب المنافسة الواسعة والمفتوحة في وجه كل الأطر الاستقلالية التي نحن في أمس الحاجة إليها، بمن فيها من اختاروا الابتعاد أو الانسحاب من الحزب في أية فترة من الفترات لا لسبب سوى لأنهم فشلوا في مقاومة ثقافة “الخبز مقابل النضال” داخل الحزب وتعويضها بثقافة “النضال من أجل الخبز والحياة الكريمة” بما تحمله تلك الحياة من قيم العدل والحرية والكرامة الإنسانية.

نعم يبدو أن الهاجس اليوم هو إنجاح محطة المؤتمر السابع عشر بأقل الأضرار وأنا أقدّر أن دورك أخي نزار محدود في هذا الشأن لأنك لست رئيسا للجنة التحضيرية كما أنك لست أمينا عاما للحزب حاليا لكنك قد تصبح عما قريب أمينا عاما للحزب لأن العديد من الاستقلاليين المستقلين في فكرهم آمنوا برؤيتك (رؤية أمل) لبناء الحزب، لا لشيء سوى لأنهم يحملون أمل التغيير في قلوبهم حتى وإن كانوا بعيدين أو مبعدين من إبداء رأيهم والمشاركة في تنظيم المؤتمر العام المقبل، وهذه مسؤولية كبيرة لا يجب أن تحجب عنك النظر في واقع الحزب الذي قد تصبح أمينه العام في قريب الأيام.

لذلك أقول لك في ختام رسالتي: استعن بالله يا أخي واعلم أن الجهاد الأكبر هو القادم بإذنه تعالى، ولك منّي أصدق التحية والسلام.

ياسر الطريبق

متكلم استقلالي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة