إيمِيتْكْ بين البُستان والإزعاج

إيمِيتْكْ بين البُستان والإزعاج
الأربعاء 20 شتنبر 2017 - 15:15

عندما ساقَتني قَدماي اليوم إلى فدادين أهل إيميتك، أو ما يصطلح عليه باللسان الأمازيغي بِ “igrane”، لم أكن أتصور البَثّة أن أعثر على الموت واقفا بكل ذلك الشموخ في واقع الحال، كما تخيَّلتُه في وَصف الأُدباء، بل أكثر من ذلك وَجدتُه راخيا بظلال كبريائه على كل تلك الأنقاض المتبقّية من زمن السَّلف الصّامد، وبين مشاهد الموت العَنيد تذكرتُ مما تذكرتُ مِن خطايا رمى بها أقوامُ المغرب النافع أقوامَ مغربٍ وُصف بالمَقصي، مقولةً تحمل من إيحاءات الإهانة والتبخيس، ما يجدر بنا اليومَ نفيُه جُملة وتَفصيلا، بناءً على منطق الطبيعة !

معلومٌ أنّ الطّبيعة لا تقبَل الفراغ، ولكن الفراغ بادٍ بجلاءٍ أمام الأعيُن، رغم ما سمعناه من مخططات لا أثر لها في الوجود. فراغُ خُضرةٍ مِن جِنانٍ كانت بالأمس تَسُرُّ الناظرين، وفراغُ ديارٍ كانت فيما مضى عامرةً تنبضُ بالحياة، هَجرها جِنسٌ مِن البشر تحت طائلة “الحاجة أمُّ الإختراع”، كما دفعَت بهم الحاجة لكل شبرٍ مِن الأرض المعطاء إلى الإستقرار حيناً مِن الدهر بسفوحِ ومُنحدرات الجبال، ولم يكن ذلك ليَنْتَقص من بسالتهم، والتاريخ يشهدُ أنهم إحتراما لقدسية الحياة، فَوَّضوا للماء صلاحية تصميم حدود الحيازة، وكلما غرسوا نبتَةَ أملٍ في البساتين أسفَلَهم، عَجَنوا مِن الطّين والبَرسيم لبنَةَ عُمران وأقاموا بالعُلى بُنيانا، يُؤَذّنُون مِن صوامعِ مساجدِه، أنْ حيَّى على الفَلَاح، فيستودع الفلّاحُ الرزاقَ رِياضَه، ليُلبّي نداء السماء، إما بالصعود إلتحاقا بالجماعة، أو إلى حين إتمام ما بيده من عملٍ هو في الأصل عِبادة.

ربما يقبَل رهطٌ من سكان الأعالي، أن ينعتهم جنسٌ مِن رُوّاد مقاهي اللّغط بالعُنُدِ نكايةً بطلوعهم إلى الجبل، ولكن ما لا يستقيمُ مع صلابتهم كالحجر، هُوّ أن يُقال فيهم هُراءً أنهم هَرَعُوا للجبال من فرطِ جُبنهم، وهمُ الأشِدّاء الذين يُكابدون لحدّ اليوم قساوةَ المَعيش، ويَروُون الأرض مِن عَرق الجَبين، فتشبعَ مِن هُزال خراجها قناعتُهم، ليس لشيءٍ سوى أنهم الكُرَماء بفطرةِ الإيثَار، وكُلما أوْجَدَ الجوادُ زادوا جُودا وعطاءً.

مَع هذا كلِّه يَتداول الناس فيما بينهم في سيّاق السخرية، أن “igrane” ومفردها “igre” لا تعدو أن تكون مُجرد “igragre” أو بالعربية تاعرابت إزعاج بلا طائل.

‫تعليقات الزوار

2
  • هداك راه با
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 09:37

    تحية عميقة للكاتب والاستاذ ايت باه .
    نعم الوصف ونعم التعبير ونعم الغيرة ورحم الله ذلك الزمن الجميل ببساطته واهله زمن كان يخلو من المخططات العملاقة والفارغة من التدبير ولكنه كان زمن مخطط بسواعد البسطاء والغيورين والمجاهدين حق الجهاد الجهاد بالفاس والماعول والاجتهاد في المسؤولية التي تعطي وتخلف الاستمرارية والوجود نعم كانت الارض بفضل وجودهم هذا خضراء فرحة تصر بصرورها وكانت الحياة مبتهجة ابتهاج طفل يدخل الامال والحماسة على كل من داعبه ومع الاسف ضاع كل شيء واصبح الموت واقفا شامخ بكل الشموخ كما تفضلت ولاحولى ولا قوة الا بالله.

  • hammouda lfezzioui
    الخميس 21 شتنبر 2017 - 16:03

    كنت ازور منطقة بالجنوب الشرقي المغربي وانا طفل ,ومن بين ما بقي عالقا في ذاكرتي واستغربت له كثيرا ,كنا ضيوفا عند احدى العائلات ,وفي العاشرة صباحا قدموا لنا صحنا من اجود التمور اظافة الى سطل لبن.الغريب هو السطل في حد ذاته.ناكل التمر ويظل سطل اللبن يدور بين المجتمعين حول المائدة .يرتشفون منه جماعة .كنت اتساءل ا لغياب الكؤوس ام ''الغراف'' ,يفعلون هذا ?لا اعتقد ذلك ففي وجبة الغذاء احضروا ''غرافا'' لشرب الماء.وبعد ذلك توالت زيارتي لتلك المنطقة كانت واحة خضراء لا ترى امامك شيئا لكثافة النخيل فيها .اما الان فقد تغير كل شيء ,الرمال تحاصرها من كل الجهات ,وحقول الحناء والفصة وكافة انواع الخضروات والفواكه في خبر كان.
    لم يبقى فيها الا نوع من النخيل الذي يفوق علوه عشرون مترا.هذا ما بقي صامدا.
    الدوام لله ,ثلاث خطارات جفت دفعة واحدة,واغلب السكان هجر
    مقالات الكاتب المحترم في غاية الاهمية ,شكرا لك.

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 14

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 3

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة