التطبيع مع البيدوفيليا .. المسخ الذي بداخلنا كمغاربة

التطبيع مع البيدوفيليا .. المسخ الذي بداخلنا كمغاربة
السبت 7 أكتوبر 2017 - 23:27

لا زلت أذكر بوضوح كلمات أستاذ علم النفس، الذي درّسني في سنواتي الأولى من الجامعة، وهو يقول ذات مرة في محاضرته، “الاعتداء على الأطفال من قبل الكبار كانت ولا تزال عادة طبيعية في المجتمع المغربي”، لم أفهم حينها ماذا كان يقصد بالضبط، لكن رغم ذلك ظلت تلك الجملة تتردد في رأسي لأيام بعد تلك الحصة.

وكنت أتأمل ما قاله وأنا أتساءل: بحق الجحيم إلى ما يلمح هذا الرجل بكلامه؟ هل يريد أن يقول، مثلا، إن اغتصاب الأطفال هو ثقافة لدينا كمغاربة وليس مجرد حوادث شاذة؟! بالتأكيد لا!، ثم أعود فأستدرك، لكن لا يمكن أن يقول هذا الكلام من فراغ، فهذا الأستاذ متخصص في علم النفس الإكلينيكي، ويملك عيادة نفسية، حتما قَابَل فيها مئات المرضى إن لم يكن الآلاف. غير أني نسيت القصة تماما.

بعد سبع سنوات منذ تلك الفترة، ومن خلال عملي الصحفي واطلاعي على تابوهات المجتمع، أفهم اليوم جيدا ما كان يقصده، نعم ولسوء الحظ، بالفعل هناك ثقافة مستترة متجذرة في المجتمع المغربي تتقبل الاعتداء على الأطفال، ليس من الصعب عليك ملاحظتها في زمن مثل الزمن الذي نعيشه، حيث الشبكات الاجتماعية تفضح كل شيء، فقط قم ببحث بسيط على غوغل عن الموضوع، لتفاجأ بالأرقام المفجعة، علما أن ذلك ليس سوى نزر يسير مما طفا على السطح، فمثل هذه الجرائم في المجتمع المغربي لا يتم التبليغ عنها خوفا من الفضيحة، أو إن كنت تريد شيئا أكثر واقعية، فقم بزيارة مدينة مراكش، على سبيل المثال، لتلاحظ استغلال الأطفال جنسيا، ذكورا وإناثا، على مرأى ومسمع الجميع، ولا أحد يفعل شيئا، أو إن شئت اسأل أحد المختصين النفسيين حول سبب اضطراب أكثر الناس الذين يقومون بزيارة عيادته النفسية. صدقني عزيزي لن أفاجأ كثيرا إذا ما أنجزت دراسة شاملة وصريحة، ووجدت أن خمس المغاربة على الأقل سبق لهم أن تعرضوا للاغتصاب أو التحرش الجنسي في صغرهم من طرف شخص ما، ربما من عائلاتهم أو جيرانهم أو شخص غريب.

العجيب في الأمر أن ثقافة التساهل مع مغتصبي الأطفال ليس فقط المجتمع الذي يتواطؤ فيها، بل أيضا الدولة وهذا أخطر، فكثير من قضايا الاعتداء على الأطفال التي تصل المحاكم يتملص فيها المعتدون من جريمتهم، خاصة إذا كانوا من الأجانب، وفي أحسن الأحوال يعاقبون بفترات لا تتجاوز العامين عادة، وأقصى عقوبة يقرها القانون المغربي لجريمة البيدوفيليا هي 5 سنوات!

بينما الإقدام على اغتصاب الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يعني أن كرسي الإعدام ينتظرك، وإن كنت محظوظا ستقضي حياتك بداخل السجن مدى الحياة، هذا إن لم يتعرض مغتصب الأطفال إلى القتل داخل السجن، لأن البيدوفيليا محتقرة حتى لدى ثقافة عتاة المجرمين في السجون الأمريكية، أما في التشيك، وهي واحدة من دول الاتحاد الأوروبي، فالاعتداء على طفل قد يكلفك عضوك الذكري الذي تفتخر به بسبب عقوبة الإخصاء الكيميائي هناك.

لفهم هذه الثقافة، المثيرة للغثيان، كيف تسربت إلى وعي المجتمع المغربي، يجدر بالمرء تتبع أصولها، إذ كانت حاضرة في أوساط القرى قديما، حيث كانت “الحكرة” ضد الصغار ثقافة سائدة، ولأن المجتمع المغربي هو مجتمع قروي بامتياز، بحكم أن الأغلبية الساحقة من سكان المغرب كانوا يعيشون في القرى، حتى حدود التسعينيات، فقد استمرت هذه الثقافة إلى اليوم، إذ لا تزال الطباع البدائية والعقلية القبلية تشتغل في عقل الإنسان المغربي، رغم مظاهر التحديث الزائفة على السطح.

وإن أردنا الغوص أكثر، فالقبول الضمني للاعتداء على الأطفال يرتبط بثقافة الغنيمة، المتجذرة هي الأخرى في وعي المجتمع المغربي، حيث كانت القبائل المغربية قبل مجيء الحماية الفرنسية تُغير على بعضها البعض، وتنهب القبيلة الغالبة موارد القبيلة المغلوبة، ثم تسبي أطفالها ونساءها. كما أن القرصنة، أو ما كان يسمونه الجهاد البحري، كانت ظاهرة شائعة كنشاط اقتصادي في الشمال المغربي قبل الاستعمار، حيث كانوا يغيرون على الشواطئ والسفن الأجنبية، ويغنمون النساء والأطفال كسبايا ليبيعوهم في أسواق النخاسة بغرض الاستغلال الجنسي، ومن ثمة ترسخت في العقل الجمعي للمغاربة ثقافة اغتنام الأطفال، سواء كسلعة جنسية يُتاجر بها أو كغنيمة يُحصل عليها بالقوة.

هذا يعني أن المجتمع المغربي، والعربي عموما، يعاني من تخلف عقلي ونفسي جماعي على مستوى الوعي فيما يتعلق بـ”حقوق الطفولة والأطفال”، كفئة لها حرمتها الخاصة وحقوقها الطبيعية، باعتبارها مستقبل المجتمع، ينبغي أن تحظى بأقصى درجات الحماية والرعاية، تماما كما نراه في البلدان الغربية، حيث تتحمل الدولة نفسها حماية الطفل حتى من والديه إن ظهر تقصير في دورهما.

كما أن هذا الشعب لا يبدو أنه يدرك مدى فظاعة وقبح جريمة الاعتداء على الأطفال، فالبيدوفيليا ليست فقط مرضا عقليا، كما هو مثبت في دليل الاضطرابات العقلية للجمعية الأمريكية للطب النفسي، بل تصنف أيضا دوليا ضمن “الجرائم الجسيمة ضد الطفولة”، وهي درجة تعادل خطورتها في القانون الدولي “جرائم ضد الإنسانية”، الجريمة التي لا يتهم بها سوى أعتى الطغاة من مرتكبي المحارق ومجازر الإبادات الجماعية، لذلك يعاقب مرتكبو جريمة البيدوفيليا في البلدان التي تحترم حقوق الطفل بأقصى عقوبة تبيحها دساتيرهم.

في الواقع لم أكن أخطط للكتابة عن هذا الموضوع، فقط بينما أوشكت على إغلاق صفحتي الفايسبوكية، فجأة ظهر أمامي فيديو على صفحة مغربية، تظهر فيه امرأة تشتكي بمرارة وهي تندب حظها، لأن الشخص الذي اغتصب طفلها خرج بحكم براءة من المحكمة، القلعة الأخيرة المفترض فيها رد الاعتبار لفلذة كبدها، ففكرت في مغادرة الفايسبوك بسرعة، بعيدا عن هذا القرف المجتمعي الذي سئمت منه في هذه البلاد، لأستمتع بأحد الأفلام الأجنبية على لائحتي المفضلة المعدة مسبقا.

لكن سرعان ما هاجمتني أفكار غاشمة، يا ترى كيف سيكون هذا الطفل سويا عندما يكبر؟! وماذا لو كان شقيق أو ابن أي أحد منا؟ وهل تصح رؤية مثل هذا والمغادرة ببساطة وكأن شيئا لم يقع؟ حينها فقط فتحت على الفور صفحة الوورد، ونقرت هذا المقال من أجل ذلك الطفل المدمّر قبل أن يكتشف الحياة، ربما لأريح ضميري قليلا.

حقا نحتاج كمغاربة أن نخرج المسخ الذي بداخلنا، وننتفض جميعا ضد كل من سولت له نفسه المس بطفولتنا، لننشر معا على أكبر نطاق هاشتاج (#اخصوا مغتصبي الأطفال)، للمطالبة بسن قانون الإخصاء الكيميائي كعقوبة لكل مغتصب طفل، كمطلب لا محيد عنه، هذا أقل ما يمكنك أن تفعله من أجل حماية أطفال وطنك أو ربما طفلك..

*كاتب صحفي

‫تعليقات الزوار

4
  • كريم
    الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 21:17

    كرسي الإعدام في الولايات المتحدة هو لجرائم القتل العمد فقط و ليس لجرائم الإغتصاب.
    الإغتصاب أقصى عقوبة له هو المؤبد.

  • جليل نور
    الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 - 15:03

    الأخ بنشريف تشكر على إثارتك لموضوع نتحاشى
    كمغاربة التطرق إليه في مجالسنا حيث قد نكون نتحدث عن حادثة أو حادثتي بيدوفيليا مستنكرين مصدومين دون أن تكون لنا جرأة محاولة الغوص إلى عمق الظاهرة المرضية..هي ظاهرة طابو فعلا نتجنب الإقتراب منها قدر المستطاع..بل دعنا نسمي الأشياء بمسمياتها و نعتبرها ثقافة اجتماعية يتداخل فيها الديني و التربوي و السيكولوجي..و أريد أن ألامس هنا البعد التاريخي للظاهرة، فما أشرت إليه عن اعتياد القبائل المتحاربة – قبل أن يحد الإستعمار الفرنسي من ذلك – من نهب و سبي و بالتالي استباحة أعراض النساء و الأطفال و الفتية، كان شيئا معتادا و سلوكا مألوفا يمارسه الغالب على المغلوب و القوي على الضعيف..ليس البوادي فقط بل أغنياء المدن كانوا، لتوفرهم على المال، أكثر استفادة من البضاعة البشرية المعروضة في السوق..فالمجتمع بريفه و حضره، مجتمع الرجال أعني، كان لا يتردد عندما تسنح الفرصة في إستغلال الرقيق بمختلف الأعمار استغلالا جنسيا دون وازع ضمير أو دين..يتبع

  • جليل نور
    الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 - 15:04

    تتمة…بل حتى الدين استعمل لجعل ذلك الإستغلال ممارسة "حلالا" بالرجوع إلى غزوات المسلمين وما حدث فيها من سلب ونهب و تقاسم للغنائم بشرية كانت أو غيرها من الجانبين المتقاتلين كما جرت العادة في ذلك العصر..سلوك حربي لا يرحم حملته معها قبائل من الجزيرة العربية هاجرت و استقرت بهذه البلاد ولم تكن تتقن صناعة غير القتال و النهب، وهو سلوك رفد دون شك ما كانت تعرفه القبائل الأصلية في بلادنا من صراعات..الجانب الديني الغيبي أيضا محتمل أن له دور في تشكل الميول الجنسية البيدوفيلية، لدى المدينيين المتعلمين بالأخص، و الإستيهامات التي ولدها لديهم ما جاء في القرآن الكريم، بالإضافة إلى الحور العين، عن "الولدان المخلدين" في الجنة حسب فهمهم الجنسي الشبقي بطبيعة الحال.

  • جليل نور
    الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 - 17:43

    عامل آخر من عوامل  هذه "الثقافة" الجنسية الضد لا بد من ذكره: المدرسة أو بالأصح اىمعلم البيدوفيلي..حالات عديدة تناقلتها الألسن و الصحافة و الوسائط الإجتماعية على مدى السنين، و ما خفي منها أعظم، عن قيام معلمين (ولا أعمم) بدور مناف تماما للدور التربوي المنوط بهم تجاه تلامذتهم..بدل مساعدتهم
    في بناء شخصية سوية أساسها الثقة في النفس وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين فإنهم بفعل عقدهم الجنسي تلك، إضافة إلى أساليب ليس لها من التربوية إلا الإسم، أسهموا في تكوين أجيال تعاني من إعاقات نفسية خطيرة..طبعا لا يمكن أن ننتظرأفضل من هكذا عطاء من معلم هو نتاج لمجتمع يسكنه "هذا المسخ الذي بداخلنا"..مجتمع أنتج لنا مسوخا في كل الفضاءات العامة  والخاصة..الأمل في إصلاح خلل اجتماعي يرهن الصحة النفسية لأطفالنا ومستقبلهم إلى أمراض مستعصية يوجد في المعلمين و المعلمات الواعين الأسوياء، وفي كل مثقف و فاعل مدني و مسؤول، يحملون هم هذا الوطن أن يعمل كل في مجاله في تكاتف و تعاون لإيقاف انتشار هذا الوباء المقيت: البدوفيليا.

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج