ألفريد نوبل .. لقد طال خصامك

ألفريد نوبل .. لقد طال خصامك
الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 10:27

كم تمنينا أن يرجع الزمن إلى الوراء، حتى تصادف جوائز نويل فترة ازدهار العلوم والثقافة الإسلامية، لعلنا نظفر بإحداها، وينضم ابن خلدون أو المتنبي أو ابن النفيس إلى قائمة المتوجين بشرف وضع بصمات الإبداع والتميز الإنساني في مجالات العلوم المختلفة.

وبما أن الزمن، الذي أنجب تلك الشخصيات العلمية المرموقة، كان زمنا خصبا معطاء، فإنه ما فتئ يدير ظهره لنا ويرمينا في غياهب الجهل والانحطاط، وكأنه يخبرنا بأنه قدرنا، الذي من صنع أيدينا، نتيجة الكسل والخمول والاتكال، فصارت أرحام بلداننا العربية عقيمة، تعجز عن إنجاب وصنع العلماء والمفكرين والعباقرة.

كل غيور على واقع أمته، ويملك ذرة من الوعي الإنساني، سيشفق على نفسه وأمته، وهي غائبة غيابا كليا عن منصة التتويج السنوية التي تصادف هذه الأيام للشخصيات التي برعت وأبدعت في مجالات العلوم، وسنزداد قناعة بأننا خارج صناعة التاريخ، والصفر سيظل رفيقنا لردح من الزمن.

قد يكون الأديب نجيب محفوظ خرج عن القاعدة، ومكن العرب من تتويج يتيم بجائزة نوبل للآداب سنة 1988، على الرغم من رمزيتها؛ لكنها غير كافية، وليست مؤثرة على مجرى التاريخ، في صنف يبقى محدود التأثير مقارنة مع باقي العلوم الدقيقة.

ما يعرض على وسائل إعلامنا ليل نهار لا يخلو من مفارقات غريبة، حيث باتت قنواتنا على كثرتها متخصصة في استضافة المغنيات والفنانين، ليل نهار، إنجازهم الوحيد هو العزف على الآلات الموسيقية والصياح في الهواء وهوس المظاهر من الدمى، التي لا تبني الأمم ولا تصنع آلة تكون لنا عونا في مقارعة الكبار.

يحزننا أن تعرض وسائل إعلامنا، في ملاحقها الإخبارية وعناوينها الثانوية لا الرئيسة، مقاطع قصيرة للمتوجين بجوائز نوبل، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون حدثا عابرا، لا يستحق الوقوف عنده بتأمل، وإفراد برامج خاصة، تعرف بإنجازات المتوجين، وتستضيف الخبراء والمختصين، لشرح إبداعاتهم وتقريبها من المواطنين، سعيا إلى الترويج للنماذج الناجحة والمؤثرة في باب الجد والاجتهاد، وصولا إلى تخليد اسمها في قواميس وموسوعات العلوم.

لا ندري لماذا تصرف أموال ضخمة في المهرجانات والمواسم والحفلات والمؤتمرات، لتستضيف على السجاجيد الحمراء ممثلين وممثلات، وفنانين، كل إنجازهم، هو تصوير مشاهد وصور، وإصدار ألبومات غنائية للترفيه، في حين تغيب تلك الأسماء العلمية المرموقة، التي يجب استضافتها المتوجة بالجوائز العلمية، وأن يقام لها ويقعد، وتقدم رؤيتها للعالم، وتسهم في نشر مناهجها في التفكير والعمل، لتوجيه الشباب، للانكباب على النهل من العلم النافع، بدل المائع؟

مرة أخرى، سوف تتجه سيوف النقد والتقريع لنظمنا التعليمية وفشلها الذريع في التكوين والتحصيل وبناء العقول، وتظهر هذه المؤشرات في تذيل مؤسساتنا التعليمية والجامعية قائمة باقي المؤسسات الدولية، ويصبح المتعلم المغربي والعربي عموما نموذجا يضرب به المثل في الكسل والخمول، ومناهجنا التعليمية مراجع من التحف المعروضة على متاحف الدول المتقدمة، يزورها الزائرون لاكتشاف الوصفات الفعالة في تخريب الأمم والشعوب، من دون حروب تسال فيها قطرات الدماء، وكذلك يصبح الهدر المدرسي لأطفالنا في الجبال والقرى، كما في هوامش المدن، مادة إخبارية دسمة للأفلام الوثائقية الغربية ولنشرات الأخبار التي تعري على واقع الفقر والتفكك الأسري وتفريخ المتشددين.

إذا كان العالم العربي حافلا بالمسابقات الخاصة بالتنقيب عن الأصوات وعلى الأجساد الراقصة، والوجوه المنمقة بأحدث صيحات البوتوكس والماكياج، فإنه عاجز تماما عن تخصيص مسابقات للتنقيب عن المواهب المبدعة في ميادين التقنية والعلوم، ربما لأنه سيعري عن طامة البحث العلمي في جامعاتنا، وسيكون حصاده فضيحة مدوية، قد تكشف عن خربشات من أفكار (للابتكار)، يمكن أن يقوم بها، متعلم في الصف الابتدائي في اليابان، أو قد تكون هذه المسابقات مغيبة عن قصد، حتى لا يتمكن أبناء الشعب من الكفاءات من البروز والظهور، ورسم أسمائهم وحضورهم في الساحة الوطنية والدولية؛ وهو ما سيحرج النخب الحاكمة، التي لا تتوفر عن اليسر اليسير من مقومات الثقافة والكفاءة لتسيير أسرة أو قبيلة، فما بالك بأمة.

‫تعليقات الزوار

1
  • ALHOCEIMA
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 15:17

    MA YAMMOUNETH BOUSAKKOUR
    يا أخي محسن
    موضوعك مهم جدا ، ولكن نحن المغاربة لا يهمنا كثيرا أكثر مما تهمنا الحكايات الجنسية للأئمة وإعتناق مغربي المسيحية أو البهائية .
    في القرن الماضي في الستينات و السبعينات أعادت سلسلة إقرأ لأحمد بوكماخ نوع من حب القراءة في قلوبنا بعدما كادت أن تنقرض مع الفقيه في المسجد عندما كان ينهال على أجسامنا بالضربات. الحياة آنذاك كانت بسيطة والمعرفة كانت لها قيمة،وبما أن مجتمعنا لم ينتج جوائز نوبل آنذاك فلى أظن أنه سينتجها الآن. أنظر إلى درجة التردي التي وصل اليها التعليم في
    بلادنا. أنظر الى حالة أقسامنا ،و تلاميذينا ومعلمينا و هل تتخيل إحتمال زيارة ولو واحد منهم عاصمة السويد لنيل جائزة نوبل في العلوم أو الآداب.
    ولكن الذي يمكن أن نتخيله هو أن يحصل أحد منهم على جائزة نوبل للسلام من العاصمة النرويجة بعدما أصبح أغلبيتهم مناظلون ضد القمع والفساد ودخلوا السجون. جوائز نوبل لا تنتجها المجتمعات التي تبنى فيها المساجد أكثر من المدارس والمعاهد والجامعات. هذه المجتمعات ستنتج أئمة ، والإمام لايحصل عل جائزة ماعدا إن كانت الجائزة بنت في الثمانية عشرة من عمرها.
    OSLO

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة