إهمال الشكايات..متى تخرج الإدارة من قفص الإتهام؟

إهمال الشكايات..متى تخرج الإدارة من قفص الإتهام؟
الجمعة 16 مارس 2018 - 16:31

القطاع الإداري بالمغرب، يعاني من اختلالات عميقة تقف عقبة كأداء أمام التنمية، جعلته مهددا بالسكتة القلبية، نتيجة النظرة الاحتقارية لدى بعض المسؤولين للمواطنين وحقوقهم، و تداخل الاختصاصات في التعامل مع الشكايات، وضعف الإطار التنظيمي لتدبير الشكايات، وعدم توفر نظام معلوماتي لتدبير الشكايات، و إهمال الإدارة لتظلمات المواطنين. وفي هذا الإطار، كان خطاب الملك واضحا بمناسبة افتتاح البرلمان بتاريخ 14/10/2016 حينما قال ” ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها..”

الوسيط ينتقد.. المواطن ليس طالب إحسان

وقد وجهّت مؤسسة الوسيط التي كانت تسمى “ديوان المظالم”، الكثير من الانتقادات للإدارة، في تقريرها السنوي لسنة 2016، واتهمت المؤسسة الحكومية عددا من الإدارات بكونها تتلكأ في الاستجابة للشكايات، وتتأخر في تنزيل توصيات “الوسيط” في الآجال المعقولة. وقد بوأ التقرير وزارة الداخلية أولى المراتب التي تم التوصل بشكاوى المواطنين بشأنها، بنسبة 36.7 بالمائة، بينما حل قطاع المالية في الرتبة الثانية بنسبة 17.3 بالمائة، وقطاع التعليم جاء في الرتبة الثالثة بـنسبة 5.1 في المائة، ثم قطاع الفلاحة رابعا، وقطاع التشغيل والشؤون الاجتماعية خامسا. و ما تزال تطغى على الشكايات والتظلمات القضايا ذات الطابع الإداري بما يناهز 60 بالمائة، تليها في المرتبة الثانية القضايا ذات الطابع العقاري بما نسبته 17.8 بالمائة، ثم القضايا ذات الطابع المالي بما نسبته 9،9 بالمائة، في حين مثلت القضايا المرتبطة بعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهة الإدارات 4،8 بالمائة، أما القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، فلم تتجاوز حصتها 4 ،1 بالمائة، فيما توزعت باقي الشكايات والتظلمات على قضايا مختلفة. وأورد التقرير أن المواطن المغربي ليس طالب إحسان، وليس خصما ولا عدوا، بل هو مجرد متعامل مع إدارة يتعين أن تصرف خدماتها له على أحسن وجه، وفق الحقوق التي خولها الدستور والمشرع، لتخلص إلى أن “وتيرة التغيير داخل الإدارة لم تأخذ بعد السرعة المنشودة”، داعيا الإدارة إلى مراجعة ذاتها للخروج من قفص الاتهام.

مرسوم تحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها

ومع تنامي مطالب المغاربة بضرورة تجويد أداء الإدارة وإيجاد حلول لمشاكلهم اليومية، أصبح بإمكان المواطنين أن يقدموا شكاياتهم ويعبروا عن ملاحظاتهم منذ تفعيل مقتضيات المرسوم رقم 265-17-2 الصادر بتاريخ 23 يونيو 2017، والمتعلق بتحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها، في فاتح يناير 2018 . ويندرج هذا المشروع ضمن الأوراش الكبرى المنصوص عليها في برنامج إصلاح الإدارة للفترة 2017-2021، في إطار تفعيل توجيهات الملك بشأن ضرورة معالجة شكايات المواطنين وتدبيرها، والرد على تساؤلاتهم في آجال معقولة. ويهم هذا المرسوم إدارات الدولة والمؤسسات العمومية وكل هيئة ومؤسسة تمارس مهام المرفق العام. ويلزم هذا المرسوم مختلف القطاعات بإعداد تقارير سنوية تشمل إحصائيات حول نوعية ومواضيع الشكايات والملاحظات والاقتراحات التي تم التوصل بها والردود التي وجهت للمرتفقين بشأنها، و إعداد تقرير تركيبي سنوي ورفعه إلى رئيس الحكومة.

«www.Chikaya.ma» والتطبيق المحمول«Chikaya» ، ومركز الاتصال والتوجيه الإداري ألو إدارتي «37 37 »

وفي هذا السياق، عملت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، بتعاون مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، على وضع منظومة تمكن المرتفقين من الإدلاء باقتراحاتهم وملاحظاتهم، وكذلك تقديم شكاياتهم وتتبع معالجتها من طرف مختلف الإدارات العمومية. وتتضمن هذه المنظومة كلا من الموقع الإلكتروني الخاص بالبوابة الوطنية للشكايات ،«www.Chikaya.ma» والتطبيق المحمول«Chikaya» ، وكذا مركز الاتصال والتوجيه الإداري ألو إدارتي «37 37 » . وتهدف البوابة إلى تسهيل مسطرة الإدلاء بالشكايات، وضمان سهولة تسجيلها وتتبعها في أي مكان وزمان. كما تروم توفير آلية موحدة لتلقي ومعالجة الشكايات لفائدة الإدارات العمومية، فضلا عن تحسين الخدمات التي تشكل موضوع شكايات متكررة. وتكمن أهمية هذه البوابة في ارتباطها مع مساعي الإدارة لتعزيز قنوات التواصل، وتشجيع المشاركة المجتمعية يغية قياس أدائها، الذي يعتبر عنصرا حيويا لضمان الانخراط الإيجابي للمواطنين في تدبير الشأن العام، وتحقيق الديمقراطية التشاركية الكفيلة بدعم الحكامة الجيدة.

معالجة الشكايات

وتتم معالجة الشكاية والرد عليها داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما من تاريخ توصل الإدارة المعنية بها. وفي حالة عدم وضوح أو عدم إرفاق الشكاية بالوثائق والحجج الضرورية لمعالجتها، سيتم إخبار المرتفق بذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ إيداعها عبر نظام البوابة. ولا تتم معالجة الشكاية إذا كان موضوعها معروضا على القضاء، أو على أي جهة مختصة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، أو سبق أن صدر بشأنها مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، أو كان موضوع الشكاية لا يندرج ضمن اختصاص الإدارة المعنية، أو تبين أن الشكاية كيدية أو تتضمن سبا أو قذفا. وتستثنى من تقديم الشكاية عبر البوابة الوطنية للشكايات، كل من إدارة الدفاع الوطني، كما ورد في المادة 6 من المرسوم 2.17.265 ، وكذا الجماعات الترابية كما ورد في المادة 21 من المرسوم.

الآليات الدستورية والقانونية والمؤسساتية لتدبير الشكايات

وقد حظيت مسألة تدبير الشكايات خلال السنين الأخيرة بأهمية كبيرة من لدن المشرع المغربي، نظرا لما لها من تأثير مباشر على علاقة الإدارة بمرتفقيها. وقد تجسد هذا الاهتمام في الآليات الدستورية والقانونية والمؤسساتية التي ما فتئت تؤكد على وجوب تأمين شكايات المواطنين على الشكل المطلوب. ونذكر من ضمن هذه الآليات :

1_ المادة 156 من الدستور التي ألزمت المرافق العمومية بأن تتلقى ملاحظات مرتفقيها، واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها، من خلال إلزام الإدارة بالجواب على استفسارات وتظلمات المواطنين، و المادة 15 من الدستور التي أقرت بأن للمواطنين وللمواطنات الحق في تقديم عرائض مع مراعاة مقتضيات القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وشكليات ممارسة هذا الحق.

2_ القانون رقم 03.01 بتاريخ 12 غشت 2002 الذي ألزم الإدارة بتعليل قراراتها الفردية السلبية الصادرة عنها تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها، و إدراج مجموعة من المقتضيات في عدد من النصوص الخاصة، والتي تسعى إلى إلزام الإدارة بتأمين شكايات المرتفقين مثلا القانون المتعلق بالتدبير المفوض و المرسوم المتعلق بشروط إبرام وتدبير ومراقبة الصفقات..

3_ إحداث مؤسسات وهيآت عمومية تعنى بتأمين شكايات المواطنين، ولاسيما مؤسسة الوسيط المحدثة بمقتضى ظهير رقم 1.11.25 بتاريخ 17 مارس 2011 ، والارتقاء بها إلى مؤسسة دستورية بمقتضى المادة 162 من الدستور، وكذا دسترة ” الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ” بمقتضى المادتين 36 و 162 من الدستور.

تنمية روح النقد عند المرتفق

من أقبح العادات التي ابتليت وترعرعت في كنفها الكثير من الإدارات المغربية، إهمال شكايات المواطنين وعدم الرد عليها كتابة، فمن غير المقبول أن يراسل المرء مثلا إدارة في دولة أجنبية ويأتيه الرد سريعا في ظرف وجيز لا يتعدى الشهر، بينما لا يلقى نفس التعامل مع مراسلاته من بعض الإدارات في بلده. وعليه، بات من الواجب الوطني والأخلاقي الملقى على عاتق الإدارة التعامل مع تظلمات المواطنين وشكاياتهم بكل جدية ودون محسوبية في إيجاد الحلول للمشاكل القائمة، وأن يكون ردها على جميع ما يفد إليها في آجال معقولة وطبقا للقانون، بهدف تنمية روح النقد لدى المرتفق، والقضاء على الأنماط التقليدية للإدارة المبنية على الإكراه، وخلــق قناعة لدى المواطنين بإمكانية الاحتجاج على قرارات الإدارة، و القضاء على الإحساس بالضعـف الذي يحس به المرتفق أمام الإدارة.

*كاتب وباحث.

‫تعليقات الزوار

4
  • meriem
    الإثنين 19 مارس 2018 - 21:03

    اهمال الشكايات في المحاكم المغربية تاتى على اغتصاب الحقوق ونشر الظلم والانتصار للفساد والمفسدين وما اكثرها حتى اصبحنا نردد دعوة " لهلا يرد شي واحد للمحكمة "

  • زهير إجعوتن
    الثلاثاء 20 مارس 2018 - 12:18

    أصبحت العلاقات تنتهي بالإهمال .. أكثر من إنتهائها بالمشاكل

  • محمد
    الجمعة 23 مارس 2018 - 11:16

    ليس فقط عدم الاجابة عن الملفات ولكن المشكلة هل الموظف برئ حتى تبتث إدانته أم العكس متهم حتى تبتث إدانته فالقضايا التي تم عرضها على المحاكم الادارية للموظفين كثر – أزيد من 100 موظف – طالهم الاعفاء ولم يسبق أن عرضوا على المجلس الادبي ولم يصدر في حقهم أي مخالفات أو إنذارات من طرف مسؤوليهم بل العكس يتلقى هؤلاء شواهد تقديرية وتنويهات من طرف المسؤولين وهم محل ثقة يعتمد عليهم في التكوينات واللقاءات عرفوا بالانضباط ونكران الذات يضرب بهم المثل في العمل الإداري والتربوي تراكمت لديهم معرفة للعمل تجاوزت عشر سنوات من العمل الإداري بين عشية وضوحاها وبفعل فاعل يعفى هؤلاء من مناصبهم ويرسلون إلى المديرات والاكاديميات ولم تستطع الادارة أن تنصفهم ولا المحكمة أن ترجع لهم الحق نعم لو تبت عكس ذلك ووجدت مخالفات فمن حق الادارة إعفاءهم ولكن مادامت الوثائق والشواهد تؤكد براءتهم فمتى تنصفهم إدارتهم ؟ ولكم واسع النظر

  • محماد
    الإثنين 18 ماي 2020 - 11:30

    لماذا أرسلت ولم أتلقي الجواب من الشهر التالت وكتبت الشكاية يوم 14 ماي ولم أتوصل ألا بأن الشكاية رقمها ،،،،، وهي في طور المعالجة ليس لدي ألا القليل متزوج حديتا ليس هناك من يقف بجانبك ونحن أنا وزوجتي من أبناء المعاقين وهل نحن نعاني صمت عدم البوح بشئ لأ ن المجتمع لايرحم

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين