يسف يُحاضر عن المجتمع المدني في خدمة القيم الدينية أمام الملك

الخميس 24 يوليوز 2014 - 20:15

ترأس الملك محمد السادس، اليوم الخميس بمسجد محمد السادس بمدينة وجدة، الدرس السادس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، والذي ألقاه محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، مُتناولا فيه بالدرس والتحليل موضوع “المجتمع المدني في خدمة القيم الدينية” انطلاقا من قول الله تعالى “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون”.

واستهل المحاضر درسه بالإشارة إلى أن المدينة بالمعنى السياسي هي التي افتخرت بها أثينا الإغريقية قرابة عشرة قرون قبل البعثة المحمدية، ولكن المجتمع الذي بناه الرسول الأكرم على الأخوة والتعاون والتساكن والتسامح والمجاهرة بالحق لم تتوفر كل مقوماته في مجتمع أثينا.

واعتبر أن الناس في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، يحتاج بعضهم إلى بعض في شؤون الحياة، وهم في مجموعهم يؤلفون قوة لا تبلغ تمامها واكتمالها إلا بقوة كل فرد من أفرادها وسعادته ” فبقدر ما تتوفر هذه القوة في الأفراد يعتبر المجتمع قويا، وبقدر ما تتوفر السعادة لكل فرد فيه يعتبر سعيدا”.

وأبرز أن ما يتميز به هذا العصر، أنه يعج بالشعارات الداعية إلى تحقيق الحقوق والمساواة والكرامة للإنسان، ومن حول كل شعار عشرات المنظمات والجمعيات والهيئات السياسية والنقابية والجمعوية والثقافية والفكرية والمذهبية وغيرها، التي ينضوي معظمها تحت عنوان كبير اسمه “المجتمع المدني” الذي تختلف النظريات في تموقعه بين المواطن والدولة.

وذكر المحاضر بأن الباحثين المعنيين بهذا الموضوع وقضاياه يرجعون جذور مصطلح “المجتمع المدني” إلى عمق الوجود الإغريقي الأثيني الأفلاطوني، حيث ظهرت بذوره الأولى كثمرة لما كان يجري في مدينة أثينا من نقاش فلسفي صاخب تولى بعثه وتحيينه وتطويره فلاسفة العصر الحديث الذين قادوا حركة التغيير من أمثال “توماس هوبز” و”جون لوك” و”جان جاك روسو” ومن نهج نهجهم واقتفى أثرهم من دعاة الاشتراكية.

وقال الأستاذ يسف إن الآية القرآنية الكريمة عنوان الدرس ومستنده، تعد في رأي أهل الدراية والتحقيق أقوى آية في باب ضبط حياة الناس وتنظيم مجتمعهم، ضبطا وتنظيما يكفل له التماسك والالتحام عن طريق انتداب فئة من أهل الخير والصلاح، تنوب عن الأمة كلها في القيام بالسهر على تحقيق الانسجام والأخوة، والسعي في حدود صلاحيتها التربوية والتنويرية من أجل توفير شروط العيش في مجتمع آمن مستقر، مع اجتهاد دائم للتخفيف من آثار الفوارق المتعارف عليها بين الناس، وتلك هي السمة المفترضة في المجتمع المدني في الإسلام.

وأوضح في هذا الصدد، أن الفئة المنتدبة لهذه المهمة، نيابة عن الأمة، ليست بديلا للدولة الحاكمة بأجهزتها المختلفة، بل هي معينة لها في مجال تفقيه الناس وتذكيرهم بواجبهم وبحقوق الآخرين من إخوانهم في الإنسانية، وما تفرضه حقوق التعارف والتعاون والتعايش الباني من احترام متبادل وتعاون على جلب المصالح ودرء المفاسد.

وشدد على أنه إن قصرت الأمة عن انتداب من ينوب عنها في التفقد والمراقبة الدائبة من أجل التنبيه للاختلالات وإصلاحها كانت آثمة بأجمعها كما هو الشأن في فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وإذا أهملوه وعطلوه، كان المجتمع آثما عاصيا بكل أطيافه وفئاته، فرادى وجماعات.

وفي هذا الميدان – يضيف المحاضر – يقدم الإسلام مشروعا يسعى إلى التوازن ويتجنب الإسفاف والإسراف والغلو في كل شيء، ومعنى هذا أن ما نسميه اليوم بالمجتمع المدني موجود وجودا مركزيا في الإسلام من حيث المبدأ والآلية والوظيفة والغاية، والغاية المتوخاة منه هي بناء المجتمع الأخوي المتعاون المتكافل أولا، والتواصي بالحق والمجاهرة به ثانيا، وفي هذا المجال تتنافس المذاهب الاجتماعية وتتبارى.

وبخصوص التجربة الإسلامية في الإصلاح الاجتماعي، أبرز المحاضر أن الناظر في قوانين الإسلام يجدها كلها تتوخى تحقيق مصالح الناس وحاجتهم الضرورية والحاجية والكمالية في الحياة الدنيا، وسعادتهم في الحياة الأخرى، موضحا أن الإسلام لم ينظر إلى مشكلة التفاوت في المجتمع على أنها مشكلة قائمة بذاتها، بل متصلة بغيرها من شؤون الحياة، فلابد لمعالجتها من معالجة صحيحة لكل ما له ارتباط بها.

كما أن الإسلام – يضيف يسف – “لم يقتصر على المواعظ والوصايا الأخلاقية، فذلك مما لا يؤثر في سواد الشعب غالبا، إلا أن يكون مصحوبا بقوانين واضحة تحدد الواجبات وتحميها، دولة تمنع المسيئين وتأخذ على يد الظالمين، وتحمل الذين لا تجدي فيهم الوصايا والمواعظ على تنفيذ تلك القوانين “

وأبرز أن العلماء مجمعون على هذه الحقيقة، والفقه الإسلامي في جميع مذاهبه قائم عليها، وإنما يختلف مذهب عن مذهب في شرحها وكثرة التفريع عليها، موضحا أنه من هنا نشأت نظرية المصالح المرسلة في الفقه الإسلامي التي أخذ المذهب المالكي بالحظ الأوفى منها.

وبعد أن ذكر أن العلماء اتفقوا على أن الضروريات التي جاء الشرع لتحقيقها خمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، خلص إلى أنه في ضوء هذه الحقيقة التي أجمع عليها فقهاء الإسلام، وعلى هدي النصوص التشريعية الخاصة بحقوق الإنسان، وبخاصة حقوق الفئات المحتاجة إلى عون المجتمع والدولة، يمكن رسم صورة المجتمع المدني في التجربة الإسلامية، بدءا بالحقوق الطبيعية (حق الحياة والحرية والمساواة والعلم والكرامة) التي كرس الإسلام لصيانتها والحفاظ عليها، مجموعة من التدابير والإجراءات والقوانين، منها على سبيل المثال حق الحياة وحق العلم.

‫تعليقات الزوار

9
  • مواطن
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 20:56

    أطال الله عمرك وأعانك. آمين يا رب العالمين.

  • mole
    الخميس 24 يوليوز 2014 - 22:04

    la ste civil doit etre au service de l homme quelque soit sa religion et doit etre aussi independante de tout les religions et les ideologies politiques et ethniques.

  • سناء
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 02:00

    متشدقون حرفتهم الكلام،يقولون مالايفعلون،!!سيطروا على ميزانيات ضخمة لتكريس الطبقية ويدعون الحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين،كيف لا وقد أوهموا المواطنين بأن المصلحة تقتضي إغراق البلد بمجالس ومؤسسسات علمية غير نافعة؟!وإلا فما هي منجزاتها،؟ألا وجود لحسيب ورقيب؟ماذا قدم أعضاء هذه المجالس وعددهم حوالي600 وما يسمى بأئمتها المؤطرين والمرشدات وعددهم حوالي2000 غير إهدار المال العام!؟ أليس جلهم كما يعلمه الخاص والعام هم في مقام اﻷشباح!؟ألم يغطن منظروا مشاريع هؤلاء المفلسة أن ضرر هؤلاء على الشأن الديني أكثر من نفعه!؟؟

  • المريني
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 08:24

    تحليل اكثر من رائع .وكل عام واتم اروع.
    المريني من اتريخت
    تحياتي لصديقي الاستاذ الزكريتي عبد الرحيم وجميع الاصدقاء في تطوان

  • أحمد
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 11:42

    كما أن الإسلام – يضيف يسف – "لم يقتصر على المواعظ والوصايا الأخلاقية، فذلك مما لا يؤثر في سواد الشعب غالبا، إلا أن يكون مصحوبا بقوانين واضحة تحدد الواجبات وتحميها…" فها هو الإسلام في صورته الكمالية أوفى وأشمل في خدمة المجتمع بكافة أطيافه ، إلا أن خللا في المسؤولية والصلاحية التي من الواجب أن تنفرد بها أمة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنص الكتاب والسنة هو الذي أماط اللثام عن التقصير في حماية الحقوق فلا ترى إلا مجتمعا تسود فيه المصالح المادية الانتفاعية والمصالح التي تركن ضمان استأساد الباطل باسم الحق. فالمجتمع المدني ليس له لدية إشكالا في خدمة القيم الدينية ولكن قوة إبراز هذه القيم تتطلب تحديات ونفسا جديدا من قبل أمة الإسلام التي ذكرت في القرآن الكريم " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " فالنهوض بهذه الأمة مسؤولية الأفراد والجماعات .
    فليهنئ بك أمة غير الجائر ولتداوي جراح وكلم الحائر

  • عب الصمد جاحش
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 12:23

    تكامل لاتصادم جمعيات المجتمع المدني يتعين عليها أن تخدم الشعب المسلم وإذن بالضرورة فهي مدعوة لخدمة القيم الدينية لكن حين نرى الجمعية المغربية لحقوق الانسان تضرب بقوة ودون هوادة في عمق القيم الدينية بالمطالبة بخرقها للثوبت الدينية (مساولة المرأة والرجل في الإرث منع التعدد حرية الاعتقاد…إلخ) محتمية بالغرب مستقوية به في إطار المنظومة الكونية حتى قال لي أحدهم نحن لانعترف بالاسلام وشريعته ولكن نؤسس تموقعنا على المنظومة الكونية ولذلك فمثل هذه الجمعية ومن يدور في فلكها تذهب إلى التصادم مع المجتمع بل وتنتج بذلك التطرف والارهاب خاصة أن بعض العلماء دخلوا على الخط وكفروا مثل هؤلاء الحقوقيين كحصاد بل سياسيين كلشكر وبذلك تكون هذه الجمعيات قد خرجت عن خطها وهدفها وهو خدمة الشعب واستغلت إيديولوجيتها العلمانية لمس ثولبت هذا الشعب لذلك يتعين حل هذه الجمعية الخطيرة لأنها تصلدم قيم المجتمع كما جاء في درس الاستاذ يسف أمام الملك لأن اختلاط الأوراق بين استغلال هذه الجمعيات لأجندتها السياسية وتوجهاتها الايديولوجية سيعكس بالضرورة رد فعل لدى المغاربة عموما حين يمس دينه وقيمه العريقة وعرفه التاريخي المتأصل

  • moha bia
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 14:09

    تحية احترام وتقدير وشكر للدكتور محمد يسف ، درسه حل موضوع القيم الدينية
    يحيل الذاكرة المستمعة الى مدرسة دار الحديث الحسنية وماشابهها في بلدنا النعمة من الله الحليم سبحانه،الآستاذ يمثل جيل عبد الكبير العلوي لمدغري كثر الله أمتاله واحمد توقيق جزاه الله عنا كل الخير وحمادي الصقلي وعباس الجيراري أسعده الله في الدنيا والاخرة والحسن بن الصديق نفعنا الله بعلمه ورحمه الله وغيرهم ممن قد يستفيد المومن المتعلم لغويا ومنهجيا وثقافة وكيف يبحث الدراس في السيرة النبوية وكيق يحسن قراءتها باستيعاب دقيق
    إلا إشكالية الموضوع كيف يمكننا معالجة التصورات والافهام حتى نستفيد من منهجه صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي الالهي في اعداد المنتمين الى الاسلام تربويا وخلقيا -خاصة الذين ابتلوا بمسؤولية التدبير والرعاية لغيرهم

  • العلمانية حبيبتي
    الجمعة 25 يوليوز 2014 - 22:36

    سئمنت من اقحام الظين في حياتي ارجو من الملك ان يجعلها علمانية تخدم المجتمع

  • محمد
    الأحد 27 يوليوز 2014 - 17:43

    المجتمع المدني مفهوم حديث لا علاقة له بالجزيرة العربية ما هادا الاسقاط يا استاد يسف مثل هده اامواضيع ليست من اختصاص الفقهاء

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب