القرضاوي: هكذا عرفت العالم المغربي عبد السلام الهراس

القرضاوي: هكذا عرفت العالم المغربي عبد السلام الهراس
الإثنين 23 فبراير 2015 - 23:07

انتقل إلى رحمة الله، الجمعة الماضية صديقنا العربي المسلم عالم المغرب البحاثة الداعية الثبت المعروف الأستاذ الدكتور عبد السلام الهراس، أحد كبار علماء المغرب المعروفين، وأدبائها المرموقين، ودعاتها المخلصين ، أستاذ الأدب الأندلسي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، ورئيس جمعية العمل الاجتماعي والثقافي بالمغرب، وأحد الأعضاء المبرزين في عدد من الجمعيات العلمية والإسلامية والخيرية في العالم الإسلامي.

عرفته منذ ما يقارب أربعة عقود، لقيته أول ما لقيته، في المدينة المنورة، مشاركا في المؤتمر الأول للدعوة الإسلامية وإعداد الدعاة، الذي نظمته الجامعة الإسلامية، سنة 1397هـ، ودعت له كبار الدعاة والكتاب والمفكرين الإسلاميين، من مختلف بلاد العالم الإسلامي، فكان منهم الدكتور عبد السلام الهراس.

ثم لقيته في العام التالي في المغرب، في شهر رمضان1398 م، الموافق أغسطس 1978م، وقد دعيت من قِبل وزير الأوقاف المغربي الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري، عن طريق سفير المملكة المغربية بالدوحة، للمشاركة في الدروس الحسنية الشهيرة، التي اعتاد ملك المغرب الحسن الثاني أن يقيمها كل رمضان، ويدعو إليها عددا من العلماء من خارج المغرب، بالإضافة إلى علماء المغرب.

وقد قدر الله سبحانه وتعالى، أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عملية جراحية، فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم. ومن ثم رتبوا برنامجا ثقافيا آخر، من ذلك ندوة عقدها التلفزيون المغربي حول (غزوة بدر والدروس المستفادة منها)، وكان معي فيها مؤرخ الفتوحات الإسلامية اللواء الركن محمود شيت خطاب، المعروف بمؤلفاته ودراساته في السيرة والتاريخ، والأخ العالم المعروف الدكتور عبد السلام الهراس.

ومن الطرائف أن اللواء الركن محمود شيت خطاب، توجه لمدير الندوة بقوله بلهجة عسكرية صارمة: لا أحب أن تقدم الشيخ يوسف بالدكتور، بل بالشيخ، لأن الشيخ في تربيتنا وفي نظرنا أعظم وأكبر، وله في قلبنا مهابة واحترام وإجلال منذ طفولتنا.

فاضطرب الأستاذ مقدم الندوة، وكان حييًّا ليِّنا وقال: يشترك معنا في هذه الندوة: اللواء الركن يوسف القرضاوي، والشيخ محمود شيت خطاب، والدكتور عبد السلام الهراس. فانفجرنا ضاحكين واضطررنا لإعادة التسجيل. وقد عقب الشيخ عبد السلام الهراس رحمه الله بقوله: لو كانت رتب تعطى للعلماء، لكانت رتبة الشيخ يوسف القرضاوي من الرتب العزيزة السامية.

ثم زرت عدة مدن مغربية لإلقاء بعض الدروس والمحاضرات، ومنها العاصمة العلمية للمغرب مدينة فاس، حيث جامعة محمد بن عبد الله التي يدرس فيها الهراس، التي دعيت لإلقاء محاضرة بها. وقد قدم المحاضرة الدكتور الهراس، وسألني عن موضوعها، فتركت له حرية الاختيار، فاقترح أن تكون عن (مكانة العلم في الإسلام) فألقيتها ارتجالا واستمرت لنحو ساعتين، وسر بها الشيخ والحضور، والحمد لله على فضله.

ثم لقيته في ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر التي ابتدأت الاستجابة إليها والمشاركة فيها منذ سنة 1982م وما بعدها، وفي الملتقى الدولي للإمام محمد البشير الإبراهيمي بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاته سنة 2005م، وفي الكويت في اجتماعات الهيئة الخيرية العالمية، فقد اخترناه عضوا مؤسسا في جمعيتها العامة، وفي لندن في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سنة 2004م، وفي الدوحة، واستانبول، وغيرها من المدن والمؤتمرات.

وهو أحد الأعضاء المؤسسين المهمين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وله دائما حضور ملموس، ومشاركات ايجابية رصينة في كل الاجتماعات في الهيئة الخيرية وفي اتحاد العلماء، وفي كافة اللقاءات، تميز فيها بحرصه البالغ على سلامة الدين واللغة والأخلاق من التحريف والتزييف والتميع.

وقد شارك فضيلة الشيخ عبد السلام الهراس بكتابة بحث عن شخصي الضعيف، في الكتاب التذكاري المنشور عني بمناسبة بلوغي سن السبعين بعنوان (الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي القيادة الحكيمة في مسيرة التأصيل والتجديد والتوحيد).

وله مقالات دعوية، ومؤلفات رصينة، وتحقيقات نافعة لاقت قبولا واسعا، مثل تحقيقه لـ(التكملة لابن الأبار)، ومشاركته في تحقيق (أزهار الرياض في أخبار عياض) لشهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، و(ديوان ابن الأبار البلنسي)، و(صلة الصلة) لابن الزبير الغرناطي، و(درر السمط في خبر السبط). وكان مجيدا للغة الإسبانية، وترجم عنها عدة قصائد وقطع وأبحاث أدبية.

كان للشيخ الهراس صلات وثيقة بكبار رجالات العلم والفكر في العالم الإسلامي، ويعتبر هو أحد تلاميذ المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي، حيث لقيه وأخذ عنه، وساهم في نشر أفكاره ورؤاه، وأشار على الدكتور عبد الصبور شاهين بترجمة كتبه لأهميتها.

وكثيرا ما شارك رحمه الله، في التوقيع على بيانات تخص قضايا العالم الإسلامي، القدس، وفلسطين، والعراق، وغيرها من القضايا.

وتعتبر التجربة المغربية التي شارك فيها الشيخ عبد السلام الهراس، بانضمام عدة جمعيات إسلامية في كيان واحد باسم (حركة التوحيد والإصلاح) نموذجا يجب أن يحتذى في العمل الإسلامي في عصرنا الحاضر.

وقد شيعته المغرب، شعبا ممثلا في الجماهير الغفيرة التي شاركت في الجنازة المهيبة، وحكومة ممثلة في رئيس وزراء الحكومة عبد الإله بن كيران، وودعه محبوه وعارفوه من مختلف بلاد العالم الإسلامي.

نعزي الأمة الإسلامية، ونعزي أسرته، ونعزي أنفسنا، في وفاة الرجل المثقف، والعالم المربي، والداعية الكبير الشيخ عبد السلام الهراس، الذي قضى شبابه، وكهولته، وشيخوخته، وعمره كله في خدمة الإسلام والدعوة إليه، وإلى رسالته العالمية، وإلى أصوله ومنهجه، وإلى لغته العربية وآدابها. فإنا لله، وإنا إليه راجعون، له ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.

نسأل الله تعالى أن يغفر له، ويرحمه، وأن يسكنه الفردوس ألأعلى، وأن يجزيه عن دينه وأمته ودعوته خير ما يجزي به الأئمة الربانيين، والعلماء الهادين المهتدين، وأن يحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا. آمين.

‫تعليقات الزوار

13
  • المالوكي حسن
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 04:09

    ونعم المقال ! وان نبظنا الحضاري وحِسُنا العقلاني يفرض علينا تفهُم ما يجري اليوم من عنف و بطش بمعناه الجيوسياسي والحركي!!!و بعد التردد في الحكم على تطرف او آخر !!! فهذا المقال يثلج صدورنا بنوستالجية عن المعنى القويم للحركة الاءسلامية التي جاهدت نفسها فداءا لهذه الاءمة وقدمت رجالاتها من دكاترة و مهندسين و علماء، مرابطة على خذمة و تقوية وعي الاءنسان المسلم بمعنى دينه، المعنوي منه والمادي، و انكبت على بناء الاءنسان قبل الاءوطان، وبعث روح العقيدة قبل الاءحكام.. ذاك نهج نبينا عليه الصلاة والسلام.. في الهجرة عبرة… وفي الغزوات العبرة والتمام ! كونوا امةً وسط، ولظالمكم مجاهد مقدام !!!

  • مبارك بورقيع
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 06:30

    اللهم اجعل يارب قبره روضة من رياض الجنة

  • Bella elgragui
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 07:58

    اللهم اغفر له وارحمه وادخله جنات النعيم مع الصدقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا أمين

  • عزام
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 09:27

    شكرا شيخنا المحترم الآستاذ يوسف القرضاوي على هذه التعزية الجامعة حول المرحوم عبدالسلام الهراس فأينكم يا كتاب المغرب لماذا لم أقرأ بعد أي مقال عن الراحل بقلم مغربي ؟ شكرًا مجددا لعالمنا الفاضل القرضاوي:عزام

  • salamoni
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 11:08

    رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جناته . مثل هؤلاء العلماء لا مكان لهم في التلف زيون المغربي للإستفادة من علمهم و أفكارهم ، رحل الكبار من العيار الثقيل من أمثال فريد الأنصاري، عابد الجابري ، المنجرة ، الخطيبي … و الباقي يعاني التهميش ، و فتحوا المجال للرقص و الشعبي و فنون الكابريه كثقافة بديلة لهذا الشعب المغلوب على أمره .

  • أبو أحمد
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 11:46

    رحمة الله عليه، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

  • ابن المفكر
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 15:10

    من الجزائر نحن نشهد لك حسن خلقك و تدبيرك كنت أحد كبار علماء المعروفين، وأدبائها المرموقين، ودعاتها المخلصين و أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونعم الكلام نسأل الله تعالى أن يغفر له، ويرحمه، وأن يسكنه الفردوس ألأعلى، وأن يجزيه عن دينه وأمته ودعوته خير ما يجزي به الأئمة الربانيين، والعلماء الهادين المهتدين، وأن يحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا. آمين.
    جزاكم الله خيرا في هاذا العالم الكبير تذكرو علمائكم فهم خير سبيل في الدنيا و الاخرة..

  • أبوعبد الرحمن
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 15:58

    لقد يسر الله لي أن جمعتني الأقدار بأستاذنا الفقيد عبد السلام الهراس رحمه الله ، وذلك بدار أحد علمائنا بمدينةفاس المحروسة بمناسبة مناقشة أخ لي لرسالة دكتوراه .
    وكان من جملة الحاضرين شيخنا الهراس وتوجه بكلمة إلى الطالب صاحب الرسالة قائلا له : ياسيدي محمد إننا نحتفل اليوم بمناسبة ختانك فقم إلى ربك واجتهد في تبليغ كلمة الحق والخير إلى الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
    ما أروعه من توجيه ..! وما أحوج الأمة إلى مثل هؤلاء العلماء الربانيين…

  • Ali
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 17:30

    قال تعالى :وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون
    كل نفس ذائقة الموت

  • almamoun nadori
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 18:50

    اللهم اجعل يارب قبره روضة من رياض الجنة اللهم اجعل يارب قبره روضة من رياض الجنة .رحمة الله عليه، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

  • abdelkhalek zouhir
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 19:51

    يموت علماؤنا ولا نعرف عنهم أي شيء و أتسائل هل أنا في بلادي (الﻹسلامية)أين إعلامنا أمازلنا في سباتنا لم نفق والله يبكينا الظمير المية

  • ابو شمس
    الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 20:49

    المرحوم برحمة الله من الاساتذة الاجلاء والخبراء في ادب الغرب الاسلامي عامة والاندلسي خاصة والذين يعود لهم الفضل في تدريس وتكوين اجيال من الطلبة بل يعود له الفضل في توظيف مجموعة من هؤلاء . فحسب شهود عيان المدعو : س.خ والذي اعترف لي بأنه يعود له الفضل في توظيفه مباشرة بعد مناقشة الدكتوراه في نفس التخصص. فالمرحوم من أعمدة شعبة الأدب العربي في كلية الأداب ظهر المهراز. وأحد جهابدتها الكبار الذين ظلوا يدافعون عن توجهها بصدق وأمانة . فهو بحق خسارة لمريديه وطلبته . لكن هذه هي سنة الحياة . لكل شيء نهاية . والموت حق . فالرحمة على كل انسان سن سننا حميدة ، خدم بها العلم وتفانى في تطويره . وإنااااا لله وإنا إليه راجعون.

  • abutarik
    الخميس 26 فبراير 2015 - 05:18

    لو نزلناللشارع وسالنا الناس عنه لكان99في المئة لا يعفونه هدا هو حال العلماء عندنا من المسؤول عن تهميشهم ؟؟؟؟ لكم الجواب

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة