"التقدم والاشتراكية" .. براغماتية حزب اختار منذ زمن يمين اليسار

"التقدم والاشتراكية" .. براغماتية حزب اختار منذ زمن يمين اليسار
الأربعاء 27 ماي 2015 - 12:07

يستغرب الكثير من المتتبعين كيف قبل حزب التقدم والاشتراكية الاصطفاف إلى جانب أكبر حزب محافظ مخالف له في المرجعية الإيديولوجية وفي التصور السياسي، وأن يدافع عن تجربة حكومية انتقدتها أغلب مكونات اليسار المغربي، فمنذ تنصيب حكومة عبد الإلاه بن كيران تخلى حزب التقدم والاشتراكية عن كل شركائه السياسيين، وتحول إلى أكبر داعم لتجربة الحكومة النصف ملتحية، لكن من يقرأ تاريخ أكثر من عقدين من الزمن، سيرى أن حزب التقدم والاشتراكية يظل منسجما مع الخط السياسي الذي نهجه الحزب الشيوعي سابقا والمبني على براغماتية واضحة لا تمييز فيها بين الموقع السياسي والهوية الإيديولوجية..

الورقة التالية تقدم حصيلة مواقف حزب التقدم والاشتراكية التي كانت دوما خارج إجماع باقي مكونات اليسار وخارج مواقف المعارضة، بحيث يبدو الموقف، الذي اتخذه نبيل بن عبد الله للدفاع عن التجربة الحكومية الحالية أكثر مما يفعل الحزب الذي يشكل عمودها الفقري.. منطقيا مع مسار حزب علي يعته.

الحزب الشيوعي والامتداد القومي

في نهاية السبعينيات، وفي الوقت الذي كانت فيه كل مكونات اليسار المغربي ضد الثورة الخمينية الموسومة بالرجعية والظلامية، شكل رفاق المرحوم علي يعته الاستثناء، حين أعلنوا مساندتهم للثورة التي قلبت عرش الشاه، وكل ذلك تحت تبريرات تجارب لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ومقاومة الامبريالية الأمريكية، لقد كان هذا الموقف جد متناغم مع ما ذهب إليه الاتحاد السوفياتي، لذلك كان خصوم الحزب ينكتون على زعيم الحزب الشيوعي، بأنه حين تمطر في موسكو، فإن علي يعته يحمل المظلة في الرباط!

وفي 2 غشت 1990 حين غزت قوات الجيش العراقي دولة الكويت، كانت كل قوى اليسار ضد تدخل القوات الأجنبية في العراق، وضمنيا كانت نسبة القومية العروبية زائدة في شرايين مختلف القوى السياسية المعارضة يومها، لقد فرض التقارب القومي داخل أحزاب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، ومنظمة العمل الديمقراطي، وباقي شتات اليسار… التضامن مع حزب البعث والوقوف إلى جانب العراق، وهو ما عبرت عنه المسيرة الوطنية الكبرى التي دعت لها قوى المعارضة، يوم 3 فبراير 1991، وكان حزب التقدم والاشتراكية النشاز الوحيد الذي اقترب من أحزاب اليمين الإداري، حيث توج ديوانه السياسي اجتماعه في الساعات الأولى من 2 شتنبر 1990 بإصدار بيان عبر فيه عن “إدانته لغزو العراق للكويت مطالبا بضرورة الانسحاب الفوري للقوات العراقية وإيقاف المعارك بين الأشقاء”..

هذا الموقف حسب العديدين أملاه أن حزب التقدم والاشتراكية من خلال تركيبة قيادته من الناحية الثقافية والسياسية أكثر تحررا من ثقل الميولات نحو المشرق والوقوع رهينة للتيار القومي الذي اخترق كل أحزاب اليسار وباقي القوى الوطنية والديمقراطية وأن ارتباطاته الإيديولوجية، كانت في قلب فرنسا أقوى منها في المشرق العربي.

غدا حزب التقدم والاشتراكية مثل البعير الأجرب بين فصائل اليسار المغربي وقوى المعارضة، بسبب موقفه الذي اعتبر من طرف هذه القوى خارج الإجماع الوطني وضد شعور المغاربة والتزامهم بالتضامن القومي، بل اعتبر اليسار موقف حزب التقدم والاشتراكية ارتماء صريحا في حضن الامبريالية الغربية وخيانة كبرى للقومية العربية.. وفي الحروب تكون دوما الحقيقة أكبر ضحية في الصراع.

يعته يقول نعم لدستور الملك

في ماي 1992 تأسست الكتلة الديمقراطية، كان ذلك أكبر إنجاز لقوى المعارضة في نهاية القرن الماضي، الذي انطلق من التنسيق بين فريقي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في البرلمان وتنسيق العمل النقابي بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين الذي توج بالإضراب العام في 14 دجنبر 1990، وبتقديم مذكرة مشتركة للإصلاح الدستوري بين الراحل عبد الرحيم بوعبيد ومحمد بوسته في أكتوبر 1991..

أعلن خمسة قياديين من مسرح محمد الخامس يوم 12 ماي 1992، وأمام جمهور غفير تأسيس الكتلة الديمقراطية وميثاق عملها، وفهم الملك الراحل الرسالة وأعلن عن إصلاحات سياسية من خلال دستور جديد طرح للاستفتاء يوم 4 شتنبر1992، هنا أيضا سيكون حزب التقدم والاشتراكية نشازا، فقد هلل المرحوم علي يعته لمضامين الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى 20 غشت، ودعا أطراف الكتلة الديمقراطية إلى ضرورة اتخاذ موقف إيجابي من الدستور عبر ما سيصطلح عليه في الأدبيات السياسية بالتوافق والتراضي، اجتمعت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية وخرج الديوان السياسي بموقف متفرد حين دعا إلى التصويت بنعم على دستور 1992، فيما اجتمع المجلس الوطني لحزب الاستقلال واللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي وقررا معا عدم المشاركة في استفتاء 4 شتنبر 1992 فيما دفعت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والنقابات العمالية الموالية للكتلة نحو مقاطعة التصويت على الدستور، وبذلك وجد حزب التقدم والاشتراكية نفسه في صف الأحزاب التي ظلت تنعت بالإدارية، فأصدرت باقي أحزاب الكتلة الثلاثة بيانا تعلن فيه عن تجميد موقع حزب التقدم والاشتراكية داخل الكتلة الديمقراطية بسبب الموقف غير المنسجم لحزب علي يعته مع كل من حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي..

تراجعت شعبية الحزب بسبب موقفه من دستور 1992 فقد كان يعته هو المتسابق الأول الذي وصل إلى حلبة “نعم” في الاستفتاء إلى جانب الاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار…

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فمع الدعوات التي وجهها الملك الراحل إلى قوى الكتلة للمساهمة في حكومة تناوب توافقي منذ 1992، كان حزب التقدم والاشتراكية يسارع إلى إصدار مواقف أو إبداء تصريحات تسير كلها في اتجاه ضرورة القبول، بعروض الملك الحسن الثاني باعتبارها فرصة ذهبية لتحمل أعباء تدبير الشأن العام، تحت شعارات التراضي والتوافق، وإنقاذ المغرب من الأزمة الخانقة وإصلاح البلاد وغيرها من الشعارات التي كانت ترد على لسان المرحوم علي يعته، الذي صار يلح على الدخول إلى الحكومة دون قيد أو شرط.. وبذلك لا يبدو موقف نبيل بن عبد الله في دعم حكومة حزب العدالة والتنمية اليوم نشازا والشعارات متوفرة لإخفاء الوجه البراغماتي لحزب التقدم والاشتراكية، مثل التعاقد على أساس برنامج إصلاحي، والتمييز بين الائتلاف الحكومي كموقع سياسي والهوية الإيديولوجية…

عجلة سكور في كل السيارات الحكومية

عام 1996 استوعب علي يعته الدرس، وتريث إلى حين انعقاد الهيئات التقريرية لديناصوري الكتلة.. أقصد الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال اللذين عقدا دورتي المجلس الوطني واللجنة الإدارية في يوم واحد، واتخذا موقفا موحدا يدعو للتصويت الإيجابي على الدستور الذي عرض على أنظار التصويت في 13 شتنبر 1996، حيث لم يجمع لجنته المركزية إلا يوم 8 شتنبر 96 على بُعد ثلاثة أيام فقط من يوم الاستفتاء.. ليسير في نفس اتجاه جل مكونات الكتلة الديمقراطية.

منذ تشكيل حكومة التناوب التوافقي في 14 مارس 1998، استمر حزب التقدم والاشتراكية في كل التجارب الحكومية، مع عبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو رغم الخروج عن المنهجية الديمقراطية، وفي حكومة عباس الفاسي وفي ظل الحكومة الحالية لابن كيران، وقد علق أحد الظرفاء على هذا الوضع بكون حزب التقدم والاشتراكية يخشى أن يتغيب عن أي حكومة فيتم طرده بموجب قرار إداري مغادرة المنصب،abondement de poste

فيما يرى آخرون، أن موقف نبيل بن عبد الله، يمتلك ذكاء سياسيا، فلقد كان حزب التقدم والاشتراكية مثل ذيل الكتلة، وأصيب بالكثير من الغبن في مشاركاته الحكومية التي قادها الاتحاد الاشتراكي، ولأول مرة استطاع الحزب الشيوعي سابقا أن يتحول إلى قوة سياسية في الأغلبية الحكومية، أكبر من قوته لا البرلمانية ولا الشعبية، وكان المستفيد الأكبر من حكومة بن كيران، إذ بحسب هؤلاء ماذا كان سيجني حزب التقدم والاشتراكية لو اتخذ موقف المعارضة؟ وأي أثر سيكون له في المشهد السياسي، فلقد استثمرت القيادة الجديدة لحزب يعته حاجة حزب العدالة والتنمية لحزب يساري له مصداقية أكبر من باقي مكونات الأغلبية الحكومية وحاز مقاعد وزارية وازنة تفوق حجمه السياسي، بحسب نفس وجهة النظر.

‫تعليقات الزوار

5
  • مواطن
    الأربعاء 27 ماي 2015 - 15:25

    الجواب بسيط ، كيمشيوا مع الرابحة ، شتي في المغرب مكاين لا يساري ولا يميني ولا محافظ ولا هم يحزنون ، كلشي تابع مصلحتو ومصلاحت ولادو ويكذب عليك الكذاب الى قاليك شي واحد وطني ، الوطنية مشات مع ماليها. اوا نوض سربي .

  • zakaria
    الأربعاء 27 ماي 2015 - 17:05

    ننتظر الاحزاب السياسة المغرببة امبادرة .خلال شهر رمضان -الاعلام في تدبير الشان المحلي …2015محارية السكن غير الائق ;الصحةومفهوم الديمقراطية التشاركية ..2015

  • أحمد
    الأربعاء 27 ماي 2015 - 19:53

    المقال رغم تحامله الضمني والصريح، يؤكد صواب مواقف حزب التقدم والاشتراكية منذ سنة 1990 تاريح بدء المصالحات الكبرى في المغرب.. قيادة الحزب ترفض أن تكون ذيلا للاتحاد الاشتراكي والاستقلال منذئد. ولهذا قررت المشاركة في التجربة الحكومية الحالية. وقد أكدت التجربة والواقع صحة هذا الموقف. الوضع التنظيمي والسياسي لحزب نبعبد الله اليوم أحسن بكثير مما يعرفه حلفاؤه السابقون. وأصبح قوة صاعدة لم ولن تتحقق لو شارك مع الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في موقع الحكومة أو موقف المعارضة. المستقبل ينذر بصراع أبدي كبير بين أصحاب شباط وأصدقاء لشكر. من الاحسن إذن لحزب التقدم والاشتراكية أن يرسم طريقه من الآن ومع حلفاء جديين يقدرون معنى التحالفات والمواقف وجديرين فعلا بالاصطفاف إلى جانبهم..

  • afzazi
    الخميس 28 ماي 2015 - 09:56

    maintenant l’extrême droite de la gauche réactionnaire domage..

  • progressiste
    الخميس 28 ماي 2015 - 12:11

    Le PPS, à mon avis, fait de la politique avec intelligence, en pesant le pour et le contre de ses prises de position. Ce parti avantage les consensus pour faire avancer les réformes, contrairement à certain partis de gauche, qui veulent imposer leur choix , alors qu'ils n'ont pas la force suffisante pour le faire. Ilest mieux de faire des compromis avec ses adversaires politiques pour faire avancer le pays que de provoquer l'opposition violente qui peut déboucher sur l'inconnu. Cette habilité politique a été impulsée au PPS par Ali YATA qui, au nom du Parti communiste marocain, a admis la place de la monarchie au Maroc, comme acteur et facteur de stabilisation, alors que dans les années 5O et 60, certains dirigeants de l'UNFP (Fquih Basri) voulaient instaurer la république. L'histoire a donné raison à Ali YATA, comme elle donnera raison à Nabil Benabdallah pour l'alliance politique avec le pjd POUR CONTRER LE pam, principal danger pour la jeune démocratie marocaine

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس