باحثون يَخطون وصفاتٍ لعلاج مكامن اعتلال القضاء بالمغرب

باحثون يَخطون وصفاتٍ لعلاج مكامن اعتلال القضاء بالمغرب
الإثنين 6 فبراير 2017 - 15:45

ضمن العدد الأخير من مجلة “أبحاث”، الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية، سلّطَ باحثون مغاربة الضوء، في سبْع دراسات أعدّتْ بشراكة مع “مبادرة الإصلاح العربي”، على مسار القضاء المغربي، في إطار صيرورة التحوّلات التي يعرفها المجتمع المغربي.

عبد الله ساعف، رئيس مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية، عَدَّ، في تقديمٍ للمجلة، التأكيدَ على القضاء كواجهة مُحدِّدة لدَمقرطة النظام، في أفُق استكمال دولة الحق والقانون، جانباً جوهريّا في الإصلاح السياسي المتوخّى، ويظهر ذلك جليا كلما جرى النقاش حول دوره في مجالات مثل الإعلام، والحياة الحزبية أو النقابية أو الجمعوية، والانتخابات.

عوائقُ قانونية وواقعية

من جهتها قالتْ أمينة بنمسعود، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، في الدراسة التي ساهمتْ بها، إنَّ القضاء يُعتبر الضامن الأساسي لتحقيق التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما أنَّ إصلاحَه يمثّل، في جميع دول العالم، دعامة أساسية لتوطيد مصداقية المؤسسات وبناء الديمقراطية الحقّة.

وتوقفت المسعودي في مستهلّ دراستها عند كيفية معالجة الدساتير المغربية الأولى موضوع القضاء، لتخلُص إلى أنَّ السلطة القضائية ظلت تتخبط في وضعية صعبة لسنوات عديدة، وعزتْ ذلك، في القسم الذي خصصته لقانون التنظيم القضائي، إلى تدخّل السلطة التنفيذية في تدبير الملفات القضائية وغياب ضمانات استقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لافتة إلى أنَّ العديد من العوائق القانونية والواقعية ما زالت تحُول دون تحقُّق استقلال حقيقي.

وهُنا أشارت المسعودي إلى القانون المُحدّد للنظام الأساسي للقضاة وتنظيم المجلس الأعلى للقضاء، الصادر سنة 1974، معتبرة أنّه يؤثر بشكل سلبي على استقلال العدالة وفعاليتها، كما أنّ هيمنة وزارة العدل على مسلسل اختيار القضاة وتوظيفهم وتكوينهم وتعيينهم وترقيتهم وتأديبهم يمثل تهديدا دائما لاستقلال القضاء وللاستقلال المؤسساتي والإداري والمالي للمجلس الأعلى للقضاء.

أمّا في ما يخصّ إصلاح القضاء في ظلّ دستور 2011، فاعتبرت المسعودي أنَّ الدستور الأخير، مقارنة بالدساتير السابقة، يُعدُّ فريدا من نوعه بتضمّنه لمستجدّات متعددة في موضوع إصلاح القضاء، لكنّها أكدت على أنّ تفعيل الإيجابيات المتعلقة بالسلطة القضائية في نصّ الوثيقة الدستورية، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش سنة 2013، “إنّما يرتبط بالضمير المسؤول للفاعلين”.

استقلالية ضعيفة وجُرأة منعدمة

بن يونس المرزوقي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، استهلَّ دراسته بالتأكيد على أنَّ إصلاح منظومة العدالة في أيّ مجتمع لا يمكن أن يتمَّ إلا ضمن التوجّهات الكبرى بهذا الخصوص التي يعرفها المجتمع الدولي، والتي أثّرتْ بشكل أو بآخر، ولو بدرجات متفاوتة، على التجارب الوطنية.

وعرّج المرزوقي على المقتضيات التي خصّصها المشرع المغربي للقضاء منذ دستور عام 1962 إلى غاية دستور 1996، والتي لم تتعدَّ سبْعَ مقتضيات، مُعتبرا أنّ قُصور هذه المقتضيات الدستورية أدّى إلى إفراز مجالٍ قضائي ميّزتْه عدد من المظاهر؛ أوَّلُها “ضعف الاستقلال العضوي، وحتى الوظيفي، تجاه السلطة التنفيذية القوية التي طمَستْ استقلاليته، سواء على مستوى الدور الذي لعبه الملك من جهة، أو وزارة العدل من جهة ثانية”.

من المظاهر الأخرى التي قال المرزوقي إنها وسمت القضاء المغربي طيلة مرحلة الدساتير الأولى للملكة، انحيازُه الواضح إلى جانب السلطة في مواجهتها للمعارضة بكل أشكالها، واعتماد مواقفَ تبريرية فرضتْها طبيعة النظام السياسي، كالقضايا المرتبطة بممارسة الملك للاختصاصات ذات الطبيعة الإدارية، التي ظلَّ القضاء المغربي يبحثُ لها عن مبررات لإخراجها من دائرة مراقبة القضاء الإداري، مشيرا في هذا الإطار إلى قضية “مزرعة عبد العزيز”، التي صدر فيها حُكم سنة 1970، ورَد فيه أنّ القرارات المَلكية غير قابلة للطعن طالما أن الدستور لم يعهد إلى هيئة مُعيّنة بالنظر في الطعون المُقدّمة ضدّ هذه القرارات.

واستطرد المرزوقي في دراسته بأنَّ القضاء المغربي طيلة هذه الفترة تميز بانعدام الجرأة في معالجة القضايا المرتبطة بالمجال السياسي، وعدم ممارسة أيّ دور خلال مرحلة تصفية مخلفات سنوات الرصاص، مُعتبرا أنّ ذلك جعله “خارجَ نظام العدالة الانتقالية”، وأردف المرزوقي أنّ كلّ هذه “المظاهر الضاغطة” على مرفق القضاء جعلتْ شروط العمل في غير صالح القُضاة.

إشكالية سياسية

إذا كانت الركيزة الأساسية التي يقوم عليها القضاء هي الاستقلالية، فإنَّ منظومة العدالة بالمغرب، بحسب محمد الهاشمي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، تعرف مجموعة من الاختلالات البنيوية والعميقة، حالتْ دون تبوُّؤ القضاء مكانته كسلطة دستورية تؤدّي وظيفتها المجتمعية، باستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ومراكز السلطة والنفوذ في المجتمع.

واعتبر الهامشي أنّ خيرَ شاهد على حالة التدهور التي تعيشها منظومة العدالة بالمغرب هو الحضور المستمر لمسألة إصلاح القضاء في الخطاب السياسي الرسمي منذ السنوات الأولى للاستقلال، التي عرفت اتخاذ الدولة لمجموعة من المبادرات كان من شأنها أن تشكّل المعالم الأولى لقضاء مستقل ونزيه، من قبيل إحداث المجلس الأعلى وتوحيد المحاكم. غير أنّ إعلان حالة الاستثناء، بحسب الهاشمي، أدّى إلى تراجُع كبير للمدِّ الإصلاحي.

وأورد الهامشي في دراسته أنَّ القوانين التي جرى إقرارُها سنة 1974؛ إذ تم توسيعُ صلاحيات السلطة التنفيذية وتقليص مجال التقاضي بدرجتيْن، تمّت بشكل “لا يخلو من الارتجال والتسرّع”، مُضيفا أنَّ العِقدين التاليين لسنّ هذه التشريعات اتسّما بـ”توالي القرارات الهادفة إلى تكريس قضاء خاضع وغير مستقل، يشتغل بإمكانيات مادية وبشرية ضعيفة، لا تؤهله للاضطلاع بمهامّه الحقيقية”.

وعَدَّ الهامشي استقلالية السلطة القضائية إشكالية سياسية، موضحا أنَّ إناطة المَلك بالمسؤولية والإمامة العظمى “يجعله هو الحاكم الأسمى والمشرّعُ الأسمى والقاضي الأسمى كذلك في النظام السياسي المغربي، وهو ما يعني أنَّ انبثاق القضاء كسلطة حقيقية وضمان استقلاليتها هي إشكالية سياسية بالدرجة الأولى”.

‫تعليقات الزوار

16
  • عبدو من الرباط
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 15:54

    الاعتلال في القضاء المغربي واضح وباين الزبونية والمحسوبية والجهات العليا وباك صاحبي وشكون نتا وشنو كتملك وشحال غادي تعطي

  • سندباد
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 15:59

    ياليت قضاءنا يصبح كقضاء الولايات المتحده! !!!!

  • Wislani
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:10

    راتب القاضي هو شيك على بياض من طرف وزارة العدل ..حتى ..يتم القضاء نهائيا على ارشاء القاضي ..ربما

  • حميد
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:12

    ياليتنا نصل درجة لايعتدي أحدنا على غيره . لو وصلنا هذا المستوى لن نحتاج بعدها للقضاء . وسيصبح القاضي المبجل إنسانا عاديا لايلتفت إليه أحد .

  • WARZAZAT
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:18

    ككل القطاعات الحيوية، القضاء محتكر يجب دمقرطته و تقريبه إلى المواطن. ما المانع من تطبيق النظام ''Bar exam'' الأمريكي: إمتحان وطني موحد، ديمقراطي مفتوح أمام الجميع. ما يجعل المحاماة مهنة حرة و يكسر الاحتكار و الطبقية و يقرب الادارة و العدالة للمواطن و يفتح سوق جديدة في التعليم يخفف على الجامعات المكتضة.

    كما يجب إحياء و تشجيع ممارسة مغربية قديمة : ''أهل الخير'' أو ما يسمى حديثا ''mediation'' لتخفيف الضغط على المحاكم.

  • في الديموقراطية
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:23

    ….قضاء مستقل و قضات نزيهين و شرفاء و غيورين على الوطن و المواطنين و قوانين مدنية و جنائية متناسقة مع ما ينص عليه الدستور….ارجو المعدرة، كنت احلم و لكن لا بأس ان نحلم.

  • خريبكي قديم
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:32

    يجب ان تعطى امتيازات اكثر للسادة القضاة ،ويجب ان تهتم الدولة بهم .كسائر الدول المتقدمة.
    القاضي مثلا في بريطانيا يمنح له شيك على بياض يحدد بنفسه راتبه ، دولة الحق والقانون لايمكن ان تتحقق بدون قضاة مستقلين لا يطبقون الا القانون .

  • العدل اساس الملك
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 16:35

    حالة القضاء مرتبطة بشكل النظام السياسي, كلما كان النظام ديموقراطيا كلما كان القضاء مستقلا. تحية لكل القضاة النزهاء.

  • خليد
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 17:10

    قاضيان في النار و قاض في الجنة هذا كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الآن ثلاث قضات في النار.

  • منير
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 17:30

    العدل شيء لا يفقه إلا الأحرار. ..

  • البيضاوي
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 18:34

    قاضية ترفع شعار يقول – لا للرشوة – إلى الذين يحملون الحكومة – اية حكومة – مسؤولية عدم القدرة على محاربة الرشوة كيف تريدون محاربة الرشوة وبعض رجل الأمن أو الدرك الذي من المفروض أن يلقي القبض على المرتشي يأخد الرشوة كيف تريدون محاربة الرشوة وبعض القضاة الذي من المفروض أن يحكم على المرتشي ويرسله إلى السجن يأخد الرشوة كيف تريدون محاربة الرشوة وبعض رجال التعليم يفرض على التلاميذ الساعات الإضافية كيف تريدون محاربة الرشوة وببعض الموظفين الذي يستغل خدمة المواطن بالرشوة هؤلاء كلهم أجورهم لا بأس بها فلا أتحدث عن الذين أجورهم ضعيفة أو من لا أجور لهم

  • Karam
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 18:36

    القضاء الاداري بالمغرب لم يعد نزيها ولم يعد ينصف المظلوم صاحب الحق بل اصبح جبانا يخضع لاملاءات المخزن واصبح بعض القضاة يخشون الطرد والعقاب ان هم انصفوا ذوي الحقوق.
    تحية لكل قاضي حر يحكم بالعدل وينتصر للمظلوم ولا يخشى الا الله وهم موجودون اما عبيد المخزن فسينتهون الى مزبلة التاريخ مجرد احالتهم على التقاعد

  • مواطن
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 18:53

    ماعرفت علاش مبارايات القضاء محدودة تقول كيقراو النووي وهي كلها حفظ عن ظهر قلب للقوانين بامكان اى شخص جاد في الدراسة ان يصبح قاضي يجب فتح المبارايات وتخريج الالف من القضاة والمحامون سنويا حتى لا يبقى الابتزاز من طرف المحامون هناك قضايا تكلف ماديا كثيرا

  • منصور
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 18:54

    اصلاح القضاء يعني ان كل الاحكام الحالية خارجة عن القانون. مواقع التواصل المهداوي, السكيزوفرين, مول الكاسكيطا, مول الشكارة القاضي الهيني الخ فضحت القضاء من تلفيق القتل الى تزوير المحاضر الى الاستيلاء على املاك الغير الى تعطيل الاحكام الى عدم تنفيدها الى المساطر المرجعية. هادي دولة مسلمة مملوءة المساجد و كثرة قال الله والرسول واللحي و الحجاب و محاربة العلمانية والفجور والتبرج والفسوق ولكنكم تحبون الكفار, وخير امة اخرجت للناس تغتصب حقوقك. السؤال المغرب دولة ام تخريجة استثناءية

  • حسن
    الإثنين 6 فبراير 2017 - 21:51

    المفتشية العامة لوزارة العدل لا تخص بالتفتيش إلا أحكام البراءة والمتابعات في حالة سراح أما الإدانة فلا تعيرها أدنى اهتمام.
    القضاء يستعمل كأداة للاستنزاف (قضاء سير تضيم).
    يجب أن نطالب بإلغاء القضاء وكل يقضي حسب ما يبدو له.

  • توفيق شرف الدين
    السبت 18 فبراير 2017 - 14:59

    هل تعلمون أن إمكانية إعطاء القاضي شيك على بياض لتوقيعه و صرف ما يريد ، هي إمكانية جد صعبة أو بالأحرى مستحيلة …. لأن ميزانية الدولة بأكملها ربما لا تكفي لهاته الإمكانية . لا نقارن دولتنا ببريطانيا العظمى رجاءا….

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش