مرائب ذوي الاحتياجات الخاصة .. أماكن محجوزة يحتلها "أسوياء"

مرائب ذوي الاحتياجات الخاصة .. أماكن محجوزة يحتلها "أسوياء"
الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:00

طنجة ذات مساء، الساعة تدلف من السابعة مساء، جو شتوي بامتياز وضباب يلف عاصمة البوغاز، أمام أحد المراكز التجارية التي شيدت حديثا صخب وضوضاء، وأصوات منبهات السيارات تعلو المكان.. أخذنا حذرنا حتى انسللنا ببطء شديد إلى البوابة الرئيسية للمركز التجاري الضخم.. كل شيء هنا يشي بأنك في مكان تجاري يشبه إلى حد متناه كبريات المراكز التجارية في الضفة الأخرى من المتوسط.. على بوابة المرآب التحت أرضي وضعت لوحة رسم بها مجسم لشخص على كرسي متحرك ومكتوب عليها: “خاص بأصحاب الإعاقات”.

أمام هذه المشاهد لا يمكن للمواطن إلا أن يحس بالفخر وقد بدأت دولته أخيرا تستشعر معاناة ذوي الإعاقات وتخصص لهم مكانا قرب البوابة الرئيسية لركن سياراتهم. بعد التوقف قليلا ازداد الشغف واختلطت الفرحة بالطموح، إذ اقتحم علي سؤال بسيط حماسة اللحظة.. لما لا أجد في كل موضع تسهيلات تجعلني وغيري من ذوي الإعاقات ألج بيسر وبكل حرية إلى مقصدي؟؟.

بعد دقائق من البحث عن مكان لنركن فيه دابتنا، اتجهت مباشرة إلى المرآب الخاص بذوي الإعاقة.. سيارات مركونة بعناية بالغة، وكأن من استطاع أن يحدد مكانه بهذه الدقة قد لا يستطيع النزول لأخذ كرسيه المتحرك أو أجهزته المساعدة على المشي؛ فالطريقة التي اصطفت بها تلك السيارات لا تكاد توحي بأن من وضعها يعاني من إعاقة، إذ البوابات ملتصقة بعضها ببعض والهبوط منها شديد الصعوبة، وأصحابها لم يحترموا بالمطلق المربعات الخاصة بكل سيارة.

أمام هذا المشهد الذي تغلب عليه الفوضى، توجهنا صوب أحد عناصر الحراسة الخاصة، لنستطلع أمر هذا المرآب الرائع، الذي انتهكت حرمته على ما يبدو.. “أخويا عيينا معاهم، كانقولوليهم راه هادو بلايص دلموعاقين ولاكن معامن كاتهدر، كايقولك دقيقة هانا راجع وكايخليها تما”، يقول رشيد لهسبريس، ثم يتوقف قليلا وكأنه نسي أمرا ما يود إضافته، ويزيد: “هادو خاصهم الغرامات عاد يتعلمو، باش يبدلو هاد السلوك”، ثم يختم بلهجته الشمالية: “الله يعفو علينا”.

حديث رشيد، وهو شاب في الثلاثينات من عمره، يلخص ما وصل إليه المواطن المغربي الذي لم يعد يلقي بالا لكل الإشارات والعلامات التنبيهية الخاصة؛ فكل من صادفتهم هسبريس كانوا منشغلين فقط بالبحث عن مكان لترك سياراتهم، حتى وإن كان على حساب الآخرين من ذوي الوضعيات الخاصة.

تركنا المرآب على وضعه الميال إلى الضجيج، ودنونا من مداخل المركز التجاري القريب من قصر مرشان.. كل الترتيبات التيسيرية وضعت رهن إشارة ذوي الإعاقات المختلفة؛ فانطلاقا من بوابة الدخول يمكن لشخص على كرسيه المتحرك أن يصل إلى الطوابق العلوية بواسطة الدرج الكهربائي؛ أما ذوو الإعاقات البصرية فوضع رهن إشارتهم مربع به حبيبات يمكن الإحساس بها عند المشي، يوصل مباشرة إلى الوجهات المختلفة للمركز التجاري. المشي في المربعات الخاصة بالمكفوفين وضعاف البصر له مشقة خاصة، فمع الاكتظاظ الذي يعرفه “المول” الضخم سرعان ما تصادف أحدهم يجر حمالة البضائع ويسوقها نحوك دون أن ينتبه أنه ممر خاص، رغم وجود أيقونة دالة في بوابة المتجر.

هذه بعض السلوكات التي يدأب عليها المجتمع المغربي دون علم بأنه بهذه الأفعال يصيب فئة من داخله بالأذى ويجعلها تفكر في الجلوس داخل منازلها واعتزال الفضاءات العمومية إلى حين.

الوقوف في أماكن محجوزة في الدول الأوربية تقابله مباشرة غرامة مالية ثقيلة، مع حجز السيارة ببساطة؛ لأن المعني بفعله هذا انتهك حق مواطن آخر وضعت الدولة رهن إشارته فضاء خاصا به تيسيرا لعيشه الكريم.

وعند الخروج من ردهات المركز التجاري المذكور توقفنا للحظات محاولين استنباط ما يقوم به أصحاب السيارات من غير المعاقين في حق هذه الشريحة، وفجأة دنونا من مواطن يبدو أنه من أبناء الطبقة المتوسطة؛ من خلال نوع السيارة رباعية الدفع التي يقودها مغادرا من مكان ليس من حقه الركن فيه؛ وبعد محاولات معه أقر بأنه رأى الإشارة التي تشير إلى خصوصية المكان، بيد أنه تجاهلها متحججا بامتلاء الأماكن الأخرى؛ وبالتالي استصدر لنفسه حق التوقف بالجزء الخاص بذوي الإعاقات.

ولم يختلف رد المواطن الأول الذي رفض كشف اسمه لهسبريس عن جواب أنس، الذي اعتبر أن المعاقين يصعب عليهم استعمال السيارات، على حد وصفه، مستغربا وجود أماكن شاغرة في الفضاء الخاص بالمعاقين، وعليه استوجب ملؤها.. “وإلا فين غانخلي سيارتي؟”، يختم حديثه متسائلا، قبل أن يستدرك: “هادشي لي كاتهدر عليه نتا كاين غير فأوروبا وأما حنا فمازال بعاد”.

الجملة التي ختم بها أنس إفادته لهسبريس، وهو يقترب من الخمسين ربيعا، جعلتنا ننتقل من مساءلة القوانين إلى مساءلة السلوكات المجتمعية، فإذا كان القانون رقم 10، 03 المتعلق بالولوجيات قد ألزم الدولة والمستثمرين الخواص بوضع ولوجيات معمارية وتقنية لتسهيل حركية الأشخاص في وضعية إعاقة؛ وبالتالي الوفاء بما جاء في الاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب منذ ثماني سنوات خلت، فإن القوانين وحدها قد لا تفي بالغرض ما لم نعدل سلوك المجتمع تجاه الإعاقة وتجاه الحاملين لها، لنقلهم من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أشخاص في وضعية إعاقة، تنتفي إعاقاتهم عندما تتغير الوضعيات.

ومع قرب مغادرتنا للمركز التجاري الذي استعنا به كعينة والجة لذوي الإعاقات، صادفنا التعامل نفسه مع المكان المحجوز للمعاقين في الفضاء الخارجي، حيث طرحت هسبريس سؤالا مباشرا على المسؤول عن الأمن الخاص للمركز التجاري، فما كان منه إلا أن أجاب: “أشغانعملو معاهم.. البلايك درناهم والهدرا كانهدرو ولكن الغالب الله”، ثم رفع رأسه وكأنه يخاطب السماء: “كايحتقروهم فالشارع وكايديو ليهم حتى بلايصهم فين يوقفو.. اللهم إن هذا منكر”.

‫تعليقات الزوار

15
  • محمد
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:28

    أن تركن السيارة وأنت سوي في مكان خاص بدوي الاحتياجات الخاصة هنا بهولندا فما عليك إلأ أن تستعد لما مبلغه: 490 يورو يعني أكثر من 5000 درهم مغربية، مدخول شهري سلم 11 ههههخخخخخ

  • ديوان ملكي - مظالم معلقة
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:29

    الاهتمام بذوي الاحتياجات من اولى الاولويات – الله يكون في عونهم – امام سياسة التهميش والحكرة .التي لم تعد تميز بين الاخضر واليابس .فقط هم وحدهم من ينعم بخيرات وثروات هذ الوطن الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الظلم مزيدا من التفقير مزيدا من التشريد .. ولهم مزيدا من الجشع .مزيدا من الغنى الفاحش .. لكم الله بني وطني . لكم الله ..

  • ملاحظ
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:39

    إذاكان الاعلام السمعي والبصري والمكتوب لايفي بحق هذه الفئة من المعاقين المستضعفين حقهم ،والاسر نفسها لاتربي أبناءها على احترام ذوي الاحتياجات الخاصة ،فكم من المرات نرى في الاحياء الاستخفاف بمعاق ذهنيا أو حركيا بل الادهى حتى وسط الاقسام وفي ساحات المدرسة كان الاطفال يتخذون طفلا معاقا مجالا للسخرية وينادونه بشتى الالقاب ،وهؤلاء ماداموا في صحة وعافية لن يحسوا بىلام هؤلاء نتيجة التربية السيئة في البيت والانانية ونتيجة غياب قوانين تحمي حقوق المعاق ولعلكم سمعتم انهم يتعرضون للاغتصاب والسجن داخل البيوت ويكبلون في أحايين كثيرة .لذلك في غياب قانون يحميهم لانستغرب ان نجد من لايأبه بالاماكن المخصصة لهم ،بل حتى في حافلات النقل الناس يجلسون في الكراسي الخاصة بالمعاقين بدعوى لم يعد مكان شاغر .فالانانية وعدم الوعي والاستخفاف بالقانون السبب الرئيسي في المآسي التي يعيشها مجتمعنا والقوانين لم تعد زجرية لذلك كثرت المفاسد في المجتمع . وان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ولاحول ولاقوة إلا بالله . شكرا لهسبريس ولصاحب المقال.

  • منير التولالي
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:53

    لدي تعليق بسيط على عنوان المقال
    كان ينبغي أن يكون كالآتي :
    مرائب ذوي الاحتياجات الخاصة .. أماكن محجوزة يحتلها " مختلون عقليا "

  • مهاجر
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:58

    القانون في بلدنا الحبيب موجود على الورق فقط، حتى في البلاد المتقدمة المجتمع ينقسم إلى قسمين. قسم يحترم القانون و يحترم الآخر و يحترم نفسه، وقسم آخر لا يبالي. هذا الأخير يتم ردعه بغرامات قاسية و لن يجد أحداً يشفع له أو يتدخل له حتى يسقط الغرامة. ليس هناك محسوبية و لا رشوة. يجب على المعنيين في قطاع التعليم خاصة الإبتدائي و الإعدادي و الثانوي أن يخصصو حصصاً إجبارية لتعليم المواطنة و حب الوطن. وعلى المسؤولين أن يستجيبوا لمطالب الشعب المشروعة و لا يبخسوهم أبسط الحقوق حتى يزداد حبه للوطن و يستحي مخالفة القانون. لكن كل المجتمعات لا تخلو من أمثال هؤلاء الذين لا يبالون و لا يحترمون الآخرين.

  • الملالي
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:58

    الولوجيات التقنية وحتى البسيطة للأشخاص دوي اعاقات تنعدم في جل مرافق المدينة المغربية….والوعي بالحق والواجب بين المواطنين تعاملا لا يكاد يطبق واقعيا….وحتى الراجل من دون إعاقة لا يجد ممرات خاصة….لقد احتلتها المقاهي والباعة والعربات والدراجات المركونةووووو….والغريب أن هناك إدارات ومدارس وفضاءات إدارية وغيرها شيدت حديثا وليست بها هده المواصفات….يعني أن المعاق لا حق له في الولوج اليها…..ارحموا من في السماء يرحمكم الله…..فقد يقدر عليك أن تصير معاقا…وحينها ستحس بما يعانيه المعاق…..كلنا مواطنون مغاربة ..وحريتك تنتهي عند حرية الآخر وحقه…فلا "تحكره"..وتقصيه……

  • bellhaj
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 14:59

    en Belgique l'amende est de :120 à 1500 euro selon les cas

  • غيور
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 15:02

    هؤلاء الأشخاص اللذين يركنوا سيارتهم في الأماكن المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة هم فعلا معاقون ذهنيا و عقليا واخلاقيا وتربويا. في بعض البلدان المتقدمة يعرض هؤلاء المخالفون على أطباء نفسانيين لتعرفوا على سبب المخالفة. لك الله يا وطني الحبيب.

  • قدورNL
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 15:05

    القضية ليست قضية تقدم وعصرنة تكنولوجيا وعمرانيا وبنية تحتية و … و…. القضية هي كذلك قضية أخلاق ومعاملة وسلوك، نحتاج إلى عقود لكي نصل إلى المستوى المطلوب. الناس راسهم قاسح بزاف.

  • Free
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 15:15

    on revient toujours au probleme grave dans notre pays qui est l'éducation ! Sans education il n'y aura ni santé ni civisme ni evolution no ni ni… Si l'etat était eduqué et instruit je pense qu'il mettrai une loi contre ça, et si les agents de l'ordre etaient bien eduqué et instruit la loi sera appliquee sans corruption et sans pardon…. Bref on est loin de dire qu'on evolue

  • med
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 16:08

    اي شخص ممكن يصبح حامل اعاقة في ثواني معدودة فلا داعي للاحتقار

  • Mehdi AB
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 17:11

    شكرا على الالتفاتة والاهتمام بكتابة هذا الموضوع أولا؛
    وثانيا، لا شك أن اللومة تلقى على الأفراد بدورهم دون المؤسسات فقط، فيبدو في كثير من الأحيان أننا نحن من لا نحترم بعضنا ولا نقدره.
    ففي هذه الحالة التشريع لعب دوره، كما أن المركز التجاري امتثل له وخصص مكانا لركن سيارات الأشخاص في وضعية إعاقة.. لكن الزبون المواطن هو من لم يقم بواجبه تجاه نفسه وتجاه غيره.
    إنها أزمة المبادئ والأخلاق، الأزمة التي نعاني منها ولا نملك إلا أن نقول "لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
    فإذا لم نتشبع بمبادى الأخلاق والاحترام المواطنة، فلم نفعل سوى أن لبسنا قشرة الحضارة!

  • naturaliat
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 20:02

    En France

    Amende + dépannage

    Aussi à rabat les voitures stationnent sur les artistes des trottoirs réservés aux passages des handicapés

    Que font les autorités pour pénaliser les contrevenants

    ?

  • الخطابي
    الأربعاء 8 فبراير 2017 - 20:50

    المغاربه لازالت تطغى عليهم البداوه وبعيدا كل البعد عن التحضر يعتقدون ان السيارات واللباس والفرنسيه هي عناوين التحضر .مجموعه ديال البدو يحنون لحياة البوادي حين لا فواصل ولا محددات اللي طاحت عليه اديرها بلا تردد ولا تساؤلات حق الاخر عليه .اعتقد كروموزومات البداوه عدنا طاغيه .

  • ابو محمد نور
    الخميس 9 فبراير 2017 - 00:03

    هنالك مخالفة في قانون السير متعلقة ب : التوقف في مكان ممنوع .. مادام مكان الركن خاص بذوي الاحتياجات الخاصة فهو ممنوع على غيرهم ومن تم وجب تغريمهم للمخالفة . يجب ان نتعود على تبليغ المسؤولين ( هنا النيابة العامة والشرطة والدرك الملكي وباقي الفئات الاخرى من رجال السلطة ) عن الافعال الغير قانونية التي يمكن ان نرصدها وهذا لاشاعة ثقافة احترام القوانين وهو يدخل في باب النهي عن المنكر ..

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس