"كاتماندو" .. التاريخ يحاول تطويع الجغرافيا في "سقف العالم"

"كاتماندو" .. التاريخ يحاول تطويع الجغرافيا في "سقف العالم"
الخميس 23 أبريل 2015 - 06:00

في أغلب الحالات، زوار النيبال، وبخاصة عاصمتها Œ”كاتماندو” ،˜ من خارج القارة الهندية، هم إما من هواة تسلق الجبال أو من عشاق التحليق في الخيال . الجبال باقية، ثمانية من العشرة الأعلى في العالم توجد في النيبال . إنها سقف العالم . أما الخيال فقد أضحى التحليق في غيومه صعب التحقيق ، مع تزايد مخاطر الحصول على Œ”الحشيش˜”، الذي كانت رائحته ووفرته تجذب الآلاف من Œالهبيز˜، في سبيعينيات القرن الماضي.

في تلك السبعينيات، الدولة النيبالية نفسها كانت مخدرة، بأوهام السلطة التي عزلتها عن شعبها . احتاج الأمر لسنوات من ضغوط داخلية وخارجية، لكي تعلن الملكية أنها ديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي . ولأن تلك Œالديمقراطية˜ كانت على قدر كبير من الهشاشة في علاقتها بمكونات الحركة السياسية الشعبية، ستنطلق في البلاد حرب عصابات ضد النظام . حرب دامت عشر سنوات، قادها الحزب الشيوعي ،الماوي. وانتهت بتوقيع اتفاقية سلام بين الحكومة والحركة المتمردة، التي اكتسحت أطراف واسعة من البلاد، وذلك سنة 2006.

بقي من Œالحرب الشعبية˜ تلك، إضافة إلى ما خلفته من دمار ومن قتلى، بقي منها انتزاع الحزب الشيوعي ،الماوي ، لموقع هام في الخارطة السياسية. استطاع به التحريض على إضراب عام سنة 2006 نفسها، أدى إلى تنازل الملك عن عدة صلاحياته، وأدى إلى إعلان النيبال دولة فيدرالية وديمقراطية سنة 2007، وصولا إلى انتخابات سنة 2008 التي أعطت للماويين أكثر من ثلث مقاعد البرلمان، وهو البرلمان الذي سيعلن إسقاط الملكية في نفس السنة.

ومن تلك الحرب الثورية، بقي أيضاً ومع التداعيات السياسية التي نجمت عنها أو تولدت من ذلك المخاض السياسي، بقي نفس يساري يخترق مؤسسات الدولة والمجتمع معاً. نفس يساري متدرج الحدة أو الوضوح، يحرك ردود الفعل Œالغريزية˜، السياسية والنفسية للنخبة المؤطرة للمؤسسات. غير أن ذلك لم يطور الحركة اليسارية للتأقلم مع حاجيات الوضع الانتقالي لبناء الدولة الأخرى الجديدة، والخروج من Œثقافة˜ الوضع الثوري الاعتراضية . جربت الحركة الماوية رئاسة الحكومة لسنتين من 2012 إلى 2014، ولم تستثمرها لا في تقدم البلاد ولا في الحفاظ للحركة على موقعها السياسي. وتسلم رئاسة الحكومة السيد Œ”سويل كويرالا˜” من Œحزب المؤتمر˜ النيبالي ( يسار الوسط ) .

تقدم الدولة النيبالية اليوم حجة أخرى على أن قيادة الثورة وتحطيم الدولة القائمة، هو مجرد Œ”جهاد أصغر”˜. وبناء الدولة الجديدة وقيادة العملية التنموية هو “Œالجهاد الأكبر˜”، كما كان قد نبه إلى ذلك الملك محمد الخامس بعد حصول المغرب على استقلاله .

في النيبال دولة جديدة قيد التشكل، غير أنها منشغلة أكثر بالبعد السياسي لبنائها . وتجتهد في المعالجة السياسية للتعدد الحزبي الضخم ولتعددها الإثني ( أكثر من 60 إثنية ) ولتعددها الديني ( ديانات رئيسية وعشرات هامشية ) ولتعددها اللغوي ( النيبالية هي الرسمية و 40 لغة أخرى تمارس في البلد ) . قاعدة الإرضاءات السياسية أدت إلى أن تتشكل الحكومة من 41 عضو والبرلمان من 601 عضو، لشعب تعداده حوالي ثلاثين مليون نسمة .

البلد مستقر، والدولة تحرص على تحقيق الأمن . ولا جدال في أن قواعد الحياة السياسية الديمقراطية محترمة . حياة برلمانية نشيطة وتتحرك بطاقة تعددية حزبية منضبطة للتناوب الديمقراطي فيما بينها . غير أن Œ”الاستمتاع˜” بذلك وحده لا يساعد على خوض تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية . في بلد يبدو أن إرث التخلف والفقر يثقل خطوه نحو التقدم .

Œكاتماندو˜ وحدها تعبر عن الحجم المهول للخصاص في البنيات التحتية الأولية والأساسية والضرورية في الفضاءات العمرانية المشتركة للساكنة . هي مدينة عشوائية، نموذجية لما يمكن أن يُنتجه ترك المدينة تتسع لوحدها، وتختنق في مرورها وعمرانها، وتنشر نفاياتها في شوارعها العامة، وتصعد يومياً من التلوث في هوائها . حتى أنها تحتل المرتبة الأولى في سلم التلوث عالمياً، وبلا منازع . ويكون من المشروع طرح سؤال. هل هذه عاصمة بلد لديه فائض من الأحزاب الحاملة “Œلأحدث˜” الرؤى اليسارية في العالم؟

تبدو الدولة Œ”غائبة˜” في Œكاتماندو˜ . بينما هي حاضرة في كل ما هو سياسي، فعلا كان أو مؤسسة وحتى في بنيات المجتمع المدني .

Œ”مجلس السلم والتضامن النيبالي˜” وهي جمعية مدنية، والتي نظمت المؤتمر الذي حضرته في Œكاتماندو˜، إحياءا للذكرى الستين لمؤتمر وإعلان Œباندونغ˜ لسنة 1955. رئيس الجمعية السيد “شارما أولي”، هو نائب رئيس الحكومة، ورئيس الحزب الشيوعي الموحد ( مختلف عن الحزب الشيوعي الماوي ) وله 60 نائباً في البرلمان وعشرة وزراء في الحكومة . هو شخص محترم ومتحدث أنيق . وهو مثال على التداخل بين الدولة وهيئات المجتمع المدني . وهو وضع مريح على ما يبدو للجميع سياسياً . وربما ساعد ذلك البلاد، حين تطمئن الدولة إلى استقرارها السياسي، لتدخل غمار تحديات التنمية، على النجاح في تأسيس Œالازدهار˜ الديمقراطي على الازدهار الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يطمح إليه المواطن، في كل وطن قبل وبعد وأثناء الخطاب السياسي، المطمئن والباعث على الحلم والمحرض على الحياة .

رئيس اتحاد الكتاب النيبالي السيد باراكاش . أ . راج ( ستيني العمر )، تحدث معي باللغة الفرنسية، التي تعلمها خلال دراسته في فرنسا، معبراً عن إعجابه بالملك محمد السادس وبالملكية في المغرب وبدورها في قيادة الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية . واضح أنه يتابع الوضع في المغرب باهتمام عن طريق الأنترنيت، وتشجعه لغته الفرنسية على ذلك، كما قال لي . وبعد أن اطمأن إلى أنني أوافقه الرأي . عبر لي عن أسفه، كون آخر ملوك النيبال الملك “كياناندرا˜”، لم يكن مصلحاً وكان فاسداً ولم يفتح الملكية على المطالب التنموية والسياسية للشعب ، مما أدى إلى عزلته، والتي ساعدت على إزاحة الملكية نهائياً وبسهولة .

تمنى الرجل لو استمرت الملكية، العادلة والمصلحة، في النيبال، لضمان استقرار البلاد و لتكون فوق التجاذب السياسي الحكومي والحزبي .

ولو، لا تنفع لا في التاريخ ولا في الجغرافية . كان ما كان في تاريخ النيبال . البلد اليوم يجتاز انتقالاً صعباً، المعادلة فيه هي التوفيق بين التنمية والديمقراطية، وفق الخصوصيات النيبالية … وهي معادلة التقدم.

‫تعليقات الزوار

3
  • ابن سوس المغربي.ملكيتنا؟
    الخميس 23 أبريل 2015 - 07:08

    ونحن في المغرب الملكية ضمان لكياننا الوطني مكون قامت عليه الدولة المغربية التاريخية الملكية هي كياننا ومصير حاضرنا ومستقبلنا وهي نظامنا الوحيد الذي سا يظل تاج فوق رؤوسنا، يبقى أن نسير في ملكية ديمقراطية دستورية دولة العدالة الاجتماعية دولة الحق والقانون دولة فصل السلطات دولة وشعب قوي بديمقراطيته كلنا سواسية أمام القانون لك حقوق وعليك واجبات دولة فيها عدالة اجتماعية فيها علم صحة للجميع فيها قضاء مستقل نزيه فيها شعب قوي بصحته علمه تكوينه صناعته اقتصاده قوي بجيشه ليحمي وطنه أمنه يسود يحمي شعبه، تكافي الفرص الصحة التعليم للجميع ، شعب حضاري نظيف فخور بملكيته المغربية يرفع رأسه بين اﻷمم هذه هي الملكية المغربية التي نريد ونحب ونعشق

  • هشام
    الخميس 23 أبريل 2015 - 08:11

    شعب النيبال اناس متسامحون وخلوقون و بلد جميل و طبيعة خلابة نتمنى لهم كل اﻻزدهار والرقي وبناء بلدهم والنجاح لكل حكومات العرب

  • أبو يوسف
    الخميس 23 أبريل 2015 - 10:19

    إن الوضع في النيبال وتأسف النيباليين على الملكية يبعت على التسائل المشروع التالي:
    ترى لو بقيت الملكية في الدول العربية التي تعيش اليوم في فوضى وتطاحن وتقتيل وتخلف و و و لما كان أحسن لها
    مادا جنت مصر من الإطاحة بالنظام الملكي
    مادا جنت العراق من الإطاحة بالنظام الملكي
    ما دا جنت ليبيا من الإطاحة بالنظام الملكي
    وكدا باقي الجمهوريات " التقدمية الاشتراكية …"
    اليسية الملكيات العربية هي التي تعيش الربيع العربي حقا
    حفض الله ملكنا

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"