​المخزن فكر الشعب ومخيلته

​المخزن فكر الشعب ومخيلته
الأربعاء 16 أبريل 2014 - 12:41

كذب من قال بأن المخزن مات، و أخطأ من يقول اليوم بأن التقدم يمر عبر القضاء على المخزن. فلقد اتضح بأن المخزن هو الشعب و الشعب هو المخزن، فالمخزن من الشعب وإليه.

لم تتفق القوى الحية في المغرب سوى على شيء واحد ألا و هو الملكية. هناك من يريدها “ملكية برلمانية الآن” و هناك من يرى أن من الضروري أن تظل “تنفيذية”، كما هناك من يتلاعب بالكلمات و ينادي ب”ملكية دستورية”… ولكن هناك إجماع عام حول الملكية.

وأما المخزن فهو ضحية الجميع، فهو ذلك المتهم الأبدي الذي تعلق عليه كل الأخطاء تفاديا لغضب الشعب الذي لا يطيق أن تكون الملكية محط نقد لاذع أو محط أدنى اتهام. تلك إرادة الشعب. و الدليل أن بعض المعارضين العارفين بميول الشعب العميق يتوجهون باللوم في اتجاه المخزن كلما اشتد حقدهم على الملكية، في محاولة لضمان حياد الشعب في معركتهم الخفية ضدها، و علما منهم بأن المخزن يسمح بحرية التعبير و لو تم نعته بأقدح النعوت.

وأما الملكية فلعلها علمت أن المخزن هو الشعب، و بالتالي فلا يمكنها أن تعلنها حربا ضروسا عليه، و ذلك لأن الملكية تسعى لإرضاء الشعب لأنها حليفته الوفية التي لا تريد قهره، لأنها في خدمته.

المعادلة: إذا اعتبرنا أن المخزن فكر، فكر الشعب و ذاكرته أو ضميره الذي يحتكم لتراث متراكم عظيم تم خزنه في مخزن مقدس مقفل بإحكام، و إذا قلنا بأن الفساد من المنبع أي من المخزن، و بما أن المخزن من الشعب و إليه، فما و كيف السبيل إلى التغيير؟

يبدو أن “الملكية البرلمانية الآن” شعار لا يستجيب له و لا يتجاوب معه الشعب الذي يخاف من المسؤولية التي ستجعله يستحق تخلفه، لأنه شعب في العمق لا يحب العمل و لا يريد أن يعمل، و إن عمل لا يتقن العمل. فهو شعب يريد أن يظل “مظلوما” متحكم فيه حتى لا يقال بأنه شعب كسول مسؤول عن كسله فهوانه.

وأما المطالبة ب “الملكية الدستورية”، كما جاء في كتاب أحدهم مؤخرا، فهذا مطلب لا يفهمه الشعب الذي يعيش في ظل بلد ملكي له دستور مكتوب. فكيف لأحدهم أن يطالب بتحقيق شيء موجود على أرض الواقع؟ فعبد الإله بنكيران له اختصاصات دستورية يقال بأنه لا يريد تفعيلها كاملة، و لكنه هو المسؤول أمام الشعب الذي سيقرر في شأنه عبر صناديق الاقتراع. فالقرارات تصدر و تطبق في ظل الملكية الدستورية و المسؤول يبقى هو عبد الإله بنكيران الذي انتخبه الشعب. فمهلا، مهلا، إنما تفعيل أو عدم تفعيل الاختصاصات الدستورية يبقى من اختصاص عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المنتخب الذي له واسع النظر في كيفية و توقيت إعمال فصول الدستور، كما له كامل الحرية في الاستقالة أو الاستمرار في وظيفته إلى أن يحين وقت الانتخابات. و سنعلم قريبا إن شاء الله علم اليقين إن كان عبد الإله بنكيران على حق.

لقد اكتفينا من عبقرية العباقرة المتخصصين في علم القانون الدستوري و غيره، فما الملكية الدستورية سوى ملكية تنفيذية تتجنب خرق الدستور و التطاول على اختصاصات رئيس الحكومة. فلا وجود لقرارات غير دستورية لا يعارضها رئيس الحكومة الذي انتخبه الشعب بكل حرية. نعم، بكل حرية، لأن من قاطع الانتخابات قاطع مشروع رئيس الحكومة الذي يقضي بمهادنة المخزن، و بذلك تكون مقاطعة الانتخابات وسيلة للتعبير عن إرادة حرة كما التصويت لحزب من الأحزاب تعبير عن إرادة حرة كذلك، كمثل التصويت ب”نعم” أو “لا” في استفتاء شعبي… و شكرا على انتباهكم أيها الناس. ربح عبد الإله بنكيران رهان الانتخابات فهادن المخزن كما وعد و هو متأكد بأنه على صواب و مطمئن تمام الاطمئنان، و الدليل أن الشعب تفهّم و قبل، مثلا، الزيادة في المحروقات.

تكلم عبد الإله بنكيران حفظه الله عن “العنوسة السياسية”، و رد عليه فتح الله أرسلان حفظه الله، -ما معناه-، بأن الجماعة لا تريد أن تكون جماعة من العبيد تنفذ الأوامر. و لكن، إذا كان المعارضون يعيبون على عبد الإله بنكيران عدم استطاعته تفعيل الدستور دون الجرأة على الاستقالة، فما عليهم سوى إعطاء القدوة بالمشاركة في الانتخابات و الظفر برئاسة الحكومة من أجل تفعيل الدستور أو الاستقالة إن تعذر ذلك، مع شرح الأسباب للشعب بطبيعة الحال. و الله أعلم.

يبدو إذا أن المطالبة بإزالة أو تنحية المخزن من المشهد العام مطلب تجاوزه الزمن، و المطلوب اليوم إذا هو فقط إصلاح المخزن و تطويره. لقد كان، مثلا، مطلب حذف “الطقوس المهينة المشينة” مطلبا ذكيا لأنه كان يهدف إلى الارتقاء بالشعب إلى درجة معتبرة في سلم الكرامة مما كان سيجعل الشعب و الأفراد يتمتعون بثقة في النفس تجعلهم يرفضون الظلم كالرشوة و نهب المال العام في حياتهم اليومية، و التنويه بالنزاهة و النزهاء مع إمكانية مساندتهم دون وجل، مما كان سيجعل المغرب يخطو خطوة هائلة إلى الأمام في ظرف زمني وجيز. ف”الطقوس المهينة المشينة”، مثلا، تجعل الشعب يظن بأن كل ممارسيها يتمتعون بحماية صلبة مهما اقترفوا من فظاعات و رشوة و نهب و تبذير للمال العام، و بأن ثمة المصلحة العامة، كما أن تلك الطقوس، مثلا، تجعل القضاء نفسه غير واثق من نفسه. نعم، المسألة ليست ربما بهذه البساطة، ولكن ما الذي يمنع إذا إلغاء “الطقوس المهينة المشينة”؟ أيها الشرفاء، إذا كان كل كتاب منبوذ لا يتطرق لكذا طقوس، فلعل الأمر يتعلق بغاية في نفس يعقوب…

الثورة تقتضي تحرير الطاقات البشرية من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة، و إذا كان المغاربة لن يقبلوا بالثورة سوى بقيادة الملكية، فما على هذه الأخيرة إلا فك القيود التي تمنع شرفاء البلد من التحرك بحرية تامة من أجل تحقيق الانجازات الضرورية لتقدم المغرب. “الطقوس المهينة المشينة”، مثلا، تجعل المرء يلغي كفاءاته و شخصيته و ذكائه و تضعه في انتظارية قاتلة لا تمكنه من الابتكار و الإبداع و التألق، فيظل المغرب بالتالي مبتورا من نصفه الأفضل فلا يستطيع التقدم. بجملة واحدة، إلغاء “الطقوس المهينة المشينة”، مثلا، كإشارة صارخة ستجعل كل الجهود تتضافر حقيقة من أجل مغرب أفضل كيفما كانت نوعية الملكية، دستورية أو برلمانية أو تنفيذية… فالقضية قضية سيكولوجية عامة بامتياز، تلك ربما التي قصدها، و الله أعلم، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة في أول تصريح له فور فوزه في الانتخابات عبر قناة وطنية.

يمكن تبسيط الأمور. هل يمكن تعيين رجل كفء معطاء شريف مخلص يبدي رأيا، مثلا، بضرورة إلغاء “الطقوس المهينة المشينة” و لو في منصب بسيط نسبيا؟ لا أكيد. فرمزية تلك الطقوس، مثلا، تجعل العمل النزيه حقيقة غير ممكن. فمن يتجرأ على تعيين مناهض ” للطقوس المهينة المشينة” في منصب يلائم كفاءاته و نزاهته؟ لا أحد، أكيد. و في ظل هذا الوضع سيستمر القول بأن لا مكان للنزهاء وسط المخزن و بالتالي لا يمكن للمخزن أن يكون نزيها، و بما أن المخزن لا مفر منه لأنه من الشعب و إليه فالمغرب سيظل متأخرا عن الركب الحضاري.

ولكن إذا كان الشعب يأتمر بأوامر المخزن فلأنه لا يجد من ممثل له أفضل منه، لأن الشعب يرى بأن المخزن هو الضامن الحقيقي لاستمرار الملكية وحفظها من كل سوء، والشعب متشبث بالملكية.

المغرب في حاجة إلى ثورة. و الملكية مطالبة بقيادتها. فعوض انتظار التغيير العميق في دواليب المخزن بتطوع منه، يمكن للملكية ربما أن تتفاوض معه من أجل إفساح المجال للكفاءات النزيهة المقيدة أو التي يهمشها المخزن فلا تستطيع خدمة الوطن بما فيه خير للبلاد و العباد.

خلاصة: المخزن هو الشعب و الشعب هو المخزن. المخزن هو فكر الشعب و مخيلته. لا يمكن إلغاء فكر منغلق و تعويضه بآخر بين ليلة و ضحاها لأن الفكر يتعلق بالوجدان. ولكن يمكن للفكر المنغلق أن يتحسن شريطة إلغاء بعض الصور القاتمة من المشهد العام التي تجعل الفكر منغلقا متخلفا لا يستطيع الانفتاح على الأحسن فالأفضل. فمعلوم و لا شك أن الصور الرديئة القاتمة و المهينة المشينة، بصفة عامة، تظل مسؤولة بشكل كبير على الانغلاق الفكري الذي يؤبد التخلف.

‫تعليقات الزوار

3
  • تعزية
    الأربعاء 16 أبريل 2014 - 21:52

    يدي هذه رهنٌ بـما يدعـي فمـي لأن لم يُحكِم عقله الشعب يندمِ

    ولو فتشوا قلبي رأوا في صميمه حشاشةَ هـــــذا العالـم المتألم

    الرجلُ ذاك استبدل بمناصبته العداءَ للسلطات موقفاً أميل إلى المرونة والتطفيف في ادانته لذويها في افتتاحياته اليومية رعياً ومداراة للظرف والمناسبة ولبضعة أيام ، عدا جريدة الأهالي بدعوى أن هيئة تحريرها تعتصم بعدم الاكتراث ولا تنجرف مع أي طارئ وعابر من الحوادث اليومية ولا تنقاد بوحيه ، وحسبها أنها نشرت كلمة تعزية وكفى ! .

  • marrueccos
    الأربعاء 16 أبريل 2014 - 22:54

    يستهدفون الشق الديني ليطل علينا غدا المتربصون بعقيدة المغاربة ليعلنوا أنهم وكلاء الله على عباده ! للمصباح جناح دعوي ! العدليون لا يعرفون أين تنتهي السياسة وأين يبتدئ الدين ! الشيعة عندنا تقية كما السلفيين ! أصبح الدين مشينا ! البيعة من الدين وليس الدولة الحديثة ! لم أرى المغاربة في إحتفالات تدشين مشروع إجتماعي أو إقتصادي يقومون بفعل ( مشين ) !!! ينتقص من شخصيتهم ! ولا أرى الكاثوليك يقومون بفعل مشين وهم ينحنون ويقبلون يد زعامتهم الروحية البابا إحتراما ولو كانوا رؤساء دول عظمى والله أعلم نفس الشيء مع عاهلة بريطانيا وهي راعية البروتيستان ولا تعد إحتفالات لم أرى المغاربة في إحتفالات تدشين مشروع إجتماعي أو إقتصادي يقومون بفعل ( مشين ) !!! ينتقص من شخصيتهم ! ولا أرى الكاثوليك يقومون بفعل مشين وهم ينحنون ويقبلون يد زعامتهم الروحية البابا إحتراما ولو كانوا رؤساء دول عظمى والله أعلم !!! نفس الشيء مع عاهلة بريطانيا وهي راعية البروتيستان ولا تعد إحتفالاتها بعيد عرشها مشينة مع العلم أنها عطلا رسمية مؤدى عنها ! صحيح البعض يبالغ في الإنحناء غير مدرك بمعنى الحفل فيبالغ في المظهر !!!!

  • ردا على صاحب التعليق رقم 1
    الخميس 17 أبريل 2014 - 00:21

    مداخلة صاحب التعليق رقم1 لا شك و أنها لشاعر كبير… ولكن نظرا لفهمي البسيط فلم أفهم شيئا. فهل من توضيح؟

    أما المقال فلقد فهمته. إنه واضح.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة